أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - من أجل أن نترك وراءنا مظاهر الاستبداد والعنف والقسوة في السلوك اليومي للإنسان (الذكر) العراقي!















المزيد.....



من أجل أن نترك وراءنا مظاهر الاستبداد والعنف والقسوة في السلوك اليومي للإنسان (الذكر) العراقي!


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 545 - 2003 / 7 / 27 - 04:43
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



 

المدخل 
تشير كثرة من الدراسات التي تبحث في شؤون العراق الحديث, كما يتناقل بنات وأبناء الشعب العراقي في الداخل والخارج, إضافة إلى ترديد كثرة من الأوساط في البلدان العربية والدول المجاورة وعلى الصعيد الدولي, أحكاماً مسبقة وقاطعةً لا يراد الحوار بشأنها تؤكد الموضوعة التالية:
يتميز الشعب العراقي عموماً بالقسوة والشراسة والتطرف والعنف في التعامل في ما بينه ومع الآخرين. وأن هذه الميزة ثابتة لديه منذ القدم, وهي ما تزال قائمة وتتجلى في أفعال الفرد والمجتمع إزاء الأحداث التي يمر بها وردود فعله نحوها وطريقة تعامله معها. وهي تتجلى لا في الممارسة اليومية فحسب, بل وفي التشريعات التي عرفها العراق القديم حتى يومنا هذا, وخاصة تلك القوانين العقابية التي تنص على أحكام وعقوبات قاسية جداً بحق المخالفين والجناة لا تتناسب مع المخالفات التي قاموا بها والجنايات التي ارتكبوها. وتدخل ضمن تلك العقوبات مختلف الإهانات والإساءات أو أشكال التعذيب الجسدي والنفسي وأساليب القتل والتمثيل بالقتيل واضطهاد أفراد عائلته. وتشير أيضاً إلى جرائم القتل التي ارتكبت على مدى تاريخ العراق القديم والإسلامي والحديث, ومنها المذابح التي نظمها القادة العسكريون أثناء الفتح الإسلامي الأول ومن ثم الأمويون والعباسيون والمغول والدويلات التي نشأت بعد المغول حتى الاحتلال العثماني للعراق, ثم العثمانيون والمماليك وقوات الاحتلال البريطانية والحكم الملكي والحكم الجمهوري, بما فيها وقائع السحل التي حصلت في بغداد في أعقاب ثورة تموز عام 1958, أو أعمال أخرى للقتل والسحل في مدن عراقية أخرى لاحقاً مثل الموصل وكركوك, إضافة إلى ما جرى ويجري في العراق منذ سنوات من قتل وتذبيح للسكان الأبرياء في كردستان العراق, وبشكل خاص مذابح عمليات الأنفال واستخدام الأسلحة الكيميائية في حلبجة, أو عمليات الإعدام الواسعة والجماعية لقوى المعارضة العراقية من مختلف التيارات الفكرية والسياسية في السجون والمعتقلات العراقية خلال السنوات التي أعقبت انقلاب شباط/فبراير عام 1963 حتى الوقت الحاضر, أو القتل الواسع النطاق الذي قامت به أجهزة الحكم الأمنية والقوات الخاصة ضد المنتفضين في الوسط والجنوب وفي كردستان العراق في ربيع عام 1991, وإجبار مئات ألآلاف من المواطنين الأكراد على المسيرة المليونية إلى تركيا وإيران هروباً من بطش النظام الصدامي ودمويته, أو ملاحقة عشرات ألاف الهاربين بعد الانتفاضة من الوسط والجنوب إلى السعودية, على سبيل المثال لا الحصر. يضاف إلى ذلك جرائم القتل والتعذيب أثناء عمليات التطهير العنصري ضد الأكراد الفيلية وعرب وسط وجنوب العراق, باعتبارهم من أصل إيراني أو تبعية إيرانية. كما تشير إلى واقع أن القسم الأعظم من ملوك وحكام وادي الرافدين قتلوا بصيغ شتى, ونادراً من مات منهم موتاً طبيعياً.     
لا شك في أن هذه الموضوعة تتضمن بعض الحقيقة التي تستند إلى وقائع تاريخية ثابتة تشير إلى ظواهر القسوة والعنف والتطرف, وخاصة في صفوف الحكام والملوك والرؤساء أو رؤساء العشائر والقبائل المختلفة, لا يجوز نكرانها. ولكن هذه الموضوعة تتضمن في الوقت نفسه أحكاماً قاطعةً على شعب بأكمله لا يمكن قبولها كما هي, بل يفترض مناقشتها والتحري عن العوامل الكامنة وراء ظهورها أو الأسباب المحركة لها. وتشير الكثير من الدلائل إلى أن الغالبية العظمى من الذكور في العراق أصبحت تؤمن بهذه الأحكام وكأنها حقيقة ثابتة وترددها دون انقطاع وتنعكس في كتاباتها ونقاشاتها, سواء تم ذلك عن وعي أو دون وعي منها بما تنطوي عليه هذه الأحكام وما تحمله من مضامين وعواقب. وهي تحرم المجتمع من التحري عن الأسباب من جهة, وسبل معالجتها من جهة أخرى, إذ أن البعض الكثير لا يعتقد بإمكانية معالجة هذه الظاهرة أصلاً. ويبدو أن هذا البعض الكثير يقرر سلفاُ, أو يعطي الانطباع على الأقل, وكأن العراقيين, نساء ورجالا, حالما يولدون يحملون معهم "وراثياً" جينات القسوة والشراسة والتطرف والعنف والسادية, وأنهم بسبب ذلك غير قادرين على الخلاص منها واستبدالها بجينات الرحمة والهدوء والاعتدال والدفء وعدم التطرف في التعامل في ما بينهم ومع الآخرين. إنه قدر العراقيين الحتمي الذي لا فكاك ولا خلاص منه. وليس سهلاً خوض الحوار بهذا الصدد مع هذا البعض الذي تكرست عنده قناعات بفحوى هذه الموضوعة, إذ أن إزاحة الأحكام المسبقة صعبة للغاية ولكنها مع ذلك غير مستحيلة. فالوقائع الجارية في العراق لا تساعد على خوض حوار عميق وشامل وموضوعي حول هذه الأفكار ومحاولة التحري عن الأساس المادي للظواهر الثابتة منذ قرون كثيرة حتى الآن في السلوك العام لسكان العراق. فالنظام العراقي مارس الاستبداد والإرهاب والعنف والقسوة, كما دفع بالناس إلى ممارسته أيضاً لمواجهة قمعه المتواصل منذ ما يزيد عن ثلاثة عقود ونصف العقد حتى سقوطه في التاسع من نيسان/أبريل عام 2003. ولكننا, وكما أرى, بحاجة ماسة ودون أدنى ريب إلى خوض نقاش علمي وجاد ومتواصل حول هذا الواقع الثابت أو المظاهر الفعلية للقسوة والقمع والعنف في السلوك العام في حياتنا نحن بنات وأبناء العراق, إذ بدون ذلك يصعب علينا التخلص من هذه الظواهر ومن الأساس المادي الذي نمت وتطورت عليه, وأصبحت وكأنها جزءاً من السلوكية والشخصية العراقية. كما يمكن أن يشارك في أبحاث متخصصة علماء في علوم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد والتاريخ من بلدان عربية وغير عربية لمساعدتنا في فهم هذه الظواهر ومعالجتها. وتتوفر اليوم, وبعد سقوط النظام الدكتاتوري, فرصة فريدة لإجراء دراسات علمية تطبيقية حول إشكاليات القسوة والعنف والاستبداد في العراق من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتاريخية, إضافة إلى الجوانب الفكرية والنفسية والعصبية, والتعاون مع مؤسسات البحث في العديد من الدول المتقدمة في مثل هذه البحوث للتعرف الدقيق على العوامل الكامنة وراء هذه الظواهر وسبل التعامل معها ومعالجتها. وكما هو معروف فأن عدداً غير قليل من العراقيين المقيمين في بلدان أخرى والعاملين في مجالات البحث العلمي الاجتماعي والنفسي والسياسي, وهم على بينة من أوضاع العراق, يمتلكون القدرة على دراسة ومناقشة هذه المشكلة بأبعادها المختلفة. وما نحتاجه في مثل هذه الأبحاث هو الشعور بالمسؤولية إزاء الشعب العراقي والموضوعية والصراحة والجرأة في البحث والاستناد إلى الدراسات العلمية, بما فيها الدراسات الانثربولوجية, وإلى الوقائع الفعلية لمعرفة سلوك الإنسان عموماً والعراقي خصوصاً في بدايات وجوده على أرض الرافدين, أو ما هو متوفر عنه حتى الآن في ضوء نتائج التنقيبات الجارية منذ عقود طويلة في العراق. إنها مهمة كبيرة ويأمل الإنسان أن يشارك المزيد من الباحثين, عراقيون وغير عراقيين للوصول إلى ما يساعد على تقليص وإزالة تلك الظواهر السلبية المكتسبة التي ما نزال نجدها في سلوكنا نحن العراقيين, أو بتعبير أدق في سلوك الغالبية العظمى من العراقيين, وخاصة الرجال منهم, سواء كنا في داخل الوطن أم خارجه. إنها مسؤولية الجميع, وخاصة القادرين منهم على البحث العلمي, وكذلك الأحزاب والقوى السياسية والتنظيمات الاجتماعية والمهنية. وأهمية هذه الدراسة لا تقتصر على المرحلة الحاضرة التي نمر بها اليوم, على أهميتها وتعقيداتها وحساسيتها فحسب, بل لصالح مستقبل أجيال العراقيات والعراقيين القادمة التي يفترض أن تتخلص تدريجاً من جملة الظواهر التي نتحدث عنها ونبحث فيها. في كتابي الموسوم "ساعة الحقيقة: مستقبل العراق بين النظام والمعارضة", الذي أصدرته في عام 1995, أشرت فيه بوضوح إلى أن في تربية وسلوكية كل إنسان (رجل) عراقي شيء من شخصية أو استبداد صدام حسين". وهذه الحقيقة لا تعني بأي حال أن لنا جينات مشتركة, وبالتالي, نحن نشترك جميعاً في امتلاكنا لجينات للاستبداد والقسوة والعنف والقمع في بنيتنا البايولوجية, بل يعني تماماً أن تربيتنا الذكورية على مدى قرون وقرون كانت وما تزال تسير على نمط واحد في البيوت والمدارس والأسواق والجوامع والمجتمع وفي العلاقة مع الدولة, ثم عمقت ونقلت من جيل إلى جيل ثقافة الاستبداد والعنف والقسوة.    
ويفترض البحث في مثل هذه الإشكالية امتلاك الجرأة على طرح أسئلة مطلوبة على أنفسنا والتحري عن إجابات واقعية وموضوعية وصريحة "لما جرى ويجري في العراق منذ ألاف السنين حتى الوقت الحاضر التي تدخل ضمن أفعال الاستبداد والقسوة والقمع والعنف, بما فيها عمليات القتل الفردي والجماعي وتدمير حياة الإنسان وبيئته وحضارته ومقومات وجوده وتطوره, ثم التحري عن مستلزمات تغيير هذا الواقع لصالح الإنسان ذاته والمجتمع العراقي والمجتمعات المحيطة به. كما لا بد من تتبع الحضارات التي ساهم بها العراقيون على مرّ التاريخ, بما فيها فترات  الانقطاع الحضاري والأسباب الكامنة وراء وقوعها. أي التعرف على أسباب تلك السلوكيات المتعارضة والتصرفات المتناقضة, تلك الازدواجية الملموسة في الشخصية العراقية التي تتجلى في حياة الناس اليومية: البناء والتدمير, الإنجاب والقتل, تعليم النطق والكلام والإسكات التعسفي أو تخريس الإنسان, الحب الجارف والكراهية المتطرفة, الجبن والشجاعة, الخوف والجسارة, الحزن القاتل والفرح الهائج, التشاؤم المفرط والتفاؤل السرابي. ومثل هذه الدراسات تحتاج إلى عناية خاصة وبحث متواصل وعدم التسرع في إصدار أحكام مضادة أو التسرع في رفض أحكام صادرة أصلاً بشأن طبيعة العراقيين وتكوينهم البايولوجي أو بنيتهم الاجتماعية والنفسية. أي أن علينا أن نضع كل ذلك على طاولة الفحص والتدقيق بروحية نقدية والرغبة الحقيقية في الوصول إلى معرفة واقعية للإنسان العراقي في تطوره عبر ألاف السنين. وعند دراسة هذه الظاهرة في المجتمع العراقي يفترض أن تبحث على أساس المقارنة مع الشعوب المجاورة ومع شعوب أخرى في العالم لمعرفة ما إذا كانت تعاني من ذات الظاهرة وأسبابها, أو وجود تمايز معها على أن تؤخذ طبيعة المرحلة التي يمر بها كل شعب ومستوى تطوره الحضاري وعلاقات الإنتاج السائدة فيه ومستوى تطور وعيه الاجتماعي بنظر الاعتبار. ولا يمكن للدراسات الفردية إلا أن تطرح المشكلة إلا بقدر محدود, في حين تتوفر للمعاهد العلمية إمكانية تشكيل فرق دراسية متعددة الاختصاصات للتعمق والتوسع في دراسة المشكلة بمختلف جوانبها. ويأمل الإنسان أن تكون المحاولات الفردية, التي تنوعت وتعددت في الآونة الأخيرة, بداية محركة صوب حوارات جديدة ودراسات فرقية لاحقة من قبل معاهد علمية متخصصة. 
 
