|
مصر وجيشها في قلب الاستهداف -الإسرائيلي–الأمريكي-
راسم عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 14:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بقلم : - راسم عبيدات
مصر وجيشها في قلب الاستهداف من قِبَل "إسرائيل" والولايات المتحدة؛ فالجيش المصري يبدو الحلقة القادمة في هذا الاستهداف. فالمشروع الاستعماري الجديد للمنطقة يتجاوز تقسيمات "سايكس– بيكو" للوطن العربي، نحو إعادة تفكيك الجغرافيا العربية والإسلامية وتركيبها مجددًا على أساس مذهبي، طائفي، عرقي وأثني، بهدف إنتاج دول وكيانات اجتماعية هشّة، مرتبطة بأحلاف أمنية وعسكرية مع "إسرائيل"، ومقادَة اقتصاديًا من قبل المركز المالي التابع للرأسمالية العالمية في واشنطن. ولتحقيق هذا الهدف، وإقامة ما يُعرف بـ"إسرائيل الكبرى" – الحلم الإسرائيلي–الأمريكي – يجب القضاء على الجيوش العربية والإسلامية، وفي مقدمتها الجيش المصري.
لهذا، نشهد تصعيدًا من نتنياهو وحكومته تجاه مصر وجيشها، إذ يزعم أن مصر تسجن الغزيين رغمًا عن إرادتهم، وتمنعهم من الهجرة القسرية أو الاختيارية، وهدد بإلغاء اتفاقية الغاز الموقعة مع مصر لخمسة أعوام 2019 - 2024، وزعم أن مصر تخرق اتفاقية "كامب ديفيد" وتنشر جيشًا ودبابات في سيناء.
من جانبها، أكدت مصر رسميًّا وشعبيًّا أنها لن تكون بوابة تهجير للشعب الفلسطيني، وأن هذا يمس أمنها القومي. والتصعيد لا يقتصر على أمن مصر القومي، بل يمتد إلى أمنها المائي؛ فقد دفعت الولايات المتحدة و"إسرائيل" إثيوبيا إلى تحركات موازية لزيادة الضغوط على مصر، لمحاولة دفعها إلى الاستجابة للمخطط "الإسرائيلي–الأمريكي". فقد صرّح رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بأن إثيوبيا لن تكتفي ببناء وتشغيل سد النهضة، بل ستقيم سدودًا أخرى على منابع النيل، وستستعيد سيطرتها على البحر الأحمر كما كانت قبل نحو ثلاثين عامًا.
كل هذه التطورات تشير إلى أن الحرب الكلامية بين مصر و"إسرائيل" قد تتحول إلى مواجهة عسكرية. الأسباب لا تقتصر على المخطط "الإسرائيلي–الأمريكي" لطرد وتهجير سكان قطاع غزة، وإقامة ما يُعرف بـ"ريفيرا الشرق" بالمعايير ترامبية فقط، بل إن الأطروحة السياسية الجديدة للأطراف الأميركية–الإسرائيلية تستهدف إلغاء "الأرض مقابل السلام" التي أقرّتها قمة بيروت في مارس 2002، والمعروفة بمبادرة السلام العربية التي طرحها الصحفي الأميركي توماس فريدمان، والتي لم تعد قادرة على تلبية طموحات "إسرائيل" وأميركا في المنطقة.
المشروع الاستعماري الجديد يقوم على منع أي تهديد لوجود "إسرائيل" لقرن قادم، ويعتمد على "التطبيع والسلام مقابل الأمن"، أي نزع سلاح الجيوش العربية وتدميرها، كما حصل في سوريا والعراق. وفي الجبهة اللبنانية، تستمر التهديدات الأميركية للبنان، حيث يرى المبعوث الأعلى توماس باراك وجوب نزع سلاح المقاومة اللبنانية قبل انسحاب "إسرائيل" من الأراضي اللبنانية ووقف انتهاك سيادتها جوًا وبرًا وبحرًا. وحتى موافقة الحكومة والرئاسة اللبنانية على الورقة الأميركية لم تتمكن من الضغط على "إسرائيل" لتنفيذ التزاماتها.
من عناصر المشروع الجديد أيضًا إنشاء مناطق أمنية في الجغرافيا العربية لخدمة "إسرائيل": ففي سوريا، تسيطر "إسرائيل" أمنيًا على مساحة تقدر بحوالي 10,480 كم²، أكبر من مساحة لبنان. وفي لبنان، يشمل المخطط منع سكان القرى الحدودية المهجّرين من العودة إليها، وتحويل تلك القرى إلى مناطق اقتصادية واستثمارية تعمل كغطاء أمني ومنطقة عازلة لأمن المستوطنات الشمالية الإسرائيلية. وكذلك تتضمن الخطة حق "إسرائيل" في انتهاك سيادة تلك الدول متى شعرت بأي تهديد أمني أو عسكري لحماية أمنها وجيشها.
مصر الآن في دائرة الاستهداف، ويبدو أنها الدور التالي. فهل باتت القيادة المصرية مقتنعة بأن أمنها وسيادتها وجغرافيتها مهدَّدة، وأن عليها الاستجابة وإلا فإن مصيرها ومصير جيشها سيكون كما حدث مع الجيشين العراقي والسوري؟
إن حضور مصر لقمة شنغهاي في الصين، وسعيها لتنويع مصادر تسليح جيشها، بالاعتماد على الصين لتطوير قدراتها العسكرية والتكنولوجية، يُشير إلى أن مصر قد تُضطر إلى الخروج من تحت عباءة الخطّة والهيمنة الأميركية. فالقوى الاستعمارية لا صدقات دائمة، بل مصالح دائمة. وإذا وقفت مصر – التي تملك أقوى جيش عربي في المنطقة – في طريقها، فإن "هذا الجيش قد يُدمّر ويُقضى عليه كما حدث للجيشين العراقي والسوري".
