أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - كاظم حبيب - انتفاضة السليمانية وثورة العشرين















المزيد.....



انتفاضة السليمانية وثورة العشرين


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 518 - 2003 / 6 / 19 - 10:50
المحور: القضية الكردية
    


 

بمناسبة مرور الذكرى 84 عاماً على انتفاضة السليمانية (1919) وقرب مرور الذكرى 83 على ثورة العشرين(1920) أنشر هاتين الدراستين المكثفتين تخليداً لهاتين المناسبتين وتعريفاً بهما وتنشيطاً للحوار حوليهما, وتأكيداً للأخوة والتضامن النضالي بين العرب والكرد والقوميات الأخرى في العراق, إضافة إلى أهمية مثل هذه الأخوة والتضامن النضالي في المرحلة الراهنة حيث يسعى الشعبان وباقي القوميات في العراق إلى إقامة نظام جمهوري اتحادي ديمقراطي ومدني حديث.

انتفاضة السليمانية وثورة العشرين

العوامل المفجرة لانتفاضة السليمانية 1919

استمر شكل الرعي باعتباره الأساس المادي لاقتصاد المناطق الجبلية في حين كانت الفلاحة والرعي تنتشران في المناطق السهلية من كردستان العهد العثماني, إضافة إلى وجود بعض الصناعات الحرفية اليدوية البسيطة في المدن الفلاحية الصغيرة وفي المدن الكردية. شهدت سنوات القرنين السابع عشر والثامن عشر و الثلث الأول من القرن التاسع عشر معارك غير قليلة بين القبائل الكردية في جنوب كردستان, أي في كردستان العراق الحالية, مرة, وبين القبائل الكردية وحكم المماليك في بغداد مرة أخرى, كما تعرضت لاحتلال فارسي وأصبحت أراضيها ساحات لمعارك دموية كانت تدور بين الدولتين الفارسية والعثمانية. وكان الشاهات الفرس وسلاطين الدولة العثمانية يخوضون القتال في المناطق الكردية وعندما يفرضون سيطرتهم عليها يوقعون الاتفاقات معهم التي تخدم في المحصلة النهائية مصالحهم وتعيق تطور المنطقة الكردية أو تسمح بتحقيق تعاونها وتضافر جهودها أو توحيد إماراتها. يشير عصمت شريف, في مجال بحثه في الاتفاقيات التي كانت قد وقعت بين الأمراء الكرد وملوك إيران, إلى أن تلك الاتفاقيات كانت ذات جانبين:, فهي من حيث المبدأ كانت تضع حدا للحروب المتبادلة بين القبائل والإمارات الكردية باعتبارها متحالفة مع الشاهات من جانب, ولكنها كانت في الواقع العملي تمنع من جانب آخر اتحاد تلك القبائل الكردية وتساهم في تفرقهم وانخراط وحدة الكلمة. ), كما أنها كانت لا توفر الإمكانيات الضرورية لتطوير المنطقة الكردية وتحسين مستوى حياة السكان. ويشير محمد أمين زكي إلى أن الدولة العثمانية قد استخدمت الكرد بشكل واسع في حروبها ضد الدولة الفارسية وفي الحربين الروسية التركية "وفي القضاء على الإمارات الكردية خاصة وفي إطفاء نار الثورات التي قامت ضدهم في سائر أنحاء المملكة العثمانية, بما فيها الثورات التي قامت في جنوب العراق ضدهم, ولاسيما في عهد الولاة المماليك ببغداد إذ قضوا عليها غالبا بفضل القوات الكردية" . ويورد الكاتب أمثلة كثيرة على ذلك الاستخدام من جانب الدولتين العثمانية والفارسية للكرد في معاركها المتبادلة وعلى أرض كردستان أو في أنحاء أخرى من الدولة العثمانية وخارجها. 
يشير محمد أمين زكي إلى الخصائص التي تميز علاقة أفراد العشائر الكردية برئيس العشيرة وموقعه في المجتمع حينذاك فيقول: " تمتاز الحياة الاجتماعية بين الكرد بثلاثة أوصاف بارزة. (أ) التفاف الكرد حول زعيم كائنا من كان, وقد يكون أجنبيا عنهم. وهذا الوصف يكاد تقليدا تاريخيا لا يتبدل. (ب) إطاعتهم لهذا الزعيم إطاعة عمياء مع مراعاة التقاليد التاريخية في ذلك. (ج) انقسامهم إلى طبقات اجتماعية. (زراع وأصحاب حرف )"  لم تكن هذه الحالة تشمل أفراد العشائر الكردية, بل كانت تشكل بصورة عامة خصائص العلاقات في العشائر عامة. رغم أن الإنسان لا يمكن أن يطلق الخاصية الأولى على جميع الكرد حينذاك, إذ أن الزعماء كانوا عموما من الفئات الميسورة في العشيرة.         
لم يكن اهتمام بريطانيا منصبا على المنطقة العربية فحسب, بل وعلى المنطقة الكردية أيضا, سواء كانت شرق أم جنوب كردستان, إذ كانت كل الدلائل تشير إلى وجود النفط في المنطقة التي أصبحت ضمن عراق اليوم, إضافة إلى أهمية هذه المنطقة من الناحيتين العسكرية والتجارية. وقد تجلى ذلك الاهتمام بوضوح في مراسلات الجنرال برسي كوكس مع الحكومة البريطانية بعد انسحاب القوات الروسية من إيران ومن كردستان الشرقية التي كانت وما تزال تقع ضمن الحدود الإيرانية. وكما جرى مع العرب كانت الوعود البريطانية والفرنسية قد أعطيت إلى رؤساء القبائل الكردية. وكانت تلك الوعود تتضمن موافقة الحلفاء على النظر الجدي بمطالب الكرد في تحقيق وحدة بلادهم, ومنح الاستقلال الذاتي لمنطقة كردستان ضمن الوصاية البريطانية. ولكن في واقع الحال وضعت الحكومتان البريطانية والفرنسية الخطط السرية لتقسيم المنطقة فيما بينهما والتي وجدت تعبيرها في بنود اتفاقية سايكس - بيكو التي وقعت في العام 1916, ثم وقع عليها فيما بعد ممثلو روسيا القيصرية. وكانت هذه الدول قد اتفقت على أن تصبح ولاية الموصل, وبضمنها القسم الأكبر من كردستان الجنوبي, وفق بنود هذه الاتفاقية من حصة فرنسا, وأن تكون إيران وقسم من كركوك خاضع للوصاية البريطانية. وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى تمكنت بريطانيا وفق مناورات عديدة من إقناع فرنسا بمساومة خاصة جرى بموجبها إعطاء فرنسا حصة مناسبة من امتيازات النفط العراقي وتأكيدها على جعل سوريا ولبنان من حصة فرنسا دون منازع, في مقابل أن تكون ولاية الموصل ضمن حصتها التي شملت عمليا إيران والعراق وتركيا, أي كل كردستان في ما عدا القسم المتبقي في الحدود التي رسمت لسوريا.
لقد كانت سنوات الحرب العالمية الأولى قاسية جدا على الشعب الكردي وعلى مختلف مناطق العراق, وبخاصة الموصل. فالمعارك الحربية بين القوات البريطانية والعثمانية التي ساهمت في تخريب البلاد ونشر الرعب والدمار والموت بين الناس, إضافة إلى المجاعات والأوبئة التي أودت بحياة عشرات الألوف من الناس قد جعلت السكان يتمنون نهاية الحرب والخلاص من الحكم العثماني, خاصة وأن وعود البريطانيين للأكراد كانت معسولة. وكان الوضع في كردستان معقدا جدا. فمن جهة كانت القوات التركية قد أُجبرت على التراجع بفعل تظافر جهود القوات البريطانية-الهندية والوحدات غير النظامية للقبائل الكردية التي شكلها رؤساء القبائل مقابل الوعود بوحدة كردستان الجنوبي على الأقل. وكانت العلاقات الكردية - الأرمنية متوترة بفعل المجازر التي نظمتها الدولة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر ضد الكرد باستخدام الوحدات العسكرية الحميدية. كما أن العلاقات في ما بين العشائر الكردية لم تكن دون توترات ومنازعات, رغم إنها كانت تواجه مشكلات مشتركة. إلا أن هذا لم يمنع القوات البريطانية من عقد اتفاقية تعاون بينها وبين الكثير من رؤساء القبائل الكردية التي كانت تحمل كرها شديدا للدولة العثمانية, رغم عدم ترحيب رجال الدين بمثل هذه الاتفاقية, إذ كانت تلك القوى تؤيد, من وجهة نظر دينية بحتة, حرب الدولة العثمانية المسلمة ضد بريطانيا وفرنسا "الكافرتين". 
وقبل توقيع اتفاقية الهدنة في مودرس في الثلاثين من شهر تشرين الثاني عام 1918 م بين دول الحلفاء والدولة العثمانية كانت القوات البريطانية قد بدأت معاركها ضد القوات العثمانية في كردستان العراق واحتلت في أيار من عام 1918 كفري وطوزخورماتو في كركوك, ثم تم احتلال الموصل في العاشر من تشرين الثاني من نفس العام. وبهذا أصبحت ولاية الموصل كلها ضمن الاحتلال البريطاني.  
ومع نهاية عام 1918 عينت الحكومة البريطانية الشيخ محمود البرزنجي محافظا لمدينة السليمانية, كما عينت بعض رؤساء العشائر الكردية الأخرى مسؤولين عن مناطق كردية أخرى مثل جمجمال وحلبجة وغيرها واعُتبروا ممثلين للحكومة البريطانية أولا, ولكن عين بجوارهم بعض المستشارين السياسيين البريطانيين "لمساعدتهم " في أداء مهماتهم, وبتعبير أدق للأشراف عليهم ومراقبتهم, إذ لم تكن للحكومة البريطانية ولا ممثليها في العراق ثقة بهم. وقد أجرت الدولة البريطانية لهم رواتب ومساعدات مالية, كما فرضت عليهم مجموعة من الالتزامات. وكانت هموم بريطانيا متوجهة في منطقة كردستان الجنوبي صوب الأمور الأساسية التالية:
- تعزيز الهيمنة البريطانية على المنطقة ومنع عودة النفوذ العثماني إليها ثانية؛
- المحافظة على النظام العام ومنع نشوب النزاعات والمعارك بين القبائل الكردية؛
- إعادة إعمار ما خربته الحرب وتطوير الحياة الاقتصادية, وخاصة الزراعة والتجارة في ظل العلاقات الإقطاعية التي كانت سائدة في كردستان حينذاك, وضمان جباية الضرائب وفق ما كانت عليه الحالة أثناء الاحتلال العثماني للمنطقة تقريبا, إضافة إلى زيادة إنتاج السلع التي يمكن تصديرها إلى الأسواق البريطانية, ومنها التنبغ؛ 
 - ضمان استمرار تدفق السلع البريطانية إلى أسواق هذه المنطقة؛
- تأمين الهيمنة البريطانية التامة على منابع النفط التي كانت معروفة حتى ذلك الحين في كل من كركوك والموصل لتكون الخطوة الأولى على طريق جعل كردستان الجنوبي والشرقي, إضافة إلى الموصل, ضمن منطقة الاحتلال البريطاني ومن حصة بريطانيا كلية.
وفي مقابل هذه الأهداف البريطانية الاستعمارية كان المراقب حينذاك يلاحظ على المجتمع العشائري الكردي المسائل المهمة التالية:
- نمو المشاعر القومية الكردية بين رؤساء العشائر الكردية وبعض المثقفين والمتعلمين المتنورين, سواء الذين كانوا في تركيا أم في الخارج. وقد ظهر في هذه الفترة ولأول مرة شعار "كردستان للأكراد" . ويشير محمد أمين زكي إلى أن الكرد في الخارج ابدوا نشاطا ملحوظا لصالح القضية الكردية, إذ كنب يقول: "... أخذ (شريف باشا) في باريس على عاتقه تمثيل الجماعات السياسية الكردية كلها, فقدم مذكرتين وخريطتين لكردستان إلى مؤتمر الصلح ضمنهما مطالب وحقوق الأمة الكردية. وكانت إحدى المذكرتين مؤرخة في (25 جمادي الثاني سنة 1338 هجرية - أول مارس سنة 1919 م) والأخرى (سنة 1338 هجرية - أول مارس 1920) وفي ديسمبر سنة (1919 م) كان شريف باشا وقع مع ممثل الأرمن (بوغوص نوبار باشا) اتفاقا بين الكرد والأرمن من نتيجته ان تقدما إلى مؤتمر الصلح ببيان مشترك يحددان فيه حقوق أمتيهما"  .
- تزايد الشكوك في الوعود البريطانية التي أعطيت لرؤساء القبائل, وبخاصة للشيخ محمود البرزنجي باستقلال كردستان الجنوبي تحت الوصاية البريطانية؛ 
- تنامي الرغبة لدى رؤساء العشائر الكردية في مواجهة المحتلين الجدد عسكريا وطردهم من المنطقة والتي تجلت في الحركات الثورية العشائرية  في عام 1919 بشكل خاص, خاصة وأن الإنجليز بدأوا يفرضون نفس الضرائب على العشائر وينتزعونها بنفس الطرق التي كانت تمارسها الدولة العثمانية.
تشير أغلب المصادر التي تبحث في الحركات الثورية لعام 1919 إلى أن تحركات عديدة  كانت قد بدأت في ربيع عام 1919 ابتداءاً من انتفاضة عشيرة كويان على مشارف زاخو وعشيرة البارزان بقيادة أحمد البارزاني, اللتان قمعتا بقوة السلاح من جانب القوات البريطانية, قبل أن يتحرك الشيخ محمود الحفيد البرزنجي في العشرين من أيار من نفس العام بحركته الثورة وتحريره لمدينة السليمانية من القوات البريطانية والضباط البريطانيين بمن فيهم السياسيين, وإعلان نفسه حاكما على المدينة, إضافة إلى إعلان استقلال كردستان باعتبار السليمانية عاصمة ونواة الدولة الجديدة. وبعد فترة وجيزة وسع الشيخ محمود نفوذه إلى كركوك وإلى الحدود الشرقية الإيرانية. واعتبرت القوات البريطانية المحتلة هذا التوسع بمثابة أشارة خطر كبيرة تهدد المصالح البريطانية في المنطقة, إذ كانت تخشى على منابع النفط في كركوك والموصل أولا, كما كانت تخشى من احتمال اتساع لهيب الثورة إلى مناطق أخرى من كردستان الجنوبي والشرقي, خاصة وأن أصداء هذه الحركة كانت قد انتشرت سريعا في المناطق العربية والكردية من العراق وكذلك في إيران. ولم يكتف الشيخ محمود البرزنجي بذلك, وهو الشخصية المحترمة والمحبوبة في أوساط العشائر الكردية, بل وضع علما لكردستان وأصدر الطوابع والنقود التي تحمل صورته ووضع الأختام البريدية. وصدرت في هذه الفترة الجريدة التي تعبر عن وجهة نظر الحكومة الكردية التي شكلها برئاسة شقيقه قادر برزنجي والتي سميت ب"شمس كردستان" .    
وقد تسنى للقوات البريطانية التي لم تستخدم قواتها العسكرية في قمع هذه الانتفاضة فحسب, بل اعتمدت المناورة السياسة ومارست أسلوب فرق تسد, حيث تمكنت من التأثير على بعض خصوم الشيخ محمود من رؤساء العشائر الأخرى وحركتهم ضده. وبعد فترة وجيزة أمكن الإجهاز على هذه "الدولة الكردية الفتية" بعد أن تم جرح وأسر الشيخ محمود نفسه في معارك مضيق بازيان في السابع عشر من حزيران من العام 1919 وترحيله مخفوراً إلى بغداد.  إلا أن الحركات المناهضة للبريطانيين لم تتوقف بل تفجرت في مناطق أخرى مثل عقرة والعمادية وراوندوز وبادينان...الخ. وفي الثالث من آب/أغسطس من عام 1919 أعلن رسمياً عن القضاء على الانتفاضة الشعبية المسلحة . إلا إنها جميعا لم تستطع مقاومة الاحتلال ولم تستطع الحيلولة دون فرض الحلول البريطانية على منطقة كردستان الجنوبي كما فرضته على المناطق الأخرى التي أصبحت فيما بعد عراق اليوم, رغم ثورة العشرين التي تفجرت في الفرات الأوسط وعمت مناطق أخرى من العراق بما فيها مناطق من كردستان الجنوبية.


