أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل موسى حميدي - رصيد نقال ....قصة قصيرة















المزيد.....

رصيد نقال ....قصة قصيرة


اسماعيل موسى حميدي

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 17:15
المحور: الادب والفن
    


رصيد نقال..................قصة قصيرة
تحرك باكرا في صباح يوم تشريني معتدل البرودة يقود سيارته بحذر جنوب العاصمة بغداد، الطريق يبدو متعبا من الوهلة الأولى لطوله ، ولكن عليه تحمل الاربع ساعات المفترضة كوقت للوصول ، راحت سيارته تلتهم الطريق متباعدة عن حدود العاصمة، فيما راحت عيناه ترمق المعالم المستفزة على الجانبين من أشجار عطشى هالكة على بعضها وأرصفة مخربة تغمرها نفايات متحركة بفعل الهواء في طريق موتور بالاسلاك الشائكة والصبات الكونكريتية المنفلتة على الأرصفة في مواقع السيطرات الحكومية المنحلة ،وكلما تقادم مخترقا القصبات والأقضية كلما وجد التعاسة متوزعة على معالم المدن.
وكان لابد من أن يلبي دعوة صديقه المغترب والعائد للتو الى البلاد، ليكون أحد المشاركين في حفل عقد قرانه ، ما وجد هذه فرصة مناسبة لزيارة ذلك الجزء في جنوب البلاد، فخياله يموج بالصور التي رسمها عن المكان دون أن تحطه قدماه من قبل ،وقد كان صديقه قد سبقه قبل يوم الى المدينة مقيما في أحد فنادقها.
على رغم تواضع سرعة سيارته الا إن يديه كثيرا ما كانت تنفلت من قبضة المقود حيث الحفر والانكسارات التي زخرفتها حركة الشاحنات الثقيلة في الطريق، فراح يتنقل بسيارته بين أخاديد الشارع والاسفلت الفاقع يعيق حركته ما يضطره كثيرا للنزول الى الرصيف الترابي الذي يتفوق في بعض الاحيان على الشارع بانسيابيته ، اللوحات التعريفية تكاد تختفي في واجهات المدن، ما يضطره كثيرا للوقوف والاستعلام من المارة المنتشرين على الطريق خشية ان يضل المسير.
منظر الناس في المكان مؤلم فالبساطة والفقر يكادان لا ينفكان عن ملامح الوجوه التي تصادفه في كل مقاطعة يمر بها،أيعقل أن مثل هكذا ناس بسطاء يعاقبهم الله بمثل هذا السوء الذي تنفر منه الارواح ،ملامح اقضية وقرى تشبه مخلفات الحروب بفوضويتها،فقر يقابله بؤس وبساطة يقابلها جوع وطيبة تقابل بتعاسة ،إنها حكمة السماء ،ولكن ما أطول سنوات الابتلاء في هذه الأمكنة.
وقع نظره على عداد الوقود فاستدرك حاجته له ،ما انعطف يسارا حيث اول محطة تعبئة قابلته في الطريق ،وبينما هو يغذي سيارته البنزين، أقبل عليه شاب عشريني كان منزويا في إحدى أركان المحطة وقد غلب على مظهره التعب وخربش وجنتيه الشحوب ، أقبل وعيناه ترمق المكان بحذر ويتأرج في يده كيس صغير يبدو فيه شيء من متاعه .
وبعد أن ألقى عليه التحية ،إستماحه بان يقله معه الى مركز المدينة ،فرحب هو بالفكرة وانطلق بسيارته يشق الطريق بمعية ضيفه الجديد
- ماأسمك
- حيدر
-هل أنت تعمل في المحطة
-لا
-اذن ماهو عملك
- ،انا اعمل في مول هنا في القضاء يبعد خمسين مترا عن المحطة وعند انتهاء عملي كل يوم أذهب الى محطة الوقود لغرض أن أحصل على فرصة توصيل مجانية من شخص يحب الخير مثلك، فالاجرة تستنزف قوت يومي ، والنقل الى مركز المدينة يكلفني 10 الاف دينار وهو نصف ما أحصل عليه من أجر في يومي.
-وهل أنت تسكن في مركز المدينة
-نعم
- هل أنت متزوج وهل لديك عائلة
-كنت متزوجا من بنت خالتي ونسكن في بغداد، ولكن للأسف لم تدم حياتنا الزوجية طويلا بسبب فقر الحال الذي اضطرنا ترك العاصمة والسكن هنا ، وبعد سنتين انفصلنا بسبب الفقر،رغم إننا نحب بعضنا ،وهي تركتني ووضعت لي شرطا عسيرا مقابل عودتها لي .