الأساس المادي للقسوة والتعذيب والتمييز في المجتمع

أصدر بعض الكتاب العراقيين وفي فترات مختلفة عدداً من الكتب المهمة والقيمة التي تبحث في موضوع القسوة والتعذيب والعنف والاستبداد في العراق أو في المجتمع الإسلامي عموماً والعراق خصوصاً. وإذا كان بعضهم استعرض بشكل موسع ومتعدد الجوانب مختلف أنواع القسوة والتعذيب والاستبداد ومعاناة الإنسان, وبذل جهداً كبيراً في جمع وتصنيف وتدقيق الكثير من المعلومات المتناثرة في عدد كبير من الكتب خلال القرون المنصرمة, كما في الكتاب الطليعي المتميز الذي أصدره الباحث الأستاذ عبود الشالجي الموسوم "موسوعة العذاب" بأجزائه السبعة, فأن كتاباً آخرين سعوا ضمن محاولة جادة إلى استعرض (أو) وتحليل العوامل الكامنة وراء بروز ظاهرة القسوة والتعذيب والاغتيال في الإسلام, كما في أبحاث الكاتب هادي العلوي, أو كتاب السيد باقر ياسين الموسوم "تاريخ العنف الدموي في العراق"  , أو "ثقافة العنف في العراق" للكاتب سلام عبود, أو كراس "تشريح الاستبداد, النظام العراقي نموذجاً" للكاتب إسماعيل شاكر الرفاعي, أو في كتابي السيد كنعان مكية الموسومين "الصمت والقسوة" و "جمهورية الرعب", إضافة إلى أبحاث الأستاذ الدكتور علي الوردي الخاصة بالمجتمع العراقي, ومنها دراسته ل "شخصية الفرد العراقي", وكتاب "وعاظ السلاطين", والمجلدات الستة مع الملحق الغزير بالمعلومات والتحليلات والموسوم "لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث". كما صدرت مجموعة أخرى من الكتب المهمة الأخرى التي سجلت ممارسات الإرهاب والقمع في العراق قبل وبعد ثورة تموز عام 1958 التي في مقدورها إنارة الطريق للبحث في هذا الموضوع المهم. ولا شك في أن سقوط النظام الاستبدادي سيوفر إمكانية كبيرة لدراسة تفصيلية عن حالات وأساليب القسوة في العراق من الناحيتين النظرية والعملية. ويفترض هنا أن نستعين بفهم الحالة بدراسة أوضاع الجلادين قبل تحولهم إلى جلادين وبعد سقوط النظام والتحولات الجارية في سلوكهم, ثم أوضاع الضحايا قبل وأثناء وبعد التعرض للقسوة بمختلف أشكالها وسبل تعامل المجتمع معهم وسير حياتهم والأحلام أو الكوابيس التي يتعرضون لها, ومدى فهمهم للعوامل الكامنة وراء تعرضهم لضروب من ممارسات القسوة في ظل دولة استبدادية مطلقة.    
يعتبر كتاب السيد باقر ياسين محاولة جادة وجهداً طيباً لاستعراض واقع القسوة وعمليات التعذيب على امتداد فترة زمنية طويلة من تاريخ العراق من جهة, ودراسة العوامل الكامنة وراء بروز هذه الظاهرة في العراق من جهة أخرى, وأجرى مقارنة للتناقض القائم أو للمفارقة الفعلية بين شدة وسعة وعمق وشراسة العنف ودمويته في العراق من جانب, والحضارة الشامخة التي بناها شعب العراق على مر العصور, وخاصة في العصر البابلي, من جانب آخر, فكتب يقول: "إننا لا نريد ولا نرضى الإساءة لبلادنا العريقة - وادي الرافدين الخالد - لكننا نسعى بالتأكيد للتفتيش عن مجموع الدوافع الغريبة التي تقف وراء الأنماط من السلوك المتصف بالعنف الفائق والقسوة البالغة والتطرف والشدة والقهر والميل شبه الدائم نحو سفك الدماء والأعمال اللاإنسانية والنزوع العدواني في فرض الموت القسري على الإنسان في هذه البلاد منذ أكثر من خمسة آلاف سنة والذي ما زالت فصوله المخزية تدور دون توقف حتى يومنا هذا…" . ثم يواصل قوله مؤكداً ما يلي: "إننا لا نريد أن نبرهن هنا على وجود العنف الدموي والقسوة في حياة العراق ومسيرته التاريخية فحسب, بل نريد البرهنة إضافة إلى ذلك على وجود التطرف والمبالغة في تنفيذ العنف والقسوة والدموية, وسنحاول أن نثبت ذلك بالشواهد والوقائع والأحداث المستمدة من التاريخ العراقي لتسليط الضوء على هذا الموضوع وتشخيص بعض الجوانب المتميزة في طبيعة السلوك الاجتماعي لسكان هذه البلاد /الحكام والرعية/ ورصد مظاهر العنف والدموية كنزعة سيكولوجية ثابتة في حياة المجتمع العراقي" . ثم أورد الكاتب سلسلة مرعبة من أحداث العنف والقسوة التي عاشها العراق على امتداد أكثر من خمسة ألاف سنة, إلى جانب العلوم والتقنيات التي اكتشفها أو اخترعها وساهم بها العراق في بناء حضارة الإنسان. ويورد كثرة من الشواهد على ذلك. ثم يكتب محللا ظاهرة العنف والقسوة على النحو الآتي: "إن التحليل المنطقي لهذه الظاهرة والأكثر انطباقاً على الواقع هو ما ينسجم مع منهج بحثنا ووجهة نظرنا عن شيوع العنف الدموي في العراق والتصاقه بتاريخ هذه البلاد على نحو استثنائي غير طبيعي, وإن مناخ العنف السائد في العراق باعتباره الميزة المستديمة لطبائع الأقوام والقبائل والناس إضافة إلى شيوع السلوك المتسم بالقسوة والشراسة والنفور والطباع الحادة وسيادة الأعراف البدوية والتقاليد القبلية الصارمة ذات النزوع الدائم للتمرد والثأر والعنف والتحدي الدموي والذاتية وقوة الشكيمة والعناد لدى سكان البلاد ربما كانت هي العوامل والأسباب التي دفعت خالد لتلك التصرفات الدموية الشرسة والتشدد البالغ في العنف والإجراءات المتصفة بالقسوة والصرامة مع أهل العراق كي يستطيع فرض سيطرته على الموقف" . ثم يقارن بين ما جرى في العراق وما جرى في بلاد الشام فيقول: "بينما كان غياب تلك العوامل والأسباب وانتفاء وجودها في الشام ربما هو السبب الذي أضفى على شخصية خالد الصارمة تلك الأبعاد الإنسانية من الليونة والمرونة والتسامح والصبغة السلمية التفاوضية التي اتسم بها سلوكه ومواقفه وتصرفاته خلال تنفيذ مهماته العسكرية في بلاد الشام" . ثم يواصل قوله مستنتجاً ما يلي: "أما إذا لم تكن تلك الأسباب هي الباعث لهذه الظاهرة فإن التفسير الوحيد لذلك التباين في حجم المعارك واتساعها ودمويتها بين العراق والشام هو أن يكون العنف الدموي القدر الإلزامي الذي يتوجب أن يلازم بلاد الرافدين وسكانها في كل الحقب والعصور" . وفي فقرة "تطبع المجتمع العراقي بالجدية والتذمر والحزن الدائم" يخلص باقر ياسين إلى القول: "كان من نتائج وانعكاسات تطبيق منهج العنف الدموي لفترات زمنية طويلة في تاريخ العراق, شيوع وانتشار بعض الطباع والعادات والسجايا الأخلاقية والسلوكية التي أصبحت, بمرور الزمن, جزءاً من معالم وسمات المجتمع العراقي بعد أن طبعت بطابعها سلوك الفرد العراقي وحددت بدرجة كبيرة تصرفاته وميوله الشخصية بصورة عامة" . والطباع هنا لا تعني التقاليد والعادات, إذ أنه يشير إلى العادات بعد الطباع مباشرة. فهل يعني في ذلك أنها غريزة من غرائز الإنسان أي أنها جزء من البنية البايولوجية للإنسان العراقي؟ وهل العنف هو حقاً من طبيعة الإنسان عموماً والعراقي خصوصاً, أم أن العنف والقسوة من جهة, والسلم والرحمة أو الرأفة من جهة أخرى, هما من السلوكيات المكتسبة عند الإنسان؟ ومما رفع من درجة الشك في هذا التصور محاولة السيد باقر ياسين اعتبار ذلك النزعة وكأنها سيكولوجية ثابتة وموروثة في حياة المجتمع العراقي. إن مجرى البحث يعطي للقارئ انطباعين في آن, فهي مرة ظاهرة ملازمة لا باعتبارها مكتسبة, ومرة أخرى باعتبارها ظاهرة مكتسبة عبر السلوكية العامة للحكام والمجتمع العراقي في آن. وفي موقع آخر من الكتاب يذكر الكاتب في الفقرة الأولى من الفصل الأول وتحت عنوان: بلاد الرافدين: تاريخ عريق يبدأ بالعنف التصادمي, يقول الباحث ما يلي: "ليس غريباً أن يبدو التاريخ العراقي أمامنا غارقاً بأحداث العنف الدموي عندما نكتشف أن بدايات هذا التاريخ تتحدث للبشرية منذ بدء الخليقة عن قصص الصراع المتواصل القائم على العنف التصادمي بين الإرادات المتناقضة للآلهة المتعددة الأسماء التي عبدتها وخضعت لها الأقوام والحضارات التي قامت في وادي الرافدين منذ الألف الرابع قبل الميلاد, تلك القصص التي أبدعتها وصاغتها التجربة الأولى للعقل البشري والمتمثلة بالأساطير الملحمية لشعوب سومر وبابل وأشور" . ولكن علينا أن لا ننسى بأن تاريخ العراق أو أن وجود الإنسان في العراق قد سبق هذا التاريخ بآلاف كثيرة أخرى من السنين, إذ لم يكن الوضع فيه على شاكلة العهد السومري أو حتى على شاكلة سكان تل العبيد قبل ذاك. إذ أن هاتين الحضارتين متقدمتان كثيراً بالقياس إلى حضارات أخرى في العراق سبقت حضارة تل العبيد وحضارة سومر. فالتنقيبات في المناطق المجاورة أو تلك التي أجريت في كردستان وشمال العراق عموماً تؤكد وجود الإنسان منذ ألاف السنين كما تشير إلى حياة وعلاقات تختلف عن حياة وعلاقات العهد السومري, وبالتالي فأن تاريخ سكان وادي الرافدين هو أقدم بكثير من العهد السومري, أي أنه لم يبدأ بالعنف الذي تميزت به عهود سومر وبابل وأشور, وهي تعبر عن حضارة جديدة تحققت في الثورة الثانية عملياً, أي حضارة دويلات المدن التي تختلف إلى حدود كبيرة عن حضارة عهد الصيد وجمع الثمار وحضارة الرعي والزراعة. إذ أن الحضارة الأولى وجزء مهماً من الحضارة الثانية, رغم تشابك الأخيرة مع حضارة دويلات المدن والدولة المركزية فيما بعد, تميزتا بعلاقات وسلوكية وسمات اجتماعية تختلف عن العلاقات والسلوكية الاجتماعية التي تشكلت في المدن ودويلات المدن في الحضارة السومرية والبابلية والآشورية, باعتبارها حضارة ارتبطت بوجود دولة وتملك خاص وفائض إنتاج وتنامي دور الدين والحياة المؤسسية للمجتمع والتي اعتمدت على وضع وتنفيذ القوانين والشرائع المختلفة.       
والآن, كيف نفهم مضمون مثل هذه الموضوعات والآراء وبعض الأحكام التي تتضمنها إزاء الفرد في العراق, وبالتالي إزاء المجتمع أو الشعب في العراق؟ وما مقدار الحقيقة التي تحملها هذه الآراء والأحكام؟ وكيف يفترض أن نتعامل مع الحكم الرئيسي الشائع والقائل: الفرد العراقي عنيف ومتطرف بالطبع, أو أنه يحمل جرثومة العنف منذ الولادة؟ وما هي العوامل التي تسببت في انتشار مثل هذه المقولات؟ وكيف يمكن تجاوز هذا الأحكام؟ أو كيف يمكن التعامل معها؟ وكيف يمكن الخلاص منها؟
من أجل أن تكون الإجابة واضحة وموضوعية لا بد لنا من متابعة بعض النتائج الأساسية التي توصلت إليها الدراسات التي أنجزت في مجال الأنثربولوجيا حول الكثير من الجماعات البشرية التي تسمى بدائية لمعرفة مدى وجود جملة من ظواهر العنف والقسوة والعدوانية في السلوك الإنساني عند تلك الجماعات, وتلك الدراسات الاجتماعية التي استفادت منها لطرح استنتاجها بهذا الصدد.