نتائج انتفاضة السليمانية

لم تكن انتفاضة السليمانية حركة عفوية انطلقت من رغبة وإرادة فرد واحد هو الشيخ محمود الحفيد, بل كانت تجسيدا لرغبة وطموح الشعب الكردي في مختلف مناطقه في الوحدة وفي حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته الوطنية على ارض كردستان. وكانت التضحيات التي قدمها بمثابة الثمن الذي لا بد منه من أجل تأمين ذلك الهدف الذي راود الرواد في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وتنامي وأصبح قاب قوسين أو أدنى بوعود الحلفاء بتحقيق ذلك الهدف. فانتفاضته جاءت تعبيرا عن الرغبة في تحقيق هذا الهدف واحتجاجاً على أولئك الذين تجاوزا وعودهم التي أعطوها لقادة الحركة الكردية في الداخل والخارج. فماذا كانت النتائج العملية لانتفاضة الشعب الكردي في السليمانية؟
لم تحقق انتفاضة الشعب الكردي أهدافها الأساسية, إذ أنها لم تكن بالقوة والزخم الضروريين من جهة, كما لم تحصل على الدعم والتأييد اللازمين من جهة أخرى, إضافة إلى أن القوى الاستعمارية التي كانت مهتمة بتوزيع الأسلاب في ما بينها, وبالتالي لم يكن يهمها مستقبل الشعب الكردي الذي كانت أراضيه قبل ذاك موزعة بين الدولة العثمانية والدولة الفارسية, إضافة إلى أن جعل القضية الكردية دون حل جذري يحولها إلى أداة فعلية وفعالة بيد المنتدب من عصبة الأمم على العراق والمنطقة عموماً لابتزاز الشعب الكردي مرة والضغط على الدول الأخرى مرة ثانية, كما حصل فعلا فيما بعد. ومن هنا رفضت بريطانيا أن تمنح الشعب الكردي حقه في تقرير مصيره ووزعت أرض كردستان بين دول أربع هي العراق وتركيا وإيران وسوريا, مما جعل القضية الكردية اليوم أكثر تعقيدا من أي وقت مضى. ومنذ معارك جالديران بين الدولة الفارسية والدولة العثمانية وبدء احتلال العراق من جانب الإمبراطورية الصاعدة أصبحت منطقة كردستان الجنوبي جزءا من العراق العثماني والمملوكي, كما كانت قبل ذاك في العهدين الأموي والعباسي. وأصبحت في فترات معينة جزءا من ولاية شهرزور ثم جزءا من ولاية الموصل, رغم أنها وفي فترات معينة استطاعت إقامة إمارات مستقلة نسبياً ولكنها خاضعة للدولة العثمانية.     
وتحت تأثير انتفاضة السليمانية, رغم فشلها, كان أعضاء عصبة الأمم واللجان التي تشكلت للنظر في أمر المنطقة الكردية وعموم العراق, تبنت عصبة الأمم موقفاً يدعو إلى منح الأكراد في العراق بعض الحقوق القومية المشروعة مثل الإدارة الكردية والتدريس باللغة الكردية وتوظيف الأكراد في المنطقة الكردية, ولكن لم يشمل المناطق الأخرى من كردستان, أي منطقة كردستان إيران وكردستان تركيا والقسم الذي أصبح ضمن سوريا, بمثل هذه الحقوق الأولية المشروعة. فقد ورد في لائحة الانتداب على العراق نصاً يشير إلى ما يلي جوازاً: "المادة السادسة عشرة- لا شيء مما في هذا الانتداب يمنع المنتدب من تأسيس حكومة مستقلة إدارياً في المقاطعات الكردية كما يلوح له" . وهذا يعني إقامة حكم ذاتي في منطقة كردستان الجنوبي حينذاك, إذ لم يكن تعبير كردستان العراق واردا أو مستعملاً حينذاك. كما أنها لم تأخذ بالرأي الذي كان يدعو إلى استفتاء أهالي المنطقة الكردية ومن ثم عرض نتائج الاستفتاء على عصبة الأمم لاتخاذ قرار بشأنها .
وإذ تخلت بريطانيا, وهي الدولة المنتدبة, من تأمين هذا الحق, فأنها أقرت في عام 1925 إبقاء ولاية الموصل كلها في إطار الدولة العراقية الحديثة على أن تلتزم الدولة العراقية بعدد من الشروط الأساسية. إذ جاء في تقرير اللجنة الثلاثية التي شكلت من جانب مجلس عصبة الأمم, والتي أضيف إليها ممثلان عن العراق وتركيا, الذي رفعته في يوليو/تموز عام 1925 إزاء الكرد ما يلي:
"يجب مراعاة رغبات الأهالي الكرد في تعيين الموظفين الكرد وجعل اللغة الكردية, لغة رسمية بالمدارس والمحاكم في المرافعات والمحاكمات. وترى اللجنة أيضاً أنه فيما إذا لم يعط الكرد ضمانات كافية وعهودا قوية بأن تنشأ لهم إدارة داخلية مستقلة, بعد أربع سنين من قبول معاهدة إنجليزية عراقية, وزوال سلطة عصبة الأمم عن العراق, فأن معظم الكرد يفضلون الرجوع إلى الانضواء تحت لواء الإدارة التركية, على البقاء في الإدارة العراقية" .

 
        
ثورة العشرين

العوامل المفجرة للثورة

في ضوء تتبعنا وتحليلنا لواقع واتجاهات تطور العلاقات العراقية-العثمانية تبين لنا بوضوح بأن العراقيين عموما, سواء أكانوا عرباً أم كرداً أم من الأقليات القومية والدينية, وقفوا ضد الهيمنة العثمانية وسعوا للخلاص من صيغة الحكم المركزي المباشر المفروضة على البلاد, مع أن قسما مهما من العراقيين كان لا يرفض بالضرورة استمرار العلاقات الروحية- الدينية مع السلطة العثمانية, رغم علمه بأنها فقدت مضمونها الديني وتراجعت علاقتها الروحية مع الناس بسبب سياسات الاضطهاد والقهر والحرمان التي مارستها وتعرض لها العراقيون, سواء أكانوا من أبناء المدن أم من سكان الريف والبادية. وتطرق البحث قبل ذاك إلى الهبّات والتمردات التي قام بها سكان الريف والبدو شبه المستقرين لمواجهة ظلم الولاة الأتراك وقسوة الجندرمة وجباة الضرائب والإتاوات. ومنذ بداية الحرب العالمية الأولى وجدت بعض القوى العربية والكردية وغيرها نفسها أمام أحد أمرين: إما أن تكون مع الدولة العثمانية وتبقى تعاني من جورها وتخلفها وما يرتبط بكل ذلك من معاناة, وإما أن تكون مع بريطانيا وبقية الحلفاء لتحصل على الحرية والاستقلال والتقدم والوحدة. وأدى ذلك إلى انقسام الناس في العراق إلى جبهتين:
• إحدى الجبهتين أيدت الوقوف إلى جانب الدولة العثمانية المسلمة ودعم قواتها في العراق ضد القوات البريطانية ومقاومة احتلالها للعراق باعتباره أجنبيا ومستعمرا وكافرا في آن واحد يفترض محاربته من الناحية الدينية أيضاً. ولذلك وخاضت جماعات غير قليلة المعارك مع الأتراك في البصرة ضد القوات البريطانية. ولم يكن العرب من الوسط والجنوب وحدهم قد شاركوا في معارك البصرة, بل جاء المتطوعون الأكراد أيضاً للمشاركة في معارك الجهاد ضد الإنكليز. فصاحب كتاب "الداوودية, ماضيها وحاضرها" يذكر على سبيل المثال لا الحصر كيف تطوعت مجموعات من الأكراد للجهاد ضد الإنكليز وغادرت إلى البصرة للمشاركة في القتال مع العرب والأتراك . واستشهد في هذا المعارك من شيوخ العشائر الكردية, ومنهم: "نامق أغا, رئيس عشائر الداوودية, وشيخ قادر, رئيس عشائر البادوا, وشيخ لطيف, رئيس عشائر الطالبانية, وميرة سور, رئيس عشيرة البرزنجة وأفراد آخرون من فرسانهم" . ويشير الدكتور عبد الله الفياض إلى مشاركة الأكراد في الجهاد ضد القوات البريطانية فيقول: "وقد أسفرت الدعوة للجهاد عن تجمع عدد من أهالي المدن والعشائر يتراوح بين 10 - 15 ألف مقاتل بينهم 1500 مجاهد من الأكراد" .
•  والجبهة الثانية, وهي الأكبر, ساندت القوات البريطانية بالارتباط مع الوعود التي أعطيت للشريف حسين وللعراقيين في الحصول على الحرية والاستقلال. وكانت البهجة كبيرة عند الكثيرين من العراقيين بالاحتلال وانتصار البريطانيون على الأتراك, كما يشير إلى ذلك الدكتور على الوردي.  ولكن الصورة قد تغيرت بعد فترة وجيزة من احتلال  بريطانيا التام للعراق, ولم تعد هناك سوى المواجهة مع بريطانيا التي حلّت محل الدولة العثمانية في استعمار البلاد. وقد حمل الموقف المعادي للقوات البريطانية ووعودها وعيا نسبيا بطبيعة الاستعمار الحديث وأهدافه والنتائج التي ستترتب على ذلك الاحتلال. وكان هذا الوعي مزيجا متشابكاً يصعب تفكيكه أو التركيز على جانب منه دون الجوانب الأخرى, مزيجا من الوعي القومي والوطني والديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي, كما يحمل في طياته تجارب ومرارات العراق تحت الهيمنة والاحتلال والاجتياحات التي تعرض لها في فترات مختلفة من تاريخه القديم والحديث.
إن دراسة وقائع تلك الفترة والدراسات التحليلية بشأنها تساعد الباحث على بلورة مجموعات من العوامل التي كانت وراء انفجارها والتي يمكن تكثيفها في مجموعتين من جهة وثلاث أربع مجموعات من جهة أخرى, أي العوامل الداخلية والخارجية مرة, والعوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والنفسية من جهة ثانية.

