أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - أصل الداء و الشفاء(العقل القلب الضمير)من كتابي رسائل غير مشفرة














المزيد.....

أصل الداء و الشفاء(العقل القلب الضمير)من كتابي رسائل غير مشفرة


للاإيمان الشباني

الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 15:42
المحور: قضايا ثقافية
    


الإنسان في جوهره كائن شديد التعقيد، لا تنكشف حقيقته في صورة ولا تُختصر ماهيته في ظاهرٍ يراه الناس. إن ما يبدو من أفعاله وسلوكياته إنما هو وجه سطحي لعالم أعمق، يظل محتجبا خلف جدران النفس، حيث يتشابك العقل والقلب والضمير في جدلية دقيقة، وهي أصول مشتركة تنبع من جوهر واحد، ثم تتفرع لتؤدي وظائف متمايزة. فالعقل يزن الأمور ويميز بين الحقائق، والقلب يشعر ويحب ويؤمن، كما أن القلب مصدر الفهم، أما الضمير فهو الجامع بينهما، المانح للإنسان معناه الأخلاقي وميزانه الداخلي.
وقد أكد القرآن على هذا المعنى حين جعل القلب موضعا للعقل والإدراك، فقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]. فالآية تقلب التصور السطحي الذي يحصر الإدراك في الدماغ، لتكشف أن العقل في حقيقته مرتبط بالقلب، وأن الإدراك الحق لا يكون إلا إذا اجتمع الفكر بالشعور، وهذا التداخل هو ما يمنح الإنسان طبيعته المزدوجة، فهو يفكر بعقله، لكنه لا يكتمل إلا حين يعي بقلبه.
العقل في القرآن مدعوّ إلى النظر والتأمل في الكون، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: 190]. وأولو الألباب هم أصحاب العقول الواعية التي لم تنفصل عن الوجدان والإيمان، فصار إدراكهم أعمق وأصدق، إنه الجمع بين النظر العقلي والتحسس القلبي، فيصبح فهمهم للوجود شاملا لا يختزل الحياة في المادة وحدها.
أما الضمير، فقد أطلق عليه الوحي وصف النفس اللوامة، حيث قال تعالى: ﴿وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ [القيامة: 2]. إنها النفس التي تعاتب صاحبها إذا انحرف، وتذكره بحدود القيم إذا غفل، فهي الصوت الباطني الذي يحفظ للإنسان توازنه. وحين يغيب هذا الضمير، ينفصل العقل عن الرحمة ويتحول إلى آلة باردة، ويضيع القلب بين نزعات الهوى، فيفقد الإنسان إنسانيته ويصبح صورة خاوية من الداخل، وهذا ما عبر عنه القرآن مرة أخرى بقوله: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـٰكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحج: 46]، حيث يظل الجسد مبصرا بينما الروح في عمى.
الإنسان في حقيقته مشروع دائم من التناقضات، قد يبدو متماسكا فيما ينهشه الانكسار، أو يبدو ضعيفا فيما تختزن روحه قوة هائلة. هو خليط من النور والظلمة، من الرحمة والقسوة، من السمو والانحدار. ولأنه كذلك، فهو في حاجة مستمرة إلى استدعاء ضميره ليعيد للعقل والقلب وحدتهما، وإلا عاش صراعا داخليا لا ينتهي.
والمتأمل في النصوص القرآنية يجد أن سر اكتمال الإنسان يكمن في هذا الانسجام. فحين يتحرك العقل على هدى القلب، ويتحكم الضمير في نوازع النفس، يتحقق التوازن المنشود، ويصبح الإنسان أكثر انسجاما مع ذاته ومع الكون. قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ [الشمس: 9-10]، أي أن الفلاح مرهون بتزكية النفس، أي إحياء الضمير، والخسران مقرون بطمس هذا الصوت الداخلي.
من هنا، يتضح أن الإنسان لا يُدرك في صورة سطحية ولا في سلوك عابر، إنما يُفهم حين نلج أعماقه حيث يلتقي العقل والقلب والضمير، وبهذا يمكن أن يكون اكتمال إنسانيته مرهونا بأن يجعل من هذه العناصر الثلاثة وحدة واحدة، لا ينفصل فيها الفكر عن الشعور ولا يُقصى فيها الضمير، عندئذ يرقى إلى مرتبة أسمى من الوجود، فيغدو جديرا بحمل الأمانة التي عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها.
هكذا هو كيان مركب لا يكتمل إلا بحياة ضمير، يضيء له دربه فيرتقي إلى مرتبة الإنسانية الحقّة، التي تجعل وجوده شهادة على أن العقل بلا قلب ضلال، والقلب بلا ضمير هوى، والضمير بلا عقل ضعف، أما إذا اجتمع الثلاثة صار الإنسان صورة من التوازن الذي أراده الله له.



#للاإيمان_الشباني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصحة من الأولويات من كتاب (رسائل غير مشفرة )
- سلوكيات تتناوب في النفس البشرية (الغيرة، الغرور ،الغباء ،الغ ...
- من كتابي رسائل غير مشفرة (سلوكيات الغيرة ،الغرور،الغضب،الغبا ...
- العلاقة بين الحماةو الزوجية
- الأمومة والعطاء
- هم أربعة من أزمة مختلفة
- الثقافة نظافة وتربية من كتابي (رسائل غير مشفرة)
- المميز ن من كتابي( رسائل غير نشفرة)
- خبث التغاضي من كتاب (رسائل غير مشفرة )
- من كتابي أفئدة من ذهب (ثريا الشاوي)
- لغات الحب تعلمناها من الحبيب المصطفى
- من كتاب( أفئدة من ذهب)زوجات النبي والحكمة من كلل زوجة
- حميد بركي المفكر الادبي
- التطفل
- عندما يصبح السؤال تساؤلا
- مهرجان ابن عريف
- أخلاقيات العلاقة الزوجية
- رد بآشارة يغني عن السؤال والإثارة
- الجميل (صبرا ،هجرا.. )
- شبه قرين


المزيد.....




- في عيد استقلالها.. ترامب يحيي شجاعة أوكرانيا وزيلينسكي يتعهد ...
- -النجم الساطع 2025-.. مصر تستضيف أكبر مناورات بالشرق الأوسط ...
- غارات إسرائيلية على صنعاء.. وتل أبيب تتهم الحوثيين بإطلاق صا ...
- هجمات إسرائيلية مكثّفة على أطراف مدينة غزة.. وحماس تدعو لتصع ...
- -رحلتي إلى كوريا الشمالية: زيارة محاطة بالحرس ومليئة بالقواع ...
- إسرائيل تقصف أطراف مدينة غزة وتتوعد بالمضي في الهجوم
- احتجاجات عالمية غير مسبوقة تطالب بإنهاء الإبادة الإسرائيلية ...
- محللون إسرائيليون: تسريبات هاليفا ليست مفاجئة وتؤكد فقدان نت ...
- لرحلة شواء صيفي -بلا ذنب-.. مدرب يكشف سر التوازن في طبقك
- بنغلاديش وباكستان تعززان علاقاتهما رغم الخلافات التاريخية


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - للاإيمان الشباني - أصل الداء و الشفاء(العقل القلب الضمير)من كتابي رسائل غير مشفرة