أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كاظم حبيب - من يقف وراء حملة التمييز بين مناضلي الداخل والخارج؟ وما الهدف منها؟















المزيد.....


من يقف وراء حملة التمييز بين مناضلي الداخل والخارج؟ وما الهدف منها؟


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 511 - 2003 / 6 / 7 - 07:56
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


نشاط قوى صدام حسين بعد سقوط النظام
 
الحلقة السادسة
 
من يقف وراء حملة التمييز بين مناضلي الداخل والخارج؟ وما الهدف منها؟
كاظم حبيب
بعد سقوط النظام الشمولي المطلق في العراق بدأت مجموعات من السياسيين المناضلين من مختلف الأحزاب السياسية والجماعات المستقلة بالعودة إلى الوطن, هذا الوطن الذي استباحه وعاث فيه فساداً وخربه الطاغية صدام حسين وطغمته قرابة 35 عاماً. وتستهدف العودة المشاركة الواعية والفعالة في عملية إعادة بناء وتنمية الاقتصاد والمجتمع العراقي وتكريس الحياة الديمقراطية التي يفترض أن تستند إلى دستور مدني وديمقراطي حديث وحياة برلمانية حرة, تعددية سياسية وتداول ديمقراطي برلماني للسلطة من جهة, وفي إزالة بقايا الدكتاتورية والعنصرية الغاشمة والتمييز بين المواطنين وإزالة آثار القمع والإرهاب والكشف عن المقابر الجماعية ومحاسبة المسؤولين عنها من جهة ثانية. وما أن وصل هؤلاء وبدأ عملهم السياسي والاجتماعي حتى انتشرت نغمة غريبة على الشعب العراقي, إذ أنها شاذة وغير معهودة في تراث وتقاليد العراقيين. فهي تحاول زرع عدم الثقة وخلق فجوة إزاء المواطنين العراقيين القادمين من الخارج, وكأنهم دخلاء على هذا الوطن والمجتمع, وتميزهم عن المواطنين الذين كانوا في الداخل وعانوا الأمرين تحت وطأة الإرهاب الدموي للنظام. وغريب مثل هذا الأمر على العراقيين لأن لنا تجارب أخرى تعبر عن طبيعة هذا الشعب وعمق حسه الوطني وإدراكه للعوامل التي تسببت في هجرة المناضلين إلى الخارج. فما زالت في ذاكرة الأحياء منا ذلك الاستقبال الجماهيري الحاشد والترحيب الحار والأخوي الذي قابل به الشعب العراق قائد الشعب الكردي الملا مصطفى البارزاني عند عودته وصحبه من مهجره القسري في موسكو بعد ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958. كما لا يمكن أن ينسى الإنسان ذلك الاستقبال الجماهيري الحار والحميمي الذي قابل به الشعب العراقي عودة المناضلين العرقيين الذين أسقطت الحكومة الملكية عنهم الجنسية العراقية, ومنهم الأستاذ الراحل توفيق منيرو أو عودة الذين أجبروا على الهجرة ومنهم الأستاذ الراحل عزيز شريف والأستاذ عبد القادر إسماعيل وغيرهم. ولم يطرأ على بال أحد حينذاك أن يتحدث عن هؤلاء وكأنهم غرباء عن الوطن أو أنهم عاشوا في بحبوحة, إذ لم تكن هجرتهم وفق إرادتهم, بل أجبروا عليها. وهكذا هو حال عشرات الآلاف من العراقيات والعراقيين السياسيين والمثقفين من أدباء وفنانين مبدعين وعلماء في مختلف العلوم الصرفة والإنسانية, وكذلك العمال الفنيين والمهرة ..., ومن مختلف القوميات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية والسياسية. إن عودة هؤلاء إلى الوطن بعد إزاحة الكابوس عن العراق وعن صدور الناس تعبير عن صدق إحساسهم بالوطن الذي افتقدوه بسبب هيمنة الطاغية على مصائر الناس. جاء هؤلاء ليشاركوا في المواقع المناسبة, سواء أكان ذلك في الحكم أم في أجهزة الدولة أم في القطاع الخاص...الخ. إن من حق هؤلاء ومن واجبهم إزاء الشعب والوطن تحمل مسؤولياتهم مع بقية المواطنات والمواطنين لإعادة إعمار العراق وتنميته بالسرعة الممكنة وإخراجه من المستنقع الذي دفعه إليه صدام حسين وطغمته المارقة.