أولاً:  العوامل الداخلية

1.العوامل السياسية
               
تشير الدراسات التي تعرضت إلى هذه الفترة من تاريخ العراق المعاصر, إضافة إلى المضابط والبيانات التي صدرت حينذاك والصحف التي عالجت مهمات الثورة, إلى أن الهدف المركزي لثورة العشرين قد تجسد في تطلع العراقيين إلى الاستقلال والحرية, وإلى التخلص من السيطرة الأجنبية البريطانية, أي النضال من أجل إقامة الدولة العراقية المستقلة.  وهي مفاهيم حديثة بطبيعة الحال لم يتعود عليها العراقيون قبل ذاك, إذ أن جل ما طرحه العاملون في الحقل السياسي حينذاك هو الحصول على الحكم اللامركزي في إطار الدولة العثمانية. وساهمت في هذا النضال مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية في الريف أولا, وفي الكثير من المدن ثانيا, إضافة إلى بعض القبائل والعشائر شبه المستقرة. وإذا كانت المدن العراقية قد شهدت قبل ذاك صراعاً بين الريف والمدينة أو بين البادية والمدينة حيث كانت المدن تتعرض إلى اجتياح القبائل المستمرة, فأنها ولأول مرة عاشت جواً من التعاون والتنسيق لصالح الخلاص من الهيمنة البريطانية . وبرز لأول مرة في تاريخ العراق دور علماء الدين المتميز في الجهاد في معارك البصرة أولاً, ومن ثم في التعبئة لثورة العشرين ثانياً. وبرزت أهمية علماء الدين في دورهم البارز وتأثيرهم الكبير على شيوخ العشائر وعلى أفرادها من جهة وعلى قدرتهم النسبية العالية في توحيد كلمتهم أو جمع شملهم على مطالب معينة يتوجهون بها إلى سلطات الاحتلال البريطاني. وهي ظاهرة مهمة تعبر عن تأثير حركة المشروطية في إيران ودور علماء الدين فيها في بداية القرن العشرين على علماء الدين في العراق.  وإذا كانت الأوساط الدينية الوطنية وشيوخ العشائر وبعض ملاكي الأراضي الزراعية وبعض الشخصيات الاجتماعية والمثقفة أو الأفندية من أبناء الفئات الميسورة والبرجوازية الصغيرة قد لعبت دورا متميزا وقياديا فيها, وفق طبيعة المناطق التي شملتها الثورة, فإن جموع الفلاحين الواسعة وأبناء العشائر وكادحي المدن المشاركة في الثورة شكلت جيشها الأساسي ووقودها المباشرة. ومما هو جدير بالإشارة إلى أن غالبية أبناء الفئات المتوسطة التي شاركت في الثورة أو قدمت الدعم المالي والسياسي لها كانت تنحدر من أصل ريفي أو من الأسر الميسورة وأشراف المدن, ولكنها كانت في الوقت نفسه من ملاكي الأراضي الزراعية والعقارات. ولهذا برزت تلك العلاقات المتشابكة بين الفئات المدينية المتوسطة (أو بديات تكون البرجوازية العراقية الجديدة) وكبار ملاكي الأراضي الزراعية, إذ كانت لهما معا علاقات اقتصادية وروحية قوية مع رجال الدين الشيعة على نحو خاص.
وتجلت نشاطات هذه القوى الاجتماعية السياسية في فعاليات الأحزاب والجمعيات السياسية التي تشكلت في العقد الثاني من القرن العشرين وهي: حزب العهد العراقي, الذي يعتبر انشطاراً عن جمعية العهد التي تشكلت في عام 1913 بمبادرة من القائد العسكري والسياسي عزيز المصري في ظل الحكم العثماني, وجمعية حرس الاستقلال, والجمعية الوطنية الإسلامية ذات الطابع المحلي. وعمدت هذه الأحزاب إلى بلورة الأهداف السياسية للفئات الاجتماعية المختلفة وطرحتها في شعارات محددة موجهة إلى تعبئة الناس وتحريك الشارع في سبيل انتزاع الاستقلال, رغم وجود بعض التمايز بين طبيعة حزب العهد العراقي وجمعية حرس الاستقلال الناشئ عن الاختلاف النسبي في التمثيل الاجتماعي لمصالح الفئات الاجتماعية المختلفة.   
أكد حزب العهد العراقي في منهاجه السياسي على العمل من أجل تحقيق: "استقلال العراق استقلالا تاما ضمن الوحدة العربية وداخل حدوده الطبيعية... " , في حين شددّت جمعية حرس الاستقلال على ما يلي: "تسعى الجمعية المذكورة وراء استقلال البلاد العراقية استقلالا مطلقا." ولكن الجمعية ركزت من جديد على مسألتين مهمتين في هذا الإطار وهما الوحدة الوطنية لكل العراقيين أولاً, وتأمين العلاقة العضوية بين نضال العراق وبقية الأقطار العربية من أجل الوحدة العربية ثانياً. ولم تشذ الجمعية الوطنية الإسلامية عن هذا النهج السياسي ورفعت شعار استقلال العراق ومقاومة الاحتلال الأجنبي.
وبدلاً من الاستجابة لمطالب العراق ومراعاة واقعية لمشاعر الشعب في الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية, صدر قرار مجحف عن عصبة الأمم أثناء انعقاد مؤتمر سان ريمو بتاريخ 25 نيسان/إبريل 1920, وضع بموجبه العراق تحت الانتداب البريطاني. وكان هذا القرار بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير وفجرت الثورة. فقرار المؤتمر جاء في ضوء ثلاث حقائق أساسية هي:
1. كانت عصبة الأمم تمثل من حيث المبدأ الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الأولى التي سعت إلى تقسيم مناطق النفوذ في ما بينها, وبالتالي كان لها تأثير مباشر على قرارات عصبة الأمم والمؤتمرات التي كانت تعقدها, خاصة وأن بريطانيا كانت تعتبر الدولة الاستعمارية الأكثر قدرة وتأثيرا في الأحداث حينذاك؛
2. ورغم صدور إعلان المبادئ أو شروط الرئيس الأمريكي في أعقاب الحرب العالمية الأولى في سبيل منح الشعوب التي كانت تحت الاحتلال حق تقرير المصير, فأن المساومات في ما بين الدول الكبرى حينذاك, وخاصة بشأن النفط الخام العراقي, سمحت لبريطانيا أن تمرر مشروع الانتداب على العراق دون اعتراض من جانب الولايات المتحدة الأمريكية, خاصة وأنها وافقت على توزيع أسلاب الدولة العثمانية في ما بينها وبين فرنسا بما يسكت الأخيرة أيضا, إذ أصبحت سوريا ولبنان, وكانتا قبل ذاك, إضافة إلى فلسطين جزءاً من ولاية الشام الخاضعة للدولة العثمانية, من نصيب فرنسا والعراق وفلسطين من نصيب بريطانيا؛
3. ولا شك في أن سلطات الاحتلال البريطاني لم تكن تعتقد بقدرة العراقيين على خوض النضال ضد القوات البريطانية المنتصرة والمعسكرة في العراق, خاصة وأن قوى غير قليلة كانت تقف إلى جانب سياسة بريطانيا في العراق, وعلى رأسهم نقيب أشراف بغداد عبد الرحمن الكيلاني, وبالتالي, فأنها لم تكن تعتقد باحتمال نشوب ثورة ضدها أصلاً, إضافة إلى أن الاستقبال الحار الذي استقبلت به القوات البريطانية في البصرة أعطى المسؤولين البريطانيين الانطباع وكأن العراقيين لا يرفضون الانتداب. علماً بان المس بيل, وكانت المساعدة المباشرة للمندوب السامي البريطاني في العراق السير برسي كوكس, كانت تتوقع حدوث مشكلات كبيرة لبريطانيا في العراق, إن هي رفضت الاستجابة لتطلعات العراقيين في إقامة الدولة العراقية المستقلة.  
لقد جاء قرار عصبة الأمم بشأن العراق حاسماً وجائراً, حيث ورد في لائحة الانتداب ما يلي:
"بناء على نص المادة "132" من معاهدة الصلح, الموقع عليها في سيفر في اليوم العاشر من شهر أغسطس 1920, التي بموجبها قد تنازلت تركية عن كل حقوقها وتملكها في العراق إلى الدول المتحالفة الرئيسية, وبناء على المادة 94 من تلك المعاهدة, التي بموجبها قررت هذه الدول الكبرى, وفقا للفقرة الرابعة من المادة 22 من الفصل الأول "عهد جمعية الأمم" بأن تعترف بالعراق دولة مستقلة, يشترط عليها قبول المشورة الإدارية والمساعدة, من قبل منتدب, إلى أن تصبح قادرة على القيام بنفسها وحدها, وأن تحديد تخوم العراق, سوى ما هو مقرر في المعاهدة المذكورة, واختيار المنتدب, تتفق عليه الدول الرئيسية المتحالفة, وبما أن الدول  المتحالفة الرئيسية قد اختارت صاحب الجلالة البريطانية منتدباً من قبلها على العراق, …." .
وأوردت لائحة الانتداب شروط الانتداب وحقوق بريطانيا على العراق التي كانت بمثابة فرض الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية والمالية غير المحدودة وغير المحددة بوقت معين عليه. وقد جوبه مثل هذا القرار بالرفض الكامل من جانب المجتمع العراق, في حين وافقت عليه بعض القوى, إذ لم تجد في واقع الحال مخرجاً أو حلاً آخر لها, إذ كان عليها, كما اعتقدت, أن تتعامل مع الواقع الموضوعي القائم وتأمين التخلص التدريجي من تلك الهيمنة. ومن بين هؤلاء كان فيصل بن الحسين وكذلك العديد من الضباط العراقيين الذين ساندوا الحسين بن علي شريف مكة في تحالفه مع بريطانيا في الحرب.    
إن حركة الاستقلال الوطني التي انتعشت في تلك الفترة قد انعكست بوضوح في البيانات والمضابط التي رفعها رجالات الثورة وفي الفتاوى التي أصدرها علماء الدين الرافضة للانتداب والاحتلال. فقد جاء في المذكرة التي رفعها رجال الثورة إلى الحاكم السياسي البريطاني في النجف في 8/6/1920 ما يلي:
"لما طال انتظار الأمة العراقية لتحقيق وعود الحلفاء الرسمية, ولاسيما الحكومة المعظمة البريطانية, وتنفيذ وعودهم الدولية المقطوعة باستقلال البلاد التام, رأت أن السكوت عن المطالبة بحقوقها الصريحة لا يجوز لها بوجه من الوجوه, ولا يحسن بالأمة التي عرفت من نفسها الكفاءة على تسلم أزمّة البلاد, وإدارة شؤونها السياسية والاقتصادية, أن تغض النظر عن المجاهرة بمقاصدها الغالبة ورغائبها السامية... فقررنا... أن نطالب الحكومة المحتلة باستقلالنا التام, المؤيد في بياناتها الدولية, وأن تنفذ بسرعة المطاليب الآتية:
أولا- إننا نطالب أن يؤلف الشعب باختياره, مؤتمرا عراقيا قانونيا, يجتمع أعضاؤه في عاصمة البلاد بغداد, ومهمته تأليف حكومة عربية, مستقلة كل الاستقلال, عارية عن كل تدخل أجنبي, يرأسها ملك مسلم.
ثانيا- نطلب رفع الحواجز عن ارتباط الشعب العراقي, وتفاهمه مع الشعوب الأخرى, بحرية المواصلات, وكافة المنشورات والمطبوعات.
ثالثا- نطلب تمكين الأمة عن عقد مجتمعاتها وإقامة منتدياتها في سائر مناطق العراق" .
ويمكن أن يتلمس القارئ بوضوح كبير أن المسؤولين عن صياغة هذه المذكرة كانوا يدركون تماما العلاقة الوطيدة القائمة بين التحرر من السيطرة الاستعمارية وبين الحصول على الحرية والديمقراطية والصحافة الحرة, إضافة إلى أهمية إقامة علاقات مفتوحة ومستمرة مع الأقطار المجاورة لتأمين وصول الصحافة والثقافة للسكان وكذلك الإطلاع على ما كان يجري في تلك البلدان ونشر المعلومات عن العراق في تلك الصحافة, خاصة وأن الإدارة البريطانية قد بدأت بانتهاك الحقوق والحريات والتضييق على الناس وعلى الصحافة وعلى دخول صحف الأقطار العربية والمجاورة إلى العراق. كتب الأستاذ محمد مهدي البصير حول موضوع الحريات ما يلي: إن من "أهم الأغلاط التي أثارت سخط الشعب على الحكومة ووقعت في نفوس المفكرين من أبنائه أسوأ وقع … خنق الحرية الفكرية ومنع إصدار أي جريدة سياسية غير الجرائد الرسمية…. وقد أدت مصادرة حرية الصحف في البلاد إلى رغبة لا حد لها في قراءة الجرائد السورية الحرة وصحف مصر" .   
أما الزعيم الديني المعروف حجة الإسلام والمسلمين محمد تقي الحائري الشيرازي, أحد زعماء الثورة وقادتها البارزين, فقد أصدر نداءاً, اعتبر بمثابة فتوى دينية وقراراً سياسياً, موجهاً إلى أبناء الشعب العراقي يدعوه فيه إلى النضال وتأييد المقاومة المتصاعدة ضد المحتلين الأجانب ورد فيه ما يلي:
"أما بعد فإن إخوانكم في بغداد, والكاظمية, والنجف, وكربلاء, وغيرها من أنحاء العراق, فقد اتفقوا فيما بينهم على الاجتماع, والقيام بمظاهرات سلمية, وقد قامت جماعة كبيرة بتلك المظاهرات, مع المحافظة على الأمن, طالبين حقوقهم المشروعة المنتجة لاستقلال العراق إن شاء الله بحكومة إسلامية, ...فالواجب عليكم, بل على جميع المسلمين, الاتفاق مع إخوانكم في هذا المبدأ الشريف. وإياكم والإخلال بالأمن, والتخالف والتشاجر بعضكم مع بعض, فإن ذلك مضر بمقاصدكم, ومضيع لحقوقكم التي صار الآن أوان حصولها بأيديكم, وأوصيكم بالمحافظة على جميع الملل, والنحل التي في بلادكم, في نفوسهم وأموالهم وأعراضهم, ولا تنالوا أحدا منهم بسوء أبدا" . ثم أعقب ذلك بفتوى صريحة ذات أهمية فائقة في مجرى تطور أحداث الثورة واستخدام السلاح ضد المحتلين حيث جاء فيها ما يلي:
"مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين, ويجب عليهم في ضمن مطالباتهم, رعاية السلم والأمن, ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا أمتنع الإنكليز من قبول مطالبهم" .
وكما يلاحظ, كانت الفتوى صريحة في مقاصدها وواضحة في تأكيدها على عدد من النقاط المهمة التي تعتبر حقاً ثابتاً من حقوق الشعوب في الوقت الحاضر أيضاً, ومنها: حق الشعب العراقي في النضال من أجل انتزاع حقه في الاستقلال والسيادة الوطنية؛ وحقه في ممارسة جميع أساليب النضال لتحقيق هذا الهدف إن وجد أن المستعمر يرفض الاستجابة لهذا الحق المشروع؛ وأن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تأمين وحدة وطنية صلدة بعيدة عن التفرقة القومية والدينية والطائفية أو الفكرية والسياسية, وبعيدة عن المساس بالناس أو بمصالحهم نتيجة الاختلاف في القومية أو الدين أو الطائفة أو غيرها. ويمكن القول بأن الإمام محمد تقي الحائري الشيرازي قد تميز بوعي سياسي وحس وطني سليم جنب الثورة والثوار المزالق المحتملة والصراعات الداخلية غير المبررة, وهو بخلاف سلفه السيد محمد كاظم اليزدي, الذي حاول حصر مهمة العلماء بالوظائف الدينية, في حين كان موقف في الواقع العملي مؤيداً للوجود البريطاني في العراق, ويتفق في ذلك مع موقف النقيب عبد الرحمن الكيلاني .  
ورغم بعد العراق عن الساحة السياسية الأوروبية وعن الحركات الفكرية فيها بسبب الهيمنة العثمانية القاسية وحجرها على الفكر والمعلومات والاتصال الخارجي, فأنه قد استقبل بهذا القدر أو ذاك بعض الأفكار البرجوازية الديمقراطية الحديثة القادمة من فرنسا عبر الثوار السوريين, إذ كانت أفكار الثورة الفرنسية وشعاراتها الأساسية “ الحرية والإخاء والمساواة" واسعة الانتشار نسبياً في ولاية الشام ومصر. وكان إطلاع جماعات من العراقيين عليها يتم عبر المجلات والصحف وبعض الكتب, على قلتها, سواء كانت تأليفا أم ترجمة, أو عبر الاحتكاك المباشر  لقد وجدت تلك الأفكار طريقها إلى المثقفين العراقيين, رغم قلتهم, وإلى الأفندية, وألهب الحماس فيهم وحركهم ضد المستعمرين وعمق من وعيهم. وكان أغلب المثقفين العراقيين من حملة هذا الفكر التحرري ينحدرون من عوائل ميسورة والضباط الذين درسوا في الأستانة ومن أبناء الفئات المتوسطة الحديثة التكوين وأشراف المدن والبرجوازية الصغيرة. وكانت هذه الأفكار تحمل مضامين تقدمية معادية للاحتلال والاضطهاد وضد علاقات الإنتاج شبه الإقطاعية التي كانت تترسخ يوما بعد آخر منذ استكمال احتلال العراق من جانب القوات البريطانية. وإلى جانب هذا الاتجاه الفكري برزت بعض الأفكار التي كانت تدعو للعدالة الاجتماعية بما فيها بعض الأفكار الثورية والاشتراكية التي وجدت لها صدى طيب ولكن غير واسع. وكان حملة هذا الفكر حينذاك مجموعة صغيرة من المثقفين من أبناء الفئات المتوسطة والبرجوازية الصغيرة الذين استلهموا ذلك من ثلاثة مواقع أساسية هي: التراث الحضاري للشعب العراقي والنزعات المادية التي برزت في حياة ونشاط المسلمين وغيرهم من سكان العراق على مدى القرون الماضية, وأجلاها في بعض ممارسات وأقوال عمر بن الخطاب وعلى بن أبي طالب ونشاطات أبي ذر الغفاي والحلاج أو في حركة القرامطة وثورة الزنج ...الخ, من جهة, والفكر الاشتراكي المعاصر الذي انتشر في أوروبا في تلك الفترة وحرك الملايين من الشغيلة لمواجهة الاستغلال الرأس المالي وارتبط باسم ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا والثورة الألمانية من جهة أخرى, ومن الواقع المزري الذي كانت تعيش فيه أوساطاً واسعة من سكان العراق, حيث كانت مظاهر البؤس والفاقة والحرمان والتخلف الاجتماعي ضاربة إطنابها في كل البلاد. وكانت منافذ وصول الفكر الاشتراكي المعاصر متعددة. فمن مصر كانت تصل المجلات والكتب, على قلتها, التي كانت تثير وتحرك عقول القراء وتطرح عليهم أسئلة كثيرة. وكانت هذه المطبوعات تطرح الفكر الاشتراكي بشكل عام وتحبذه أو حتى كانت تنتقده. كما كانت تصل من وعبر إيران حيث كانت الحركات الثورية في روسيا وإيران متبادلة التأثير وذات تأثير ملموس على جملة من المثقفين في العراق. كما كان لسفر وعودة العراقيين القادرين على ذلك إلى أوروبا وبعض البلدان العربية واحتكاكهم المباشر بالحركات العمالية والفكرية والسياسية هناك أثره الملموس على فكر هؤلاء ونقلهم لتلك الأفكار وتجاربهم إلى العراق ونشرها بين أوساط المثقفين.  ورغم أهمية كل ذلك يفترض أن لا تجري المبالغة بهذا الدور بسبب طبيعة الأوضاع المعقدة والعلاقات غير السهلة والقدرة الضعيفة في الحصول على المعلومات من الدول الأخرى. فالتأثير لم يكن غائباً ولكنه كان محدوداً وضيقا حقاًً.
وقبل الانتهاء من هذه الفقرة لا بد من الإشارة إلى عامل مهم من عوامل تحريك وتوعية المجتمع حينذاك, عامل الصحافة السياسية الوطنية التي اعتبرت كمرآة عاكسة لواقع المجتمع والمشكلات السياسية التي يواجهها والحالة النضالية التي عليها. إذ كانت الصحافة قبل الثورة تمارس دورا فاضحاً للهيمنة الاستعمارية البريطانية الجديدة وأغراضها وكاشفاً عن المشكلات التي بدأ يتعرض لها المواطن من سلطات الاحتلال البريطانية, كما لعبت دورا مهما في بلورة أهداف الحركة الوطنية ومهماتها وساهمت في توسيع نار الثورة وتأجيج الروح الحماسية في نفوس المناضلين. لقد وجدت في فترة الثورة جريدتان هما: "الفرات" و "الاستقلال" لم تستمرا في العمل والنشر طويلاً, إذ كانت شوكة حقيقية في عيون المستعمرين وأعوانهم, ولكنهما كانتا أداة فعلية بيد المناضلين الثوار . وكان بعض قادة الثورة هو الذي يقوم بالتحرير فيها وإثارة المشكلات التي كانت تواجه المجتمع, وفضح نوايا البريطانيين السياسية والاقتصادية في العراق والكشف عن الفجوة التي كانت تفصل فعلياً بين الادعاء بتحرير العراق من الهيمنة العثمانية وبين واقع سقوط العراق في احتلال استعماري جديد بريطاني الجنسية والهوية. وإيراد مقاطع من افتتاحيات هاتين الجريدتين كافية لعكس هذا الدور السياسي لهما.

