فتحي علي رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 01:29
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
السؤال المطروح اليوم هو لماذا تم تدمير القوة العكسرية والأمنية لسوريا والعراق و لماذا أبقي حتى الآن على بقية الجيوش العربية وأسلحتها وقوتها الأمنية سليمة ؟ هل لأن هذه الدول وأسلحتها لا تشكل خطراً على أمن ومستقبل إسرائيل؟ في حين أن جيشي سوريا والعراق يشكلان تهديداً لها ؟ أم أن هناك أسباباً أخرى أعمق وأبعد غوراً ؟ ونحن إذ نتحدث عن القوة العسكرية والأمنية فلأنها باتت في الدولة الحديثة المقياس الأساسي أو أهم العوامل الرئيسية لقوة ومتانة أي دولة . كونها مسؤولة عن الدفاع عن الحدود الخارجية للدولة ومنع القوى الخارجية من الاعتداء على ارض البلد وشعبه . بما يتيح المجال للدولة ان تتطور في المجالات الأخرى .
يُظهر لنا التحليل السياسي أن تقسيم الوطن العربي إلى دويلات مستقلة (سابقا كانت دولايات او أجناد تدار من قبل مركز معين ) قد حصل بسبب تنافس الدول الاستعمارية على الوطن العربي حيث اقتطعت كل منها مساحة معينة وجعلت منها دولة مثلاً تم تقسيم سوريا الطبيعية الى أربع دول بهدف عزل فلسطين من أجل أن ينفرد بها الصهاينة بما يؤدي إلى خلق كيان عدواني عنصري وتوسعي فيها ـ يكون قاعدة للحركة الصهيونية للسيطرة على المنطقة الممتدة من الفرات إلى النيل .وهذا ما تم الكشف عنه بالعلم الذي رسمه هرتزل عام 1898 .
ولهذا سعت الدول الاستعمارية (ومن خلفها الصهيونية ) منذ بداية تشكل هذه الدول (الحقيقة دويلات ) على منع تشكل قوات عسكرية قوية ـ تحول أولاً دون إخراجها وثانيا دون قيام دولة لليهود على أرض فلسطين.وبعد أن قامت هذه الدولة لم يكن مسموحاً لأي دولة عربية خاصة المحيطة بفلسطين أن تشكل قوة عسكرية قادرة على مواجهة ما باتت تُعرف ب "إسرائيل "، أو تحول دون توسعها في الأراضي المحايدة السورية واللبنانية والمصرية .وهذا ما جعل حكومات هذه الدول والجيوش المشكلة على مقاس الدول الاستعمارية تصطدم عام 1954 مع" إسرائيل " الساعية لتنفيذ المشروع الصهيوني التوسعي والرامي إلى إقامة دولة يهودية تمتد من الفرات إلى النيل .وهو ما تجلى بشكل واضح عام 1956 من خلال العدوان الثلاثي على مصر واحتلال سيناء وغزة . فكان لابد لحكومات هذه الدول كي تحافظ على كياناتها (الهشة أساساً ) من الحصول على أسلحة للدفاع عن الحدود التي رسمها الاستعمار لها . وهكذا اصطدمت برفض حكومات الدول الغربية مد هذه الدول بالسلاح استناداً لما عُرف بالإتفاق الثلاثي الموقع بين كل من بريطانيا وفرنسا وامريكا عام 1955والقاضي بمنع بيع أية أسلحة لهذه الدول . في الوقت الذي تُرك فيه المجال لإسرائيل استيراد وصناعة أحدث الأسلحة بزعم الدفاع عن نفسها وشعبها (الحقيقة بما يمكنها من احتلال أراضي جديدة ) .مما أرغم حكومات هذه الدول على استيراد الأسلحة من الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية للدفاع عن كياناتها . وبما ان هذا التسلح شكل او سيشكل عائقا امام عملية التوسع الصهيوني ، لذلك قامت إسرائيل عام 1967 بعدوان واسع على الدول العربية تم فيه تدمير أسلحة جيوشها بما مكنها من احتلال وضم ثلاثة أمثال ما احتلته عام 1948.
وبما أنه تبين لحكام إسرائيل وأمريكا ومن خلفهم الحركة الصهيونية أن ضم هذه الأراضي الواسعة لدولة إسرائيل يكاد يكون مستحيلاً ، لأن الثبات فيها والدفاع عنها يتطلب قوات كبيرة ولما يزيد عن عشرة مليون مستوطن لملئها . لأن اليهود في أمريكا وأوروبا وروسيا لا يريدون ان يتركوا البلدان التي يعيشون فيها .فلقد أجبر هذا الوقع الجديد إلى إحراز تحول استراتيجي في الفكر والمشروع الصهيوني يقوم على فكرة الهيمنة الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية والإدارية والثقافية على الوطن العربي كله بدلاً من احتلاله وملئه بالمستوطنين والجيش وقوات الأمن ـ وحيث تبين أنه أقل تكلفة وستكون عوائده الاقتصادية والسياسة أكبر وهو ما تم التعبير عنه بما أطلق عليه بيريس مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي تم طرحه عام 1994. بعد أن وافق الحكام العرب على مقايضة السلام بالأرض في مؤتمر مدريد عام 1991ـ وما ساعد على ذلك هو سقوط ما كانت تُعرف بالمنظومة الاشتراكية التي كانت تمد سوريا ومصر والعراق بالسلاح .