عندما كنت عضواً في اللجنة المركزية أو عضواً في المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي تسنى لي أن أزور الجاليات العراقية في عدد من عواصم وبلدان أوروبية وغيرها, كما تسنى لي فيما بعد أن أشارك في إلقاء محاضرات عن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وعن جرائم وبشاعة النظام العراقي في الولايات المتحدة وكندا واستراليا وفي الكثير من الدول الأوروبية. وسمحت لي هذه الزيارات الميدانية أن التقي بالآلاف من العراقيات والعراقيين وأتعرف عليهم وأتحدث معهم وأستوعب المشكلات التي يعانون منها وهم في الغربة. ومن خلال الأبحاث الميدانية التي أجريتها عن الهجرة والمهاجرين وكتبت عنها, لا حول العراق فحسب, بل وحول دول شمال أفريقيا وعن معاناة المهاجرين في الدول الأوروبية, تسنى لي تشخيص الجماعات التالية بالنسبة إلى العراقيات والعراقيين الذين كانوا أو ما زالوا في الخارج, وهي:
1.     الغالبية العظمى من العراقيات والعراقيين غادرت العراق بسبب المصاعب الاقتصادية وصعوبة العيش في العراق والبطالة الواسعة جداً وظروف الحرب الداخلية والخارجية. وهذه الجماعات لا ترتبط بهذا الحزب أو ذاك وربما تؤيد بهذا القدر أو ذاك هذا الاتجاه أو ذاك, ولكنهم جميعاً كانوا يحملون المرارة بسبب الأوضاع التي كانت سائدة في العراق. وكان هؤلاء الناس يفكرون دائماً في كيفية إيصال الدعم المالي لعائلاتهم من خلال عملهم أو المساعدة المالية التي كانوا يتلقونها من الحكومات الأوروبية مثلاً.
2.     مجموعات كبيرة من العراقيات والعراقيين الذين تعرضوا إلى اضطهاد شوفيني وعنصري وديني وطائفي شرس من قبل النظام وأجهزته القمعية. فكما نعرف جميعاً بأن عدداً هائلاً من الأكراد والأكراد الفيلية وعرب الوسط والجنوب وسكان الأهوار, إضافة إلى أعداد غفيرة من الآشوريين والكلدان وجمهرة من التركمان, يصل مجموعهم إلى أكثر من 750 ألف مواطنة ومواطن, أجبروا على مغادرة الوطن أو هجروا قسراً والذين عاشوا في ظروف متباينة وعانوا الكثير من الغربة والمضايقات, خاصة أولئك الذين أجبروا على العيش في بلدان الشرق الأوسط. كما ترك العراق تحت ضغط المضايقات والمحاربة أبناء العديد من العشائر العراقية التي كانت تقف ضد النظام وسكان الأهوار أو التي تحالفت معه لفترة ثم توجه ضدها لأسباب شتى.
3.     مجموعات كبيرة من السياسيين العراقيين من منتسبي الأحزاب السياسية العراقية أو من السياسيين المستقلين وفي فترات مختلفة, حيث كانوا يتعرضون لإرهاب السلطة. وكان أمام هذه المجموعة من المواطنات والمواطنين أحد الأمور التالية:
•        إما التعرض للاعتقال والتعذيب والسجن والموت في السجون أو الدفن وهم أحياء. وها نحن نقف أمام مئات المقابر الجماعية [وما اكتشف منها حتى الآن أقل بكثير من تلك التي لم تكتشف] التي تكتشف يومياً, فهل كان البعض من العراقيات والعراقيين يريد أن يرى أولئك الذين غادروا العراق قسراً مدفونين في مقابر جماعية أخرى, كما حصل لعشرات بل لمئات الآلاف من العراقيات والعراقيين. أشك في ذلك وأثق بأن جماعة النظام الاستبدادي وعلى رأسهم صدام حسين كان يتمنى ذلك, ولكن ليس المواطنة الطبيعية والمواطن العراقي الطبيعي.  
•        وإما الهجرة والتخلص من الاعتقال ومواصلة النضال ضد النظام الدموي, سواء أكان ذلك بالعودة إلى الوطن بصورة سرية, أم المشاركة في النضال المسلح في كردستان العراق, أم البقاء في الخارج والعمل ضد النظام وفضحه دولياً. ويجب أن نؤكد بأن القوى السياسية, سواء المنتسبة إلى الأحزاب السياسية في الخارج أو المرتبطة بها بصيغة ما, رغم كثرتها لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من العراقيات والعراقيين في الخارج, وهكذا هو الحال في الداخل. وينبغي أن لا ننسى بأن عدداً كبيراً من هؤلاء كان قد تعرض للاعتقال والتعذيب ثم أفرج عنه وكان من المتوقع اعتقاله مرة أخرى مما أجبر على مغادرة العراق لا للنجاة بجلده فحسب, بل وفي الغالب الأعم للمشاركة في النضال من موقع آخر. وعانت عائلاتهم من ويلات ملاحقة النظام لهم واضطهادهم وتعريض الكثير منهم للموت. والأمثلة التي أمتلكها كثيرة جداً. ولا أقدم نفسي نموذجاً لذلك, بل أقدم واحداً من أبرز المسرحيين على الصعيدين العراقي والعربي وعلى الصعيد العالمي, وأعني به الأخ الأستاذ جواد الأسدي, الذي حصل ما حصل لعائلته في العراق بسبب دوره النضالي عبر المسرح في الخارج.   
