أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - كيف يفترض أن نتعامل مع فتوى آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري ؟















المزيد.....


كيف يفترض أن نتعامل مع فتوى آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري ؟


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 528 - 2003 / 6 / 29 - 10:14
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


     

 في العاشر من ربيع الثاني 1424 هجرية المصادف الخامس عشر من حزيران/يونيو 203 ميلادية أصدر آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري فتوى موجهة إلى الشعب العراقي حول الموقف من بعثيي النظام السابق في العراق ومن المواصلين لنشاطهم بعد سقوط النظام, حيث وزعهم على النحو التالي:

"الأول: كثرة من الناس كانوا قد انتموا إلى الحزب حرصاً على لقمة العيش، أو طلباً للسلامة في الحياة رغم خسة العيش والحياة تحت قيادة صدام ولم ينهمكوا في الإجرام ضد الأمة العراقية.
الثاني: المجرمون الذين انهمكوا في الإجرام سواء عن طريق القتل المباشر، أو التعذيب، أو السعي في إبادة المؤمنين برفع التقارير ضدهم الموجبة لقتلهم، أو سجنهم وتعذيبهم، أو تشريدهم وما إلى ذلك.
الثالث: أولئك الصداميون الذين بدأوا يعيدون تنظيمهم ولو باسم آخر بأمل عودة صدام لو أمكن، أو بأمل السيطرة على رقابنا مرة أخرى ولو في غياب صدام لو لم يمكن رجوعه.
الرابع: أولئك المنتمون إلى الحزب الذين بدأوا يحتلون مرة أخرى مكان الصدارة في العراق بوجه آخر.
الخامس: أولئك الذين بدأوا يعملون لتخريب حياة الناس بمثل قطع أسلاك الكهرباء، أو تهديم البيوت، أو القتل، أو خلق الفتن والمحن، أو ما إلى ذلك.
والأقسام الأربعة الأخيرة كلها مصاديق بارزة لمحاربة الله ورسوله وللإفساد في الأرض، وقد قال تعالى: (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتـَلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم).
وعليه فإنّ القسم الأول يتركون ولا يتعرض لهم بشيء، والأقسام الأربعة الأخرى يعتبرون مهدوري الدم كي ينسدّ باب فسادهم وإفسادهم وتهديمهم وتخريبهم وتبوء محاولة إرجاع صدام مرة أخرى أو الهيمنة من قبلهم على مقدرات البلاد بالفشل". [مقتطف من نص الفتوى المنشورة في أكثر من موقع في الإنترنيت].
اعتاد علماء الدين من أصحاب الاجتهاد المتقدم والناضج أن يعطوا اجتهادهم حول مشكلات يواجهها الرجال والنساء يراد لها الحلول التي تنسجم مع ما ورد في القرآن والسنة أو ما تراكم من اجتهادات وحلول في الشريعة أو ما يراه مناسباً وفق فهمهم للمشكلات وظروفها وخبرتهم وتجاربهم وعلمهم, ومثل هذه الفتوى تسري على أولئك الذين يقلدون هذا العالم الديني أو ذاك, وهي ليست ملزمة من حيث المبدأ لجميع المسلمين. إذ أن باب الاجتهاد مفتوح لعلماء الدين والاختلاف بينهم كان وما يزال قائماً. وفي ضوء هذا الاختلاف أو التباين في الاجتهاد والتفسير لآيات القرآن أو أحاديث محمد بن عبد الله أو زاوية الرؤيا لمختلف القضايا والمصالح, إضافة إلى الظروف المحيطة بالمجتهد, هي التي قادت إلى ظهور أكثر من مذهب في الإسلام, وهي ظاهرة إيجابية في مسائل الدين والدنيا الخاصة بالإنسان الفرد أو الجماعات أو المجتمع. شريطة أن لا يتحول الاختلاف في المذاهب إلى رؤية طائفية ضيقة وتمييز بين البشر بسبب رؤيتهم وقناعاتهم المتباينة للأمور. وهنا يبرز الفارق الأساسي بين صواب وإيجابية التعدد في المذاهب من جهة, وخطر تحوله إلى طائفية مقيتة وتمييز يلحق أضراراً بالأفراد والمجتمع من جهة أخرى. وغالباً ما تعرض المسلمون إلى مشاحنات بين أتباع المذاهب المختلفة أججها غالبية الحكام وبعض رجال الدين الطائفيين المتعصبين لدى مختلف المذاهب. وباب الاجتهاد لا يقتصر على علماء الدين المسلمين, بل شمل جميع الأديان, السماوية منها أو غير السماوية, حيث نجده في الديانات اليهودية والمسيحية ووفي الإسلام والبوذية والهندوسية ...الخ. 