 
2. العوامل الاقتصادية
 
لم تكن العوامل السياسية سوى الوجه الثاني للعملة, فوجهها الأول تمثل بالعوامل الاقتصادية التي كانت وراء تطور النشاط السياسي والعمليات المسلحة المناهضة لقوات الاحتلال البريطاني التي بادرت باستخدام السلاح لإخماد المقاومة. فالتحرك السياسي والعسكري ضد الإنكليز بدأ في النجف في عام 1918 وفي انتفاضة السليمانية عام 1919 وثم في ثورة العشرين التي اتسع نطاقها لتشمل مناطق واسعة من العراق, وخاصة في وسط وجنوب العراق.
جلبت سنوات الحرب العالمية الأولى معها مشكلات اقتصادية جمة لسكان العراق. فإلى جانب المعارك الحربية التي كانت تجري على الأرض العراقية, ومحاولات الدولة العثمانية تجنيد العراقيين للقتال إلى جانبها في معاركها ضد الإنكليز, واستخدام كثرة من المواطنين في أعمال السخرة في معسكرات الإنكليز وفي شق الطرق ونقل السلاح, الذي لعب دوره البارز في تقليص الإنتاج الزراعي, مارست سلطات الاحتلال البريطاني من جهة, وقوات الجيش العثماني من جهة أخرى, سياسة الاستيلاء على المحاصيل الزراعية, سواء بتعويض مالي محدود أم بدون تعويض, باعتباره شكلا من أشكال استيفاء الضرائب لتغطية نفقات الحرب. فالمعلومات المتوفرة تشير إلى واقع مرير بالنسبة لسكان العراق. كتب الدكتور عبد الله فهد النفيسي في هذا الصدد يقول: "كان إصرار الإدارة البريطانية على تحصيل الضرائب المفروضة على كل محصول زراعي, وعلى كل محصول بستان تحصيلاً كاملاً أمراً مكروهاً لدى الفقير والغني على السواء حت أن القبائل, كقبيلة بني حشيم من لواء المنتق مثلاً, وجدت نفسها سنة 1919 مرغمة على دفع ضرائب فادحة وذلك لأول مرة في تاريخها. وكان تحصيل الواردات, في تلك السنة نفسها, في لواء المنتفق, أعلى تحصيل في الفترة الواقعة بين 1916 - 1928. وإليك ثبتاً بواردات المنتفق من سنة 1916 - 1918:
1916   52,464  جنيهاً.
1919   1,661,823      جنيهاً.
1922   -
1926    1,002,659  جنيهاً.
1928   1,277و233  جنيهاً.
ففي لواء المنتفق مثلاً, ارتفعت ضريبة الدخل على كل فرد من أقل من خمسة روبيات في سنة 1916 إلى خمس شلنات في سنة 1919, وبعد اضطرابات سنة 1920 عادت وانخفضت ثانية سنة 1922 إلى شلن. … وكانت المبالغ المحصلة من لواء المنتفق والديوانية والشامية, وهي ثلاثة ألوية شيعية , في سنة 1920 تقدر ب 5533100 شلن أو قرابة ربع مجموع الدخل من الألوية العراقية وعددها أربعة عشر لواءً (تقديرات الموازنة, 1920 - 1921 ص 4). وكانت المبالغ المخصصة في الألوية الثلاثة 1929440 شلناً (المصدر ذاته ص 5)" .   كما أن العمليات العسكرية في مناطق مختلفة من العراق قد أدت إلى تدمير المزيد من قنوات الري والبزل وتخريب المزارع وتلف المحاصيل الزراعية ودفعت بأعداد كبيرة من الفلاحين إلى ترك الريف والهجرة إلى المدن, خاصة وأن أغلب العمليات العسكرية قد تركزت في المناطق الزراعية من الفرات الأوسط وجنوب العراق. وفي ما عدا ذلك لعب التجار الكبار والوسطاء دورهم الطفيلي المعروف في اغتنام فرصة الحرب للاغتناء السريع على حساب الناس الكادحين. واستفادت من هذه الأوضاع مجموعات قليلة من التجار وبعض الإقطاعيين التي تعاونت مع المحتلين الجدد وساهمت بتشديد الاستغلال على الفلاحين. لقد أثارت إجراءات إقرار التشريعات العثمانية بصدد الأرض الزراعية, التي تم اغتصاب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية من الفلاحين على مدى القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وتسجيلها بأسماء الشيوخ وكبار موظفي الدولة وأشراف المدن وتجارها. وعمدت سلطات الاحتلال البريطاني منذ سنة 1918 إلى ممارسة سياسة مماثلة أغضبت الفلاحين والكثير من الشيوخ الذين حرموا من الأرض بسبب مواقفهم الوطنية من سلطات الاحتلال أثناء الحرب العالمية الأولى أو ما بعدها, فنظموا العديد من المضابط والتحركات المعادية للإنكليز في مناطق كثيرة, وخاصة في الفرات الأوسط والجنوب. وكان لهذه التحركات السياسية دورها في تعبئة متزايدة للفلاحين وأبناء المدن وإلى تعميق مضمون التناقضات الاجتماعية مع سلطات الاحتلال.
وردا على تلك التحركات قامت سلطات الاحتلال بإعداد وتنفيذ حملات عسكرية "تأديبية" شرسة ضد الفلاحين من أبناء العشائر. فالتصدي لانتفاضة تلعفر وانتفاضة السليمانية ودير الزور والنجف, وكذلك التحركات الأخرى في بغداد وغيرها, قد أجج الوضع كله. ولم تكن العلاقات في ما بين العشائر أو بين الشيوخ المستغلين والفلاحين طبيعية, بل كانت تشوبها التناقضات وضعف الثقة والصراعات. إلا أن علماء الدين والأحزاب السياسية ساهموا في تخفيف تلك التناقضات والسيطرة على الصراعات وزرع الثقة من أجل مواجهة مشتركة ضد الاحتلال البريطاني. يشير الشيخ محمد رضا الشبيبي إلى أن ثورة العشرين كانت "وليدة عاملين خطيرين أولهما الضغط والاستغلال الاقتصادي واستنزاف جهود العاملين في الزراعة خاصة- والعراق قطر زراعي قبل كل شئ- والاستيلاء على مواردها من الخامات بأبخس الأثمان وردها بعد استخدامها في الصناعة الحديثة لتصريفها في أسواق هذه البلاد بأعلى الأثمان, وهذا هو جوهر الاستعمار الحديث... أما العامل الثاني في اندلاع الثورة فهو ذلك الضغط السياسي أو الحجز على الأفكار والحيلولة بين أبناء البلاد وبين التعبير عن آرائهم والمطالبة بحقوقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم واختيار حكامهم وحكوماتهم بملأ إرادتهم ثم للمحاولات التي بذلتها السلطة المحتلة لفرض نوع من السيطرة الاستعمارية المباشرة على العراق" . ويتضمن مقتطف الشيخ الشبيبي تأكيدا صريحاً على وعي وفهم قسم مهم من قادة الثورة حينذاك للأسباب التي دفعتهم للمشاركة بالثورة .
وعدا ذلك فإن ظروف الحرب ذاتها أوجدت نوعا من الحركة التجارية النشطة نسبيا في الأسواق المحلية التي استفادت منها مجموعات من التجار, إلا أنها اقترنت بإفقار شديد للكادحين من ذوي الدخل المحدود بسبب نقص فرص العمل والتشرد وارتفاع أسعار السلع والخدمات (التضخم النقدي) , وكذلك النهب المتواصل والمتنوع للمحاصيل الزراعية والإيرادات من جانب سلطات الاحتلال الإنكليزي وبعض الإقطاعيين وتجار الجملة. وعانت بعض مناطق العراق من مجاعات بشعة, ومنها المجاعة في الموصل, التي أودت بحياة الألوف من السكان.  ويورد الدكتور الوردي بهذا الصدد ما يلي: "ولكن هذه المنافع التي جناها قسم من الناس تقابلها مضار أصابت القسم الآخر منهم. فقد ارتفعت أسعار الحبوب ارتفاعاً فاحشاً كاد يؤدي إلى مجاعة في بغداد. فقد كان سعر طغار الحنطة في الحلة في العهد التركي يتراوح بين 8 و10 ليرات, فارتفع في عهد الاحتلال إلى مائة ليرة. وفي بغداد ارتفع سعر الطغار إلى 120 ليرة. وحدثني أحد شيوخ المشخاب: أن طغار الشلب كان سعره في العهد التركي يتراوح بين 35 و50 ليرة" .    
وبعد استكمال احتلال العراق من جانب القوات البريطانية عمدت سلطات الاحتلال إلى تنفيذ سياسة تستهدف تحقيق مصالحها الاقتصادية وتعزيز تلك القواعد الاجتماعية التي تخدم مصالحها على الأمد الطويل, تلك الفئات والعناصر التي سعت قبل ذاك ومنذ سنوات إلى تأمين علاقات جيدة مع الشركات التجارية البريطانية والقنصليات العاملة في العراق.  فسعت سلطات الاحتلال إلى تعزيز علاقاتها بالبرجوازية الكومبرادورية الجديدة التي ساهمت بتكوينها وسعت إلى تكريسها وبدأت بتعزيز مواقعها من جهة, وإلى تعزيز علاقاتها بالإقطاعيين الذين سعت إلى تكريس دورهم وتأثيرهم على عشائرهم وفي المناطق التي يقيمون فيها من جهة أخرى, إضافة إلى تعزيز علاقاتها بمجموعة من الضباط العراقيين التي كانت تعمل قبل ذاك في القوات العثمانية ووقفت ضد القوات التركية وساهمت في مشروع الشريف حسين واتفاقه السياسي مع الإنكليز. كما عملت على اختيار مجموعة من الناس من أبناء العوائل المعروفة لتعيينها في وظائف إدارية ترتبط بسلطات الاحتلال وتحت إشرافها, وكانت البداية لتكوين البيروقراطية العراقية الحديثة التي ارتبطت مصالحها بهذا القدر أو ذاك بمصالح الوجود البريطاني في العراق, إذ ارتبط جزء منها بسلطات الاحتلال البريطانية وخدم مصالحها على حساب مصالح المجتمع العراقي. ولكنها لجأت أحياناً غير قليلة إلى الاعتماد على من كان يعتبر من "المنبوذين" في المجتمع وأساءت إلى من كان يعتبر من "الأشراف" والشيوخ والمحترمين في المجتمع. وكان لهذا دور سلبي بارز في علاقة الشيوخ ومجموعات من الأشراف مع القوات والسلطات البريطانية.  وقادت سياسة سلطات الاحتلال البريطاني في اختيار شيخ من شيوخ العشائر في منطقة معينة ومنحه راتباً ثابتاً للاستفادة منه للمحافظة على أمن المنطقة إشكاليات سياسية وصراعات في ما بين العشائر التي تقطن في المنطقة ذاتها والتي لم يتم الاتفاق معها. وكانت هذه السياسية قصيرة النظر وجلبت لبريطانيا الكثير من المتاعب, إضافة إلى أنها كانت تهدف إلى تشديد الخلافات بين شيوخ العشائر ليسهل عليها السيطرة عليهم جميعاً. وهذا ما حصل مع الشيخ ضاري الظاهر, رئيس عشائر الزوبع ليكون مسؤولاً عن الأمن والنظام في منطقته , على سبيل المثال لا الحصر.    
وعمدت تلك السلطات إلى الاعتراف بالتشريعات التي صدرت في العهد العثماني وأقرت عمليات توزيع أراضي الدولة على رؤساء العشائر والشيوخ وكبار موظفي الدولة في العهد العثماني, لكنها حرمت الفلاحين والشيوخ الوطنيين, وخاصة في بعض مناطق الفرات الأوسط, المعادين لسلطات الاحتلال من الأراضي الزراعية. ولم تكتف بذلك بل عمدت سلطات الاحتلال البريطاني في هذه الفترة إلى توسيع عمليات منح الأراضي الزراعية باللزمة, كما عملت على توسيع نشاط الشركات البريطانية لزراعة المحاصيل الصناعية, وخاصة القطن, واستولت على مساحات معينة من أكثر الأراضي الزراعية خصوبة ووضعتها تحت تصرف تلك الشركات.
إن أكثر العوامل التي حركت الفلاحين والملاكين معا, إضافة إلى عامل الشعور الوطني, تلك الأساليب التي مارستها سلطات الاحتلال الاستعمارية في السيطرة على المحاصيل الزراعية والموارد المالية على أساس جباية الضرائب من السكان. وقد تفننت أكثر من العثمانيين في إيجاد الصيغ والحجج لتحقيق ذلك, بما فيها فرض "التبرعات" الإلزامية على المواطنين في المدينة والريف.  وتشير بعض المصادر إلى أن الضرائب المفروضة على السكان قد تضاعفت أكثر من ثلاث مرات خلال فترة وجيزة. فكتبت جريدة المانجستر كارديان تهاجم الإدارة البريطانية في العراق في سنة 1920 لا لأنها لم تحقق آمال العرب في الحرية والاستقلال حسب, بل لأنها رفعت ضرائبهم إلى ثلاثة أضعاف عما كانت عليه قبل الاحتلال البريطاني.  فقد تنوعت الضرائب مثل ضريبة النخيل وضريبة المحاصيل الزراعية المختلفة, وضريبة الملك, وضريبة الدفنية...الخ, والعمل على جمع التبرعات للصليب الأحمر وبناء الملاجئ للجنود في بريطانيا وإقامة تمثال لقائد حملة احتلال بغداد, الجنرال مود,...الخ.  كتبت جريدة "الفرات" بهذا الصدد قائلة: "لقد هدمتم هذا الركن بمقالع من السياسة التي أهلكت الحرث والنسل وأتت على الأخضر واليابس, فتراب كل منطقة يشهد بأنكم سلبتم الحب حتى من منقار الطائر, واستخرجتم المخ من العظم, وضاعفتم الخراج أضعافاً للزراع فأصبحوا يسألون الناس إلحافاً وأنتم تسألونهم فوق الجهد وتكلفون نفوسهم فوق الوسع, أهذا عدلكم؟" .
وكانت إدارة المعتمد البريطاني تجبي الضرائب من السكان بطريقتين: ضريبة عينية وضريبة نقدية. وكانت هذه الضرائب لا تخضع لمعايير سليمة وتتم على أساس التخمين بالنظر. وكان الخاسر أبداً هو الفلاح المنتج. وتشير تقارير الحكام السياسيين في المناطق الزراعية إلى أن جلّ وقتهم قد صرف للاهتمام بالشؤون المالية, والتي لم تكن في حقيقة الأمر سوى جباية الضرائب غير المشروعة للإدارة البريطانية. كتب حاكم الديوانية في سنة 1918 لدائرة الحاكم الملكي ببغداد يقول: يجب أن نقرر هنا بأن جزءاً كبيراً من وقت الحاكم السياسي مخصص للقضايا المالية أو القضايا التي ترتبط بها بصورة غير مباشرة" .
ومن هنا يتبين لنا بأن الجماهير الواسعة كانت تتعرض إلى عمليات نهب منظمة وجشعة واستغلال شديد من جانب سلطات الاحتلال البريطاني تساوت مع أساليب أجهزة الولاة العثمانيين, إضافة إلى استغلال الشيوخ وكبار ملاك الأراضي الزراعية والبرجوازية التجارية والعقارية والربوية المتنقلة بين الريف والمدينة . ومن هنا أيضا يتبين بوضوح لِمَ كانت جموع الفلاحين الجيش الأساسي لهذه الثورة الوطنية.
 