•        وإما البقاء في الداخل والمشاركة في النضال, وهم الذين استطاعوا الاختفاء عن أعين أجهزة الأمن. وقد اعتقلت أجهزة الأم البعثية عدداً كبيراً جداً من هؤلاء المناضلين وفي فترات مختلفة ومن مختلف الأحزاب والاتجاهات الفكرية والسياسية ومن المستقلين أيضاً. ولقت الغالبية العظمى منهم مصرعها على أيدي أجهزة النظام القمعية وفي دهاليز ومعتقلات النظام السرية.  
•        وإما البقاء في البلاد والموافقة على المساومة مع النظام القمعي والخضوع لإرادته.
•        وإما البقاء في الوطن وترك العمل السياسي مؤقتاً أو نهائياً. وهذه المجموعة من المناضلين من مختلف الأحزاب والاتجاهات الفكرية والسياسية استطاعت بشق الأنفس الحفاظ على كرامتها وقيمها, إذ لم يكن سهلاً حتى الصمت في ظل النظام المقبور. 
4.     وهناك مجموعة أخرى من أعوان النظام التي غادرت العراق لأسباب شتى بما فيها العمل في تنظيمات حزب البعث الصدامي أو البعثات والزمالات الدراسية أو للعمل في تنظيماته الأخرى مثل منظمات المغتربين أو جماعات التجسس أو الذين أرسلوا كلاجئين لمتابعة ومراقبة نشاط القوى السياسية المناهضة لنظام صدام حسين. وهذه المجموعة هي التي نظمت العديد من الاغتيالات للسياسيات والسياسيين العراقيين في الخارج, وهي التي منها من يقوم اليوم أيضاً بتنظيم المقاومة والمظاهرات في الخارج دفاعاً عن جلاوزة النظام السابق وتحاول إقامة علاقات عمل وتعاون مع جهات سياسية متطرفة لتأمين دعم العاملين في الداخل ضد الوضع الجديد بالمال والأفراد المتطوعين.
عندما كنت أزور الجاليات العراقية في مدن مثل ديترويت وشيكاغو وسان دي ييغو, على سبيل المثال لا الحصر والتقي في احتفالات كانت تنظم هناك بمناسبات وأعياد وطنية وشعبية, حيث كان الفنان القدير فؤاد سالم (أبو حسن) يقدم أجمل وأرق الأغنيات والمقامات العراقية وأكثرها عشقاً للعراق وشعبه, كانت الدموع تنساب دون انقطاع من النساء والرجال الحاضرين التي كانت تدمي القلوب وكانت تعبر عن تلك العلاقة التضامنية والانشداد العاطفي الكبير إلى الوطن والشعب من هؤلاء الناس الذين يعيشون الغربة ويجنون إلى مواطنيهم الذين يعيشون الغربة في الوطن ذاته. وكانت الغالبية العظمى من العراقيات والعراقيين الذين كانوا أو مازالوا يعيشون في هذه المدن الثلاث هم من الآشوريين والكلدان, على جانب قلة من المسلمين, سواء أكانوا من الأكراد أم من العرب.
سال أحد الألمان مرة الصديق الأستاذ الدكتور راجح عبد الصاحب البدراوي, وهو أحد علماء تغذية النباتات الذي أجبر على مغادرة البلاد حفاظاً على كرامته وسمعته الطيبة وسمعة والده نصير السلام, كيف حالك وأنت في الغربة في ألمانيا؟ أجابه الصديق قائلاً: كيف تريد أن تكون حالة الغريب... يا سيدي الفاضل: الوطن أم والغربة مرة (زوجة) الأب! وكان ينطق عن إحساس عميق بمأساة العراقيين, خاصة وأن نسبة عالية منهم كانت تعاني من أعراض الأمراض النفسية الجسديةpsychosomatik .     
نحن الآن أمام السؤال التالي: من يقف وراء هذه الحملة المشبوهة في هذا الظرف الحرج من حياة العراق السياسية, حيث يحتاج العراق فيها إلى كل إنسان نبيل يريد خدمة وطنه وشعبه؟
لا أبتعد عن الحقيقة إن وجهت أصابع الاتهام إلى الجماعات والجهات التالية:
 