كانت هناك مجموعة من الباحثين تؤكد في دراساتها "أن الإنسان ورث من أسلافه الحيوانات التي تطور عنها تلك الظواهر الغريزية, وهي بالتالي تشكل جزء من طبيعة الإنسان تبدأ بولادته وترافقه طيلة حياته, أو أن القسوة والهدم هما جزء من طبيعة كثرة من البشر والتي لا يمكن تغييرها. فقد كتب الباحث وشبورن Washburn بهذا الصدد يقول: يمتلك الإنسان نفسية أكلي اللحوم. وإذ يكون من السهل تعليم الإنسان على القتل, فأن من الصعب تطوير تلك العادات التي تتجنب القتل لديه. كثرة من البشر تجد لذة في رؤية إنسان يتعذب, أو أنها تفرح عند قتل الحيوانات. فالتأديب والتعذيب على رؤوس الأشهاد يمارس بشكل اعتيادي في الكثير من الثقافات" . ويرى وشبورن أن القتل والقسوة هما مظهران مرتبطان بنفسية أو ناشئان عن نفسية الصياد. إذ أنه يكتب قائلاً: "يشعر الإنسان بالفرح عندما يصطاد حيوانات أخرى. وإذا لم تجر عملية تربية متأنية لتخليصه من هذه الغريزة الطبيعية عند الإنسان, سيجد الإنسان سعادة في الصيد والقتل. في مجتمعات بمثل هذه الثقافات يجعل المرء من التعذيب والمعاناة عرضاً عاماً للمتعة الشعبية" . ويرجع هذا الأمر إلى  ثلاثة عوامل هي: الصيد بمثابة رياضة عند الصياد (القتل بمثابة رياضة صيد), وسرعة تعلم وممارسة الأطفال لألعاب الحرب, والموقف من الغريب عن هذه الجماعة البشرية أو تلك . ولا تصمد العوامل التي يعرضها وشبورن لتأكيد موضوعته عن السعادة في القتل عند الصياد في تلك الحقب التي كان الإنسان البدائي يعتمدها في التخلص من الحيوانات التي تؤذي مزروعاته أو للحصول على غذائه اليومي أما النقاش العلمي. فالطفل مثلاً يمكن أن يتعلم كل شيء بسهولة كبيرة, ويجد لذة في التعلم, رغم احتمال بروز اختلافات بين رغبات هذا الطفل أو ذاك إزاء مختلف الألعاب. إذ أن تعليم ألعاب الحرب للأطفال يمكن أن تقابلها تعليم مسائل أخرى ذات وجهة رياضية وسلمية وتكون محبوبة ومقبولة عند الأطفال أيضاً. ولم يكن موقف الإنسان البدائي بالضرورة عدوانياً إزاء الغريب من الناس, إذ أن جماعات بشرية عاشت جنباً إلى جنب وبسلام, رغم تباينهما من حيث المجموعة البشرية التي يعودون لها, وهو ما أمكن التدليل عليه عند الإنسان البدائي. ولكن هناك البعض الذي لا يرتاح للغريب, وهي إشكالية مرتبطة بتجربة الإنسان ذاته وفق الظروف والشروط الملموسة التي كان يعيش في ظلها.
وتوجد في الوقت نفسه مجموعة من الآراء الأخرى التي ترى بأن تلك الظواهر ناتجة عن الشروط التي يعيش فيها الإنسان والظروف الملموسة التي يمر بها والتي تساهم في تكوين سلوكه وعاداته وتقاليده أو مجمل شخصيته. وهي التي دلل عليها أريش فروم مستنداً في ذلك إلى عدد من البحوث والباحثين في القضايا الأنثربولوجية, مثل لوغلين Laughlin, W. S.  ومومفورد Mumford, L. . فالدراسات الأنثربولوجية تؤكد موضوعة أساسية سجلها لنا أريك فروم Erich Fromm في كتابه المعروف عن نظرية العدوانية, حين كتب يقول:
"لا يمكن شرح روح الهدم والقسوة عند الإنسان على أنها من مخلفات ميراثه الحيواني أو من غريزة الهدم, بل ينبغي إرجاعها إلى تلك العوامل التي يتميز بها الإنسان عن سلفه الحيوان" . ثم يواصل قوله "إن المشكلة تكمن في أن التحري يفترض أن يتجه نحو: إلى أي مدى وإلى أي درجة تكون مسؤولية الشروط الملموسة التي يعيش فيها الإنسان عن نوعية وشدة رغبة الإنسان واندفاعه إلى القتل والتعذيب" .
إن استخلاص هذه الموضوعة الأساسية جاءت بعد دراسات واسعة أجريت على عدد كبير من الجماعات البشرية (30 جماعة) التي دعيت بالبدائية والتي تشبه في أسلوب حياتها ومعيشتها وظروف نشاطها الإنساني حياة الإنسان الأول الذي كان يعيش على الصيد وجمع الثمار وفي مرحلة التحول النسبي صوب الزراعة والرعي. وخلص البحث بتلك الموضوعة التي أشرنا إليها في أعلاه.
ولكنه لاحظ أيضاً بأن تغيرات طرأت على سلوكية القبائل عندما بدأت تتحول من حياة الريف إلى حياة المدن ودخول عوامل جديدة على حياة وعلاقات الناس ببعضهم. وكان هذا التحول بمثابة ثورة في المجتمع الإنساني, والذي يمكن للقارئ أن يتابع ذلك في العديد من المجتمعات, ومنها المجتمعات البابلية حيث اتخذت العلاقات بين الناس صيغاً جديدة ونظمت بقواعد وأعراف وقوانين ملزمة وعقوبات رادعة. ولكن هذا التحول كان بدوره بطيئاً والتغير الذي حصل في القوانين ومدى قسوتها وشدتها يشير إلى ذلك بوضوح بالارتباط مع اكتشافات الإنسان الجديدة, ومنها تعرفه على إمكانية استغلال الإنسان للإنسان اقتصادياً, أي من خلال استخدام الإنسان كأداة اقتصادية, حيث يمكن تحويل أسرى الحرب أو العبيد إلى مثل هذه الأدوات .  
لقد عاشت المجتمعات البشرية حقباً طويلة كان الصراع فيها يدور بين الإنسان والطبيعة في محاولة منه إلى تجنب المخاطر المرتبطة بعواقب فعل قوانين الطبيعة الموضوعية دون وعي منه بها من جهة, والاستفادة مما في الطبيعة من موارد لصالحه من جهة ثانية. وكان في هذا الصراع نوع من التناغم والانسجام بين الإنسان والطبيعة أيضاً, ولم يكن تخريب الطبيعة من قبل الإنسان كما هو عليه الآن. وكان هذا الصراع هو الدافع أيضاً لتطور حياة الإنسان. إلا أن هذا التطور كان بطيئاً وأستغرق عشرات آلاف السنين, وهي حالة مرتبطة بالقدرات الفكرية للإنسان حينذاك. وكان الصراع يدور أحياناً كثيرة بين الإنسان والحيوان لا بهدف القسوة والعنف, بل لحاجة الإنسان للغذاء أو لتجنب الموت على  أيدي الحيوانات المفترسة, والعكس صحيح أيضاً بالنسبة للحيوانات المفترسة إزاء افتراسه للإنسان أو للحيوانات الأخرى. هكذا كانت حياة الإنسان في فترة الصيد وجمع الثمار أو القوت. وعند الحديث عن المجتمعات البدائية وضعف أو غياب القسوة والعنف عنها, لا يعني هذا بالضرورة عدم وجود مشكلات معينة في هذا المجتمعات وفي ما بين البشر, إذ بدون بروز تلك المشكلات يصعب تطوير الحياة وإغنائها, فالحياة هي التي تدفع بالمشكلات وتطالب الإنسان بحلها, بما فيها تلك المشكلات في ما بين الناس إزاء الطبيعة وسبل التعامل معها أو مع موارد ومنتجات الطبيعة, والإنسان أحدها طبعاً. فوحدة وصراع الأضداد يعتبر أحد القوانين الموضوعية الأساسية التي تساهم في دفع عملية التطور في المجتمع البشري إلى أمام. ولم يكن هذا القانون الموضوعي غائباً عن الفعل في المجتمعات البدائية, ولكن ليس بالضرورة كان معروفاً لتلك المجتمعات, إذ أنه يفعل دون وعي منا وبعيداً عن إرادة الإنسان ورغباته أيضاً. وهكذا بالنسبة لقوانين المادية الديالكتيكية الأخرى التي تفعل في إطار الطبيعة والمجتمع, قانون تحول التغيرات والتراكمات الكمية إلى كيفية جديدة. أو قانون سلب السلب, إضافة إلى القوانين الاقتصادية الموضوعية الأساسية الفاعلة في كل المجتمعات وأن كانت بمستويات وتأثيرات ونتائج مختلفة.      
أما الأستاذ الدكتور الراحل علي الوردي فقد ربط في مقدمة مجموعة دراساته ومؤلفاته الاجتماعية القيمة والأصيلة حول المجتمع العراقي والفرد العراقي بين سلوك الفرد والمجتمع وبين العلاقات الاجتماعية قائمة في هذا المجتمع أو ذاك. فالسلوك والعادات والتقاليد, بما فيها القسوة والعنف أو ازدواج الشخصية, عند الإنسان هي حصيلة تفاعل الماضي بالحاضر. يقول على الوردي ما يلي:
عند دراستي للمجتمع العراقي - وهو الموضوع الذي أولعت به زمناً غير قصير - أدركت أني لا أستطيع أن أفهم المجتمع في وضعه الراهن ما لم افهم الأحداث التي مرت به في عهوده الماضية, فكل حدث من تلك الأحداث لا بد أن يكون له شيء من التأثير قليلاً أو كثيراً في سلوك الناس حالياً وفي تفكيرهم" . ثم يواصل قوله: "من الممكن تشبيه المجتمع في هذا الشأن بشخصية الإنسان البالغ إذ هي في حاضرها تتأثر بما حدث لها في ماضيها, وهذا التأثير قد يكون لا شعورياً إنما هو موجود على أي حال وهو قد يظهر بمظهر العقدة النفسية التي تدفع الإنسان نحو بعض الأفعال "السخيفة" إذ هو يفعلها مرغماً بتأثير حافز لا إرادي يسيطر عليه. أكاد أعتقد أن المجتمع لا يختلف عن الفرد في هذا, فكثيراً ما تخلق الأحداث الماضية في المجتمع عقدة كالعقدة النفسية حيث نرى الناس يندفعون ببعض العادات والأفكار الموروثة اندفاعاً لا شعورياً, وقد يؤدي ذلك بهم إلى المهالك بينما هم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً". وهو بذلك يتجنب احتمالات التأويل بشأن أصل السلوكيات المختلفة ويؤكد علاقة الترابط بين المظاهر السلبية في سلوك الفرد بالواقع الاجتماعي القائم وبالموروث الاجتماعي المتراكم في المجتمع. وفي الوقت نفسه يؤكد على أن غياب الديمقراطية عن المجتمع واستمرار الحاكم في حكمه دون مراقبة أو مؤسسات ضابطة لسلوكه تقود إلى الاستبداد حيث كتب, في الفصل الرابع "عيب المدينة الفاضلة" من كتابه الموسوم "مهزلة العقل البشري" رأياً تعميمياً لا يقتصر على العراقيين بل يشمل جميع البشر, يقول: " كل إنسان ميال إلى الاستبداد والظلم حين يترك على دست الحكم منفرداً يحكم كما يشاء" . ويستند في ذلك إلى قول للإمام علي بن أبي طالب حين قال: "من ملك استأثر" . 
ويكتب الدكتور علي حسين الوردي نافياً الادعاءات القائلة بوراثة جينات الجريمة أو القسوة والعنف عند البشر أو ما شاكل ذلك في مكان آخر ما يلي: "وجد بعض الباحثين أن المجرمين في بعض البلاد تكثر فيهم دمامة الوجه أو العاهة, فاستنتجوا من ذلك أن ألمعية الدميم يميل بطبعه إلى الإجرام لأنه, على زعمهم, يمثل نكسة بايولوجية نحو الطبيعة الحيوانية الأولى. أن هذا الاستنتاج مغلوط من أساسه. فليس هناك مجرم حدث فيه الميل إلى الإجرام طبيعة. الإجرام اكتسابي في أغلب الأحيان, وسببه اجتماعي. إن الدميم ليس مجرماً بالطبيعة كما يقول بعض المترفين, إنما هو قد وصفه المجتمع منذ طفولته بالإجرام من أجل دمامته المكروهة, فنشأ مجرماً, أي أن المجتمع كره هذا الطفل الدميم وحكم عليه بالسجن لأقل سبب وعامله بخشونة وظلمه وأذاه فأصبح مضطراً على الجريمة سائراً في سبيلها أراد ذلك أم كره" .
وفي مكان آخر من محاضرته التي ألقاها في عام 1951 يقول الدكتور علي الوردي حول شخصية الفرد العراقي ما يلي: "لقد لاحظت بعد دراسة طويلة بأن شخصية الفرد العراقي فيها شيء من الازدواج وأني وأن كنت غير واثق , كما قلت آنفاً, من نتيجة هذه الدراسة ولكني أجد كثيراً من القرائن تؤيدني فيما أذهب إليه" . ويعزي هذه الظاهرة في النفس العراقية إلى ازدواجية القيم في المجتمع العراقي فيقول: "أعود فأقول أن هذه ظاهرة (أي ازدواج شخصية الفرد العراقي. ك. حبيب) موجودة في كل نفس بشرية, ولكنها في النفس العراقية أقوى وأوضح لأن قيم البداوة والزراعة قد ازدوجتا في العراق منذ أقدم العصور ولا تزال تصطرع في أنفسنا حتى اليوم" . ويرى الدكتور الوردي في نظامي القيم (البداوة والزراعة) ما يلي: "نظام يؤمن بالقوة والبسالة وتسود فيها قيم الإباء والشجاعة والكبرياء وما إلى ذلك من صفات المحارب الفاتح؛ وبجانبه نظام آخر يؤمن بالكدح والصبر ويمارس أداء الضريبة والخضوع والتباكي. إن هذا الصراع الحضاري, أو ما يسمى في علم الانثربولوجي: (Clash of Cultures), قد أثر في شخصية الفرد العراقي تأثيراً بليغاً. فالفرد العراقي أصبح مضطراً أن يقتبس نوعين من القيم الاجتماعية, أو يقلد طبقتين من الناس: طبقة البدوي الغالب وطبقة الفلاح المغلوب, فهو تارة يؤمن بالغلبة ويتباهى بها أو يحاول أن يظهر قوته على غيره, وهو تارة أخرى يئن من سوء حظه ويشتكي من ظلم الناس له" . ويواصل قوله ويورد أمثلة من حياة العراقي اليومية ومن تصرفاته وأغانيه فيقول: "ففي بعض الأحيان تراه يفتل شاربيه ويرفع عقيرته قائلاً (أنا أبو جاسم, والمصطفى لأسقط سبع دول). وتراه في أحيان أخرى يغني مكتئباً: (شيفيد السعي لو نام البخت والحظ ... أنا من أقول آه وأتذكر أيامي … ظلاّم ما عندكم رحم, يا للي ظلمتوني … وين المروة, كلبي تجوه…" .        