وغالباً ما رفض علماء الدين المسلمين أن يعطوا فتاوى تكفر هذه المجموعة من البشر أو تلك أو هذا الفرد أو ذاك, رغم الضغوط التي مورست عليهم من قبل الحكام أو من قبل جماعات متنفذة ومتعصبة, وكان هاجسهم في محله, إذ أن بعض الظن أثم, وخاصة في مجال الاجتهاد حول قضايا تعتمد على ما في دواخل الإنسان وليس على مظهره أو سلوكه الظاهر, إذ يصعب على العالم الديني وعلى غيره من البشر الولوج إلى دواخل الإنسان ومعرفة أساس ووجهة تفكيره وسبب تصرفه. وعبر المصريون بصواب حين قالوا بأن الإنسان عوالم وليس عالماً واحداً. واحترم هؤلاء العلماء مكانتهم العلمية الدينية وابتعدوا عن احتمال نشوب فتنة يروح ضحيتها كثرة من الناس دون وجه حق, خاصة إذا كانت الفتوى تمس مجموعة كبيرة من الناس أو مجتمعاً بأكمله. وفي فترات الحكم العثماني أو الدولة الفارسية أو حتى في العراق وفي فترات مختلفة صدرت, وتحت ضغط السلاطين والحكام وتأثيرات أخرى فتاوى عن شيوخ الإسلام ورجال الدين تسببت في مشكلات كبيرة وأحقاد وضغائن, أو راح ضحيتها كثرة من النساء والرجال والأطفال الأبرياء. وما تزال في ذاكرة التاريخ الفتوى التي أصدرها شيخ الإسلام في الأستانة ضد الأيزيديين في العراق وتركيا وسوريا وقادت إلى مجاز دموية راح ضحيتها الكثير من الناس الأبرياء, على سبيل المثال لا الحصر. 
والفتوى, كما هو معروف, لها أسسها وقواعدها الضابطة بحيث لا تقود إلى عواقب لا يقصدها المجتهد, ومنها سيادة الفوضى والتجاوز على القوانين السارية والاعتداء على حياة الناس الأبرياء أو تقود إلى تأجيج روح الانتقام والثأر عند الناس, بل يفترض فيها أن تدعو إلى معالجة الأمور بالحكمة والتسامح والرؤية الواقعية للأحداث ووفق الظروف الزمانية والمكانية, ومنها جاء القول الشهير للنبي محمد بن عبد الله "أنتم أعرف بأمور دنياكم".
والفتوى التي أصدرها آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري تبعث على الدهشة والحيرة والاستغراب في آن واحد. فمع الاتفاق مع السيد الحائري على أن البعثيين ينقسمون إلى قسمين من حيث المبدأ, بل وأكثر من ذلك بالنسبة لأولئك الذين كانوا أعضاء أو أنصار في حزب البعث قبل سقوط النظام. إذ كان البعض منهم قد أصبح عضوا بسبب عقلية انتهازية ورغبة في تحين الفرص والصعود على أكتاف الآخرين, والبعض الآخر بسبب ضعف في نفسه أمام المال والجاه والنفوذ, والبعض الثالث بسبب خوف من مصير غامض يطارده ويطارد أفراد عائلته عند عدم انتسابه لحزب البعث الحاكم, كما أن هناك من تغلغل في صفوف البعث بأمل الحصول على معلومات لطرف ثالث ...الخ. كما أن هناك جماعات غير قليلة من الشباب الذين لم يعرفوا من الحياة وتجاربها شيئاً حول حزب البعث في العراق وانخرطوا في الحزب بهدف الحصول على مقعه دراسي للدراسة في كليات معينة أو الحصول على زمالة دراسية ...الخ. وهناك البعض الآخر الذي ولج حزب البعث بنية حسنة وإيمان بالقضايا القومية, ومنها قضية فلسطين, ولكنه لم يستطع مواجهة التغييرات التي حصلت في حزبه أو تحديها, وبالتالي أجبر على البقاء تحت ظروف وعوامل كثيرة أو أنه هجر هذا الحزب أخيراً.