هل يُوقظ هذا المخطط الاستعماري–الإسرائيلي–الأميركي شعوب العالم العربي والإسلام؟ هل سينشأ تحرك عربي وإسلامي جماعي، بدل أن يبقى الجميع متفرجين أو حتى متواطئين، كما حصل خلال جرائم الإبادة والتطهير العرقي وتهجير وتجويع سكان قطاع غزة، حيث بلغ عدد الشهداء والجرحى حتى اليوم ما يزيد على 268 ألفًا، إلى جانب آلاف المفقودين تحت الردم، بينما يُقتل طفل غزاوي كل ساعة؟
في ظل هذه المنازلة الكبرى التي تستعدّ لها أمريكا و"إسرائيل" عسكريًا وتسلُّحًا وتنسيقًا، وجمع معلومات استخبارية، وتلفيق الذرائع لشنّ حروب عدوانية – كما نرى اليوم في فنزويلا حيث حشدت أميركا أساطيلها ومدمراتها قرب الكاريبي استعدادًا لعملية عسكرية تهدف لتقويض النظام الثوري هناك – يبدو واضحًا أن الولايات المتحدة لا تتوقف عند أي وسيلة لتحقيق مصالحها.
الحجة التي فُبركتها المخابرات الأميركية: أن الرئيس الفنزويلي مادورو يدير عصابة تغرق الأسواق الأميركية بالمخدرات. وهذا النوع من الذرائع سبق أن استخدم ضد العراق سنة 2003 – بادعاء امتلاك أسلحة دمار شامل – فتدمّر جيشه وقتل شعبه وشُرّد الملايين، ثم اعترفت لاحقًا بأن تلك الادعاءات كانت أكاذيب.
إذا ما امتلكت القيادة المصرية إرادتها وقرارها السياسي، فهي قادرة على هزيمة تلك الجموع، واستعادة دورها ومكانتها كقائدة للأمة العربية والإسلامية، واسترجاع وزنها الثقيل على الصعيدين الإقليمي والدولي. فعزيمة مصر أقوى من أن تهزمها الولايات المتحدة. وقد خضعت أميركا للهزيمة على يد طالبان في أفغانستان، واضطر جيشها إلى التراجع؛ كما أفشل اليمن – بقيادة أنصار الله – تحالف "الازدهار" الذي كان يضمّ الأميركيين، حيث منعوا السفن والمدمرات والبوارج الأميركية من الاقتراب بصواريخ بالستية وفرط صوتية، مما اضطر واشنطن إلى توقيع اتفاق لضمان عدم استهداف قوتها مقابل استمرار الدعم لغزة ورفع الحصار عن اليمن.
فهل تستعيد مصر إرادتها العسكرية والسياسية، وتُثبت لخصومها أن شعوب الأمة العربية والإسلامية ليست شعبًا متفرجًا، بل عنوان فعلي للتصدي والرفض؟
فلسطين – القدس المحتلة 7 سبتمبر 2025 [email protected]
#راسم_عبيدات (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-عصا موسى- في مواجهة -عربات جدعون-
-
الحرب على لبنان باتت قريبة
-
المشاريع والمخططات إقليمية وأكبر من معركة غزة
-
حل الدولتين أُسقط بالضربة القاضية
-
المنطقة والإقليم أمام مخاطر مصيرية ومفصلية
-
هي حرب حسم الساحات في المنطقة والإقليم
-
الأقصى وذكرى خراب الهيكل
-
قرار الكنيست الرمزي تمهيد قانوني وسياسي لإعلان الضم الفعلي
-
هم لن ينتصروا لا لديانتهم ولا قوميتهم ولا إنسانيتهم
-
أحداث السويداء-بروفات- لتكريس تقسيم سوريا
-
المنطقة تحت مخاطر التقسيم مجدداً
-
مخاطر الإنفجار تتعاظم في كامل المنطقة والإقليم
-
لم ينفرط عقد حجارة الدومينو،التي تحدث عنها نتنياهو في حروبه
-
من خطة مناحيم مليسون الى خطة مردخاي كيدار
-
الحرب لم تحسم ايران واليمن ولبنان ساحات قابلة للإشتعال
-
حرب المستوطنين على شعبنا تزداد شدة وضراوة
-
خيار الرد الإيراني كان مدروساً بعناية
-
ايران ملزمة بالرد
-
نتنياهو لن يتوج ملكاً لإسرائيل وترامب لن يتوج ملكاً للعالم
-
الشراكة الأمريكية - الإسرائيلية في الحروب العدوانية
المزيد.....
-
-83 مليون دولار-.. محكمة تؤيد حكما بتغريم ترامب في قضية -الت
...
-
تونس توضح حقيقة -استهداف مسيرة لقارب بأسطول المساعدات المتجه
...
-
إثيوبيا تفتتح سد النهضة اليوم
-
الشاهبندر البرّاك.. المبعوث الذي يتاجر بسوريا لا معها
-
المقررة الأممية: قارب بأسطول المساعدات لغزة يبدو أنه تعرض له
...
-
غارات إسرائيلية قرب حمص واللاذقية، والخارجية السورية تطالب ب
...
-
هل يُعاقَب منتقد ماكرون بغرامة 3750 يورو؟
-
محللون: ترامب ونتنياهو يعرفان أن حماس سترفض خطتهما الجديدة
-
عاجل | إدارة أسطول كسر حصار غزة: تعرض سفينة رئيسية بالأسطول
...
-
حماس: تفاخر نتنياهو بتدمير الأبراج سادية وإجرام
المزيد.....
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
-
الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة
/ د. خالد زغريت
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|