-وما هو شرطها
- شرطها أن نسكن في العاصمة لإنها لم تتعود على طبيعة المجتمع هنا ، ولكن سوء حالتي المادية لم يسعفني لتحقيق ذلك والاستمرار في حياتي،رغم إنني لايمكن أن أفكر بغيرها لانني أحبها كثيرا.
-هل لديك أخوان ،وما شأن والديك
- انا وحيد أبي الذي توفى قبل عشر سنوات في حادث سير ،وحاليا أسكن مع أمي في الايجار بعد أن نزحت معي من بغداد الى هنا بسبب العوز.
-هل بإمكاني مساعدتك
-أتمنى ذلك ولكن مانوع المساعدة ياسيدي
-أنا سوف أسعى قدر الممكن لايجاد فرصة عمل لك في بغداد
-يا الله
-وأيضا سوف أبذل كل طاقتي لايجاد سكن مناسب تعيشان فيه انت وزوجتك وتعودان لحياتكما السابقة.
-إسمح لي يا سيدي أن أقول لك بانك من أهل الجنة لانك لو قمت بذلك سوف تكون سببا في ترميم إسرة قد هدمها الفقر وشتتها العوز .
إنك لو عملت ذلك فسوف تحيينا نحن الاثنين من جديد ، يا ربي، كم كنت أتمنى أن يصادفني القدر بانسان مثلك يحب الخير للناس ويحبه الله
- هههههههه ،إطمئن أوعدك بإني سوف أسعى بكل قوتي وأمد لك يد العون بقدر ما يمكنني الله، ولكن أريدك أن توعدني بإن لا تخذلني وتعود لزوجتك وتعيشان تحت سقف واحد بإمان الحياة وبحب الله
- أنا أوعدك بذلك ،ولكن إسمح لي بطلب بسيط
-قل كل الذي في بالك ولا تتردد
-أريدك ان تقنع زوجتي بهذا الكلام ،فلربما لم تقتنع هي بالفكرة وأنا اتحرج مفاتحتها بهكذا موضوع، ساعطيك رقم نقالها وأنت تتولى المهمة .وبذلك ستكون قد أتممت عليّ فضلين بنفس الوقت.
-تمام ،سيكون لك كل الذي تريده ،فأنت اليوم ضيفي وقريبا ساكون ضيفكما أنت وزوجتك في بيتكما الجديد ههههههه.
ثم تبادلا أرقام الهاتف ،وهما يتراشقان الحديث، وبعد ربع ساعة مضت في الطريق ، وبينما هو على مشارف محطة الوقود الثانية ،حتى بان الارتباك على حيدر.
-ممكن استأذن النزول هنا في هذه المحطة.
-ألم تقل بانك ذاهب الى مركز المدينة
-نعم ،ولكن لدي أمانة أريد ان أسلمها لإحد الأشخاص هنا في هذه المحطة.
-في أمان الله وسيكون بيننا اتصال فيما بعد.
-مع السلامة
-مع السلامة
وقد استغرب من أمر نزوله وتنقله بين محطات الوقود
في مساء نفس اليوم تمت مراسيم الخطوبة وتقاسم الافراح مع صديقه المغترب في حفلة مصغرة في أحد المطاعم المطلة على شط دجلة ، قضى معة ثلاث ساعات مكثفة بعبارات الاشتياق والترحاب واستعراض الماضي ، وما أن غلف الظلام مساء المدينة ،حتى انطلق عائدا صوب العاصمة ليقطع اربع ساعات اخرى في طريق العودة في يوم مليئ بالتعب ،وطول الطريق وقصة ذلك الشاب التاعس لم تفارق ذهنه ،وقد تملكه الجد في بذل جهد خاص لجمع شمل هذين الشابين المسكينين اللذين اصبحا ضحية اضطرابات السياسة في هذا البلد المنكوب في مراحله المتشابهة بالحزن،نعم إنها كرامة ربما نالتني من لطف الله وفرصة طالما انتظرتها طويلا، حتما ستكون صدقة خفية وعظيمة بعيدة عن المشاهرة ومرأى الناس ،فصنع الخير كرامة لاينالها الا اصحاب الحظ العظيم.خصوصا انا وزوجتي ندخر مبلغا لا بأس به من مال الصدقات وننتظر من يستحقه لنعطيه اياه.
وفي اليوم التالي،اتصل بطليقة حيدر .
-الو
-الو .تفضل
-لطفا هل تسمحين لي ببعض الدقائق للتحدث معك
-بكل سرور تفضل
- وبعد أن سرد عليها حكاية الطريق مع طليقها ،رحبت بالفكرة وبقبول مبدئي مبدية رغبتها بالعودة لحياتها والعيش بستر الزوجية ،معربة عن أحترامها العالي لشخصه وروحه السخية وهو يبادر في صنع المعروف رغم عدم معرفته بهما.