أولاً: الجماعات السياسية البعثية التي فقدت السلطة والمواقع وترى ضرورة إحداث أي اختلال أو تفكيك ممكن للمجتمع الذي يعيش وضعاً صعباً نتيجة للحرب, ولكن بالأساس نتيجة للسياسات التي مارسها النظام الدموي في العراق قبل سقوطه, وثم الحصار الاقتصادي الدولي الذي فرض دورن مبرر على العراق طويلاً, بسبب تلك السياسات أيضاً. وهي الجماعة الرئيسية حيث أعطى صدام حسين الإيعاز بذلك حين اتهم العراقيين في الخارج بالعمالة للأجنبي, جاء ذلك في أحد الأشرطة الذي تم بثه بعد سقوطه. وكلنا في الداخل أو الخارج كنا نسمع الاتهامات البذيئة التي كان يوجهها صدام حسين وطارق عزيز وطه ياسين رمضان وعزت الدوري وغيرهم إلى قوى المعارضة العراقية واتهامها بالعمالة للأجنبي ويرفض اعتبارها قوى معارضة سياسية, في حين كان النظام هو الأول والأخير الذي قدم كل مستلزمات احتلال العراق وقدم أكبر خدمة للولايات المتحدة في تعزيز مواقعها في المنطقة. إن هذه المجموعة هي الأخطر والأكثر شراسة في ترويج الإشاعات ضد القادمين من الخارج لأنها تدرك تماماً ما تقوم به ولآن ما تقوم به يشكل جزء من مخطط واسع, أحد جوانبه هذه الحملة المشبوهة.
 
