فتحي علي رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 23:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتصور كثير من الباحثين والمحللين السياسين العرب والسوريين أن ما بات يعرف باسم أحمد الشرع مؤخرا هو وجماعته المعروفة باسم جبهة النصرة وحلفائها هم الذين أسقطوا حكم بشار الأسد وحرروا سوريا من تلك الطغمة الفاسدة والمجرمة، وبالتالي فمن حقهم ان يحكموها أولا، وثانيا، بما انهم تسلموا سوريا مدمرة فما علينا كعرب وسوريين الا ان ننتظر ونعطيهم فرصة لإصلاح ما خربه الدهر وعصابات وشبيحة الأسد ومواليهم .
ينطوي هذا التصور على مغالطات كثيرة تاريخية وفكرية وسياسية ،أولها أن جبهة النصرة وحلفائها والذين لا يزيد عددهم عن أربعين ألف مقاتل هم مجرد منصة من سبع منصات كانت تتشكل منها القوى المعارضة لحكم عصابة الأسد تعرف باسم عاصمة الدولة التي تحميها او تتبع لها كانت تسعى كلها لإصلاح النظام السياسي في سوريا وإقامة نظام مدني ديمقراطي .كل منها تحمل اسم عاصمة البلد الذي يحتضنها / وهي منصة الرياض أو قطر أو القاهرة أو باريس او موسكو أوانقرة أو دمشق (هيئة التنسيق الوطنية )كانت تنضوي كلها تحت اسم هيئة سياسية واحدة تعرف باسم هيئة التفاوض وهي الهيئة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والتي كانت مخولة بالتفاوض مع النظام البائد استنادا للقرار 2254 للإتفاق على شكل المرحلة الانتقالية التي سيتم بموجبها انتقال سوريا من دولة دكتاتورية إلى دولة مدنية ديمقراطية، وكانت الأمور حتى منتصف عام 2024 تسير في هذا الاتجاه بالتفاهم مع تركيا وقطر، وكادت هاتين الدولتين برعاية أمريكية روسية ان تتوصل لتفاهم مع بشار الأسد تنهي الصراع بشكل ودي وتؤدي على إقامة هذه الدولة المنشودة ، وكانت أغلب الدول العربية والغربية أميل لفتح سفارات في دمشق وإعادة العلاقات مع نظام الأسد . لكن على ما يبدوا (وهذا مؤكد ) أن بشار والعصابة التي تقف خلفه ومن يدعمونهم في إيران وإسرائيل لم يرق لهم هذا الحل . وقرروا تبني الحل الأمريكي بالتوافق مع روسيا لفرض حل آخر وهو الحل الذي يعجب اسرائيل .والذي كانت قطر تعمل عليه من خلال دعمها لجبهة النصرة التي عُرفت لاحقاً بهيئة تحرير الشام بقيادة أبو محمد الجولاني منذ عام 2012 لإسقاط نظام الأسد .وتشير المعطيات التي تمت على ارض الواقع منذ نهاية عام 2024 أن هذا الحل هو الذي سارت الأمور عليه، من خلال مفاوضات تمت في السر بين كلا من أمريكا وتركيا وروسيا والنظام . تم الاتفاق فيها على خطة تتسلم بموجبها جبهة النصرة حكم سوريا (مع انها أقل جبهات المعارضة قبولا ) ولسنا بحاجة لأن نثبت للجميع ان جبهة النصرة كانت اقل الجبهات المعارضة للنظام قبولا من قبل غالبية السوريين إن لم نقل انها كانت مرفوضة بل ومشبوهة كونها كانت أقرب الى داعش وتعمل مثلها بشكل مباشر، أو غير مباشر لحماية النظام حيث كانت تحارب كل اطراف المعارضة ولم تحارب النظام او داعش .
