أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين غسان الشمخي - محاورة كريتو لأفلاطون














المزيد.....

محاورة كريتو لأفلاطون


حسين غسان الشمخي

الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 19:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في محاورة كريتو (Crito) يصوّر أفلاطون الأيام الأخيرة لمعلّمه سقراط في السجن قبل تنفيذ حكم الإعدام عليه. حينها جاءه صديقه كريتو فعرض عليه رشوة حراس السجن للسماح له بالهروب والعيش في المنفى بعيدا عن أثينا. إذ يقول كريتو إن سقراط في نهاية المطاف بريء من التهم الموجهة إليه ومحكوم عليه ظلمًا بالإعدام. وبلا شك، كان بإمكان سقراط الهروب من السجن ، لكن سقراط لم يكن ليَقبَل عرض الهروب؛ لأنه ما كان ليخالف مطلقا القوانين والإجراءات القانونية لمدينته، حتى عندما تنادي تلك القوانين والإجراءات بإعدامه :
" أما وقد أصابتني هذه المحنة فلا يسعني أن أهمل الآن ما ارتأيته قبلا؛ فما زالت مبادئي التي طالما أجللتها وقدستها، تنزل عندي منازل الإحلال والتقديس."

لقد عقد سقراط وأصحابه العديد من المحاورات قبل محاكمته حول ما يجب على الإنسان من حيث علاقته بالمجتمع، وكانوا قد انتهوا من تلك المحاورات إلى طائفة من المبادئ أقروها جميعا، وخلاصتها أنه لا يجوز لإنسان أن يفعل الشر، أو أن يردَّ الشر بالشر، أو أن ينقض الحق مهما كانت الظروف. فهو هنا لا يرضى لنفسه أن يهدمَ تلك المبادئ التي أقرها هو ومحاوروه بحجة أن ظروفه تقضي منه ذلك. وقد لبث سقراط حتى النهاية متشبِّثًا بالمبدأ القائل ألَّا نَأْبَه لما يقوله الناس بل العبرة بما يقوله «الفرد الحكيم» :
" لا ينبغي يا صاح أن نأبه لما تقوله الجمهرة عَنَّا، سترى الفئةُ الصالحةُ في ذلك رأيًا صوابًا يطابق ما وقع، وهي وحدها جديرة بالاعتبار".
ويضرب سقراط مثالًا يوضّح مبدؤه:
"هل يُطلب إلى طالب التمرينات البدنية أن يصغي إلى رأي كل إنسان فيه، أم يجب أن يستمع إلى رأي رجل واحد فقط، هو طبيبه أو مدربه كائنًا من كان؟ .”

ثم يجعل أفلاطون «القوانين» نفسها تخاطب سقراط محذّرة من عواقب هروبه :
" اذا جاءت إليَّ القوانين والحكومة تساءلني: «حدِّثْنا يا سقراط، ماذا أنت فاعل؟ أتريد بفعلة منك أن تهزَّ كياننا ( المقصود بالفعلة هروب سقراط من السجن ) ألم نأت بك إلى الوجود؟ ألم يتزوج أبوك من أمك بعوننا فأعقباك؟» وترى القوانين أنَّه ليس لسقراط حقٌّ في أن يخالفها، تمامًا كما ليس للابن أن يشتم والده أو يضربه، حتى لو أخطأ في حقّه :
" أنك قبل كل شيء ابننا كما كان آباؤك من قبل؟ فإن صح هذا فلسنا وإياك سواسية، فلا تظن أن من حقك أن تفعل بنا ما نحن بك فاعلون، وهل يكون لك أدنى حق في أن تنال أباك بالضرب أو بالشتم، إذا وقع عليك منه ضرب أو شتم." ويبلغ الحوار ذروته حين تفضّل القوانين الوطن على الأب والأم :
"ان وطننا أسمى جِدًّا وأقدس من أم أو أب أو من شئت من سلف. فإذا نالنا منه العقاب بالسجن، وجب أن نحتمل جزاءه في صمت، وإن كان لا يجوز له أن يقسو على أبيه أو أمه؛ فما أوجب أن يكون رحيمًا على وطنه."