وكما نرى فأن الرأي الذي يطرحه الدكتور الوردي يختلف من حيث المبدأ عن الرأي الذي يقدمه السيد باقر ياسين, فإذا كان الأول يرى الأمر مرتبطاً بالمجتمع والعلاقات السائدة فيه, أي أنها حالة مكتسبة, يرى الثاني أنها من الطبيعة التي جبل عليها العراق, أو بتعبير أكثر صرامة أنها جزء من الغرائز الموجودة في الإنسان العراقي التي لا يستطيع الإنسان التدخل فيها والتأثير عليها, فهي والحالة هذه حتمية. وإذا كان الأول مصيباً في رأيه فأن الثاني, وكما أرى مخطئاً في ما توصل إليه, رغم أنه لا يطرح المسألة بهذه الصراحة التي حاولت إبرازها في ضوء مجمل الكتاب بهدف إزالة الالتباس إن وجد. وينبغي أن لا يفوتنا القول بأن الدكتور الوردي استدرك في قوله مشيراً إلى غالبية حالات الجريمة مكتسبة من المجتمع الذي يعيش فيه الفرد. وسبب هذه الاستدراك هو وجود بعض الحالات المرضية النفسية أو الاختلالات العصبية التي تقود إلى ارتكاب هذه الجريمة أو تلك. وهو استدراك صحيح.   
ويبدو لي مفيداً تسجيل جملة من الحقائق التي لم تغب عن بال الدكتور الوردي عندما كتب محاضرته أو أبحاثه اللاحقة بشأن الفرد والمجتمع العراقي, ولا عن بال السيد باقر ياسين عندما كتب عن تاريخ العنف الدموي في العراق, ومنها:
• ليست ظاهرة العنف والقسوة حكراً على, أو حصراً بالفرد أو المجتمع العراقي, بل هي موجودة في كل المجتمعات دون استثناء, وبشكل خاص منذ أن برزت في هذه المجتمعات الملكية الخاصة وعمليات تقسيم العمل الاجتماعي ونمو الإنتاج وتطور فكر الإنسان وخلقه واختراعه واستخدامه  للأديان المختلفة واستعمال دماغه أكثر فأكثر في ما يدور حوله وما يواجهه من أحداث وظواهر.
• ولم يتم انتقال الجماعات البشرية من موقع إلى أخر في العهود السالفة, إلا بسبب شحة الأمطار أو المياه في المنطقة التي هم فيها وصعوبة الحصول على المواد الغذائية التي هم بحاجة ماسة لها. وتبدو الحالة أكثر ملموسية عند هجرة هذه الجماعة أو تلك من موقع  إلى أخر حيث يتوفر فيه الماء ويزداد الكلأ فتصطدم بالجماعات القاطنة فيها وتحاول إزاحتها أو التقاسم معها, في حين تحاول الأخرى الدفاع عن مواقعها والغذاء المتوفر فيها. وهنا يفترض أن ندرس هجرة سكان البادية في منطقة الشرق الأوسط إلى وادي الرافدين والصراعات التي نشبت حولها ودويلات المدن التي أقيمت فيها, ومن ثم الدول المركزية التي نشأت على أنقاضها. وهناك أمثلة كثيرة في مناطق أخرى سنأتي عليها في مجرى البحث. وبدأ الربط يحصل في تفكير وممارسة الإنسان بين الحرب وإمكانية الحصول على الأسرى وبالتالي إمكانية استغلالهم في النشاط الاقتصادي للحصول على محاصيل أكثر, أو الحصول على أرض جديدة ومواقع أفضل للزراعة والرعي وما إلى ذلك. أن هذه الشروط الجديدة هي التي بدأت تلعب دورها في تغيير تصرف الإنسان وفي إيجاد علاقات قسرية تفرض على الإنسان التصرف بشكل معين, وإلا فسيتعرض لعقوبة معينة. وفي هذا بدأت مظاهر القسوة والهدم والتخريب تظهر في ممارسات إنسان المدينة وحضارة المدينة. لقد تنامي تفكير الإنسان وتطور استخدامه لدماغه, وتطورت معه أساليب وأدوات القسر والسلطة ليتكون منها نظاما خاصا للتعامل بين السلطة والفرد في المجتمع, وهي التي لم تعرفها في المجتمعات السابقة, كما لم تكن بحاجة لها وكانت تعيش على ما هو متاح حيث توزع وتستخدم ما هو متوفر من قبل هذه الجماعة البشرية أم تلك. ولعب الدين دوراً متميزاً في تنمية هذه الظاهرة بما فيها ظاهرة السلطة والقسوة والتي برزت في الضحايا (القرابين) التي يراد تقديمها للآلهة. ففي الوقت الذي كانت في البداية عبارة عن تقديم نباتات أو أشياء لا تؤذي أحداً, أصبحت في فترة لاحقة تقديم الحيوانات, ثم الأبناء والبنات أو النساء أيضاً. كتب السيد محمود القمني بهذا الصدد يقول:
 "وقد اتخذ أغلب الباحثين من مسالة القربان أحد موقفين:
 - موقف يرى أن القربان في بداية أمره اقتصر على ثمار النبات, ثم رأى الإنسان - زيادة في تملق آلهته - أن يذبح لها ماشيته, بحسبان أن اللحم أعلى من النبات رتبة, ولما لم يكن متيسراً له أن يحمل قربانه ليذبحه عند عروش الآلهة, فقد عمد إلى ذبحه ثم حرقه لتتصاعد مادته دخاناً, تشمه الآلهة فتهدأ نفوسها. وزيادة في المغالاة, وإثباتاً لخلوص ضميره لآلهته تحول نحو الدماء البشرية, فأسال بعض دمائه -بجروح مقصودة- على مذابح الآلهة, تقرباً وفداء لنفسه ولأولاده وممتلكاته, ثم تحول الأمر إلى ما يشبه النذور فكان يذبح واحداً من أبنائه لآلهته, إن هي استجابت لرجائه في أمر يرجوه, أو دفعاً لشر محتمل الحدوث.
 - وموقف آخر يرى عكس ذلك تماماً, مسايرة لسنة تطور العقل البشري الارتقائية, إذ يذهب إلى أن البداية كانت بالضحايا البشرية, عندما كان الإنسان لا يزال يصارع بدائيته الوحشية, وبالتدريج الارتقائي في تطور العقل تحول نحو الحيوان يستبدله بالإنسان, ليقدمه مذبوحاً أو محروقاً فداء لنفسه أو للقبيلة أو الوطن, وأحياناً اكتفى بتقديم النبات في حال احتياجه للحيوان" .     
 وتؤكد الغالبية العظمى من الباحثين إلى أن الحالة الأولى هي التي عرفتها المجتمعات بشكل عام, رغم أن الإنسان في المحصلة النهائية استقر على الحيوانات وأحياناً دفع النقود للفقراء أو مسائل عينية أو غذائية …الخ, ولكنها لم تعد تقدم الإنسان قرابين أو نذوراً للآلهة أو لله الواحد. ومن يتابع العهد القديم أو الإنجيل أو القرآن سيجد فيه الكثير من الحكايات والأساطير حول الآباء الذين كانوا يقدمون الأولاد والبنات قرابين لآلهتهم أو لإلههم الواحد.
 وفي الحضارة البابلية كان الدين يركز على الصلاة وتقديم القربان باعتبارهما التعبير عن الخوف من الآلهة من جهة, والحب للمعبود من جهة أخرى. وعبر عن ذلك في النص التالي:
 قدم الخضوع كل يوم لألهك:
 التضحيات والصلوات والبخور الواجب
 ليكن قلبك نقياً أمام ربك !
 إن هذا هو ما يرضي المعبود
 إن أنت قدمت التوسل والدعاء والصلاة والسجود في كل صباح
 فأنه يمنحك كل الكنوز
 وسوف تزدهر أيامك بفضل إلهك
 وعقلك راع اللوحة:
 الخوف يولد الرفق أو العاطفة
 والتضحية تطيل العمر
 والصلاة تخلص من الإثم" .
 وكانت الدعوة غالباً ما تكون بتقديم الحمل كقربان للمعبود, إذ ورد في نص بابلي ما يلي:
 "الحمل فداء للبشر
 لقد قدم حملاً بدلاً عن حياته
 لقد قدم رأس الحمل بدلاً من رأس الإنسان
 لقد قدم عنق الحمل بدلاً من عنق الإنسان
 لقد قدم صدر الحمل بدلاً من صدر الإنسان" .
 وهذا النص يشير بشكل غير مباشر إلى الفترات التي سبقت ذلك كانت هناك قرابين أخرى غير الحيوانات, أي الإنسان ذاته. ولم يكن الحمل وحده هو القربان الذي يمكن تقديمه, بل كانت هناك حيوانات أخرى, ومنها الخنزير للتكفير عن أخطاء المريض مثلاً, كما كان النبيذ يقدم أو النعاج والأطعمة ومنها اللبن والخبز … .  
• إن جميع هذه التغيرات التي ارتبطت بشكل واضح بتطور الملكية الفردية وتقسيم العمل الاجتماعي وزيادة الإنتاج وحصول فائض فيه, ثم بروز التمايز في ما بين البشر, بين المالكين لوسائل الإنتاج وبين غير المالكين لها تجد تعبيرها في الأدب والتراث الثقافي البابلي بشكل ممتع وهو الذي يعطي القارئ صورة حية عن هذا التطور والتحول عند الإنسان في التفكير والتشريع والممارسة.
• إن العنف والقسوة ينموان وتتسع قاعدتهما ويزداد عدد المشاركين في ممارستهما حيثما تتوفر في المجتمعات شروط أو مستلزمات ذلك. أي عند نشوء وتطور الملكية الفردية وتقسيم العمل الاجتماعي وزيادة الإنتاج وبروز إمكانية التبادل على أساس المنفعة لفائض متاح في الإنتاج, وعند استخدام الحرب كوسيلة اقتصادية للحصول على أسرى حرب وعبيد يراد استخدامهم في النشاط الاقتصادي لتنمية الثروة, برزت معها الحاجة إلى الزعامة وفرض السيطرة واستخدام السلطة التي ارتبطت بدورها تدريجاً بوجود المظالم والجور والاضطهاد ضد هذا المجتمع أو ذاك. وفي ظل مثل هذه المجتمعات تنمو أيضاً ظواهر ممارسات القسوة والرغبة في السيطرة والهدم أو التخريب التي عرفها المجتمع البابلي مع تكون دويلات المدن ومن ثم تنامي ذلك وتفاقم مع تكون الدولة المركزية. وأصبح القائد يفتخر ويعتز بكونه مارس القسوة والعنف والتخريب ضد المدن الأخرى ويتحدث عن الدماء التي سالت. ويمكن هنا العودة إلى كتابات الملوك الآشوريين أو حتى قبل ذاك بكثير.
• إن بروز القسوة والهدم, أي بروز ظاهرة السادية في سلوك الفرد أو المجتمع تقترن ببروز ظاهرة أخرى في المجتمع هي ازدواج الشخصية, باعتبارها أداة للتخلص من القسوة والتعذيب المحتملين. فاستخدام السلطة أو الحاكم لأساليب من هذا النوع تخيف المجتمع وتدفع به للتحري عن أساليب أخرى غير تلك التي مارسها قبل ذاك بسبب عدم حاجته إليها لحمايته من غضب الحاكم. فممارسات الاستبداد والقسوة والتخريب والسادية وفرض إجراءات محددة على المجتمع تخلق عند الفرد والمجتمع ظواهر أخرى مثل الخوف والخشية من العقاب, وبالتالي التحري عن أساليب لتفاديها, ومنها ظاهرة ازدواج شخصية الفرد, أي فرد, وبغض النظر عن مكان وزمان وجوده, فالرغبة في تحقيق شيء ما أو الوصول إليه من جهة, والخوف من الظلم والجور والاضطهاد من جهة أخرى تدفع بالإنسان إلى التقية أو إبداء موقفين متباينين إزاء مسألة واحدة بهدف الحصول على الشيء بعيداً عن احتمال التعرض إلى العقوبة والاضطهاد المحتملين, ولكنها يمكن أن تخلق ظاهرة مواجهة العنف بالعنف والقسوة بالقسوة والهدم بالهدم أيضاً. وهو ما حصل في المجتمع البابلي العراقي القديم أو المجتمعات المشابهة والمماثلة لمرحلة التطور والمتوفرة فيها ذات الشروط تقريباً؛
• إن خوف الإنسان من ظاهرة معينة أو من فرد آخر أو جماعة معينة أو من استغلال واستعباد يمكن أن يتعرض له, يدفع به إلى محاولة القيام بعمل ما لاستباق الحدث أو مواجهته بدلاً من الخنوع أو الخضوع له. وهذا يعني في حالات معينة ممارسة القسوة خشية التعرض لها. كتب الشاعر المصري نجيب سرور في فترة الخمسينات قصيدة جاء فيها ما يلي:
"سأقتلك, سأقتلك, وقبل أن تقتلني سأقتلك ... وقبل أن تغوص في دمي أغوص في دمك".  
إنها لوحة سادية تعبر عن محاولة قتل لتجنب القتل المحتمل. كانت القصيدة في معرض الحديث عن الاستعمار والاستعباد والاستغلال, إذ يريد بها مقاومة الاحتلال والاستعمار قبل أن يتعرض لهما. وهي تأكيد على القيام بفعل يجسد القسوة بعينها تجنباً للوقوع تحت وطأة القسوة.
• وفي فترات تحول المجتمعات البشرية من علاقات إنتاجية إلى أخرى, أي الثورات أو فترات الحروب والفوضى أو وقوع المجاعات, يزداد بروز تلك المظاهر السلبية عند الفرد أو الجماعة, ولكنها تختف في فترات الاستقرار والسلام والرفاهية. كانت الخشية من المجاعات التي تعرض لها الإنسان في فترات مختلفة قد حولت الفرد والمجتمع عموماً إلى سلوكية الخشية من الإفراط في الصرف أو السعي على التخزين والتراكم خشية الوقوع بمحنة جديدة. وأصبحت بمرور الأيام تقليداً يعبر عن بخل لمواجهة شحة محتملة.  