ونحن بعيداً عن التحليلات الهوائية او الإفتراضية والتي قدمت لكيفية وطريقة هروب الأسد وتسلم الجبهة الحكم في دمشق . نؤكد على ان العصب الأساسي لعصابة ماتسمى جبهة النصرة مكون ممن يعرفون بالمجاهدين وأغلبهم غرباء عن سوريا يحلمون باقامة دولة إسلامية طردتهم حكوماتهم من بلدانها فجاؤوا الى سوريا على أمل البدء باقامة هذه الدولة في سوريا أغلبهم من الإيغور والشيشان والطاجيك والاوزبك . ونحن إذ نلفت النظر لتلك الحقيقة فلكي نُذكر من نسي من المفكرين بأن من حكموا سوريا والبلدان العربية عبر التاريخ منذ عام 1258 على عام 1917 كانوا من هذه البلدان حيث جاؤوا بعد أن احتل المغول بغداد لإعادة بناء دولة الإسلام وهم من يعرفون بالمماليك الذين حكموا الوطن العربي حوالي ثلاثمائة سنة إلى عام 1516م . ومن بعدهم جاء الإتراك فهزموهم في مرج دابق وحكموا الوطن العربي 400 سنة كانوا خلالها يعينون الولاة لحكم جميع الدول والشعوب العربية .وظل الامر كذلك حتى عام 1918 عندما دخل الانكليز القدس، ثم دمشق .ومن المؤسف والمؤلم ان نقول ان الإنكليز ومن خلفهم الصهاينة هم الذين باتوا من يومها يقررون من يحكم سوريا وغيرها من الدول العربية من خلال تفاهمات تتم مع فرنسا وأمريكا والصهاينة . تجلت على الأرض بتعيين الصهيوني فيصل ابن حسين ابن عون ملكا على سوريا، وأخاه عبد الله ملكاً على الأردن ومن بعد الحرب العالمية الثانية بعد ان تراجع دور بريطانيا في العالم باتت أمريكا هي من تقرر من يحكم البلدان العربية وسوريا بدءا من عملية انقلاب قام به حسني الزعيم وانتهاء بحافظ وابنه بشار الأسد وبالتالي فإن أبو محمد الجولاني لايمكن ان يكون استثناءً أو أن يكون صلاح الدين عصرنا .الذي رقص كثيرمن السوريين ابتهاجا بقدومه كونه حررهم من حكم عصابة آل الأسد كما رقصوا سابقا للوحدة مع مصر ولعبد الناصر ومن قبلها لحكم جمال باشا وومن بعد الملك فيصل ولغورو .
وانا في هذا المجال لن أطيل فانقل ما قاله خالد العظم (أشرف رئيس وزراء لسوريا) في مذكراته حول هذه الحقيقة المؤلمة (في الصفحة 70 )
" وكيف لا نغطي وجوهنا خجلا مما بدى من بعض المستقبلين للجنرال غورو لدمشق إثر ظفره في معركة ميسلون حيث فكوا رباط عربته ووضعوا انفسهم بدلاً عنها وجروها في الطريق بين دوي المصفقين ...كما استقبل اهل دمشق سابقا جمال باشا (السفاح ) بالحماسة نفسها التي استقبلوا بها فيما بعد الأمير فيصل عندما انسحب الأتراك ودخل الإنكليز سوريا ..ثم كان استقبال الجنرال كاتروا لايقل مهابة عن استقبال شكري القوتلي لاحقا .."
بناء على ذلك أترك المجال للعقلاء لأن يفكروا ويتساءلوا . هل يمكن لثلاثين ألفا من جبهة النصرة وحلفائها ان يتغلبوا أو يهزموا جيشا مكونا من أكثر مليوني مقاتل وشبيح ومؤيد ؟ (حوالي نصف مليون جندي ومثلهم من المخابرات والشرطة السورية ومثلهم من المخبرين والشبيحة والنهيبة والمدعومين بمليشيات إيرانية وعراقية وافغانية ولبنانية يزيد عددها عن سبعين الف وقوات روسية يصل عددها الى عشرة الالاف مجهزين بأحدث أنواع الأسلحة والطائرات خلال عشرة أيام فقط في حين عجزت فصائل الجيش الحروالمعارضة والتي يزيد عدد افراد مقاتليها عن مئتي الف . فنذكر فقط بأن جيس الإسلام التابع لعلوش المدعوم من السعودية وحده والذي وصل لساحة العباسييين في دمشق عام 2018 كان وحده يضم سبعين الف مقاتل، وكان باستطاعته الوصول للقصر الجمهوري في اقل من ساعة، ولكنه لم يفعل بأوامر من أمريكا والسعودية .وهوالسبب ذاته الذي منع فصائل المقاومة السورية من احتلال دمشق وهو ما عجزت عنه قوات المعارضة كلها مجتمعة خلال أربعة عشرة سنة من القتال وتقديم التضحيات حيث لم تتمكن من اسقاط هذا النظام المجرم .ما يفهم منه انه للأوامر الخارجية الدور الحاسم في عدم سقوط النظام المجرم .