ولكن هناك أعضاء من الحزب من قاد هذا النظام وأصدر الأوامر ولعب دوراً في التحول إلى سلطة سياسية فاشية وعنصرية دموية عشنا تحت وطأتها عقوداً عجافاً ومريرة وأرسلت في خلالها إلى طاحونة الموت مئات الآلاف من العراقيات والعراقيين. وهناك من كان أداة طيعة بيد هذا النظام نفذ ما أمُر به بأساليب مختلفة وتحت ظروف مختلفة.
إن المصائب والكوارث التي نظمها وتسبب بها النظام الدكتاتوري وحلت بالعراقيات والعراقية, بالمجتمع بأسره, كانت كبيرة شملت الجميع, وأن كانت قد تركزت في كردستان العراق وفي جنوب العراق والفرات الأوسط ولكنها لم تكن قليلة في المناطق الأخرى من العراق ومنها الأنبار وصلاح الدين وديالى والموصل ...الخ. وكانت حصة علماء الدين الشيعة من القمع والتعذيب والقتل غير قليلة وقاسية حقاً. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا جميعاً هو: كيف يفترض فينا أن نتعامل مع هذه الحقيقة؟ وكيف تعامل معها قادة حركة التحرر الوطني للشعب الكردي الذين عانوا الأمرين من الحكام العراقيين العرب في السنوات الثمانين المنصرمة, ولكن على نحو خاص خلال العقود الثلاثة الأخيرة؟ وهل يحق لنا أن نترك لروح الانتقام أن تنال من حكمتنا لتحرق الأخضر واليابس أم علينا التمييز بعناية كبيرة بين الأشخاص والحلات المختلفة, وأن نسير على خطى قادة جمهورية جنوب أفريقيا, وخاصة مانديلا, في معالجة مشكلة جلادي وضحايا التمييز العنصري هناك؟ هل يحق لعالم ديني من الناحية الدينية والإنسانية أن يصدر فتوى يقرر بموجبها هدر دم جميع أولئك البشر الذين كانوا قادة وأعضاء وجلاوزة وجلادين في فتوى واحدة ودون تمييز بينهم أولاً؟ وهل يمكن أو يحق لعالم ديني, مهما عظم شأنه وعلت مكانته الدينية, أن يصدر مثل هذا الحكم العام والشامل والمطلق دون العود التفصيلية إلى حيثيات التهم الضرورية لإصدار الفتوى أو الحكم بكل واحدة منها وليس بالجميع وبالمطلق؟ وهل يحق لعالم ديني مهما عظم شأنه بين المسلمين أن يصدر فتوى تمنح مقلديه, والله أعلم بعددهم وسواء أكانوا من الرجال أم النساء, حق قتل عشرات الآلاف من الناس دون تأمين محاكمات قانونية والاستماع إلى شهود, أو حتى بعيداً عن أحكام القرآن والسنة والشريعة التي تستوجب الشهود, حيث لا يحكم على الناس بالشبهات فقط أو الاتهامات دون منح المتهمين فرصة وحق الدفاع عن أنفسهم؟
قرأت الفتوى التي أصدرها آية الله العظمى السيد كاظم الحسني الحائري بعناية كبيرة وعدة مرات, ووجهت رسالة إلى علماء الدين أسألهم فيها عن أصول وظروف إصدار الفتاوى في الإسلام وفي المذاهب المختلفة, رغم معرفتي بها بشكل عام ولدي مكتبة عامرة بقضايا الاجتهاد في الإسلام والعلوم الإسلامية. لهذا وجدت أن هذه الفتوى لا تدعو إلى الدهشة والحيرة والاستغراب فحسب, بل تدعو إلى القلق الكبير وضرورة التحري عن الأسباب أو العوامل الحقيقية الكامنة وراء إصدار مثل هذه الفتوى العمة والمطلقة! فهي تحكم بالإعدام وبجرة قلم على كل البعثيين الذي كانوا أو ما زالوا في:
• قيادة البعث دون استثناء ودون معرفة بمواقفهم الفعلية. وهي لا تقتصر على القيادة العليا, بل كل القيادات.
• كل الذين عملوا في أجهزة الأمن العامة والمخابرات والاستخبارات والأجهزة الخاصة ...الخ.
• كل الذين كانوا مدراء للسجون السياسية أو الذين قاموا بعمليات الإعدام أو التعذيب.