• وعلى امتداد تاريخ البشرية, وبالرغم من بعض الجوانب الإيجابية في خلق الإنسان الحاكم على نحو خاص للأديان ونشر الإيديولوجية الدينية وغير الدينية لأسباب كثيرة لسنا بصدد البحث بها, فأنها لعبت دوراً بارزاً في تنشيط مختلف الظواهر, إذ أنها كانت المعبر عن واقع معين من جهة, ومحفز على خوض غمار نشر تلك الأديان والإيديولوجية بين الجماعات التي ساهمت بدورها في تشديد الصراع بين الثقافات, وبضمنها الأديان من جهة أخرى
• وفيما بعد لعبت الإيديولوجية العنصرية المستندة إلى أرضية دينية "سماوية" أو تفسير ديني -وأقدمها العهد القديم- دورها البارز في تنشيط عمليات التمييز بين البشر وتشديد الصراع والعنف على ذلك الأساس. فكما هو معروف توجد نظريات غير قليلة تؤكد بأن الشعوب تنقسم إلى ثلاث جماعات عرقية أساسية تتمايز في ما بينها في الخصائص والسلوك والدور في المجتمع البشري, ونعني بها: الشعوب الحامية, أي شعوب القارة الأفريقية, والشعوب السامية, أي شعوب القارة الآسيوية, والشعوب الآرية, أي الغالبية العظمى من الشعوب الأوروبية مع بعض شعوب الشرق الأوسط باعتبارهم من أصل آري أو آري-هندي. وأن الشعوب الآرية تقف على رأس سلم التطور البشري, تليها الشعوب السامية ومن ثم الشعوب الحامية, التي تقف في أسفل سلم التطور. وأن هذا التباين يرتبط بواقع التباين في الجينات التي لا يمكن تغييرها, وستبقى تميز تلك الشعوب التي ولدت عليها ولا خلاص لها منها. ومثل هذه النظريات في التقسيم العنصري ما تزال قائمة ويؤمن بها كثرة من الناس في أوروبا وأمريكا وفي غيرها من مناطق العالم, رغم كونها مبتذلة وجرى تفنيدها في القرنين الأخيرين. وهي التي نادى بها الحزب النازي وعلى رأسه هتلر وفلاسفته العنصريين في ألمانيا وساهمت في التسبب بنشوب الحرب العالمية الثانية. وهي التي تتحكم بتصرفات غير قليلة على مدى القرنين الأخيرين, وخاصة سلوك الجنس الأبيض في مقابل الأجناس الأخرى من البشرية الواحدة. وهي اليوم تتجلى بصيغة ما في ممارسة السياسة الأمريكية إزاء العالم. 
بعد مرور ما يزيد على أربعة عقود من السنين على نهاية الحرب العالمية الثانية, وبعد أن ألحقت نتائج الدراسات العلمية الهزيمة بالنظريات العنصرية والتمييز العنصري, نشر الأستاذ جورج هانسن في عام 1988 مقالة حول "مساهمة التربية في تجنب العداء للأجانب" يفضح فيها بعض جوانب النشر والمواقف العنصرية في ألمانيا حيث يورد مقطعا مهما من مقالة نشرتها جريدة Frankfurter Allgemeine Zeitung بتاريخ 6 شباط/فبراير 1988, وهي للكاتب الألماني كلاوس ناتورب جاء فيها ما يلي:
"إن أصحاب الجرائم في منطقة الروهر بألمانيا كانوا في الغالب أشخاصاً من فصيلة الدم B.
إن أغلبية البولونيين هم من مجموعة الدم B, أما الألمان فهم من فصيلة الدم A.
إن المهاجرين الناطقين باللغة البولونية في منطقة الروهر هم, كما يبدو بشكل واضح, لم يندمجوا حتى الآن بالمجتمع بشكل صحيح.
ومن هنا يأتي مستوى الجريمة العالي بين أطفالهم وأطفال أطفالهم" .
في هذا المقطع القصير يشخص القارئ مجموعة من الأفكار العنصرية المقيتة والمتشابكة التي تربط بين فصيلة الدم والجريمة, واعتبار فصيلة الدم التي يحملها البولونيون, أو "العِرق" الذي ينحدر منه البولونيون, هي التي تدفع بهم إلى ارتكاب الجرائم, وأن الجريمة لا تقتصر على الآباء, بل تشمل الأبناء والأحفاد وأحفاد الأحفاد لأنهم يحملون نفس فصيلة الدم, لأن هؤلاء الناس لم يختلطوا بالألمان, وبالتالي لم يتلقح دمهم بالدم الألماني "الأفضل والأنقى" ولم يتعلموا من الألمان من خلال اندماجهم بالمجتمع الألماني. إنهم  بذلك يريدون الإشارة الواضحة إلى أن الجينات التي يحملها البولونيون والمتوارثة أباً عن جد هي المسؤولة عن ذلك وهي التي تنتج الجريمة المتأصلة في نفوس البولونيين والتي يستحيل تغييرها. وهذا يعني من جانب آخر, بأن على الألمان أن يتجنبوا تلويث دمهم بدماء البولونيين التي تحمل جنينياً جرثومة الجريمة من خلال التزاوج. إن مثل هذه الطروحات ليست مجرد هذيان وإعادة إنتاج بعض الأفكار العتيقة والبالية لجماعة ضالة من السياسيين, بل إنها تعبر عن ذهنية عنصرية مريعة وعدوانية شرسة في آن واحد. والغرابة لا تبرز هنا في وجود "بشر" يفكرون بهذه الطريقة العنصرية الخرافية البالية, سواء كان ذلك في ألمانيا أم في بقية بلدان الاتحاد الأوروبي أو في بقعة من بقاع العالم, بل الغرابة كل الغرابة تبرز في امتلاك جريدة يومية سياسية عامة ومشهورة في ألمانيا, وهي جريدة سياسية معروفة بوجهتها اليمينية, أن تنشر هذراً وسماً من هذا النوع لا يسئ إلى الشعب البولوني فحسب, بل ويثير الحقد والبغضاء بين الشعوب, ولا تقدم للمحاسبة أو المحاكمة بسبب نشرها مثل هذه الدعاية العنصرية والمحرضة ضد الجاليات والشعوب الأخرى. كما لا يحاسب الكاتب على هذه الصياغات العنصرية التي تستهدف إثارة الألمان ضد وجود بولونيين في ألمانيا, كما إنها إثارة ضد كل الذين تجري في عروقهم دماء من المجموعة B.
ولكن هل يمكن لمثل هذا التحليل أن يصمد أمام الحقائق العلمية الحديثة في تحليل بنية وطبيعة الإنسان عموما, وفي تحليل أسباب العنف وممارسة التعذيب في البلدان المختلفة, ومنها العراق القديم والحديث؟ وهل يحق لنا قبول مثل هذا التبسيط للأمور, والموافقة على اتهام شعب بأكمله بالتطرف وبالاستعداد لممارسة العنف والتعذيب؟ إن ظواهر التطرف والعنف والتعذيب وقسوة المعاملة التي مارستها الدولة الأموية وكذلك الدولة العباسية, أو حتى في فترة الخلفاء الراشدين في صدر الإسلام, أو قبل ذاك في العراق القديم, لا يمكن فصلها عن الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية التي سادت في تلك البلدان في مختلف العهود, ولا بد عند دراستها من بذل جهود غير قليلة لاستيعاب وتحليل تلك الأوضاع وفهم علاقتها بالتراكمات الحاصلة في هذا الصدد منذ عشرات القرون في العراق القديم وصولا إلى الأوضاع الراهنة في العراق الحديث. من يتابع أحداث القرون الوسطى في أوروبا مثلا سيدرك حقيقة أن أوروبا عاشت وشهدت أبشع أشكال العنف وأساليب التعذيب الجسدي والنفسي في تاريخ البشرية كلها حينذاك. كما أن من يدرس تاريخ أمريكا الشمالية سيدرك شدة العنف والقسوة الطاغية والقتل الجماعي الواسع التي مارسها الأوروبيون النازحون والمستوطنون في تلك المنطقة للتخلص من سكان أصل البلاد, الهنود الحمر, والحلول مكانهم في القارة, وكثرة من الأفلام السينمائية الأمريكية الجادة تظهر هذه الحقيقة, في حين تحاول بعض الأفلام الأخرى أن تزين القضية للمشاهد وتضع الأمر وكأنه يعبر عن صراع بين الحضارة والتخلف.
وتاريخ أمريكا الشمالية يدلل أيضاً على القسوة الجامحة التي مارسها الأوروبيون النازحون إلى هذه القارة الجديدة في حينها والأساليب التي مارسوها للهيمنة على القارة الجديدة والتخلص من الهنود الحمر سكان البلاد الأصليين. وكان القتل والتشريد والتهجير القسري جزء من تلك الأساليب الهمجية التي مورست. وكانت الحرب الأهلية التي تفجرت بين الشمال والجنوب واحدة من أبرز قضايا تاريخ الولايات المتحدة حين تعرض الأفارقة السود الذين جلبوا من القارة الأفريقية إلى العبودية والاستغلال البشعين على أيدي العوائل وأصحاب رؤوس الأموال الأوروبيين. وكانت القسوة والعنف هما الطريق لتحقيق الأرباح وتعظيم رؤوس الأموال والسيطرة الكاملة على الحكم والمجتمع. ولم تكن الحرية إلا للأوروبيين الغزاة. وهذه السلوكية لدى الأوروبيين الأمريكان ما تزال هي المحددة للقوى الحاكمة هناك والتي تتجلى في الموقف من الحروب ومن الادعاء بأنهم يحملون لواء الحرية بيد والخير بيد الأخرى لمحاربة لواء العبودية والشر في العالم.  
عند دراسة تاريخ النازية في ألمانيا يتعرف الإنسان بشكل دقيق على أسس ممارسة العنف والتعذيب إزاء بنات وأبناء الشعب الألماني ذاته وإزاء الشعوب الأخرى في فترة الحرب العالمية الثانية لأسباب عنصرية وتعصبية وفكرية واستعمارية متنوعة لم يعرف تاريخ البشرية مثيلاً لها من قبل. وفي الوقت الذي تعرض اليهود في ألمانيا الهتلرية على صنوف التعذيب والقتل في غرف الغاز وأفران الحرق وسلخ الجلود على امتداد فترة الاعتقال في معسكرات الفاشية في ألمانيا وفي غيرها من الدول الأوروبية المحتلة حينذاك حتى وصل عدد ضحايا اليهود وحدهم إلى ستة ملايين إنسان, بسبب موجات العداء للسامية, أو لليهود من الساميين على نحو خاص, فأن حكومات إسرائيل المتعاقبة تمارس شتى أشكال التعذيب الجسدي والنفسي والقتل المتعمد في السجون وفي الشوارع ضد المواطنين الفلسطينيين العرب من مسلمين ومسيحيين, إضافة إلى العقوبات الجماعية مثل تهديم البيوت على رؤوس ساكنيها ورميها بالصواريخ والقنابل وما إلى ذلك من أسلحة محرمة دولية. ولا شك في أن العمليات الانتحارية التي يقوم بها الشباب الفلسطيني بتنظيم ودفع ودعم من منظمات وأحزاب الإسلام السياسي المتطرفة التي تؤدي إلى قتل وجرح عدد كبير من اليهود, إضافة إلى الشباب المنتحرين. وتؤدي بدورها إلى سلسلة من العمليات الانتقامية على طريقة العين بالعين والسن بالسن.
وقدمت جمهورية جنوب أفريقيا نموذجاً مماثلاً في القسوة والإرهاب والقمع ضد سكان البلاد الأصليين من جانب السكان الأوروبيين البيض النازحين إلى أفريقيا. فكانت أساليب الاعتقال والتعذيب والقتل والقمع الذائب هي الأساليب المميزة لفرض التمييز العنصري في الجمهورية وضمان استمرار الاستغلال وتحقيق أقصى الأرباح.  
 ويمكن أن نتعرف على ما يماثل ذلك في عدد كبير جدا من بلدان العالم. فالعمليات الإرهابية الأخيرة التي قامت بها مجموعة إرهابية "عربية مسلمة" ضالة ضد بنايات المركز التجاري الدولي في نيويورك وضد البنتاغون في واشنطن يؤكد أن الحقد والكراهية وما ينجم عنهما غير محصور ببلد أو شعب بعينه بل يمكن أن نجده في بلدان وبين أوساط وشعوب كثيرة.
وإزاء هذا الواقع يدرك الإنسان بشكل منطقي وعلمي بأن العنف وأساليب التعذيب أو القسوة وارتكاب الجريمة وعدوانية التصرف لا ترتبط بجينات الفرد وليست هي وراثية, كما يحاول التحليل المبسط و "العلمي المبتذل", أن يؤكده لنا, بل هي عادات وسلوكيات مكتسبة في المجتمع ومن المجتمع ذاته وعبر أجيال متتابعة. وليس من شك في أن جملة من الاضطرابات التي تصيب الإنسان في فترات مختلفة من حياته يمكن أن تقوده إلى ممارسة القسوة, ومنها السادية وجنون العظمة والنرجسية المفرطة بعشق الذات التي أن اجتمعت عند إنسان معين, كما كانت لدى هتلر وموسوليني وستالين, أو كما هي عليه عند صدام حسين وأسامة بن لادن وغيرهم, تحوله إلى مجرم من طراز خاص وعات لا يمكن للمجتمع الواحد أو البشرية أن تتحمله.  
 