وتُذكّره القوانين أنَّه كان يستطيع منذ زمن أن يغادر أثينا إن لم تُعجبه قوانينها ولكنك:
" كنت تبدو، أكثر من سائر الأثينيين جميعًا، شغوفًا بالدولة، أو بعبارة أخرى، بنا؛ أي بقوانينها (إذ من ذا الذي يحب دولة لا قوانينَ لها)، فلم تتزحزح عنها قط." ثم تضيف القوانين : " إن هذه هي الدولة التي أعقبْتَ فيها أبناءك، وإن ذلك لينهض دليلًا على رضاك." بل إنه كان قادرًا أثناء محاكمته أن يقترح على القضاة عقوبة النفي، لكنه فضّل الموت على النفي. وهبه هاجر أثينا فأين يذهب؟ إنه إذا قصد إلى دولة منظمة القوانين عَدَّتَه قوانينها عدوًّا لها و "سينظر إليك أبناؤها الوطنيون بعين ملؤها الشر لأنك هادم للقوانين." وإنه لن يستطيع أن يرتحل إلا حيث الفوضى كتساليا مثلًا، ثم افرض أنه قصدها ؛ فماذا عساه صانع فيها؟ أيمضي في إلقائه دروس الفضيلة على الناس؟
" إن ذلك يكون قحة منه لا تُحتمَل. و ألن تجد هناك من يذكرك بأنك وأنت هذا الشيخ الكهل، قد نقضت أشد القوانين تقديسًا، من أجل رغبة حقيرة في استزادة الحياة زيادة ضئيلة؟."

ثم ماذا يفيد أبناؤه إن هو استصحبهم إلى تساليا فأضاع عليهم شرف الانتماء إلى أثينا؟ ثم تُقدِّم القوانين إلى سقراط النصحَ والتحذير معا:
"اصْغ إلينا إذن يا سقراط، لا تفكر في الحياة والأبناء أوَّلا، وفي العدل آخرًا، بل فكر في العدل أوَّلًا". وتختتم القوانين خطابها إلى سقراط مؤكدةً أن عمل الخير سيُجزى به، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة : " وارْج أن تصيب البراءة عند ولاة العالم الأدنى. فارحل الآن بريئًا، لا فاعلًا للرذيلة، ضحية الناس لا ضحية القوانين."



#حسين_غسان_الشمخي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسطورة الخليقة السومرية
- بين الطوفان البابلي والطوفان التوراتي
- تموز وعشتار
- العالم الآخر في الحضارة السومرية
- قضية الدكتورة بان والعقل الجمعي.
- أصل التطبير
- المجالس في بلاد الرافدين القديمة
- زياد الرحباني… عاصفة الفن التي لن تتكرر.
- حربُ الاثنَي عشرَ يومًا: رؤيةٌ موضوعية مجرّدة من العاطفة.


المزيد.....




- -إلى أبي-.. أغنية من محمد إلى والده فضل شاكر بعد يوم من مثول ...
- موجة من الزيارات المتتالية.. هل يُراقب الرئيس الأمريكي رئيس ...
- بوتين يؤكد أن العقوبات الأمريكية -جدية- لكنها دون -تأثير كبي ...
- 4 قتلى بالغارات الإسرائيلية ولبنان يطالب بتفعيل الإشراف على ...
- ماذا وراء توسيع الغارات الإسرائيلية ونطاقها في لبنان؟
- مَن تاكايتشي التي تريد أن تكون -تاتشر اليابان-؟
- منظمة: تطهير قطاع غزة من المتفجرات يحتاج 30 عاما
- تطورات الشأن اللبناني.. غارات إسرائيلية وجهود دولية
- سائق سيارة أجرة تركي ينجو بأعجوبة من صخرة عملاقة متدحرجة
- روبيو من إسرائيل: الخطوات التالية في اتفاق غزة تُمثل أولوية ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسين غسان الشمخي - محاورة كريتو لأفلاطون