مثنى إبراهيم الطالقاني
الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 07:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في العراق اليوم، لم نعد بحاجة إلى ثورات ولا إصلاحات، نحن بحاجة فقط إلى “تحديث الترند”. فالأمم تتطور بعلمائها ومبدعيها، أما نحن فنتطور بعدد المتابعين على إنستغرام وسناب شات، وبما يُحدث ضجيجًا على فيسبوك وتويتر.
كنا نفتخر يومًا بأن العراق بلد الجواهري والسياب، بلد العلماء الذين علّموا العالم، بلد قادة حاربوا من أجل الأرض والكرامة. واليوم؟ يكفي أن يظهر شخص في مقطع فيديو يرقص في عرس أو يغني أغنية “لا معنى لها” حتى يصبح نجم العراق الجديد، ويدخل قصور المسؤولين ويُستقبل بالزهور والحراسات الخاصة.
الجندي الذي واجه داعش وصمد في الخطوط الأمامية يعود لبيته على نفقة أهله، بينما مغنٍ مبتدئ يشارك في مهرجان فيُمنح سيارة حديثة ويُكرَّم على أنه “سفير السلام والمحبة”!
والمفارقة الأشد أن السياسيين وجدوا في هذه الظاهرة فرصة ذهبية. فبدل أن يتحدث النائب عن معاناة الناس أو يقدم تشريعًا يخدم المجتمع، صار بعض النواب يتهاتفون على الظهور مع مشاهير “السوشال ميديا” لتحقيق مكاسب سريعة في الشعبية. وصارت القنوات الإعلامية نفسها تنشغل بتلميع هذه المشاهد السطحية، بدلًا من نقل صورة حقيقية عن واقع البلد.
حتى الإعلام الرسمي، الذي من المفترض أن يعكس صورة العراق الحقيقية، صار يلمّع الوجوه الزائفة أكثر مما يتحدث عن العلماء والمفكرين. فما الرسالة التي نوجّهها لشبابنا عندما نضع صورة “يوتيوبر” على غلاف مجلة وطنية، وننسى خبر حصول باحث عراقي على براءة اختراع عالمية؟
اليوم أصبحت الشهرة في العراق ليست لمن يكتب كتابًا أو يكتشف علاجًا أو يزرع أملًا، بل لمن يعرف كيف يلتقط “سيلفي” في المكان المناسب وينشره في الوقت المناسب. بعض السياسيين باتوا يتقصدون الظهور في مثل هذه المقاطع والبرامج، معتبرين أن “الترند” أسرع وسيلة للوصول إلى كرسي السلطة من أي خطاب سياسي أو برنامج انتخابي.
لا عجب إذن أن تسمع أبًا يقول لابنه: “لا تكبر”، لأنه يعرف أن الكبر في هذا البلد يعني أن ترى بعينيك كيف يصفق الناس للراقص، ويتجاهلون المقاتل، وكيف يفتحون الأبواب للمهرج ويغلقونها بوجه المثقف، وكيف يركض النواب خلف شهرة زائفة، ويهملون قضايا أمة تتأرجح على حافة الأزمات.
هكذا صار العراق بلدًا يشتعل بالأزمات، لكنه يرقص على أنغام “الترند".
#مثنى_إبراهيم_الطالقاني (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