تكريس الاستبداد والعنف والقسوة في نظام الحكم الدكتاتوري الصدامي
 "يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلمه   النطق, وتقضي الأنظمة العربية بقية عمره   في تعليمه الصمت!".
        أحلام مستغانمي
                              (شاعرة وكاتبة جزائرية) 

على امتداد قرون كثيرة عانى الشعب العراقي من سيادة الاستبداد والعنف والقسوة في الحكم وفي التعامل مع المجتمع, سواء أكان ذلك في العراق القديم أم في عهود الحكم الإسلامي وفي مختلف مراحله, أم في ظل الحكم الملكي الحديث ومن ثم الجمهوري. والمسألة التي تواجه الإنسان ليست في شدة الاستغلال واستمراره فحسب, بل في وجود أساسه المادي وتقاليده وعاداته والتركة الثقيلة المحمولة عبر السلطة والمجتمع والعائلة. ولذلك وعلى أهمية المقارنة بين الاستبداد والعنف والقسوة في العهد الملكي وعهد حكم البعث الذي دام 35 عاماً, فأن الإشكالية كانت وما تزال في أنهما استخدما هذه السلوكيات مع المجتمع عموماً ومع الأفراد والمعارضين خصوصاً. وقدم نظام البعث المخلوع ومجموعة غير قليلة من أفراد عائلة المجيد, وعلى رأسهم صدام وعلي حسن المجيد وعدي وقصي وبرزان ووطبان وسبعاوي وحسين كامل وصدام كامل وأحمد حسن البكر وغيرهم, نماذج للمستبدين في الأرض الذين يمارسون العنف والقسوة على أوسع نطاق ممكن وأشد الأساليب شراسة وعدوانية ولذة في التعذيب ورؤية الآخرين تهان كرامتهم وتمرغ بالأرض.
ورغم أن المستوى الحضاري والمجتمع المدني يلعبان دوراً مهماً في التأثير على مستوى الاستبداد والعنف والقسوة, إلا إنها ما تزال موجودة في بلدان متقدمة, ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين, وهي بالأساس موجودة في البلدان النامية المتخلفة حضارياً وتغيب عنها شمس الحرية والديمقراطية والمجتمع المدني. وعلى العموم لا يمكن فصل حالة حقوق الإنسان عن مفهوم التنمية البشرية والمستوى الحضاري الذي بلغه هذا المجتمع أو ذاك, سواء كان ذلك بالنسبة للعراق أم بالنسبة لأي بلد آخر في العالم. فهي جزء أساسي وعضوي من التطور والتنمية البشرية, سواء كانت تلك الحقوق سياسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم ثقافية وفكرية, تلك الحقوق التي نص عليها الإعلان الدولي لحقوق الإنسان, الذي صدر في شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 1948, والمواثيق والعهود الدولية الأخرى التي صدرت عن الأمم المتحدة وعن المنظمات الإقليمية والإنسانية المختلفة في فترات لاحقة, وبخاصة في سنوات الستينات.
وعند ربط قضايا حقوق الإنسان بالتنمية البشرية فأن مكانة العراق تنحدر إلى الحضيض تماما خلال السنوات العشرين الأخيرة وتصبح من بين مجموعة صغيرة من دول العالم المتميزة بشكل خاص بمصادرة كاملة لحقوق الإنسان, وبخاصة حقه في الحياة وحقه في صيانة كرامته وأمنه واستقراره وحقه في التنظيم والتعبير والنشر والإضراب..الخ.    
وتجد هذه الحقيقة تعبيرها الواضح في جميع التقارير التي صدرت عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ولجنة مراقبة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط التابعة للكونغرس الأمريكي ومنظمة العفو الدولية والمنظمة العربية لحقوق الإنسان وكذلك اللجان الخاصة باللاجئين التابعة للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان العراقية في الخارج, إضافة إلى تقارير الصحف والمجلات الأجنبية ووكالات الأنباء, التي كانت تشير إلى أن الشعب العراقي كان يعيش منذ سنوات كثيرة في أوضاع تؤكد إصرار نظامه المخلوع في مصادرة منظمة ومريعة لحقوق الإنسان وإلى تفاقم عمليات ممارسة الإرهاب والبطش والسجن والتعذيب والقتل والتطهير العرقي والتهجير القسري ومعاقبة العائلات والأقارب ومصادرة الأملاك والأموال, إضافة إلى الاغتصاب الجنسي ضد المعارضين للنظام من النساء والرجال ومن مختلف الأعمار, أو حتى ضد المشتبه بكونهم يحملون أراء مخالفة لأراء حزب البعث الحاكم وصدام حسين, إلى جانب مصادرة حقوقهم في العمل وفي العيش الكريم في ظل الأمن والاستقرار والسلام, وتعرض نسبة عالية من السكان إلى الجوع والحرمان والهوان. وازدحمت السجون العراقية على كثرتها ورغم التصفيات الجسدية المستمرة التي تعرض لها السجناء السياسيون على مدار السنوات المنصرمة بالمعارضين من مختلف القوميات والأحزاب والمعتقدات الفكرية والدينية والطائفية والسياسية. فالحكم في العراق كان قائماً على الاستبداد المطلق حيث تغيب فيه الحياة الدستورية والمؤسسات الديمقراطية المنتخبة بحرية وديمقراطية, وحيث يحكم "الفرد القائد" البلاد بمفرده ويصدر القوانين والقرارات والإجراءات باسم مجلس قيادة الثورة الخاضع كلية "للقائد" الفرد صدام حسين مباشرة, وكلاهما لا يمتلك الشرعية القانونية أو تخويلا حقيقيا من الشعب. ويجمع صدام حسين في يديه كامل السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية, إضافة إلى سلطة الإعلام. وكانت المعلومات الموثقة تشير إلى تفاقم الخلافات داخل العائلة الحاكمة وتزايد النشاطات لبعض قوى المعارضة العراقية في الوسط والجنوب والعداء المتنامي من جانب العشائر, التي حالفته وساندته قبل ذاك, وإلى تشديد نشاطات الأجهزة الجديدة التي أقامها النظام في أعقاب حرب الخليج الثانية ذات الصلاحيات الاستثنائية لتصفية المعارضين جسديا بدعوى الحفاظ على أمن "القائد ونظام البعث الصدامي". وازدادت أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم الخاصة ومحاكم أمن الثورة. ويشير تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية بوضوح تام إلى أنّ العراق وإيران يعتبران في مقدمة دول العالم في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام.  وغالبا ما يجري تنفيذ أحكام الإعدام بصورة تشهيرية مخلة بكرامة الإنسان وبكرامة ومكانة عائلته الاجتماعية.  فالمواطنة والمواطن فقدا حقيهما في الحياة عبر الحروب الداخلية والخارجية والغزو التي خاضها النظام وراح ضحيتها ما يقرب من مليون إنسان, وعبر العمليات والحملات العسكرية ضد الشعب الكردي والأقليات القومية في كردستان العراق, وبشكل خاص حملات الأنفال والكيماوي في حلبجة والتي يقدر ضحايا كردستان وحدها بحدود ربع مليون إنسان على امتداد فترة حكم البعث في العراق. وكذلك فقدا حق الحياة عبر القتل والتعذيب في السجون والمعتقلات أو حملات تنظيف السجون وكذلك ضحايا انتفاضة ربيع عام 1991 والتي كشف عنها في المقابر الجماعية في مختلف أنحاء العراق. ويشار إلى أن العراق أصدر أكثر من 48 قانوناً تقضي بحكم الإعدام بحق الناس في العراق, والتي حصدت أرواح عشرات آلاف الضحايا من النساء والرجال. وبكلمة مختصرة صادر النظام العراقي جميع الحقوق الأساسية الواردة في لائحة حقوق الإنسان والمواثيق والعهود الدولية والإقليمية الأخرى. وكانت الكثير من الأجهزة الأمنية والخاصة هي التي تفرض على الإنسان العراقي الرقابة المستديمة وهي التي تقطع رأسه في أية لحظة شاءت. وفي مثل هذه الأحوال يفترض فينا أن نتصور بأن سياسات الاستبداد والعنف والقسوة لا يمكن إلا أن تنجب أو تعيد إنتاج هذه السياسات في المجتمع. وفي حالة عجز الإنسان أو المجتمع عن ممارستها إزاء الحكم الذي يمارسها, تبدأ بممارستها إزاء بعضها البعض الآخر, إلى أن يحين موعد الانتقام من الحكم, عندها يكون الانتقام رهيباً ومفزعاً وواسعاً في آن.
ويهمنا أن نشير إلى أن قسوة النظام وعائلة صدام حسين وجلاوزته لا تقتصر على أعمال التعذيب والقتل الجماعي ودفن الأحياء من المعارضين فحسب, وهي القمة في القسوة, بل كانت تبدو صارخة في التعامل مع أتباع النظام ومع أصدقاء صدام حسين وولده عدي وبقية الرهط. فالقصص التي كانت تثار حول عدي صدام حسين تؤكد التربية الخبيثة التي تربى بها هذا النرجسي الجديد والمصاب باضطراب جنون العظمة والسادية وما إلى ذلك.
ويمكن للإنسان أن يورد قائمة صغيرة بأشكال التعذيب التي كانت تمارس في العراق خلال حكم البعث, وهناك أساليب أخرى يصعب على الإنسان ذكرها, إذ أن الحديث عنها يتطلب جلداً خاصاً.   