3. العوامل الاجتماعية والدينية

رغم بروز مظاهر مهمة للتفكك في العلاقات العشائرية في ريف العراق منذ نهاية القرن التاسع عشر, وخاصة بالنسبة للعلاقة بين جمهرة أبناء العشيرة وعائلة شيخ العشيرة وأسر الوجهاء, أو بين الفلاحين في ريف كردستان والبيكوات والأغوات, بسبب نشوء وتطور الارتباطات الإدارية بين هؤلاء والولاة وفيما بعد سلطات الإدارة البريطانية, ومن ثم الإدارة الحكومية, التي كانت لها آثارها السلبية على أبناء العشيرة والفلاحين عموما, وبسبب عمليات انتزاع الأراضي الزراعية من الفلاحين وتسجيلها بأسماء الشيوخ والبيكوات والأغوات وأفراد عوائلهم, وكذلك بسبب الاستغلال الذي كانوا يسلطونه على الفلاحين وأبناء العشائر. رغم كل ذلك, وبسبب ضعف الوعي السياسي والاجتماعي لدى الجمهرة الواسعة والأساسية من الفلاحين وأبناء العشائر في ريف المناطق العربية والكردية, حافظت العلاقات العشائرية على خصائصها وطبيعتها الأساسية في العراق لفترة طويلة لاحقة حتى بعد تشكيل الحكم الوطني. وكانت العلاقات العشائرية من جانب, والعلاقات الدينية من جانب آخر, تتحكمان إلى حدود بعيدة بسلوك الفلاح والبدوي شبه المستقر, إضافة إلى أبن البادية المتنقل, بالرغم من كون نسبة عالية من هؤلاء لم يلتزموا, وبصورة عفوية, بأركان الدين كالصلاة والصوم والزكاة على سبيل المثال لا الحصر. ويلاحظ في هذا الصدد وجود تمايز نسبي بين المناطق العربية والكردية, إذ أن التزام الفلاح الكردي المسلم بالشعائر الدينية, بما فيها الصلاة والصوم, كان أكبر مما عند البدوي أو الفلاح العربي المسلم. وهذه الظاهرة لا تقلل من الاحترام الذي يكنه الفلاح للدين وعلماء الدين والالتزام بتنفيذ فتاواهم ومشورتهم. وجدير بالإشارة إلى أن شخصيتين كانتا تؤثران بقوة على سلوك الفلاح والمواطن في الريف عموما, وكذلك على أولئك الذين هجروا الريف واتخذوا من المدينة موطنا لهم حيث استمروا في ممارسة عاداتهم وتقاليدهم الفلاحية لفترة طويلة من الزمن, وهما شيخ العشيرة أو البيك والأغا والإمام أو السيد أو الملا بالنسبة للمسلمين, أو القس بالنسبة للمسيحيين, أو الحاخام بالنسبة لليهود, أو الأمير بالنسبة للأيزيديين.                                      
وفي الريف العراقي نشأت علاقة اقتصادية متينة بين أطراف ثلاثة, وهي: الفلاح وشيخ العشيرة وعالم الدين أو ممثله في الريف. فالفلاح هو المنتج الفعلي والوحيد للخيرات المادية في الريف. ويتضمن إنتاجه الريع الذي يقتطعه شيخ العشيرة أو المالك للأرض الزراعية أو مالك حق التصرف بها أو الإقطاعي. وكان رجل الدين يتسلم حصة من الإنتاج تقتطع أساسا من الإنتاج الضروري للفلاح, إضافة إلى حصوله على حصة إضافية تمنح له من الشيخ أو مالك الأرض أو الإقطاعي. وهي في كل الأحوال تعتبر جزءاً من الريع الذي يفرض على الفلاح تقديمه بصور مختلفة. وفي ما عدا ذلك كان على الفلاح أن يدفع من حصته من إنتاجه الضريبة التي تفرضها الدولة. ولا شك في أن رجال الدين من الشيعة كانوا يعيشون أساساً على هذه الحصة, لأنهم كانوا لا يتسلمون راتبا من الدولة كما هي حالة رجال الدين السنة, إضافة إلى ما كان يصلهم من زكاة وغيرها من سكان المدن ومن الزوار القادمين من بلدان أخرى. وعلى هذا الأساس كانت علاقة علماء الدين بالفلاحين وبالإقطاعيين أو شيوخ العشائر قوية بالمقارنة مع علاقة علماء الدين السنة الذين كانت علاقتهم المالية محصورة بالحكم, إذ كانت الدولة هي التي تدفع رواتبهم الشهرية. وفي ما عدا ذلك كان الفلاح يقدم جزءاً من محصوله نقدا أو عينا إلى السادة ورجال الدين العاملين في العتبات المقدسة, إضافة إلى القرابين (النذور) التي يلتزم بها الفلاح كل عام لأسباب كثيرة أمام الله والأئمة, وتدفع في الغالب الأعم عينا.  ولوحظ خلال تلك الفترة إلى أن زيادة حجم الضرائب المجباة من قبل سلطات الاحتلال البريطاني أدت إلى تقليص كبير في الحصة المتبقية للفلاحين من صافي الإنتاج أولا, وإلى تقليص حصة الإقطاعي أو المالك وشيخ العشيرة ثانيا, وكذلك إلى تقليص حصة علماء الدين والمقلدين والسادة ثالثا. وقاد هذا إلى تدهور كبير في مستوى معيشة الفلاحين وإلى حد أقل في مستوى معيشة علماء الدين, وخاصة الصغار منهم. وكانت هذه المسألة واحدة من بين أهم الأسباب الكامنة وراء تحرك شيوخ العشائر وملاكي الأراضي وعلماء الدين في المناطق الشيعية, إضافة إلى الحس الوطني والواجبات الدينية, ضد سلطات الاحتلال البريطاني.


4. العوامل النفسية

رغم العلاقات الواسعة والطويلة التي نشأت بين مجموعات من البريطانيين العاملين في الشركات التجارية أو في التنقيبات عن الآثار أو في القنصليات البريطانية ذات النفوذ الواسع والعلاقات الواسعة مع العراقيين في داخل العراق, فأنهم لم يدركوا تماماً طبيعة المجتمع العراقي العشائري, سواء كان بدوياً أم فلاحيا ريفياً, ولم يفهموا أهمية وضرورة احترام كرامة الإنسان والعشيرة, والابتعاد عن توجيه الإهانات سواء بالشتم أو الضرب أو التجاوز بالكلام أم بالاعتقال دون مبررات ومسوغات فعلية, إضافة إلى أساليب جباية الضرائب والإتاوات وما إلى ذلك. كما أنهم عمدوا إلى تغيير أساليب التعامل مع العراقيين بالمقارنة مع أساليب تعامل الدولة العثمانية مع العراقيين, سواء من حيث فرض الانضباط والالتزام بالنظام, أم من حيث مضمون المساواة في المجتمع, والتي سماها الدكتور على الوردي "عدالة مكروهة", أي عدالة تنفيذ الالتزام بالنظام من جانب شيوخ العشائر أو أفرادها. 
وكان أحد العوامل البارزة في الكراهية للحكم العثماني يكمن في التعامل غير الإنساني والإساءات الكبيرة من جانب السلطات العثمانية وأجهزة الجندرمة إزاؤ العراقيين وهم في بلادهم, بما فيها حملات الجندرمة العسكرية والإهانات والضرب وما إلى ذلك. فالمعلومات المتوفرة حول الأساليب التي استخدمها الحكام السياسيون والعسكريون البريطانيون في المناطق التي كانت تحت إشرافهم إزاء العراقيين كثيرة ابتداءاً من نائب الحاكم الملكي العام أرنولد ولسن وانتهاءاً بأخر ممثل لبريطانيا يمتلك سطوة الحكم في مناطق العراق المختلفة. وهي أساليب قهرية ذات طبيعة ازدرائية تتسم بالتعالي والاحتقار والعسف إزاء سكان البلاد من عرب وكرد وغيرهم. إذ كان بعضهم يسعى إلى تركيع العراقيين باعتبارهم يرفضون الانصياع إلى القوانين والتعليمات والأوامر. كتب كما مظهر أحمد بهذا الشأن يقول: "تكررت في كردستان نفس صورة التعنت والتعالي للحكام والضباط السياسيين الإنكليز الذين أثاروا بتصرفاتهم استياء مختلف الفئات الاجتماعية في الوسط والجنوب. فإذا كان رجل حاكم النجف السياسي كرينهاوس (Greenhause) يستعملون السوط حينما كان يمر لفتح الطريق أمامه, فأن زميله الميجر سون كان يعيد الشيء نفسه بفظاظة أكبر في السليمانية, ويفرض غرامات يومية على عدد من الناس البسطاء بحجج واهية, بل كان يجبر الجميع على أن يرفعوا فروض الطاعة لأصغر موظف لديه" . وجاء في وثيقة لجمعية العهد -فرع الموصل- بشأن الإهانات التي كانت توجه للمواطنين, وبالتالي, كانت تزيد من غضبهم وكرههم للإنكليز, ما يلي: "لم تترك الحكومة الاحتلالية شيئاً من أنواع الشدة والقسوة إلا واستعملته مع الأهلين, وأن أدنى خطأ يصدر من أحد الناس يكون جزاؤه الضرب على عجزه مجرداً عن الثياب حتى أن الدم كثيراً ما كان يتطاير من جسده وتبقى مواضع السياط قروحاً لا تندمل مدة طويلة. أما الجزاء النقدي الذي قد شكل أعظم منبع لواردات حكومة الاحتلال فأن المحكومين يعدونه نعمة كبرى إزاء العذاب الجسماني والحقارة التي توجه إليهم بتشغيلهم بالأشغال السافلة" .
وكشفت جريدة "الفرات" عن الطريقة التي يفكر بها البريطانيون إزاء العراقيين وأسلوب تعاملهم اليومي معهم, حيث كتبت مقالاً افتتاحياً عن الإنكليز جاء فيه ما يلي: "شاهدنا قوماً ليسوا من البشر أفسدوا البلاد واضطهدوا العباد وسحقوا القوانين العامة وهتكوا حرمة الشرايع الموضوعة وهدموا دعائم النظام الاجتماعي الجديد .. قلب صفحات التاريخ القديم والحديث فلا تجد سوى الإنكليز أفسدوا النظام وأسقطوا حقوق الإنسان, فلا حرية ولا طمأنينة, ونزعوا الملكية وهي من حقوق الإنسان المقدسة لأنها من لوازم الحرية والمساواة, نعم فهم كما أسقطوا حقوق الإنسان المدنية أسقطوا حقوقه السياسية, فعاد ولا حق له, محروماً من كل مميزاته, محروماً من عمومياته وذاتياته" .
والآن دعونا نقرأ ما كتبه ستيفنسن لونكريك عن العراقيين في كتابه الموسوم "العراق الحديث من سنة 1900 إلى سنة 1950", إذ كتب يقول: "لقد كانت الصحافة ضعيفة التزود بالمعلومات, وغير مسؤولة ومتطرفة في الحس الوطني, ومعادية للأجانب بصفة قاسية. كان يجري تنظيم التظاهرات بصفة أيسر وبالقليل من النفقات., في أي اتجاه سياسي يراد. أما الأحزاب فلم تكن في الغالب سوى محض عصابات من الشخصيات, ليست لها تنظيمات متواصلة أو واسعة , أو أية سياسة ثابتة ما خلا سياسة معاداة الإنكليز. وكان يسمح بحرية الكلام غلى حد إبداء الآراء المتطرفة التي يندر أن تكون معتدلة. وكان العنف أو المقاطعة ينتظر أية سياسة واضحة, مهما كانت تلك السياسة حكيمة أو مخلصة, إذا ما بدا عليها بأنها سوف تفشل في ميدان الحمية القومية" . وعجز هذا الكاتب البريطاني من ضباط الحملة العسكرية في العراق أثناء الحرب العالمية الأولى والذي تولى عدة مناصب استشارية في الحكومة العراقية كما كان حاكماً سياسياً لكركوك, عن رؤية العوامل الكامنة وراء هذه النظرة العراقية للبريطانيين أو بتعبير أدق للاستعمار البريطاني, الذي جاء محالاً وتصرف كمحتل وقمع ثورتي 1919 و1920 وفرض عليه مصالحه ومعاهداته واتفاقياته, وبالتالي وجه التهمة للعراقيين بسبب موقفهم من السياسة البريطانية وتصرفات البريطانيين في العراق.
وليست بعيدة عن ذاكرة العراقيين حادثة الشيخ ضاري والضابط البريطاني ليجمن. فقد وجه ليجمن العديد من الإهانات المتلاحقة للشيخ ضاري بسبب رفضه التعاون معهم بعد أن تعاون معهم لفترة من الزمن. ويشير الدكتور على الورد بهذا الصدد قائلاً: يروى أن ليجمن كان لا يترد عن إهانة ضاري في بعض الأحيان حتى أنه خاطبه ذات مرة باسم "الشيخ ضارط", وتلك إهانة لا يتحملها رجل كالشيخ ضاري ذي الجذور البدوية الأصيلة. ويروى أيضاً أن ليجمن أولم في أحد الأيام وليمة لرؤساء عشائر منطقته كان ضاري من بينهم, ولما دعوا إلى تناول الطعام اتجه ضاري نحو صدر القاعة لكي يجلس مع الرؤساء الكبار, فتقدم منه ليجمن وخاطبه أمام الحاضرين قائلاً: "قم ليس هذا مكانك". فظهر أثر الغضب واضحاً على وجه ضاري إلى الدرجة القصوى" . ويشير الدكتور الوردي إلى أنه وبينما كان ليجمن في حديث مع الشيخ ضاري جاء إلى المخفر سائق سيارة وأخبر "عن حادثة سلب وقعت بالقرب من سدة الترك, فظهرت إمارات الغضب على وجه ليجمن والتفت نحو ضاري قائلاً: "هذي كلها حركاتك, وأنت تعمل تشويشات في الطريق". فأخذ ضاري يعتذر له بأنه لا علم له بهذه الأمور. وعند هذا التفت ليجمن نحو آمر الشبانة عبد الجبار الجسام الذي كان واقفاً بالقرب منه موعزاً إليه أن يتوجه مع نفر من رجاله لمطاردة اللصوص. ثم أضاف ليجمن إلى ذلك طالباً من عبد الجبار أن يأخذ معه خميس بن ضاري لكي يعاونه في مطاردة اللصوص. وعلى أثر مغادرة عبد الجبار للمخفر مصبحة خميس بن ضاري, قتل ليجمن. وقد اختلفت الروايات في كيفية مقتله اختلافاً عجيباً. ومن يطلع على تلك المحاضر (محاضر المحاكمة) يشعر شعوراً واضحاً بأن ليجمن وجه إلى ضاري إهانة لم يتحملها, ولاسيما أنها جاءت بعد إهانات أخرى سابقة, ولعلها كانت لضاري القشة التي قصمت ظهر البعير. وعند هذا أشار ضاري إلى أبنه سليمان الذي كان واقفاً بالقرب منه قائلاً "دكوه". فأطلق سليمان النار من بندقيته علي ليجمن. وعند هذا قام ضاري وأخرج سيفه من غمده وأهوى به على ليجمن بضربة على رأسه وصدره. وسمع أحد الشهود ليجمن في تلك اللحظة وهو يقول " لا .. لا .. لا .." بينما سمعه شاهد آخر يقول "يازي يا ضاري .. يازي يا ضاري ..". ثم سقط ليجمن على الأرض يتخبط بدمائه. وأسرع رجال ضاري بعد ذلك فقتلوا خادم ليجمن وسائق سيارته, وسلبوا كل ما كان لدى الشبانة من بنادق وخيل وملابس" . 
ويورد الدكتور الوردي الكثير من نماذج الإساءة للعراقيين التي كان فيها ما يراد به تحطيم معنويات الناس وكرامتهم وإذلالهم, مما رفع من الحقد والكراهية وعمق انعدام التفاهم, رغم أن الإنكليز الذين جاءوا إلى العراق محتلين كانوا من حيث المبدأ أكثر تحضراً بما لا يقاس مع الأوساط التركية العثمانية التي كانت تهيمن على العراق. فالحكايات التي تروى عن الميجر ديلي, حاكم الديوانية (القادسية), أو عن الكولونيل ليجمن, حاكم الدليم (الأنبار) وعن غيرهم كثيرة جداً. وربما يكون في بعضها بعض المبالغات, إلا أنها لا تخرج في الإطار العام عن الحقيقة التي كانت جارية حينذاك في العراق. فعلى سبيل المثال لا الحصر أورد الدكتور علي الوردي بهذا الصدد ما يلي: "الواقع أن القصص التي تروى عن فظاظة ديلي كثيرة, وهي لا تخلو من مبالغة طبعاً, غير أنها لا تخلو من حق أيضاً. يروي فريق المزهر الفرعون: أن ديلي أصدر أوامره بأن كل خيال يأتي إلى الديوانية يجب أن يترجل عن ظهر حصانه قبل وصوله إلى البلدة بخمسمائة متر, وأن يخلع عقاله ويسير مشياً على الأقدام. وقد غضب ديلي مرة على أحد رؤساء عفك فحكم عليه بغرامة مقدارها 25 كيلو من الروبيات, فاضطر الرجل أن يذهب إلى السوق ويأتي بكيس الروبيات يحمله على كتفه. وكان ديلي إذا استدعى إليه بعض رؤساء العشائر الكبار لأمر من الأمور تركهم ينتظرون مقابلته يوماً أو عدة أيام, وإذا سمح لأحدهم أخيراً بالدخول عليه تركه واقفاً بينما هو ينظر في الأوراق التي بين يديه. ثم يرفع عينه متسائلاً: "أنت شاسمك؟ لويش جاي؟" . أو الإهانة التي وجهها لأحد الشيوخ المعممين, الشيخ هادي, عندما رآه يتبول في حديقة بيته, فاستدعاه معنفاً إياه: " أنت شيخ هادي ليس تصير شيخ مطي", ثم فرض عليه غرامة قدرها عشر روبيات فدفع الشيخ الغرامة صاغراً" .          
ليس من شك في أن الحكام المباشرين الذين عينوا في العراق حينذاك لعبوا دوراً كبيراً في اختيار الأساليب التي يرونها مناسبة في تنفيذ سياسات الحكومة البريطانية في العراق, خاصة وأنها ترتبط مباشرة بسبل التعامل مع البشر. وهذا يعني بدوره أن طبيعة هؤلاء وسلوكهم الشخصي واتجاهاتهم الذاتية تشارك بهذا القدر أو ذاك في التأثير على تلك الأساليب من حيث الشدة أو اللين, ولكن السياسة العامة والأهداف التي تقرر تنفيذها في العراق حينذاك من قبل الحكومة البريطانية تبقى المسؤولة الأساسية عن التعامل اللاإنساني من جانب موظفي وزارة المستعمرات والقوات المسلحة البريطانية الدولة تقع على عاتق الحكومة البريطانية وسياستها مباشرة. وكان حسن شبر على حق في ما أشار إليه في هذا الصدد حين كتب يقول: "لقد حاولت الحكومة البريطانية تبرير هزيمتها السياسية وأخطائها الكبيرة في العراق, بإلقاء تبعة ما حدث على أرنولد ولسن نائب الحاكم الملكي العام في العراق. لكنه تبرير غير مقنع, لأن ولسن كان ينفذ القرارات الصادرة من لندن" . لقد تعامل ولسن بحقد وذهنية استعمارية شديدة العداء للأخر ونقل هذه الذهنية إلى غالبية العاملين معه من البريطانيين في أنحاء العراق. ولكن هذه الذهنية كانت مهيمنة أيضاً على العاملين في وزارة المستعمرات في لندن وعلى ذهنية أولئك المهيمنين على الحكم الاستعماري في الهند. ويواصل حسن شبر تقديره حول ولسن يقول: "إن سياسة ولسن الحاقدة وممارساته القاسية ونزعته الاستعمارية الشديدة التي يريد من خلالها إحكام السيطرة المباشرة على العراق. وقد جعلت الأنظار تتوجه إليه على أنه المخطئ الأول. فلم يكن ولسن يتعامل بمرونة سياسية, إنما بأسلوب استعماري خشن" . وينقل حسن شبر عن أرنولد ولسن, عندما علم بالاتهامات التي وجهت له باعتباره المسؤول المباشر عن تلك الأخطاء, قوله: "لا أعتقد أن أي شيء فعلته, أو كان أن أفعله, كان سيغير مجرى الأحداث بصورة جوهرية … وإذا كانت حكومة صاحب الجلالة ترغب في الاستفادة من خدماتي ككبش فداء, فأني لن أحاول تفادي هذا المصير" .   
 ثانياً: العوامل الخارجية