• كل الذين كتبوا تقارير عن أشخاص أدت بدورها إلى اعتقال أو تعذيب أو قتل هؤلاء الأشخاص.
• كل الذين انخرطوا حالياً في النشاط المعادي للوضع الجديد دون التمييز بين أفعالهم وما يقومون به من أفعال في الوقت الحاضر, إذ أنها تبدأ بكل من قطع سلكاً كهربائياً أو خرب بيتاً أو قتل نفساً.
• كل البعثيين الحزبين الذين توظفهم سلطة الاحتلال ويحتلون مكان الصدارة لأي سبب كان دون معرفة الأسباب التي أدت إلى مثل هذا التوظيف ودون العودة إلى المسؤولين الذين عينوهم أو حتى دون العودة إلى سجل أفعالهم.
أي أن المفتي قد وضع نفسه في هذه الفتوى حاكماً وقاضياً في البلاد, وليس هذا من حقه ولا من واجبه في بلد يفترض أن يسوده القانون بعد غياب طويل عن ممارسة القانون من جانب النظام السابق. فهل بهذه الفتوى نعود إلى استبدال استبداد بعثي فاشي باستبداد من نوع آخر يقوم على الفتاوى؟ إن هذه الفتوى بصياغتها ومضمونها يفترض أن تدفعنا للتفكير بكل جدية وحرص ومسؤولية حول ما يسعى إليه البعض من علماء الدين بفتاويهم, بغض النظر عن حسن نواياهم, إذ يمكن أن تصدر غداً فتوى أخرى من نفس عالم الدين أو من غيره بهدر دم مجموعات أخرى لأسباب أخرى.    
ماذا يعني احتمال تنفيذ هذه الفتوى من قبل مقلدي آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري؟
إنها تعني باختصار شديد, وبالارتباط مع طبيعة الفتوى العامة والمفتوحة على أوسع مشهد (بانوراما) ممكن للقتل في العراق, بعد مشهد قتلى النظام السابق, لتشمل أولئك الذين يفترض هدر دمهم من قبل المسلمين في العراق, ما يلي:
• تجوال العشرات والمئات أو الألوف من مقلدي السيد الحائري وهم يحملون تحت ملابسهم السيوف والقامات والخناجر والمسدسات ليوجهوها إلى رأس وصدر من يعتقدون أنه كان ضمن هذه القائمة الطويلة التي أشار إليها السيد الحائري في فتواه.
• سيتحول العراق إلى ساحة حرب حيث ستتدحرج الرؤوس المقطوعة وتسيل الدماء في شوارع العراق, إن قرر هؤلاء السادة تنفيذ مضمون فتوى السيد الحائري.
• ستقع أعمال انتقام يقوم بها كل من تعرض للسجن والإهانة والاغتصاب والتعذيب دون أن يعود إلى المحاكم ليقاضي المتهم بارتكاب تلك الجرائم.
• وسيختلط الحابل بالنابل وستعم الفوضى والفتنة في كل مكان وستبدأ عمليات الانتقام والقتل المتبادل.
وسيتحول العراق إلى ساحة حرب أهلية لا مثيل لها. وسيموت الكثير من البشر البريء. فهل إلى هذا يدعو السيد الحائري؟
لا أظن ذلك, وبعض الظن أثم! ولكن هل يحق لنا أن نحكم على ما يبتغيه أو ما نظن بما يريده السيد الحائري, أم علينا أن نحكم على ما خطه بيديه وأصدره للناس كفتوى لتكون قاعدة يلزم بها مقلديه على إتباعها وتنفيذ محتواها بغض النظر عن العواقب المحتملة التي ستنشأ عن تنفيذ تلك الفتوى.
في الإسلام با سيدي الفاض, قواعد معينة في إصدار الفتوى أنتم أدرى بها مني, وأملي أن تعيدوا النظر بما أصدرتم إن كانت الفتوى صادرة عنكم حقاً, وأملي أن يعود علماء الدين إلى صاحبهم ليحاوروه على فتواه بأمل أن يساعدوه لكي يعيد النظر بها, وهو ما يزال على قيد الحياة, أطال الله في عمره, ويسحبها قبل أن تسجل عليه وعلى من لا ينتقده أو يرفض فتواه, وتكون سابقة خطيرة في الاجتهاد غير المسؤول.