لقد سقط المئات من المواطنات والمواطنين السياسيين قتلى تحت التعذيب الهمجي الذي مارسته أجهزة الأمن العديدة وأجهزة الاستخبارات العسكرية وقوات الحماية الخاصة وفدائيي صدام حسين والحرس الجمهوري. وتشير المعلومات المتوفرة إلى أن النظام مارس مجموعة كبيرة من وسائل التعذيب التي تسببت في موت ضحايا التعذيب الجسدي والنفسي. كما استخدم لقتل المعارضين السموم أو حتى تصفيتهم بالمواد الكيميائية أو التيزاب . وامتلك النظام أجهزة متخصصة بإعمال التعذيب الجسدي والنفسي ومارس تشكيلة مريعة تصل إلى أكثر من 50 نوعا من أعمال التعذيب الجسدي والنفسي التي تدمج بين أساليب التعذيب في الدول الاستبدادية في الشرق العربي القديم, وأساليب تعذيب كانت تمارسها الدول الأوروبية في القرون الوسطى, وأساليب التعذيب الهتلرية, وبين الأساليب والتقنيات الأكثر حداثة التي تعتمد على الكاويات الكهربائية والتيار الكهربائي الذي يربط بالمناطق الحساسة من جسم المرأة والرجل (الفرج والحلمتين والذكر مثلا) واستخدام والهراوات المكهربة والصوندات وخراطيم المياه والكوي بالسجائر في المناطق الحساسة من الجسم, وإدخال القازوق أو القنينة في مؤخرة الضحية أو استخدام الشمعة لحرق أسفل القدمين المعلقتين في الهواء والمقيدتين بالحديد, والتعليق بالمراوح والجلد بأعواد الرمان (الخيزران) واستخدام الفلقة, أي الضرب المبرح على باطن القدمين, والهرولة بعدها لكي لا تصاب الضحية بالغنغرينا, ولكنها تهيئ للضحية فصلا خاصا مليئا بالعذابات الشديدة التي يصعب تحملها, وتسليط الأضواء على العينين والمنع من النوم واستخدام ما يثير الأعصاب من أصوات رتيبة متكررة, أو إسقاط قطرات من الماء البارد على يافوخ الإنسان بصورة متتابعة ولفترة طويلة ترهق الضحية إلى أبعد الحدود وتدفع به إلى حد الجنون وتسئ إلى حالته النفسية خاصة وأن التحقيق يستمر معه ساعات وساعات, وأياما عديدة. ومارس الجلاد في التعذيب الركل المتواصل في كل مكان بما في ذلك على الخصيتين, وتجري محاولة اغتصاب الضحية سواء امرأة كانت أم رجلا. كما مارس شدّ قضيب الضحية الرجل بحبل ثم جر الحبل بقوة, وقلع أظافر أصابع اليدين والقدمين, وإدخال الرأس في أحواض الماء إلى حد الاختناق, أو صب الماء الساخن على المناطق الحساسة من جسم الضحية, أو ترك الضحية تحت أشعة الشمس المحرقة لساعات طويلة دون ماء أو شئ يستر الجسد, أو ترك الضحية على سطح دور الأمن دون ملابس في ليالي الشتاء القارسة, أو إعطاء الضحية السم بأنواعه المختلفة ذات المفعول السريع أو البطيء مذوبا باللبن أو الشاي المحلى, ورمي الفطريات على جسم وملابس الضحية. وكان يفرض على الضحية الجلوس في وسط مرحاض معطل مليء بالغائط وسقي الضحية بوله قسرا, أو وضعه في غرف مليئة بالحشرات القارصة بدون غطاء أو حتى ملابس تقيه شرها, وتركه في غرف مظلمة ورطبة لأشهر ودفع وجبات الطعام الشحيحة والرديئة والماء له من ثقب في باب حديدية موصدة دوما...الخ. وكان الجلادون يعصبون في غالب الأحيان عيني الضحية لكي لا يتعرف عليهم, كما كانت تطلق باتجاهه العديد من العيارات النارية من مسدسات وبنادق رشاشة (كلاشينكوفات) الجلادين لإرعابه وإيهامه بأنهم ينوون قتله, ويقتل حقا في بعض الأحيان. والتعذيب النفسي, بما فيه مشاهد تعذيب الآخرين يتواصل سوية مع التعذيب الجسدي. وغالبا ما يحتسي الجلاد الخمر فتزداد قسوته ويفقد أعصابه بسبب عجزه عن إسقاط الضحية رغم كل تلك العذابات فيغوص في وحل التعذيب أكثر فأكثر ويفقد كلية كل ذرة من إنسانية الإنسان التي ربما كان يحملها في لحظة من اللحظات. وتجلب أحيانا زوجة الضحية أو الزوج أو الابن أو البنت ويتم التعذيب أمامهم وربما حتى تعريته أو تعريتهم وممارسة الاغتصاب الجنسي المهين على الضحية أو على أحد أفراد عائلته, وهم ضحايا إضافية. إنها جرائم يصعب على الإنسان ذكرها أو حتى الحديث عنها. وكانت تنظم في غالب الأحيان حفلة تعذيب جماعية للضحية حيث يشارك في الضرب بالعصي والركل بالأرجل والدفع مجموعة من الجلاوزة الأوباش بحيث يفقد الضحية توازنه ويسقط على الأرض ثم يجبر على النهوض والركض بعين مغلقة يصطدم بالجدران المحيطة بالمكان. لقد مات تحت التعذيب عدد كبير جدا من المواطنات والمواطنين العراقيين من مختلف الأعمار, ومن مختلف الأحزاب والمنظمات, ومن مختلف القوميات والأديان والطوائف, يصعب حقا تقدير العدد الفعلي, إذ أن البعض يقدره بالآلاف من المناضلات والمناضلين الشجعان. ومن خرج منهم سالما بقى يعاني من كابوس تلك العذابات سنوات طويلة, أو أصبح مقعدا ومشلولا, كما حصل لعدد من الضباط الوطنيين العراقيين. ولا تقتصر عمليات التعذيب على المناضلات والمناضلين الذين هم قيد التحقيق فحسب, بل شمل أيضاً السجناء السياسيين الذين كانوا يقضون مدة الأحكام الصادرة بحقهم من المحاكم غير الشرعية في السجون العراقية الكثيرة. وجدير بالإشارة إلى أن عددا كبيرا من مواطني الدول العربية كانوا ضحية أجهزة الأمن والاستخبارات العراقية بسبب رفضهم مسايرة النضال أو تأييد جرائمه أو المشاركة في حروبه المجرمة. وحسب المعلومات التي وصلتني من مناضلين في البصرة أنهم عثروا على سرداب كبير في بناية ضخمة في البصرة وجد فيه عدد غير كبير من المعتقلين الذين تم اختطافهم أو اعتقالهم ثم غيبوا طيلة الفترة بعد وصول البعث إلى الحكم حتى أيام الانتفاضة الشعبية في البصرة حيث أمكن تحرير تلك المجموعة. كان هؤلاء قد فقدوا الصلة بالعالم الخارجي طيلة عقدين من السنين, كانت لحاهم وشعر رؤوسهم وأظافرهم طويلة, كما كانت وجوههم شاحبة اقرب إلى وجوه الموتى منها إلى وجوه الأحياء, كانوا لا يعرفون مدى السنين التي قضوها في هذا السرداب المعتم, حيث كان الطعام والماء يرمى إليهم من كوة لا يدخل منها حتى النور إليهم. لم يغتسلوا بالماء طيلة تلك السنوات. كان البعض منهم قد فقد عقله ولم يعد يدرك شيئا ولا يعرف سببا لاعتقاله. وقد اخذ بعض المنتفضين البعض من هؤلاء إلى إيران بعد فشل الانتفاضة في الجنوب. وهكذا ظهرت اليوم وبعد سقوط النظام عشرات المقابر الجماعية التي تحتضن ألآلاف من الناس الأبرياء ضحايا النظام واستبداده وقسوته. ووجدت عند أجهزة التعذيب مكائن لفرم جسم الإنسان بعد تقطيعه, سواء كان حياً أو ميتاً حيث يذهب اللحم المفروم إلى الأنهر كطعام للأسماك. 