ثانياً: جماعات من مختلف الأحزاب السياسية التي استقرت في البلاد وساومت النظام ومرغت كرامتها بوحل الدكتاتورية وعاشت على فتات موائد النظام وأوسمته ونقود الشعب العراقي التي كان يسرقها صدام حسين من قوت الشعب ويمنحها كعطايا. وهم أشلاء من أحزاب مختلفة فيهم القومي والشيوعي والكردي أو غيرهم ممن تخلى عن مبادئه وقيمه وسقط في وحل وأحضان الدكتاتورية ...الخ. ولكن هناك من العراقيات والعراقيين ممن بقى في الوطن ورفض المساومة وعاش في حالة بؤس وعوز حقيقيين ولكنه كان مرفوع الرأس شامخ الكرامة الإنسانية. وهم ينتسبون على أحزاب مختلفة أو من المستقلين الذين اضطروا إلى تجميد نشاطه السياسي طيلة الفترة السابقة وحافظ على شرف المواطنة, وربما أدى واجبه نحو الوطن بطريقة ما.
ثالثاً: بعض الفضائيات العربية التي كرست الكثير من برامجها قبل سقوط النظام دفاعاً عن نظام صدام حسين وتبييض وجهه وهاجمت المعارضة العراقية في الخارج واعتبرتها عميلة للأجنبي. وهي اليوم توجه سهامها ضد المعارضة العراقية التي عادت من الخارج لتتحمل مسؤوليتها تدريجاً في إعادة إعمار العراق وبناء العراق الديمقراطي الاتحادي الجمهوري المستقل, وتتهمها بكل ما هو غير لائق, وهي تسعى إلى خلق فجوة غير قائمة أصلاً بين مناضلي الداخل والخارج. إنها زوبعة تحمل جراداً أصفر سرعان ما تنتهي حالما يدرك الشعب مرامي هذه الحملة البائسة, هؤلاء الذي يتغنون بالمقاومة التي يبديها أيتام صدام حسين في العراق تحت واجهة كاذبة "العمل ضد الاحتلال", إنه الحق الذي يراد به باطل ويراد به إثارة النعرات الجديدة في صفوف الشعب.
رابعاً: مجموعات من المواطنات والمواطنين ممن فصلوا من وظائفهم بسبب غلق أو حل وزاراتهم للدور المشين الذي لعبته تلك الوزارات والجهات, ومنها وزارة الإعلام, وليس بالضرورة كل الأفراد, في فترة حكم البعث الطويلة في العراق. وهم يخشون من العيش في حالة بطالة وحصول الآخرين على وظائفهم, أي الإحساس بالمنافسة. ويمكن أن يفهم الإنسان المشاعر التي يعيشها ممن يفقد وظيفته ولقمة عيشه, وهي الحالة التي يفترض أن يجري الاهتمام بها بحيث لا يعاقب البريء بجريرة المذنب. وفي ظروف مثل التي يمر بها العراق حالياً يمكن أن تحصل مثل هذه الحالات, ولكن لا يجوز استمرارها ويفترض أن يعاد الحق إلى نصابه. وعلى المواطنات والمواطنين القادمين من الخارج أن يهتموا بمثل هذه الحالات ويسعون إلى منع وقوعها أو معالجتها بسرعة. وعندي القناعة بأنها سوف لن تستمر طويلاً, إذ أن الظلم, حتى في مثل هذه الحالات, إن دام دمر.
 
والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هو: ما الغاية من وراء هذه الحملة الشريرة والمفضوحة؟
لا تشكل إثارة الصراع بين القادمين من الخارج والمقيمين في الداخل في فترة حكم صدام حسين إلا جزء من إستراتيجية واحدة وتكتيكات كثيرة ومتنوعة تدفع باتجاه الهدف الذي ينشده صدام حسين ورهطه. وإذا كانت التكتيكات تستهدف زعزعة الوضع وخلق المشاحنات بين السكان وتأمين الأجواء المناسبة لتوجيه الضربات ليس للقوات الأمريكية والبريطانية فحسب, بل وللقوى السياسية العراقية وجعل الدم ينساب باستمرار حتى بعد سقوط النظام, ونشر الخوف من احتمال حصول مكروه للفرد أو العائلة في كل لحظة, كما كان يفعل أبو الطبر في منتصف السبعينيات وبالتنسيق مع أجهزة أمنية عراقية, وتأليب الناس ضد القوى السياسية العراقية, فأن الهدف المركزي لصدام حسين هو العودة إلى الحكم, وهو أمر لن يصل إليه وينبغي أن نناضل لمنعه من ذلك. ولكن الخسائر التي سيتحملها الشعب ستكون كبيرة والاستقرار سيبقى قلقاً والاحتلال سيطول أمده والمعاناة ستكون قاسية. ونظام القتل والمقابر الجماعية يعمل وفق مبدأ الغاية تبرر الواسطة ولن يتورع عن ممارسة أحط الأساليب وأكثرها دناءة وخسة لتحقيق ما يريد. وكانت سنوات حكم الطاغية أسوأ سنوات الشعب العراقي على امتداد عمر الدولة العراقية الحديثة.
وأرى بأن المعارضة العراقية تتحمل مسؤولية العمل على نشر الوعي في أوساط الجماهير الشعبية وتوضيح الهدف من وراء هذه الدعاية ضد القادمين من الخارج والتي يمكن أن تتبلور إضافة إلى ما ذكر في أعلاه:
-             إثارة النعرات الجديدة في صفوف العراقيين لتمزيق الوحدة الوطنية المنشودة.
-             تعطيل عودة الناس من ذوي الكفاءات العلمية والثقافية والفنية والمهارات المختلفة ممن يمكن أن يساهموا مساهمة فعالة في إعادة إعمار العراق وتنمية اقتصاده الوطني, سواء أكانوا من السياسيين أو ممن لا يعمل في السياسة ووجه جل اهتمامه لاختصاصه وتثقيف نفسه.
-             منع العراقيين من أصحاب رؤوس الأموال في الخارج من العودة إلى البلاد وتوظيف رؤوس أموالهم في مشاريع اقتصادية إنتاجية وخدمية والمساهمة في عملية تشغيل العاطلين عن العمل وتقليص البطالة الواسعة حالياً وضمان انسياب النقود إلى الأسواق المحلية وتنشيط القوة الشرائية والأسواق المحلية.
-             إثارة الحساسية إزاء مواطنين عاشوا في الخارج بالرغم منهم, وبالتالي, حرمان العراق منهم, إذ أن كثرة منهم اكتسبت خلال تلك الفترة الكثير من المعارف والخبرات, وكذلك استوعبت إلى درجة مفيدة مضامين الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان, إضافة إلى قيم أخرى ذات أهمية فائقة لعملية إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية الإنسانية, وأعني بها احترام الوقت والقوانين وقواعد العمل وقواعد اللعبة الديمقراطية في مجتمع حر وديمقراطي وتعددي ...الخ.
ويبدو لي مهماً أن يتجنب العائدون إلى الوطن جملة من المسائل التي تعرضهم لانتقاد السكان ومنها التعالي على الناس البسطاء والتعامل وكأنهم جاءوا ليلقنوا الآخرين درساً في كل شيء, ومنها الديمقراطية. إن مثل هذه المخاطر قائمة وبالتالي يمكن أن ينشأ جدار لا مبرر له في عقول الناس بين القادمين من الخارج والمقيمين في الداخل, وهو أكثر وأفضل ما يتمناه صدام حسين ورهطه.
ويبدو لي أيضاً أن الصراع داخل الولايات المتحدة الأمريكية بين الجناح الأكثر يمينية في الإدارة الأمريكية والجناح المعتدل حول وجهة عمل قوات الاحتلال في العراق ودور القوى السياسية العراقية واتجاهات تطور البلاد, بما فيها الحياة الديمقراطية وسبل تحقيقها, كلها بدأت تؤثر بحدة على مواقف سلطات الاحتلال المباشرة في العراق, خاصة وأن الحاكم العام المدني بريمر يعتبر من أتباع الجناح اليميني ومن المحافظين الجدد الذي يمثلهم ريتشارد بيرل, وليم كريستول, ديك جيني, دونالد رامسفيلد ووكوندليزا رايس وفولفوفتس ...الخ.
إن أوضاع القوى السياسية العاقية سوف لن يكون سهلاً خلال الفترة الراهنة. فتجليات الصراع السياسي في الولايات المتحدة يمكن أن تنعكس على الإجراءات التي سوف تمارسها قوات الاحتلال في العراق والتي يمكن, بسبب قلقها وترددها والتغييرات التي تطرأ عليها, وبالتالي تخلق مشكلات وإحراجات ومصاعب كثيرة للقوى السياسية العراقية من جهة, كما أن نشاط قوى صدام حسين المعادي للوضع الجديد ستخلق هي الأخرى مشكلات للقوى السياسية العراقية من جهة ثانية. إضافة إلى أن الأجواء العربية, الحكومية منها والشعبية حتى الآن, في أغلبها ليست إلى جانب القوى السياسية الديمقراطية العراقية. ومثل هذا الأمر يفرض عليها التوجه صوب تأمين عملها المشترك وتضامنها الفعال لمواجهة الوضع الجديد وتوفير مستلزمات معالجته لصالحها من خلال الضغط المستمر على قوى التحالف الأمريكي-البريطاني للبدء بتشكيل حكومة عراقية مؤقتة وفسح المجال لها لتعمل بحرية ولصالح العراق.
أدرك تماماً بأن ليس من مصلحة العراق الاستعجال في إجراء انتخابات عامة, في وقت تكون فيه القوى السياسية التي كانت في صف المعارضة للنظام المقبور غير مهيأة تماماً لها, إذ أن النظام الدكتاتوري أوجد أساساً غير صالح وكرس أوضاعاً سلبية لا تساعد على تجاوز تركة المرحلة الماضية بسهولة وتأمين انتخاب حرة ومشاركة واعية وفعالة من الشعب. من هنا تأتي الحاجة إلى إعطاء الوقت الكافي للقوى السياسية العراقية للعمل من أجل تعميق الوعي بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والأديان والمذاهب والأفكار والاتجاهات السياسية المختلفة, الحق في الاختلاف واحترام الرأي والرأي الآخر واحترام التعددية السياسية. وهي عملية معقدة وطويلة, ولكن لا بد من خوضها على مستوى البلاد كلها. ومن هنا أيضاً أجد لزاماً أن تفكر القوى الديمقراطية العراقية جدياً بواقعها الراهن وبطبيعة خطابها السياسي وأن تتعامل بصراحة مع الواقع القائم بوجه واحد لا بوجهين وأن تقول جهاراً ما تريد العمل من أجله وأن تبحث عن أرضية مشتركة للتعاون والتنسيق والعمل المشترك في إطار تحالف وطني عام يعي طبيعة المرحلة والمخاطر ويدرك مسؤولياته إزاء مصير الوطن والشعب والإنسان الفرد والثروة الوطنية والعمل من أجل إغنائها وحسن استخدامها وتأمين توزيعها العادل في المجتمع.  
 