وبما أن مصر عام 1978 كانت قد أُخرجت من عملية المواجهة مع المشروع الصهيوني . كذلك فعلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية حيث اعترفت بحق إسرائيل في الوجود على الأراضي التي احتلها من فلسطين عام 1948 وهو ما شجع بالتالي الأردن على توقيع اتفاق وادي عربة في العام ذاته .
وهكذا تم اخراج ثلاث قوى محيطة باسرائيل من ساحة المواجهة مع المشروع الصهيوني الجديد . وبما أن الدول العربية الأخرى البعيدة لم ولن تشكل خطرا عليه وعلى تمدده منذ أن وجدت . وبما أن لبنان كان ساقطاً سياسياً وعسكرياً من قبل ان يتشكل . إذن لم يبق ما يحول دون تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد سوى جيشي سوريا والعراق . وهكذا توافقت حكومات كل من اسرائيل وأمريكا وأوروبا على ضرورة تدمير جيوش وأسلحة هذين البلدين بذريعة أن يطمئن الإسرائيليين ليعيشوا بأمان وسلام .
وبما أن حكومات هاتين الدولتين كانت قد تشكلت في مرحلة صعود حركات التحررالوطني والقومي .وكانت تعرف أن حل جيوشها وقواتها الأمنية سيفقدها القدرة على السيطرة على شعوبها . لهذا رفضت نزع أسلحتها .
وبما ان الجيش الإسرائيلي لم يكن قادراً لوحده على تدمير هذين الجيشين لذلك كان لابد من الاستعانة بأمريكا وأوروبا لتحقيق هذا الهدف .
بعد ان تم جر العراق عام 1990إلى شن حرب على الكويت تمكنت أمريكا بالتحالف مع العرب على تدمير الجيش العراقي عام 1991 بذريعة إخراجه من الكويت . وبما ان قوات الأمن العراقية وحزب البعث كانا قد تمكنا من السيطرة على مقدرات العراق وجعل قسم كبير من الشعب العراقي يلتف حول حكومته ، لذلك فرضت أمريكا والعرب(بما فيهم النظام السوري البعثي ) حصار اقتصادي على الشعب العراقي مما تسبب في تجويعه وافقاره من خلال ما سمي النفط مقابل الغذاء لمدة 12 عاما .مما ألب الشعب العراقي على حكومته وجعله مستعداً لتقبل حكم أمريكا والسلام مع إسرائيل مقابل أن يخرج من محنته وهذا ما تحقق عام 2003 باحتلال العراق وتدمير ما تبقى من جيشه .حيث قام بريمر بحل الجيش العراقي ، ثم قامت المليشيات الشيعية التابعة لإيران (المشكلة بعد شن صدام حرب على ايران ) بحل قوات الأمن العراقية وتسريح الجنود والضباط القدامى ثم حل حزب البعث وملاحقة أعضاءه .واعتبارهم خارجين على القانون . وهكذا انتهت الدولة العراقية الحديثة .
الطريقة ذاتها تم تطبيقها في سوريا فبعد الثورة الشعبية المطالبة بإصلاح وتغيير النظام في عام 2011 واستخدام النظام الكيماوي ضد شعبه فرضت أمريكا على النظام السوري حصارا اقتصاديا (والحقيقة أن الحصار فرض على الشعب السوري فقط ) و استمر أيضا 12 عاماً جوعه ونُكل به ، مما جعله يكفر بالوطن والوطنية والقومية والعروبة ويتقبل ليس حكم أمريكا بل وحتى إسرائيل على أن يبقى النظام المجرم الذي يدعي الوطنية والقومية كذباً، ولكي يخرج من الفاقة والحرمان الذي فرض عليه .
وهكذا باتت الظروف مناسبة لإسقاط النظام وإزاحته عن الحكم ، ولتسليم حكم سوريا لأي طرف سوري او غير سوري ـ حتى لو كان مواليا لإسرائيل ـ إذا كان سيخرجه من محنته ومن الفاقة والحرمان . وهكذا توفرت الشروط الموضوعية لتسلم هيئة نصرة أهل الشام حكم سوريا .(مع انها كانت موضوعة على رأس قائمة الإرهاب ) بما يمكن إسرائيل ويبرر لها تدمير أسلحة الجيش السوري كون من يحكم سوريا هي منظمات إرهابية (ولعل هذا وحده يكفي لتفسير لماذا سلمت أمريكا جبهة النصرة حكم سوريا مع أنها كانت تعتبرها إرهابية .) وبعد ان دمرت إسرائيل قوات الجيش السوري بات من الممكن للمليشيات الموصوفة بالإرهابية بعد تسلمها الحكم حل الجيش السوري وتسريح واستبعاد ضباطه وجنوده ثم حل حزب البعث وكل من تعامل معه وملاحقتهم بزعم انهم دمروا سوريا .كما حصل في العراق .
وبهذا تكون إسرائيل عن طريق وبواسطة ودعم كل من أمريكا وأوروبا وروسيا وتركيا وإيران ومليشياتها والأنظمة العربية ، وحماقة وغباء وعمالة النظامين السوري والعراقي والمليشيات التابعة لهم (والولاء الطائفي ) من تدمير كل من الدولتين العراقية والسورية وبات ظهريهما مكشوفين للقوات الاسرائيلية لتضرب أينما تشاء وفي كل وقت تشاء وتفرض ما تشاء ، ولفرض إسرائيل الكبرى تحت اسم شرق أوسط جديد يعيش بسلام ووئام استنادا لما جاء في التوراة من خلال إدخال بُعد ديني "السلام الابراهيمي " على العبودية .
فتحي رشيد
23 /8/ 2025
#فتحي_علي_رشيد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