في اليوم التالي إنطلق يبحث عن سكن مناسب للعروسين الجديدين مستفسرا عن الأمكنة الملائمة اجتماعيا،فذهب الى منطقة السريدات شمال بغداد ثم انطلق لمدينة الشعب ،حتى أستقرت قناعته في منطقة ابو طيارة التابعة لمدينة الدورة جنوب العاصمة فوجدها مكانا مناسبا لهما حيث الدور من صنف الزراعي المناسبة للايجار ،ثم اتفق مع احد اصحاب الدور على بدل ايجار مناسب على ان يسدده بنفسه لمدة ستة اشهر كهديه لهما ، ثم اتصل باحد اصدقائه الذي يمتلك معملا للمواد البلاستيكية بتوفير فرصة عمل لحيدر مقابل أجر متوسط على ان يزداد مرتبه تدريجيا اذا أثبت كفاءته بالعمل.
يبدو ان الامور يسيرة من أولها ،وبدأ يشعر بارتياح غير مسبوق وكأنه في حضرة السماء ،نعم كل الاعمال الخيرة ميسرة طالما نتقرب بها الى الله وهي بالنهاية تفرح القلب.اللهم تقبل منا صالح الاعمال.
في اليوم التالي اتصل بحيدر ليزف له البشرى ،لكن تفاجأ بقفل نقالة، ثم اتصل بطليقته.
-الو ،ان شاء الله كل شيء على ما يرام وما عليكما سوى تحديد يوم لنلتقي ونعمل عقد الايجار ثم البدء بمرحلة جديدة من حياتكما ،ولكن بشرط ان تتم العودة واتمام العقد الشرعي على يدي قبل كل شيء ،ولكما مني هدية الزواج ايضا ،وسنحل انا وزوجتي أول ضيفين لكما في بيتكما الجديد.
هي- لايمكن أن انسى فضلك وسعيك للخير ،ولكن أنا حاليا في كركوك بمعية والدتي في زيارة لخالتي هناك التي تروم اجراء عملية رفع ورم حميد، إن شاء الله قبل نهاية عطلة الاسبوع سنكون في بغداد،أنا عاجزه أن إعبر عن فرحتي.
-تمام أرجو إعلامي حال عودتك ،آملا أن لا تتأخري وسوف أخبر صاحب المنزل ان يمهلنا اسبوعا آخر لاتمام عقد الإيجار الذي يتطلب حضوركما.
- لايمكن أن أنسى موقفك الإنساني
- لا عليك، أنا متحمس أكثر منكما ،أرجو ان لاتتأخري في سفرك
-عمو ممكن طلب إنساني
-تفضلي
-أرجو أن ترسل لي رصيدا لغرض الاتصال بإهلي في بغداد ،فأنا بحاجة للاتصال بإخواتي بشكل يومي للاطمئنان عليهم.
-بكل سرور خلال دقائق سوف يصلك الرصيد
- بدون زحمة عمو أريد رصيد فئة(25)الف لغرض اشتراكي بالخدمة الشهرية المجانية في خطي على آسيا سيل .
وقد استغرب هو من هذا الطلب ،ولكن بعد دقائق تم ارسال رصيد فئة 25 الف دينار
وما أن استلمت الرصيد حتى تم حظره من الاتصال
بعد يوم اتصل بها ، مازال محظورا ،راح يكرر الاتصال بها دون أن يرفع الحظر ،مر اسبوع كامل على هذا الحال .
إتصل بحيدر فوجد نفسه محظورا ايضا
جلس متأملا يستعرض سلسلة الاحداث التي مر بها مع هذين الشخصين الغريبين ،عندها ادرك سبب تنقل حيدر بين محطات الوقود.



#اسماعيل_موسى_حميدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاختيال الاجتماعي
- طابور المراجعين
- فئات المحتوى الهادف
- النافذة المفتوحة
- الراقم 994
- قبر بالتجاوز
- نكات إباحية
- وليال عشر
- علماء مكة
- أعيدوا إلينا الجوامع
- اعادة انتاج العالم
- الحزن بسلوك جمعي
- استثمار واقعة البصرة
- حملات التشويش والتشويه
- رهابر دوائر الدولة
- المنهج الخفي وخطر التسلل الى النفس
- حوريات الاسلام السياسي
- دكاكين الدراسات العليا
- رسالة الى الخليج
- الجندي الذي قاد انقلابا ضد البعثيين


المزيد.....




- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...
- مصر.. إحالة بدرية طلبة إلى -مجلس تأديب- بقرار من نقابة المهن ...
- رسالة مفتوحة إلى الرئيس محمود عباس: الأزمة والمخرج!


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل موسى حميدي - رصيد نقال ....قصة قصيرة