لم يكن الانقسام في المجتمع العراقي, الذي بدأ مع الحرب العالمية الأولى ودخول الدولة العثمانية في الحرب إلى جانب ألمانيا, إضافة إلى إعلان الوقوف إلى جانب بريطانيا من جانب الشريف حسين في عام 1916 وإعلان الثورة العربية على الدولة العثمانية, قد توقف بعد انتهاء الحرب واستسلام الدولة العثمانية واحتلال العراق من قبل بريطانيا, بل اتخذ أبعاداً جديدة وأضيفت له عوامل وقوى أخرى, كما اتخذ وجهة أخرى, أي أصبح الأمر على النحو الآتي: من يقف إلى جانب الوجود البريطاني في العراق واعتباره ضرورياً لتطور العراق, ومن يقف ضد الوجود البريطاني في العراق ويدعو إلى نيل الاستقلال والسيادة الوطنية. إذ أن الفترة بين 1918 و1920 بلورت المواقف بوضوح كبير بين بريطانيا التي تريد البقاء, وخاصة بعد تسلم ويلسون المسؤولية في العراق بعد السير وليم كوكس ورغبته في ربط العراق تماماً بالهند كمستعمرة مستمرة لبريطانيا, وبين موقف غالبية العراقيين الداعي إلى الاستقلال. إن الاختلاف في المواقف بين العراقيين قد تركز بالأساس في أوساط معينة من الشعب العراقي, إذ لم يكن مستوى الوعي يسمح حقاً بالتعرف على نوايا الاستعمار البريطاني أو أغراضه في العراق. فلم يكن سهلاً على الفلاحين الخاضعين لتأثيرات شيوخهم والمحرومين من نعمة القراءة والكتابة والوصول إلى المعلومات المناسبة أو الإطلاع على مجريات الصراع في العراق والمنطقة أن يدرك أبعاد الصراع واتجاهاته. لقد اقتصر ذلك بمجموعات من المثقفين والأفندية وعلماء الدين ومجموعات من شيوخ العشائر المتنورة وأبناء الميسورين والفئات المتوسطة. وكانت هذه الحقيقة تكمن وراء الدعاية العراقية المناهضة للوجود البريطاني تتخذ صيغاً مختلفة وفق الجماعات التي يراد إيصال المعلومة إليها. ففي الوقت الذي كان يجري الحديث عن الدين وعن التباين بين المسلمين والبريطانيين الكفار (المقصود هنا المسيحيين البريطانيين) في الأوساط الدينية وفي الريف وفي صفوف فقراء المدن والكادحين, كانت الدعاية تفضح الأهداف الرئيسية وراء الهيمنة البريطانية التي تريد استثمار موارد العراق وخيراته واستغلال شعبه في صفوف الأفندية والمتعلمين والمثقفين, كما كان تنشر الدعاية عن نكث بريطانيا بوعودها في تحقيق الوحدة العربية أو في تحقيق الحكم الذاتي للأكراد في أوساط الشعب العربي أو الشعب الكردي.
ولعب العامل الخارجي, سواء كان المقصود به الجانب العربي أم الإقليمي أم الدولي, دوراً مهماً في تنشيط الكفاح الداخلي في تفجير الثورة العراقية. فثورة العشرين, التي جاءت استكمالاً لانتفاضة النجف في عام 1918 وانتفاضة السليمانية عام 1919, قد تأثرت بالعوامل الخارجية التالية:
• إطلاع الأوساط العراقية الأكثر احتكاكاً بالمعلومات القادمة من الخارج وعبر الصحافة العربية وغيرها على ما تنشره الصحف البريطانية والنقاشات التي كانت تدور في مجلس العموم البريطاني حول مطالبة العراقيين بالاستقلال والتحركات السياسية والنضالات المسلحة التي كانت تؤرق الأوساط البريطانية وسلطات الاحتلال, كما كانت تثير جمهرة غير قليلة من الشعب البريطاني من دافعي الضرائب ومن المجندين في الخدمة في العراق والتي كانت تطالب الحكومة البريطانية الانسحاب من العراق ومنح البلاد استقلالها, باعتباره مطلباً عراقياً ملحاً. وكان هذا النقاش يشجع العراقيين عندما كان يبث في المضايف والمجالس الدينية والشعبية, كان يحفز الناس ويدفعهم إلى التفكير بالمشاركة في العمل من أجل هذا الهدف. كما كانت الأوساط العراقية الواعية على إطلاع على المبادئ التي طرحها الرئيس الأمريكي ودرو ويلسون حول حرية واستقلال الشعوب والتي روجت لها الدعاية الأمريكية في صراع الولايات المتحدة ضد بريطانيا وفرنسا من أجل أن تحتل الولايات المتحدة الأمريكية موقعا تحت الشمس وفي المياه الدافئة. ولا شك في أن الحركات المناهضة للأمريكان والصراعات الدولية وخشية تطور الأوضاع أصدرت الحكومتان البريطانية والفرنسية بياناً, أكد من حيث المبدأ على الرأي الذي أذاعه الجنرال مود عشية احتلاله بغداد باعتبارهم جاءوا محررين لا محتلين, أكدتا فيه ما يلي: "إن الغاية التي ترمي إليها كل من فرنسة وبريطانية العظمى في خوض غمار الحرب في الشرق من جراء أطماع ألمانية, هي تحرير الشعوب التي طالما رزحت تحت أعباء استعباد الأتراك تحريراً تاماً نهائياً, وتأسيس حكومات وإدارات وطنية تستمد سلطتها من رغبة نفس السكان الوطنيين ومحض اختيارهم. وتنفيذاً لهذه الغايات قد اتفقت كل من فرنسة وبريطانية العظمى على تشجيع ومساعدة إنشاء حكومات وإدارات وطنية في كل من سورية والعراق, وقد حررها الحلفاء فعلاً, وفي الأقطار التي يسعى الحلفاء إلى تحريرها, والاعتراف بهذه الأقطار بمجرد تأسيس حكوماتها تأسيساً فعلياً" . وكان هذا البيان الذي صدر في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1918 تأثير إيجابي على تصعيد النضال ضد الهيمنة البريطانية على العراق. 
وكانت مس غرترود بيل واعية لوجهة تطور الأحداث في العراق فكتبت, كما يشير إلى ذلك الدكتور عبد الله فياض, في الثاني عشر من كانون الثاني/يناير 1920 تقول: "أبتهل إلى الله أن يهدي قادة الرأي في وطننا ويجعلهم يفهمون أن الأفضل أن نعترف بطموح العراقيين السياسي منذ البداية وألا نحاول أن نضغط على السكان. ومن يعلمنا بأننا قد نفقد سيطرتنا على العراق خلال سنة واحدة أو أقل. وذلك لأن عوامل الاضطراب من الشمال والشرق آخذة مجراها وربما يكون لهذه العوامل تأثيرها في أهل العراق. ليتني أتمتع بتأثير أكثر مما أتمتع به الآن حتى أقنع الآخرين بوجهة نظري. وقد كتبت حول هذا الموضوع إلى أدون "Edwin" هذا الأسبوع, وسأكتب إلى السير هرتزل "A. Hirtzel" " .
ورغم كل مصاعب الارتباط بين العراق وبقية الأقطار العربية والبلدان المجاورة, فإن نضال العراقيين بمختلف فئاتهم الاجتماعية لم يكن معزولاً تماماً أو بعيداً عن النضالات السياسية في تلك الأقطار وبلدان الجوار. وكانت لأحداث تلك البلدان تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة على الوضع في العراق. فثورة 1919 في مصر وتحركات البرجوازية والقوى الوطنية الأخرى في سوريا ولبنان عام 1918 والحركة المشروطية في إيران والدستورية وتنامي الحركة الكمالية في تركيا خلال الفترة 1919-1921 كانت لها أصداء ملموسة على العراق وعلى تطلعات فئات معينة من أبناء الشعب العراقي. 
فكانت بلاد الشام, التي نصب فيصل بن الحسين في عام 1919 ملكاً عليها, تشمل سوريا ولبنان وفلسطين, وكانت خاضعة للاحتلال البريطاني الفرنسي, رغم أن القائد العام لقوات الحلفاء في المنطقة كان بريطانياً . إذ كانت الأحداث فيها تغلي مطالبة إلغاء الاحتلال ومنح سوريا الاستقلال, وأصبح شعار "سوريا للسوريين" هو السائد. وبعد عودة فيصل من جولته في أوروبا إلى دمشق أمكن تشكيل المجلس الوطني وعقد اجتماع له صدرت عنه مجموعة من المقررات ذات الأهمية الفائقة, ومن بينها:
 "1. الاعتراف باستقلال سورية  وبضمنها فلسطين كدولة ذات سيادة وتنصيب الأمير فيصل ملكاً عليها والاعتراف باستقلال العراق.
 2. نقض اتفاق سايكس بيكو ووعد بلفور وكل مشروع يرمي إلى تقسيم سورية وإنشاء دولة يهودية في فلسطين.
 3. رفض الوصاية السياسية التي ينطوي عليها نظام الانتداب المقترح, .. " .
 وقد كان لهذه المقررات (وهي عشرة) تأثير ملموس على المجموعات العراقية التي كانت حينذاك في سورية, سواء كانوا من المدنيين أم العسكريين الذين انخرطوا في القوات المسلحة السورية, فحركها باتجاه عقد اجتماع لها واعتبار نفسها ممثلة للشعب العراقي ثم اتخاذ قرارات تضمنت, كما يشير إلى ذلك جورج أنطونيوس, إذ كتب يقول: "اجتمع المؤتمر السوري في دمشق يوم 8 مارس (1920) وقرر إعلان استقلال سورية وبضمنها فلسطين ولبنان كدولة ذات سيادة شكل الحكم فيها ملكي دستوري والمناداة بالأمير فيصل ملكاً, ثم اجتمع الزعماء العراقيون واتخذوا قراراً مماثلاً بشأن العراق الذي انتخبوا الأمير عبد الله ملكاً عليه , وقد أضيف على قرار المؤتمر تحفظ يبقي للبنان حقه المكتسب في الحكم الذاتي ضمن نطاق الوحدة السورية وتقرر كذلك أن تقوم الإدارة في سورية والعراق على أساس اللامركزية وهي الفكرة التي كانت موضوع الخلاف القديم بين الترك والعرب" .
 ولم يكن التأثير الوارد من سوريا مقتصراً على الجانب العملي, بل كان هناك تأثير فكري وسياسي تجلى في الصحافة السورية التي كانت تصل إلى العراق, وكذلك في الأخبار التي كانت تتناقلها المجالس العراقية وعلماء الدين وشيوخ العشائر في مضايفهم. وكان السوريون متأثرين بفكر الثورة الفرنسية التحرري الذي نادت به البرجوازية المنتفضة ضد النظام الإقطاعي في عام 1789 والتي كانت شعاراتها "الحرية والإخاء والمساواة", التي انتقلت بدورها إلى الأوساط العراقية العاملة في السياسة والمهتمة بقضايا تحرر العراق. ويقال أن الأمير فيصل كان يرسل ليس فقط الدعاة إلى بغداد لتحريك الناس والقبائل من أجل الاستقلال, بل كان يرسل الأموال بالاعتماد على القوات البريطانية المرابطة في سورية . ولكن استطلاع الرأي الذي قام عبد الرزاق الحسني في حينها مع مجموعة مهمة من قادة الثورة من جهة , والمعلومات التي استطاع الحصول عليها الدكتور عبد الله فياض من جهة ثانية تشير إلى أن الثوار لم يحصلوا على مساعدات مالية من الأمير فيصل في سوريا . 
• وإلى جانب التأثير المباشر لسوريا على الحركة السياسية المناهضة لبريطانيا في العراق لعبت ثورة 1919 المصرية بقيادة سعد زغلول دوراً محفزا لتلك الأوساط التي كانت على إطلاع على أخبار الثورة من جهة, وعلى فكر الثورة الذي كان يتجلى في ما تنشره الصحافة المصرية من معلومات وقيم نضالية ضد الهيمنة الأجنبية ومن أجل استقلال مصر والدول الإسلامية الأخرى. وكانت تلك المعلومات تتسرب إلى الناس في المدينة على نحو خاص . وكانت التحركات الفلاحية في الريف المصري تنتقل أخبارها إلى الريف العراقي أيضاً, حيث يجري الحديث عنها في مضايف الشيوخ وفي مجالس المدينة. إذ كتب محمد مهدي البصير, نقلاً عن الدكتور الوردي, يقول: "إن أخبار سعد زغلول والشعب المصري من جهة, وأخبار الملك حسين وأنجاله في الحجاز وسوريا من جهة الأخرى, كانت حديث الخاص والعام في العراق وقلما خلا مجلس من ذكرها" .
• وكان للعلاقات بين العراق وإيران ومجيء الزوار الإيرانيين إلى مدن مثل كربلاء والنجف والكاظمين وغيرها من مدن العتبات المقدسة, إضافة إلى جنوب العراق واحتكاكهم المتواصل بالناس وبعلماء الدين تأثير ملموس باتجاهين مهمين هما: تبادل وجهات النظر حول تطور الحياة السياسية في إيران ودور علماء الدين وتجربتهم في النضال من أجل الدستور في الحركة التي عرفت منذ بداية القرن العشرين بالحركة المشروطية, وكذلك الموقف من الهيمنة البريطانية على إيران من جهة, ونقل أخبار ثورة أكتوبر البلشفية الاشتراكية والثورة الألمانية ودور العمال والفلاحين في هذه الثورة من جهة ثانية. وكانت أخبار الثورة والمعلومات عنها ليست بالضرورة كلها واضحة المعالم ومفهومة الهدف, إذ أن بعض الصحف كانت تشكك بأهداف الثورة ومواقفها من العراق أو الدول العربية, ولكن بعضها الآخر كان يشير إلى الدور الذي لعبته الثورة البلشفية في نشر المؤامرات التي حاكتها قبل ذاك الدول الاستعمارية لتقسيم مناطق النفوذ في ما بينها, وبشكل خاص بين بريطانيا وفرنسا وروسيا القيصرية. وفي الوقت الذي يفترض أن لا تتم المبالغة في دور هذه الثورات البعيدة عن العراق وقلة الأخبار التي كانت ترد إلى الناس العراقيين حولها, فأن من الخطأ بمكان نكران أي دور فكري وسياسي غير مباشر على الحركات السياسية في المنطقة العربية أو في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. ويتجلى هذا في العديد من كتابات الحكام السياسيين البريطانيين في العراق  غيرها التي كانت تصل إلى العراقيين, وما كانت تتناقله المجلات أو الصحف التي يطلع عليها بعض المثقفين, سواء كان ذلك بالنسبة إلى السليمانية أو غيرها من المدن العراقية. ولا شك في  المصادر التي تشير إلى وجود صلة مباشرة بين رجال ثورة العشرين, سواء كانوا من علماء الدين أو من غيرهم, برجال الثورة الروسية أو بالقنصلية السوفييتية في إيران شحيحة جداً, ولم يؤكدها رجال الثورة الذين قيل أنهم كانوا على صلة بالسوفييت, كما في حالة المرزا محمد رضا الشيرازي وهو أبن حجة الإسلام والمسلمين العلامة المرزا محمد تقي الحائري الشيرازي الذي لعب دوراً  قياديا في الثورة وأعطى فتاوى تنشط التحرك ضد المحتلين البريطانيين, والذي ورد في إجابته عن أسئلة الدكتور عبد الله فياض الواردة في كتابه المشار إليه سابقاً "الثورة العراقية الكبرى" .
• ومع ذلك فالأحداث التي عرفتها قبل وأثناء وبعد ثورة العشرين تؤكد وجود تأثير نسبي غير مباشر لثورتي شباط البرجوازية وأكتوبر الاشتراكية في روسيا القيصرية في عام 1917 وإقامة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية على أوساط معينة من قادة الثورة ومن خلالهم على المقاتلين في جيش الثورة. وفي هذا الصدد يورد فولفو في كتابه عن تاريخ الأقطار العربية المعاصر ما يلي:
"وإلى العراق وسوريا, تسربت أنباء الثورة الروسية عن طريق خط الجبهة القفقاسية حيث كان يتجابه الجيشان الروسي والتركي ( ففي 1916 خاضت القوات الروسية غمار المعارك ضد الأتراك قرب خانقين, أي في أراضي العراق), وكذلك عن طريق إيران والهند. وبين جنود الجيش التركي الذي يضم كثيرين من العرب, انتشرت بسرعة أنباء الحركة الثورية البادئة التي قام بها جنود الجبهة القفقاسية الروسية والمجموعة من القوات الروسية في إيران, ونبأ إطاحة العمال والجنود في روسيا بحكم الملاكين العقاريين والرأس الماليين. وكانت واسعة الشعبية على الأخص الأنباء القائلة أن الجنود الروس يطالبون بوقف الحرب على الفور, وعقد الصلح, وتقسيم الأرض بين الفلاحين.", ثم يواصل قوله: " وإلى المناطق الجنوبية من بلاد ما بين النهرين, تسربت أنباء الثورة في روسيا بصورة رئيسية عن طريق إيران والهند, فأن جيش الاحتلال البريطاني في العراق كان يتألف على الأغلب من جنود هنود. ولن نبالغ إذا قلنا إن شعوب العراق قد شعرت مباشرة بتأثير الثورة الروسية" . 
وجاء في البرقية التي أرسلها السير أي. تي. ولسن, الحاكم الملكي العام في العراق, إلى وزير الهند في 12/8/1920 تشخيص 14 سببا للثورة على الاحتلال الإنكليزي. وفي السبب الخامس يذكر ولسن ما يلي: " نقاط الرئيس ويلسون الأربع عشرة, وما أنتجته من هياج, وتأثير زاده أثراً الشريف والأتراك, والبولشفيك, من متطوعين ومأجورين" .
• وكان للعمال  الهنود الذين عملوا في الموانئ العراقية وفي الثكنات والمنشآت العسكرية والإنتاجية دور ملموس في إعطاء صورة واقعية عن حقيقة الاستعمار الإنكليزي في الهند والمصائب التي تعاني منها شعوب الهند نتيجة ذلك.
• وكان لتركيا تأثير مباشر على القوى التي رفعت السلاح باسم الجهاد الإسلامي ضد الكفار بوجه القوات البريطانية التي احتلت البصرة في عام 1915. والمعلومات التي كانت بريطانيا تنشرها حينذاك تؤكد وجود تلك الصلة, حيث كانت تصل الأسلحة والأموال إلى الحركات السياسية المناهضة لبريطانيا في العراق. ولكن الأهم من هذا هو أن الحركة الدستورية لعام 1908, ومن ثم الثورة الكمالية, كان لهما تأثير مباشر على الحركة السياسية العراقية للمطالبة بالحرية واللامركزية في العلاقات قبل الحرب العالمية الأولى. أي أنها كانت من المحفزات الأولى السابقة للثورة والتحرك ضد بريطانيا.
لقد كان لهذه العوامل وغيرها تأثير مباشر وغير مباشر على علماء الدين والمثقفين والموظفين الأفندية وشيوخ العشائر, والتي كانت تنتقل عبرهم إلى جمهرة أخرى من الناس, ومنهم إلى الشارع العراقي, إضافة إلى المعاناة المباشرة للسكان من ظلم البريطانيين, الذي أشرنا إليه سابقاً, إذ أنها ساهمت في تحفيز العراقيين ودفعتهم إلى تغيير موقف الكثيرين الإيجابي من الاحتلال البريطاني في بدايته, وإلى المطالبة بتنفيذ التعهد الذي التزمت به بريطانيا أمام الشريف حسين, أو أمام العراقيين حين تضمن بيان الجنرال مود بأنهم جاءوا محررين لا محتلين, أو في البيان الفرنسي البريطاني المشترك الذي صدر في عام 1918.