ما أزال أتمنى أن تكون هذه الفتوى غير صحيحة ودخيلة على السيد الحائري وسجلت باسمه للإساءة إليه. إذ لم يتسن لنا التيقن من صحتها حتى الآن. ونتمنى عليه أحد أمرين:
1. أن يكذبها إن كانت منسوبة إليه خطأ, أو
2. أن يسحبها إن كانت صادرة عنه حقاً.
حسب علمي, وأنا متتبع جيد للفتاوى في الإسلام وقضايا الاجتهاد, لم تصدر عن عالم ديني يحمل مثل هذه المنزلة أو حتى أقل منزلة علمية دينية منه فتوى بمثل هذا الحكم العام والمطلق الذي لا يرى في الحياة غير الليل والنهار, غير الأسود والأبيض ولا يرى عشرات الألوان الأخرى بينهما.
من سيستفيد من هذه الفتوى؟
إن المستفيد الأول سيكون أعداء الإسلام الذين يروجون لصدام الحضارات أو لصدام الأديان بدلاً من الحوار في ما بينها, والإشارة إلى تجاوزها الفعلي على حقوق الإنسان والشرعية الدولية والقوانين العامة. كما أن البعثيين سيستفيدون منها لإثارة العطف عليهم بسبب الظلم الذي سيلحق بالكثيرين منهم نتيجة احتمال قتلهم دون محاكمات قانونية. إذ أن هذه الفتوى يمكن أن تتحول إلى أداة لتجريم من أصدرها ومن يجرأ على تنفيذها, وستعم الاحتجاجات في جميع أنحاء العالم على مثل هذه الفتوى التي تبتعد كلية عن كل القواعد الدينية والإنسانية ولا تمت إلى القرن الحادي والعشرين بصلة, بل تذكرنا بأحكام السلاطين وشيوخ الإسلام في الدولة العثمانية القرقوشية والحكام القرقوشيين وغيرهم من الظلاميين.
 إن من حقنا أن نطالب باعتقال أولئك الذين تسببوا في مصائب العراق وفي شن الحروب وفي قتل الناس الأبرياء في السجون والمعتقلات وفي البيوت والشوارع وفي بيوت الله أو الذين اغتصبوا النساء والرجال أو الذين رفعوا التقارير لإلحاق الأذى بالآخرين ... وتقديمهم للمحاكمة ليتلقوا الحكم العادل لما اقترفوه من جنايات وجرائم مختلفة. ويفترض أن تتوفر للمعتقلين كل ما كنا نطالب به لأنفسنا عندما كنا تحت رحمة النظام الدكتاتوري السابق, أي أن تتوفر لهم ما يلي:
- اعتقالهم ووضعهم في مواقف تتسم بالحد المناسب من صيانة الكرامة الإنسانية وتوفير الطعام المناسب لهم.
- عدم تعريضهم للتعذيب لانتزاع الاعترافات منهم بالقوة والتهديد أو تعريض عوائلهم إلى المطاردة والمحاربة بالرزق أو التعذيب, والابتعاد كلية عن أخذ البريء من الأقارب بجريرة المذنب.
- تأمين إمكانية الدفاع عن المتهمين بكل حرية وتوفير المحامين لهم, فالمتهم يبقى بريئاً حتى تثبت إدانته.
- إعلام عوائلهم بمكان توقيف المعتقلين والسماح للموقوفين بمقابلة عوائلهم.
- إلغاء عقوبة الإعدام من القانون العراقي وتحريم التعذيب ومحاسبة ومعاقبة ممارسيه.
- رفض القبول بمثل هذه الفتاوى التي تقود إلى مشكلات جديدة وكبيرة ولا تحل مشكلة فعلية.
إن مهمة المحقق العادل هو احترام حقوق الإنسان وكرامته بالدرجة الأولى, وإلا سنصبح تماماً كما كان عليه صدام حسين وجلاوزته. إننا نريد أن نبني مجتمعاً مدنياً حراً, ديمقراطياً, دستورياً حديثاً وعلمانياً يحترم الإنسان ويحترم الأديان كلها دون استثناء ويهيئ لها حرية العبادة وممارسة الطقوس, ولكنه يفصل تماماً بين الدين والدولة. إن مهمتنا كبشر ليس فرض وممارسة العقوبة, في حالة ارتكاب الآخرين أخطاء وجرائم من أي نوع كان, فحسب, بل المحاسبة العادلة ووفق أسس المجتمع المدني وإعادة تربية الإنسان المرتكب للخطأ أو فاعل الجريمة.
