جابر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 23:38
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
في شهر آذار عام 1942 (أسفند 1320 أو فروردين 1321 هجري شمسي)، كان قد مضى نحو ما يقارب سبعة عشر عاماً على سقوط حكم إمارة عربستان. لكن مع مرور الزمن، لم يرضخ أبناء الشعب العربي أبداً للخضوع لحكم مركزي استبدادي، لذلك كانت المقاومة الشعبية والعمليات الفدائية ضد الاستبداد والاحتلال البهلوي مستمرة وتتجدد يوماً بعد يوم وبأشكال مختلفة.
وخاصة في شمال الإمارة، بمدينة دسبول حيث اشتدت في تلك الفترة المواجهات بشكل خاص ضد سلطات الحكم البهلوي.
فأصدر أحد ضباط الدرك في جيش رضا شاه البهلوي المدعو العميد ضرّائي أمراً غادراً إلى جاسوس محلي يُدعى مستوفي، بأن يدعو شيوخ بيت سعد من قبيلة آل كثير (الخنيفر) إلى منزله في قرية كُهْنَك جنوب شرق دسبول لتناول طعام العشاء وكي يُجهز عليهم هناك.
فنّفذ الجاسوس المؤامرة كما طُلب منه. فقد دعا عدداً من شيوخ آل كثير إلى منزله، وقد لبّى الشيوخ هذه الدعوة من غير أن يعلموا بالمكيدة، فقطعوا المسافة من نهر الدز إلى كُهْنَك على ظهور الخيل. وكان بينهم طفل في العاشرة أو الثانية عشرة من عمره يُدعى تُركي، وهو نجل أحد المدعوين.
وبعد ساعات من المسير، وصل الشيوخ إلى منزل مستوفي. كل شيء كان مُعدّاً سلفاً. وما إن ترجّلوا عن خيولهم حتى طلب منهم صاحب الدار أن يضعوا أسلحتهم إلى جانب جدار المضيف (قاعة الضيافة). وقد فعلوا ذلك بطمأنينة، ثم جلسوا ينتظرون طعام العشاء بعد تبادل التحية.
وقف مستوفي عند باب المضيف، وصاح بأعلى صوته: هاتوا الطعام! ثم بادر بالخروج من القاعة، على الفور وفجأة أطلق الرصاصات الغادرة على الشيوخ الجالسين عند المائدة.
لقد كان الجاسوس مستوفي قد خبّأ عناصر الدرك في غرف منزله، وبمجرد دخول الشيوخ، خرج الجنود من مخابئهم وأحاطوا بالمضيف، ليحوّلوا مائدة الطعام إلى مائدة دم كما خطط لها العميد ضرّائي، ونفّذها بيديه الآثمتين بواسطة الجاسوس مستوفي.
وفي خضم هذه المجزرة، بقي الطفل تُركي حياً للحظات عجيبة. والأعجب أنّه، بجسده الصغير، اندفع نحو أسلحة والده وأعمامه، وحاول أن يشهر بندقية خزعلية كانت أكبر من قامته! حيث كان يحاول الانتقام العاجل لكرامة أهله، إلا أن الجنود سرعان ما انتبهوا إليه، فقبضوا عليه وسحبوه إلى وسط باحة المنزل، ثم أطلقوا النار عليه وأردوه قتيلاً في الحال، وذلك بعد أن أصيب برصاصات مباشرة في رأسه.
لقد كانت هذه الحادثة المؤلمة مجرد واحدة من مئات الجرائم المشابهة التي خططت لها ونفذتها سلطات رضا شاه المركزية ضد الوجهاء العرب.
إنّ ما يؤكد وقوع هذه الجريمة، ليس فقط رواية أهل منطقة دسبول، بل أيضاً تقرير رسمي أرسلته القنصلية البريطانية في الأهواز إلى السلطات العليا في المملكة البريطانية، وقد وثّقت فيه هذه الحادثة بكل تفاصيلها.
ولا يزال الأصل الأرشيفي لهذا التقرير محفوظاً في وزارة الخارجية البريطانية بلندن.
#جابر_احمد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