 

طبيعة قيادة الثورة

كانت قيادة ثورة العشرين تتكون من مجموعة من علماء الدين وشيوخ العشائر وبعض كبار ملاك الأراضي الزراعية ومجموعة من الثوار المنحدرين من صفوف الفئات المتوسطة والميسورة ومن صغار البرجوازيين والمثقفين والمهتمين بالشؤون الوطنية والقومية والفكر التقدمي. والغالبية العظمى من هؤلاء كانت لا تنتمي إلى أحزاب سياسية, إلا إن البعض منهم كان في قيادة أحزاب تلك الفترة أو من المؤيدين لأهدافها الوطنية والقومية والاجتماعية العامة. تميزت قيادة الثورة بالجرأة والرغبة في تحقيق المهمات, ولكنها كانت تفتقد لوحدة القيادة والانسجام الفكري أو التنسيق المطلوب. وإذا كان الريف والمدن المجاورة لها خاضعة لتأثير ونفوذ رجال الدين البارزين وشيوخ العشائر من ملاك الأراضي الزراعية, فأن مدينة بغداد والبصرة والموصل كانت تحت تأثير الأحزاب السياسية وأبناء العوائل الميسورة المشاركة في الثورة وبعض المثقفين البارزين والوجوه الاجتماعية. ويفترض في هذا التقدير أن لا يقلل من دور وتأثير علماء الدين على سكان المدن الذين لم يتخلوا عن تقاليدهم وعلاقاتهم القديمة في الريف العراقي. وكان هناك تمايز كبير في الرؤية للمشكلات القائمة وأساليب المجابهة وإعلام الثورة, إضافة إلى تغلب الأسلوب العشائري- الفلاحي- الفردي المهيمن على تصرفات الثوار وفي اتخاذ القرارات وفي التنفيذ. كما أن طبيعة قيادة الثورة من حيث تكوينها والشخصيات المشاركة فيها  كانت تفتح للمساومة مسالك عديدة مع سلطات الاحتلال البريطاني ومع تلك الشخصيات التي وقفت ضد الثورة وتعاونت مع قوات الاحتلال, إذ إن البنية والمواقع والمواقف السياسية والفكرية والمصالح لم تكن متناقضة تماما. وكان المتتبع لا يحتاج إلى كبير عناء ليشخص في عدد من شيوخ العشائر ومن كبار ملاك الأراضي الزراعية الذين كانوا يخشون على الأراضي التي بحوزتهم من المصادرة في حالة فشل الثورة. وهكذا كان الأمر مع بعض رجالات حزب العهد وخاصة أولئك الضباط الذين أطلق عليهم بالشريفيين (نسبة إلى الشريف حسين شريف مكة). وكان لتخاذل العديد من هذه الشخصيات وارتداد البعض الآخر أثناء العمليات العسكرية للثورة أثره البارز في إضعاف وتفكك قيادة الثورة وجيشها, إضافة إلى انعدام التوازن في قدرات المعسكرين من حيث الكفاءة القتالية والتنظيم والتسلح والوحدة القيادية والاتصالات بين مناطق العمليات الثورية المختلفة لصالح القوات البريطانية. وكانت مساهمة الفئات المتوسطة الحديثة التكوين العاملة في قطاع التجارة والنقل, رغم إنها كانت أكثر حزما واستعدادا في المجابهة, إلا أنها كانت أكثر ضعفا وأقل خبرة وأدنى قدرة في التأثير والنفوذ وعدد المؤيدين لها من الثوار, إذ أن دورها بالأساس قد اقتصر على المدن التي لم يكن لها ذلك الدور المتميز في الثورة.


طبيعة جيش الثورة

كان الفلاحون يشكلون جيش الثورة الأساسي, إضافة إلى أعداد غير كبيرة من أبناء المدن من العاطلين عن العمل من أشباه البروليتاريا ومن أصل فلاحي, ومن العمال وبعض الكسبة والحرفيين والمثقفين والمتعلمين ممن إستجابوا لنداء القوى الدينية والأحزاب السياسية مثل حرس الاستقلال وحزب العهد والجمعية الوطنية الإسلامية. وكان مثل هذا الواقع مفهوما بسبب النسبة العالية للفلاحين وسكان الريف في مجموع السكان في العراق حينذاك وبسبب التدهور الشديد الذي كان يعاني منه الريف. وكان لهذا التكوين الفلاحي من حيث الجيش والقيادة دوره البارز والملوس في النجاحات الملموسة التي تحققت في بداية الثورة ثم النتيجة التي انتهت إليها العلمليات العسكرية ونجاح قوات الاحتلال في ضرب وتفليش البنية التي كانت تعتمد عليها الثورة. فالتبعثر الفلاحي والتباعد والانتشار على مناطق العراق الواسعة والقيادات الفردية للعشائر المشاركة في الثورة وصعوبات الإتصال بين الثوار بسبب رداءة الطرق وانعدام الإمكانيات الأخرى بهدف التنسيق في ما بين تحركات العشائر وبينها وبين المدن, إضافة إلى قلة التدريب وضعف الانضباط وسوء الإعداد وقلة ورداءة وقدم الأسلحة التي كانت في حوزة الثوار وقلة العتاد, إضافة إلى الاعتماد الرئيسي على الخصائص المميزة للفلاحين في تلك المعارك, والتي هي من جانب ذات تقاليد رجولية شرقية ,جريئة  وذات استعداد للتضحية, ولكنها من الجانب الآخر مغامرة, وعفوية, وقلقة, غير منظمة, وغير عقلانية في آن واحد. وإذا كان الهدف المركزي واضحا لبعض القيادات المشاركة في الثورة, فإنه لم يكن واضحا تماما لعدد كبير من جيش الثوار, كما لم يكن الهدف موحدا.
وخلال فترة مقاومة الاحتلال البريطاني بين الحرب العالمية الأولى وثورة العشرين استنزفت قوات الثورة الكثير من طاقاتها وإمكانياتها الفعلية. فانتفاضة تلعفر ودير الزور والسليمانية والنجف وهبّات غيرها في مواقع أخرى قد مكنت سلطات الاحتلال من توجيه الضربات المنفردة لها مما عطل مساهمة البعض من تلك المناطق بصورة فعالة في ثورة العشرين, ولكن هذا لا يعني أنها لم تمنحها التأييد.

نتائج ثورة العشرين
   
كانت لثورة العشرين نتائج عديدة ومتداخلة, بحيث لا يمكن الادعاء بفشلها في تحقيق أهدافها الأساسية تماماً, كما لا يمكن الادعاء بأنها حققت تلك الأهداف التي سعى الثوار إلى تأمينها. فهي من جانب كانت معركة غير متكافئة لعوامل عدة في مقدمتها:
• امتلاك البريطانيين لجيش نظامي كبير نسبياً من الإنكليز والمجندين الهنود الذين تدربوا على القتال في الهند, في حين كانت قوات العشائر العراقية من الفلاحين وسكان الريف غير المتربين جيداً على استخدام الأسلحة الحديثة أو على النظام والانضباط العسكريين؛
• امتلاك القوات البريطانية على أسلحة حديثة ومتنوعة تدرب أفرادها على استخدامها, في حين كان الثوار لا يمتلكون إلا أسلحة قديمة وبالية وكميات محدودة من العتاد, كما لم يكن في مقدورهم باستمرار استخدام الأسلحة التي يغنموها في المعارك مع القوات البريطانية؛
وكانت القوات البريطانية تمتلك قيادة موحدة وسرعة في الاتصالات وتنظيم العلاقات والالتزام في تنفيذ القرارات, في حين كانت قوات الثوار لا تمتلك قيادة ميدانية موحدة وكانت العشائر تتصرف وفق اجتهادات شيوخها الذين يتخذون القرارات وفق مصالحهم المباشرة دون التنسيق الفعال مع بقية العشائر, إضافة غلى تخلف فن قيادة المعارك عند قيادة قوات الثوار. وغالباًُ ما كان الانتماء العشائري والمشكلات في التراتبية العشائرية يمنع التعاون والتنسيق الضروريين والتخلص من العفوية التي سادت العمل العسكري والقيادي في قوات الثورة. وكان الدكتور كاظم نعمة على حق حين أشار في كتابه الموسوم "الملك فيصل الأول والإنكليز والاستقلال" إلى ما يلي: "وقد تعينت طبيعة الثورة المسلحة عسكرياً باعتبارت عدة. فيما أن العمليات العسكرية قد بدأت بين العشائر فإنها ظلت عفوية ومحلية وغير منسقة استراتيجياً ومقيدة بصورة شديدة بشحة المعدات والمؤن عند العشائر. ولذلك فأن هذه المقيدات لم تعن على تحقيق نتائج مادية كبيرة. وكان النجاح المبكر للعمليات العسكرية يعود إلى حقيقة أن الهجمات سددت إلى أهداف متناثرة دون الاكتراث بآثار ذلك على طبيعة الثورة المسلحة كافة. وحالما أفلحت العشائر في تحقيق نصر تعبوي أخفقت العشائر في أن تدرك أنها بعملياتها المستقلة المنفصلة لن تقدر على مواجهة التعزيزات البريطانية. ولقد تأكدت من خلال الثورة قوة العشائر في أماكنها التقليدية, غير أن العمليات العشائرية المشتركة تطلبت تنظيماً وقيادة موحدة وهدفاً مشتركاً. ولكن لم تتحقق جميع هذه المتطلبات. فالعشائر لم تتجادل مع متطلبات التنظيم, كما أنها كانت ملازمة بشدة لقيادتها وولائها لرؤسائها. وكان بعض منهم على غير استعداد للتضحية بمنزلته العشائرية والاجتماعية مقابل غاية أعم وأشمل. ولذلك لم تتمخض عن العمليات قيادات عسكرية قادرة على مقاومة السلطات البريطانية, وإنما أضحى الشيخ رجل الاستراتيجية والرئيس الفعلي للجسد السياسي في منطقته بعد تفكك وجود السلطان البريطاني" ؛  