برلين في 03/06/2003                                                                           
 
                            

 



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محنة الأكراد الفيلية في العراق!
- المشكلة الأمازيغية وسياسة الشوفينيين العرب
- إلى من تتوجه أصابع الاتهام في التخريبات الأخيرة والجارية في ...
- الدور الذي يفترض أن تلعبه قوى حركة التحرر الوطني الكردية في ...
- ماذا وراء أحداث الفلوجة وهيت؟
- من أجل مواصلة الحوار حول وحدة قوى اليسار الديمقراطي العراق
- احتلال العراق ليس نهاية التاريخ! المخاطر الراهنة على مستقبل ...
- نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام في العراق والخارج - ال ...
- الحوار المفتوح والشفاف هو الطريق الأسلم لتحقيق رؤية ناضجة حو ...
- نشاط قوى صدام حسين ما بعد سقوط النظام في العراق والخارج
- متابعة لمقال رؤية أولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العرا ...
- رؤية أولية حوارية لوحدة اليسار الديمقراطي العراقي
- حملة من أجل الكشف عن مصير ضحايا الأنفال في كردستان العراق
- العولمة ومخاوف العالم العربي!
- العولمة الموضوعية تقرّب العالم، لكن سياسات العولمة الحالية ت ...


المزيد.....




- 3 بيانات توضح ما بحثه بايدن مع السيسي وأمير قطر بشأن غزة
- عالم أزهري: حديث زاهي حواس بشأن عدم تواجد الأنبياء موسى وإبر ...
- مفاجآت في اعترافات مضيفة ارتكبت جريمة مروعة في مصر
- الجيش الإسرائيلي: إما قرار حول صفقة مع حماس أو عملية عسكرية ...
- زاهي حواس ردا على تصريحات عالم أزهري: لا دليل على تواجد الأن ...
- بايدن يتصل بالشيخ تميم ويؤكد: واشنطن والدوحة والقاهرة تضمن ا ...
- تقارير إعلامية: بايدن يخاطر بخسارة دعم كبير بين الناخبين الش ...
- جامعة كولومبيا الأمريكية تشرع في فصل الطلاب المشاركين في الا ...
- القيادة المركزية الأمريكية تنشر الصور الأولى للرصيف البحري ق ...
- قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 64 مقذوفا خلال 24 ساعة


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - كاظم حبيب - من يقف وراء حملة التمييز بين مناضلي الداخل والخارج؟ وما الهدف منها؟