وبانه عندما وافقت أمريكا سقط النظام بسرعة حيث لم يجري اقتال ولا اشتباك حقيقي بل كر، وفر، وهروب، وعمليات تسليم ، وبالتالي لم يكن هناك أو يوجد تحرير بل عملية تسليم واستلام بين نظام بائد بموافقتة وموافقة حلفائه على تسليم جبهة النصرة حكم سوريا ، وليس المعارضة الوطنية .(وهذا أمر آخر يحتاج إلى تحليل وبحث طويل ومعمق ومتعدد الجوانب في السياسة والمخابرات والعسكر سنتناوله لاحقاً ) لكننا نكتفي الان بالقول ان ما جرى على الأرض يشير ويؤكد على أن ثمة اتفاقاً تم بين كل من روسيا وتركيا وايران والنظام بعلم أمريكا وإسرائيل . تم على ضوءه إعطاء الضوء الأخضر لجبهة النصرة للتحرك من ادلب نحو حلب وومن ثم لدمشق .حيث تشير الوقائع الجارية على ارض الواقع والتي تمخضت عن هذا الاتفاق انه خلال هذه الفترة ترك المجال لقوات النظام للإنسحاب من مواقعها وترك أسلحتها وحتى ترك ملابسهم العسكرية والهرب والاختفاء وتسليم مواقعها لجبهة النصرة، مقابل ضمانات أمريكية بان تعمل الجبهة خلال فترة تسملها الحكم عدم التعرض لهم، وهو ما تحقق خلال العشرة أيام التالية حيثُ ترك المجال لقوات النظام وحلفائه بالإنسحاب الكيفي، والإختفاء ولقادتهم الكبار (حوالي 500 ضابط ورجل امن ) بالهرب إلى روسيا وبيلاروسيا بضمانة أمريكية على ان لا تتم محاكمة أي منهم أو اعتقال من لم يستطع الهرب خارج سوريا وهو ماتم على ارض الواقع .
المنطق السائد في الوطن العربي وسوريا يرى ويفترض أن نقيم ما جرى باعتباره انجازا عظيما بغض النظر عمن كان وراءه وسواء كانت أمريكا وإسرائيل كونه خلصنا من نظام مجرم ومقيت ووفر على السوريين مزيدا من الوقت والتضحيات وكثيرا من الدمار والتدمير والجوع والتعتيروتقديم الاف التضحيات عبثا .وبالتالي على السوريين ان يشكروا كل من ساهم في رعاية هذا الاتفاق أشرف على تنفيذه مهما كان اسمه او دينه والترحيب بكل من خلصهم منه .
يكفي أنه خلصهم من حكم عاهة تم حرق البلد من أجل بقائها . ويرى البعض أنه لو ترك أمرالاتفاق او التوافق للسوريين المتصارعين وللوصول لمثل هذا الحل او غيره فلن يحصل ولو بعد عشرة سنين .
وكي لا نؤخذ بهذه الأقوال المحقة نذكر بملاحظة معروفة للكثيرين تؤكد على انه لا يمكن أن يتم أو يوجد اتفاق في تاريخ العالم منصف تماما ، بل لابد ان تحيط به او تلفه أخطاء ونواقص وأخطار غير مرئية ستظهر لاحقا .لذا اعتقد ان الأخطار والنواقص غير الواضحة في الاتفاق كشفت عنها احداث مرعبة تمت خلال الخمسة اشهر الماضية (سنبينها لاحقا ) تؤكد على وجود نية مبيتة لكل من إسرائيل وامريكا كانت وماتزال ترمي من وراء عملية تسليم سوريا لجبهة النصرة المصنفة من قبلهما كمنظمة إرهابية ولكونها تمت بسلاسة فائقة الروعة , ترمي في العمق والخفاء الى تركيع الشعب السوري وانهاء سوريا كدولة وتحويل مواطنيها إلى القبول بالمخططات التي ترسم للمنطقة .ولهذا وجب ان نلفت نظر من يقول أنه يجب ان نعطي للحكام الجدد الفرصة والوقت الكافي ليخرجوا سوريا مما أوصلها اليه نظام آل الاسد "ان هذه الفرصة التي أعطيت سابقا لحافظ (والذي جاء للتصحيح وباسم الحركة التصحيحية ) جعلته يستمر في حكم سوريا ثلاثين عاما ولم يصحح بل خرب سوريا وشعبها ، وان ذات الفرصة أعطيت لابنه بشار جعلته يتمكن من حكم سوريا ربع قرن ويدمرها ويهجر نصف شعبها ويجوعه .مما يشير إلى ان فكرة إعطاء الفرصة للإصلاح والتغيير والنهوض تتحول غالبا (إن لم تكن وفقا لخطة ومشروع سياسي واضح ومدروس ومتفق عليه بين أبرز القوى الوطنية المعروفة ) على عملية تمكين او تتخذ من الإصلاح واعادة البناء (الذي يتطلب حسب التقارير عشرين سنة ) ذريعة لبيع سوريا وتثبيت حكم فئة معروفة بانها من خلفية ظلامية وتحمل اجندات ومشاريع غير واضحة المعالم .وهو ما سوف نتناولة بالتحليل لاحقا .
فتحي رشيد 5.5.2025
#فتحي_علي_رشيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