• كما لم يكن التنسيق بين المدن والريف على مستوى مناسب, خاصة وأن القوات العشائرية لم تكن لها ثقة بالأفندية ومثقفي المدن, رغم الخدمات الكبيرة التي قدمها ثوار المدن للثورة عموماً وخاصة في مجال الإعلام للثورة والدعاية لأهدافها؛
• وعلى  المتتبع أن لا ينسى بأن مستوى وعي الفلاحين في الريف العراقي لم يكن بالمستوى الذي يسمح بفهم معمق لأهداف الثورة السياسية. لذلك كان التأثير المباشر للقوى الدينية عليها كبيراً, ولكنه كان متباينا في فهم الوجهة والمهمات والغايات النهائية. لم يكن العراقيون حينذاك يشعرون عموماً بوجود وحدة فعلية بين سكان العراق, أو وحدة وطنية. ولكن هذه الإحساس قد تبلور نسبياً في أعقاب ثورة العشرين ولسنوات تالية, رغم أنه بقى محصوراً في مستويات معينة من الوعي السياسي والاجتماعي ولدى فئات محدودة من المجتمع العراقي. وبعد سنوات كتب فيصل الأول عن العراق وسكانه, وهو نسبياً على حق, يقول: "وفي هذا الصدد وقلبي ملآن أسى, أنه لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد, بل توجد تكتلات بشرية, خالية من أية فكرة وطنية, متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية, لا تجمع بينهم جامعة, سمّاعون للسوء, ميالون للفوضى مستعدون للانتفاض على أية حكومة كانت, …" .    
كانت ثورة العشرين تجربة سياسية غنية للشعب في مواجهة القوات البريطانية وفي تأكيد استعداد الجماهير للقتال في سبيل الأهداف التي تسعى إليها. وعبرت في الوقت نفسه عن نشوء جديد لنوع من الوحدة الوطنية بين العراقيين في مختلف مناطق العراق, إذ تجسدت فيه المعايشة المشتركة لقرون طويلة في هذا المنطقة من العالم, التي أصبحت فيما بعد العراق الحديث بحدوده التقريبية الراهنة. كما أكدت وجود أهداف مشتركة بين تلك القوى وأبناء الشعب العراقي من عرب وكرد وأقليات قومية ودينية إلى حدود مناسبة, رغم المشكلات القومية والدينية والطائفية والإقليمية التي كانت تعاني من ثقلها الحالة السياسية والاجتماعية العراقية, بسبب الصراعات الإيرانية-التركية الطائفية القديمة التي سخرت لأغراض استعمارية وتحقيق المطامع في الأرض العراقية, وبسبب الصراعات العراقية-الأجنبية البريطانية. وأكدت إمكانية تراجع الاختلاف والصراع بين الريف والمدينة وبين البدو والريف, وثم بين البدو والمدينة, الذي عرفته الفترة السابقة من تاريخ العراق. وتأكد للجميع بأن العمل المشترك في ما بين فئات الشعب ومختلف قومياته وأديانه وطوائفه ممكناً وضرورياً لمواجهة سلطات الاحتلال البريطاني. ولكن ثورة العشرين كشفت عن نقاط الضعف في تلك العملية وفي الواقع العراقي القائم حينذاك. إذ أن النتائج الإيجابية التي أشرنا إليها لم تكن بالصورة المطلوبة بسبب مستوى الوعي في المجتمع العراقي.
إن دراسة أسباب وأهداف ومجرى وقوى الثورة مع الاستفادة من مختلف الدراسات التي صدرت عن الثورة ومن الوثائق التي نشرت حتى الآن عن ثورة العشرين تساعد الباحثين في بلورة العديد من النتائج التي كان لها تأثير بارز على مسيرة العراق اللاحقة. ويمكن تلخيص تلك النتائج فيما يلي:
أولا: عجزت الثورة عن تحقيق الهدف المركزي الذي تمثل في التخلص من الاحتلال والانتداب البريطاني وطرد المحتلين, وبالتالي, عجزت عن تحقيق "الاستقلال التام الناجز" للبلاد. وكان هذا الفشل متوقعا بسبب طبيعة توازن القوى الدولية والإقليمية والمحلية حينذاك والانتصار الذي حققته القوى الإمبريالية في الحرب العالمية الأولى وقدرات القوات العسكرية البريطانية على مواجهة الثورة. ونتيجة لهذا الفشل تسنى للمحتلين فرض نظام الانتداب فعلياً عليه وترسيخ وجود القوات العسكرية وفرض النظام والقوى التي كانت موالية لسلطات الاحتلال والمدافعة عن مصالح بريطانيا في العراق. وأخيرا أمكن تأمين مستلزمات وشروط عقد الاتفاقيات الضرورية للحصول بشكل خاص على امتيازات التنقيب عن النفط الخام في الأراضي العراقية وعلى تكريس الوجود العسكري البريطاني.
ثانيا: وجهت القوى الإمبريالية والرجعية المحلية المتحالفة معها ضربة قوية للقوى والشخصيات الوطنية وزجت بهم في السجون أو أبعدتهم إلى الخارج ووجهت ضربة قاسية لمصالحهم, وأوجدت جوا ملائما للمساومة, واستخدام مبدأ "الجزرة والعصا" مع قادة الثورة والمشاركين فيها. وتسنى لها فعلا كسب عدد غير قليل منهم فيما بعد إلى جانبها وإلى جانب الحكومات التي شكلتها.
ثالثا: وبفعل طبيعة الثورة وأهدافها توجهت قوى الاحتلال الأجنبي إلى تكريس العلاقات العشائرية والتمهيد لفرض وسيادة العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية في البلاد والاعتماد على كبار ملاكي الأراضي الزراعية والبرجوازية التجارية الحديثة التكوين وعلى عدد كبير من أتباع الشريف حسين من حلفاء الحرب ضد القوات العثمانية, ممن ارتبطت مصالحهم بمصالح الهيمنة البريطانية. كما أدركت سلطات الاحتلال بأهمية وضرورة تكوين أجهزة عراقية للإدارة المحلية وقوات الجيش والشرطة والأمن الداخلي, أجهزة عراقية مستعدة للدفاع عن مصالح بريطانيا ومصالحها الجديدة في آن واحد. وأدركت بأن العراقيين يتميزون بوعي سياسي متقدم نسبيا, رغم تخلف العراق الاقتصادي والاجتماعي العام وانتشار الأمية بين صفوف السكان, خاصة وأن الفلاحين والبدو كانوا يشكلون الغالبية العظمى من السكان. وإذا كان هذا الواقع يتطلب من سلطات الاحتلال إعارة انتباه خاص لهذه الحقيقة والتعامل الواعي معها لصالح التطور العام في البلاد, فإنها عمدت فيما بعد إلى سن دستور مدني ديمقراطي نسبيا وعلماني أيضا, ولكنها في الوقت نفسه أقرت العمل بقانون العشائر من جهة وفرضت عملياً مصادرة واسعة وممارسة شرسة مناهضة للحريات والحقوق الديمقراطية وللدستور الذي اقترحته للبلاد.
رابعا: أكدت ثورة العشرين على وجود عجز بنيوي في القيادة الدينية-العشائرية وفي قدرتها على السير الحازم في النضال أو تحقيق وحدة الشعب العراقي بقومياته وأديانه وطوائفه المختلفة. ولكنها برزت في الوقت نفسه الدور الذي لعبته فئة الأفندية من المثقفين وإمكانياتها الكامنة في العملية النضالية اللاحقة, إضافة على الروح الجهادية عند الفلاحين.
خامسا: برهنت ثورة العشرين على حقائق أخرى مهمة, كما تبلورت خلال الثورة جملة من الأمور المهمة بالنسبة إلى مستقبل العراق حينذاك, منها مثلا:
• منحت الثورة المجتمع العراقي الإحساس بالكيان الواحد, الذي لم يكن متميزا في فترة الحكم العثماني. وجاء هذا باتجاهات ثلاثة أساسية, وهي:
 -تظافر جهود العراقيين من العرب والأكراد, إذ شاركت العديد من المدن والمناطق الكردية بنشاط ملموس ومهم في ثورة العشرين .
    - تظافر جهود الريف والمدينة والتخلي عن الصراعات التي عرفتها الفترات السابقة.
    - تظافر جهود الفئات الاجتماعية المختلفة في النضال من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية.
    - مشاركة المرأة بالتشجيع المعنوي للمناضلين وتجلت في الأهازيج والآشعار الشعبية العامية التي كانت تردد على لسان النسوة حينذاك . 
وتبلور هذا الإحساس أكثر فأكثر في الفترة التي أعقبت قيام الدولة العراقية الجديدة, وكان لهذا التطور أهمية كبيرة على اتجاهات النضال الوطني العراقي. 
• قدرة واستعداد الشعب العراقي على خوض النضال من أجل حقوقه المشروعة.
• أوقفت المشروع البريطاني الطامع في جعل العراق جزءا من التاج البريطاني, كما كان الحال في الهند, وعطل توجههم إلى إسكان العراق بالعائلات البريطانية باعتباره موطناً لهم أول أعداد غير قليلة من الهنود إلى العراق. ونقل الدكتور عبد الرحمن البزاز نصاً يعبر عما كانت تطمح إليه وتطمع فيه سلطات الاحتلال البريطاني وممثلها ويلسون, جاء فيه: "إن العراق بقي قروناً عديدة يحكم حكماً مباشراً من قبل الأتراك, وليس له أن يتطلع إلى أن يحكم نفسه بسرعة, بل إن الإسراع في ذلك يضر العراق, وقد يؤدي ذلك إلى عكس المطلوب". ثم كتب الدكتور البزاز قائلاً: "وفي الواقع فإن جميع أقواله وأفعاله كانت تدل على عزمه على إبقاء العراق تحت السيطرة البريطانية الفعلية المباشرة مدة طويلة. ويؤيد هذا السماح للإنكليز المقيمين في العراق بجلب زوجاتهم وأطفالهم للاستقرار فيه. وقد دخل العراق في أواخر سنة 1919 فقط, أكثر من خمسمائة شخص, مما زاد في رعب العراقيين, وأكد لهم أن بريطانية تروم اعتبار العراق جزءاً من الإمبراطورية البريطانية" . ويشير حسن العلوي إلى عدد من القضايا التي كانت تسعى بريطانيا تحقيقه من خلال هيمنتها على العراق وتنصيب الشخصية المتمرسة في مكافحة الحركات السياسية في المستعمرات السير أي. تي. ولسن حاكماً عاماً في العراق, إذ كتب يقول: "وكان أعظم ما أنجزته ثورة العشرين أنها أجهزت على مشروع ولسن البريطاني, المتمثل بعدم الاعتراف بدولة عراقية أو حكم عراقي. وكان قد طرح الاتجاهات التالية:
1. تهنيد العراق بتهجير الألوف من الهنود إليه, وربطه بحكومة الهند في مقدراته ومصائره.
2. جعله مهجراً لليهود تحت ظل بريطانيا إلى جانب السيطرة على فلسطين وجعلها يهودية.
3. تقسيم العراق بفصل البصرة وإلحاقها بالهند حتى يصبح الخليج بحيرة إنكليزية هندية. ودفع الاحتلال بعض رجالها وملاكيها الممالئين له بتنظيم مضبطة في هذا المآل وقد تزعم ذلك عبد اللطيف المنديل والشاوي.
4. تقدم الموصل إلى فرنسا وتستخدم فرنسا الأقليات بها لهذا الغرض.
 بالإجمال فأن الكولونيل ويلسن كان لا يرى وجود علاقة للعراق بسائر البلاد العربية من الناحيتين السياسية والقومية وغيرهما" .                 
• المشاركة الواسعة والغنية للفلاحات والفلاحين, شيباً وشباباً وصبية, في النضال من أجل الأهداف الوطنية والاجتماعية.
- التأثير المتبادل لنضال الشعب العراقي بعربه وكرده وأقلياته القومية والدينية وبطوائفه المختلفة. وكان لثورة العشرين وثوارها الشجعان الفضل الكبير في نشر وتعميق الحس الوطني والعداء للاستعمار البريطاني والسيطرة الأجنبية والتي تجلت في المعارك النضالية التي خاضها سكان العراق طيلة العقود التي أعقبت تلك الثورة والتي سبقت وانتهت بثورة تموز عام 1958. وساهمت ثورة العشرين بشكل ملموس في إضعاف الروح الطائفية بين الشيعة والسنة, التي تضخمت كثيراً في فترة الحكم العثماني والصراع التركي - الفارسي, وتعزيز روح الأخوة والتضامن بين أفراد الطائفتين .
- وفرضت طبيعة الثورة والأهداف التي حملتها على المحتلين الأجانب تغيير مخططاتهم والتعجيل بإقامة الدولة العراقية الحديثة, رغم إنها لم تتخل عن نظام الانتداب على العراق إلا بعد عقد من السنين تقريبا.
- وإحدى النتائج المهمة التي تبلورت حينذاك برزت في العلاقة بين النضال الوطني والديمقراطي والطموح القومي للعرب والكرد في آن. وكان التفاعل والتأييد لثورة العشرين واضحا وملموسا في الأقطار العربية.
واستنادا إلى كل ذلك يمكن القول بأن ثورة العشرين, رغم عجزها عن تحقيق أهداف الثوار بشكل مباشر لصالح العراق, فأنها بالمقابل شكلت نقطة التحول الأساسية في سياسة بريطانيا في الشرق الأوسط , وكانت السبب في تغيير سياستها إزاء العراق وفي قيام الدولة العراقية.

 



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إجابة عن أسئلة تشغل بال مواطنات ومواطنين عرب ينبغي إعارتها ك ...
- من أجل مواصلة حوار هادئ, شفاف وبعيد عن الحساسية والانغلاق وا ...
- تحويل بعض بيوت الله من منابر للتسبيح بحمد الدكتاتور إلى مراك ...
- من أجل مواصلة حوار هادئ, شفاف وبعيد عن الحساسية والانغلاق وا ...
- الشفافية والمجاهرة حاجة ماسة في العلاقة المنشودة بين القوى ا ...
- من يقف وراء حملة التمييز بين مناضلي الداخل والخارج؟ وما الهد ...
- محنة الأكراد الفيلية في العراق!
- المشكلة الأمازيغية وسياسة الشوفينيين العرب
- إلى من تتوجه أصابع الاتهام في التخريبات الأخيرة والجارية في ...
- الدور الذي يفترض أن تلعبه قوى حركة التحرر الوطني الكردية في ...
- ماذا وراء أحداث الفلوجة وهيت؟
- من أجل مواصلة الحوار حول وحدة قوى اليسار الديمقراطي العراق
- احتلال العراق ليس نهاية التاريخ! المخاطر الراهنة على مستقبل ...
- نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام في العراق والخارج - ال ...
- الحوار المفتوح والشفاف هو الطريق الأسلم لتحقيق رؤية ناضجة حو ...
- نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام في العراق والخارج
- متابعة لمقال رؤية أولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العرا ...
- رؤية أولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العراقي
- حملة من أجل الكشف عن مصير ضحايا الأنفال في كردستان العراق
- العولمة ومخاوف العالم العربي!


المزيد.....




- سوناك: تدفق طالبي اللجوء إلى إيرلندا دليل على نجاعة خطة التر ...
- اعتقال 100 طالب خلال مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين بجامعة بوسطن
- خبراء: حماس لن تقايض عملية رفح بالأسرى وبايدن أضعف من أن يوق ...
- البرلمان العراقي يمرر قانونا يجرم -المثلية الجنسية-
- مئات الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بالإفراج عن الأسرى بغزة ...
- فلسطين المحتلة تنتفض ضد نتنياهو..لا تعد إلى المنزل قبل الأسر ...
- آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب ويطالبون نتنياهو بإعاد ...
- خلال فيديو للقسام.. ماذا طلب الأسرى الإسرائيليين من نتنياهو؟ ...
- مصر تحذر إسرائيل من اجتياح رفح..الأولوية للهدنة وصفقة الأسرى ...
- تأكيدات لفاعلية دواء -بيفورتوس- ضد التهاب القصيبات في حماية ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - كاظم حبيب - انتفاضة السليمانية وثورة العشرين