 
حالة المجتمع في الوقت الحاضر

لقد ترك النظام بعد سقوطه مجتمعاً خاوياً ومخرباً من الناحيتين العصبية والنفسية, مجتمعاً غاضباً وحاقداً وكارهاً للسلطة التي استبدت به ومارست العنف والقسوة الظالمة ضده, مجتمعاً يعاني من اضطرابات كثيرة وشديدة وافتقد الحرية والديمقراطية لسنوات طويلة ونسي طعمها وسبل التعامل بها, مجتمعاً يعاني من الفقر والفاقة والحرمان والمرض والجهل بما كان يجري في العالم المحيط به, مجتمعاً يرغب الكثير من أفراده ممارسة الانتقام من جلاديه, مجتمعاً يشعر بالرغبة في التمرد على القوانين والسلطة ويريد أن يكون على رأس السلطة ليمارس ما مورس بحقه ضد جلاديه, ولكنه يمكن أن يمارسه ضد ضحايا جدد ..الخ. وهذا ما يفترض أن نشخصه الآن لنعرف كيف نتعامل مع هذا الواقع.
لن يكون إلا من باب النفاق مع المجتمع والأفراد عندما نتحدث عن قدرة مجتمعنا العراقي على تقبل الديمقراطية بسرعة أو التعامل مع الآخر والدولة بيسر ودون احتكاكات. فالحرية والديمقراطية وممارسة حقوق الإنسان مسائل مرتبطة بالمستوى الحضاري الذي بلغه المجتمع حالياً بعد انقطاع طويل مع تلك المفاهيم والحقوق. والاعتراف بذلك يساعدنا على معالجة الخلل. ولا يحق لنا أن نخلط بين الموطنة والمواطن بشكل عام وبين مجموعة غير كبيرة من المثقفين الذين استساغوا الديمقراطية عبر وجودهم في الخارج. إذ أن هذه المسألة, هي الأخرى خاضعة بدورها للكثير من العوامل, إذ غالباً ما نصطدم, ورغم مرور عقود على وجود البعض في الخارج أن يتحول هذا الفرد أو ذاك في لحظة واحدة إلى مستبد أهوج ويمارس العنف والقسوة بشكل غير معقول ضد من هم حوله أو ضد خصومه السياسيين.
إن أمامنا اليوم فرصة سانحة وعلينا استثمارها لصالح بناء مجتمعنا خطوة فخطوة على طريق الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, على طريق الاعتراف بالآخر والتسامح والمحبة. وهو طريق طويل وغير معبد, ولكن لا مناص ولا بديل له غير الاستبداد والعنف والقسوة والعودة إلى الحلقة المفرغة.
إن من يتابع مجرى تطور الأحداث في العراق يستطيع أن يقول بضمير مرتاح أن هناك تجاوزات كبيرة تقع على حقوق الإنسان في العراق سواء أكان ذلك من جانب قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية, أم من بعض قوى المعارضة العراقية ومن أوساط شعبية غير قليلة, إضافة إلى ممارسة ذلك من جانب فلول صدام حسين وقوى الإسلام السياسي المتطرفة والمتعاونين مع بعض القوى القومية المتطرفة ورجال العصابات الإجرامية. وهذه التصرفات لا تبشر بالخير إذا ما تواصل التجاوز على الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان على الطريقة الراهنة. فقوات الاحتلال لم تساعدنا حتى الآن, كما ادعت على فهم معنى ومضمون الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال تعاملها في مع المجتمع العراقي, سواء أكان ذلك قبل أم أثناء الحرب أم بعدها, بل تشير إلى العكس من ذلك. وليس من حقنا أن نقارن في ما كان عليه العراق في الفترة الاستبدادية المنهارة وبين الوقت الحاضر. وعلينا أن نشير إلى الحقائق التالية لنواجه أنفسنا ومدى علاقة كل ذلك بالديمقراطية وحقوق الإنسان بالنسبة لسلوكية سلطة وقوات الاحتلال:
• إنها رفضت ممارسة الأسلوب الديمقراطي لتشكيل حكومة عراقية مؤقتة من خلال مؤتمر وطني عام وفرضت تشكيل مجلس حكم انتقالي, وهو مخالف لإرادة كل القوى السياسية العراقية العاملة في الساحة السياسية العراقية. وبالتالي أضعفت قوة وسلطة هذا المجلس.
• إنها رفضت منح السلطات الضرورية لهذا المجلس واحتفظت بحق الفيتو على قراراته, كما حرمته من التدخل في تحديد موقف من القضايا الاقتصادية ...الخ, وهو إضعاف للمجلس أيضاً.
• الأساليب غير القانونية وغير المشروعة رغم انتهاء الحرب, حسب تصريح بوش, في مواجهة القوى المضادة وفي التعامل مع المعتقلين السياسيين من أتباع النظام. حيث تشير كل الدلائل إلى ارتكاب سلطة الاحتلال تجاوزات فظة على حقوق الإنسان وتؤكدها لجان مراقبة حقوق الإنسان العاملة حالياً في العراق وأصدرت الكثير من البيانات في هذا الصدد. يضاف إلى ذلك طريقة تعاملها مع الشارع العراق وحين تفتيش البيوت وفي نقاط التفتيش واستخدام الأسلحة عشوائياً عند تعرض جنودهم لاعتداءات من مخربين ومجرمين, أو طريقة التحقيق مع المعتقلين وظروف اعتقالهم ...الخ.
• إطلاق سراح العديد من المعتقلين المتهمين بارتكاب جرائم حرب أو ضالعين مع النظام بتلك الجرائم دون تقديمهم إلى المحاكمة.
• "بالإضافة إلى ذلك, فأن قوات التحالف لم تكد تقدم أي مساعدة فعلية في نبش القبور الجماعية المتناثرة في شتى أنحاء العراق, مما أدى إلى ضياع أدلة حاسمة على الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية"  هذا ما صرحت به منظمة مراقبة حقوق الإنسان.        
ولكن ليست سلطة الاحتلال وحدها ترتكب الكثير من التجاوزات على حقوق الإنسان, بل بعض القوى السياسية الدينية وغير الدينية التي لا تفهم ولا تريد أن تفهم معنى الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. ويمكن في هذا الصدد إيراد بعض الأمثلة:
• اغتيال عدد غير قليل من البعثيين المسؤولين وغيرهم في مختلف محافظات الوسط والجنوب دون أن توجه لهم التهم وإجراء محاكمات شرعية وعادلة لهم. وهي ليست حالات فردية, بل شملت, كما يبدو, عدداً مهماً منهم يراد فتح التحقيق بشأنهم.
• قتل السيد عبد المجيد الخوئي بسبب دعوته إلى إقامة المجتمع المدني العلماني في العراق.
• إصدار فتوى هدر دم مجموعة كبيرة من البعثيين من قبل آية الله السيد كاظم الحسيني الحائري بحجة كونهم من المتهمين بارتكاب جرائم متنوعة تتراوح بين التسبب في التهجير نتيجة كتابة تقرير إلى المشاركة في التعذيب أو تنفيذ أحكام الإعدام, دون أن يقدموا إلى محاكمة شرعية وعادلة.
• الدعوة إلى هدر دم جميع المتعاونين مع سلطة وقوات الاحتلال الأمريكي – البريطاني, أي قتل كل أعضاء مجلس الحكم الانتقالي وكل العاملين في الأحزاب السياسية العراقية المؤيدة لجلس الحكم.
• الطريقة التي تتعامل بها القوى السياسية العراقية حتى الآن في ما بينها أو دعوة البعض منها إلى تشكيل جيش خاص, كما في محاولة السيد مقتدى الصدر ودعوته للمقاومة وتشكيل "جيش المهدي المنتظر"!

وتقرر اليوم تشكيل محاكم عراقية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية واستخدام الأسلحة الكيماوية وتجاوز على حقوق الإنسان ومصادرة الديمقراطية وحرية الإنسان والمجتمع ...الخ. ويبدو لي ضرورياً أن نأخذ بالمقترح الذي طرحته منظمة هيومن رايتس ووتش "منظمة مراقبة حقوق الإنسان" الخاصة بقضايا المحاكمات حيث تقترح أن يستفيد العراق من الخبرة الدولية في هذا الصدد بهدف إجراء التحقيقات وجمع الوثائق والأدلة الضرورية لتوجيه الاتهامات الرسمية وإجراء المحاكمات الشرعية ضد أقطاب النظام وكل المتهمين الآخرين. إنها البداية لإرساء الشرعية في التعامل مع المتهمين وفق أسس دولة القانون لا الدولة التي قادها صدام حسين, دولة اللاقانون.

إننا نتحمل اليوم مسؤولية كبيرة أمام جيلنا الراهن وأجيالنا القادمة بصدد الإجابة عن السؤال التالي:
هل نريد أن نبني الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون الديمقراطي ونرسي دعائم مجتمع ودستور مدنيين وعلمانيين في العراق, أم نريد إعادة حلقة الاستبداد والعنف والقسوة على مجتمعنا؟ إننا أمام خيار واحد وحيد لنكون ضمن المسيرة الحضارية للشعوب والمشاركة الواعية والفعالة فيها. ولهذا يفترض أن نتطلع إلى أن نتواضع ونقبل دراسة واستيعاب تجارب الشعوب الأخرى التي سبقتنا على طريق الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والسلام. إلى هذا يفترض أن نتطلع وعندها يمكن أن نؤكد مجدداً بأن شعبنا غير مبتلى بجينات الاستبداد والعنف والقسوة, بل هو كسائر البشر ويكن أن يعيش في أجواء جديدة بعيدة عن الاستبداد والعنف والقسوة.       

برلين في 24/07/2003        كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يجري في العراق, ولمصلحة من, وكيف نواجهه؟
- الأهمية المتنامية لوحدة قوى الشعب في مواجهة تحديات القوى الف ...
- ما هي طبيعة الصراع حول شؤون ومستقبل الاقتصاد العراقي بين سلط ...
- الدروس التي يمكن استخلاصها من الحرب الأخيرة واحتلال العراق
- التركة الثقيلة لنظام صدام حسين الاستبدادي على المرأة العراقي ...
- الجولة الأخيرة واليائسة لصدام حسين وعصابته أو صحوة موت
- لمواجهة نشاط قوى صدام حسين بعد سقوط النظام - الحلقة الخامسة ...
- أفكار حول الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في العراق
- العوامل المحركة للقضية العراقية والصراع حول السلطة في العراق
- كيف يفترض أن نتعامل مع فتوى آية الله العظمى السيد كاظم الحسي ...
- موضوعات للحوار في الذكرى الأربعينية لثورة تموز عام 1958
- لِمَ هذه الخدمات المجانية لدعم غير مباشر لقوى صدام حسين التخ ...
- هل الدور الجديد الذي يراد أن تلعبه العشائر العراقية في مصلحة ...
- من أجل أن لا ننسى ما فعله الاستعمار البريطاني والنظام الملكي ...
- من أجل التمييز الصارم بين مواقف الشعب ومواقف أعداء الحرية وا ...
- قراءة في كتاب -دراسات حول القضية الكردية ومستقبل العراق- للأ ...
- انتفاضة السليمانية وثورة العشرين
- إجابة عن أسئلة تشغل بال مواطنات ومواطنين عرب ينبغي إعارتها ك ...
- من أجل مواصلة حوار هادئ, شفاف وبعيد عن الحساسية والانغلاق وا ...
- تحويل بعض بيوت الله من منابر للتسبيح بحمد الدكتاتور إلى مراك ...


المزيد.....




- حادثة طعن دامية في حي سكني بأمريكا تسفر عن 4 قتلى و7 جرحى
- صواريخ -حزب الله- تضرب صباحا مستوطنتين إسرائيليتن وتسهتدف مس ...
- عباس يمنح الثقة للتشكيلة الجديدة للحكومة
- من شولا كوهين إلى إم كامل، كيف تجمع إسرائيل معلوماتها من لبن ...
- فيديو:البحرية الكولومبية تصادر 3 أطنان من الكوكايين في البحر ...
- شجار جماعي عنيف في مطار باريس إثر ترحيل ناشط كردي إلى تركيا ...
- شاهد: محققون على متن سفينة دالي التي أسقطت جسر بالتيمور
- لافروف: لن يكون من الضروري الاعتراف بشرعية زيلينسكي كرئيس بع ...
- القاهرة.. مائدة إفطار تضم آلاف المصريين
- زيلينسكي: قواتنا ليست جاهزة للدفاع عن نفسها ضد أي هجوم روسي ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - من أجل أن نترك وراءنا مظاهر الاستبداد والعنف والقسوة في السلوك اليومي للإنسان (الذكر) العراقي!