إن ما تقدمه لنا هذه الفتوى تعتبر بحد ذاتها مسألة يجب أن يحاسب عليها قائلها, إذ أصدر حكماً بقتل عشرات الآلاف من البشر دون أن يمنحهم الحق في الدفاع عن أنفسهم, وبها يثير الفوضى والفتنة بين الناس. إنه الاستبداد بعينه!
إن بين البعثيين الذين حكموا العراق كثرة من المتهمين بالإجرام البشع وإبادة الجنس البشري, كما حصل في حلبجة ومجازر الأنفال في كردستان العراق أو الذين قتلوا علماء الدين وأفراد عوائلهم أو الذين قتلوا العراقيين بغير حق ومنهم الأكراد الفيلية وعرب الجنوب ومناضلي الانتفاضة, وعلينا تقديمهم لمحاكمات عادلة وقانونية وتتوفر فيها كل متطلبات الشرعية والمسؤولية. أتمنى وأرجو أن لا تكون هذه الفتوى صحيحة, إذ أني ما زلت أشك حتى الآن في صدورها عن آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري, وهو ما أتمناه أيضاً.
أرجو له الصحة والعمر المديد.
   برلين في 28/06/2003                                                         كاظم حبيب 



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موضوعات للحوار في الذكرى الأربعينية لثورة تموز عام 1958
- لِمَ هذه الخدمات المجانية لدعم غير مباشر لقوى صدام حسين التخ ...
- هل الدور الجديد الذي يراد أن تلعبه العشائر العراقية في مصلحة ...
- من أجل أن لا ننسى ما فعله الاستعمار البريطاني والنظام الملكي ...
- من أجل التمييز الصارم بين مواقف الشعب ومواقف أعداء الحرية وا ...
- قراءة في كتاب -دراسات حول القضية الكردية ومستقبل العراق- للأ ...
- انتفاضة السليمانية وثورة العشرين
- إجابة عن أسئلة تشغل بال مواطنات ومواطنين عرب ينبغي إعارتها ك ...
- من أجل مواصلة حوار هادئ, شفاف وبعيد عن الحساسية والانغلاق وا ...
- تحويل بعض بيوت الله من منابر للتسبيح بحمد الدكتاتور إلى مراك ...
- من أجل مواصلة حوار هادئ, شفاف وبعيد عن الحساسية والانغلاق وا ...
- الشفافية والمجاهرة حاجة ماسة في العلاقة المنشودة بين القوى ا ...
- من يقف وراء حملة التمييز بين مناضلي الداخل والخارج؟ وما الهد ...
- محنة الأكراد الفيلية في العراق!
- المشكلة الأمازيغية وسياسة الشوفينيين العرب
- إلى من تتوجه أصابع الاتهام في التخريبات الأخيرة والجارية في ...
- الدور الذي يفترض أن تلعبه قوى حركة التحرر الوطني الكردية في ...
- ماذا وراء أحداث الفلوجة وهيت؟
- من أجل مواصلة الحوار حول وحدة قوى اليسار الديمقراطي العراق
- احتلال العراق ليس نهاية التاريخ! المخاطر الراهنة على مستقبل ...


المزيد.....




- قيادي بحماس لـCNN: وفد الحركة يتوجه إلى القاهرة الاثنين لهذا ...
- مصر.. النائب العام يأمر بالتحقيق العاجل في بلاغ ضد إحدى شركا ...
- زيارة متوقعة لبلينكن إلى غلاف غزة
- شاهد: -منازل سويت بالأرض-.. أعاصير تضرب الغرب الأوسط الأمريك ...
- الدوري الألماني ـ كين يتطلع لتحطيم الرقم القياسي لليفاندوفسك ...
- غرفة صلاة للمسلمين بمشفى ألماني ـ مكان للسَّكينة فما خصوصيته ...
- محور أفدييفكا.. تحرير المزيد من البلدات
- خبير ألماني: بوتين كان على حق
- فولودين: واشنطن تضحّي بالآخرين للحفاظ على القطب والواحد
- فرنسا تتهم زوجة -داعشي- سابقة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - كاظم حبيب - كيف يفترض أن نتعامل مع فتوى آية الله العظمى السيد كاظم الحسيني الحائري ؟