أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل موسى حميدي - طابور المراجعين














المزيد.....

طابور المراجعين


اسماعيل موسى حميدي

الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 09:53
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة
بعد تردد طويل لإنجاز معاملة تجديد سنوية سيارته، راجع دائرة المرور القريبة من سكنه لأكمال متطلباتها،وكان أول عمل عليه القيام به هو الحصول على الإستمارة الأولية لتدوين معلومات المركبة، وما أن ولج الدائرة حتى تفاجأ بطوابير المراجعين الملتوية، بفئات عمرية متباينة ، يقفون متتالين ورؤوسهم تترقب نحو النوافذ التي يسعون الوصول إليها، يدمدمون بكلام غير مفهوم ،ويضعون أيديهم فوق فوهات جيوبهم ، وهنا أدرك بان يكون هو جزءا من هذا الإحباط ، وقف في الطابور متذيلا الصف، يتقدمه رجل بالزي العربي يُكثر من التشكي واللعن، تبعه مُسن يتوكأ على عصا يبدو من شريحه المتقاعدين، ثم التحق بهم شاب ثلاثيني ،الطابور يطول ويطول وحرارة الزحام بدأت تدب في الأجزاء ،وبعد لحظات راح يشعر وكأنه يقف في المنتصف.
كان يجلس خلف شباك الدائرة شاب ببدلة عسكرية تميل الى اللون الصحراوي مكوية بعناية وتلمع على كتفه ثلاث نجمات فضية ،يختم الإستمارات دون النظر في وجوه المراجعين، ولا يرد على التحايا المنهالة على مسمعه لكثرتها، وبين فينة وأخرى يقطع عمله ويستقيم خلف كرسيه يدخن السيكار، ثم يخرج رأسه من زاوية الشباك الضيقة ،ينظر الى الطابور يزعق على المراجعين بصوت غير مؤدب وهو يدعوهم ان ينظموا انفسهم، ثم يعاود الجلوس يمازح زميله الذي على يساره و يتصفح نقاله . المراجعون مازالوا محتفظين بصبرهم والدماء تتجمع في وجوههم حتى يعاود النقيب عمله من جديد لتشتبك الأيدي متسابقة فوق رأسه العنيد لنيل مبتغاهم بالختم السداسي للخلاص والأفلات من الشباك الذي يشبه مقدمات السجون القديمة، ثم الحاق بطابور جديد.
وبعد أن أتم عمله في طابورين جلس كليلًا على إحدى المقاعد يتحين إطلاق إسمه ضمن الإستمارات المدققة ، راح يتفحص حركة الناس الحلزونية في أجزاء المكان والقلق يشحب وجوههم ،عدد الجالسين على المقاعد بعدد الواقفين في الطوابير، والخارجون من البوابة بعدد الداخلين والكل يكثر الاستفسار والسؤال من أفراد الشرطة، الضباط الذين تكثر على أكتافهم النجمات أقل مزاجا في الإجابة عن المستعلمين .
كانت تجلس الى جانبة إمرأة أربعينية تمسك بيد طفلتها اللجوجة ذات الستة أعوام،الطفلة منشغلة بتهجي القطع الورقية التي تعلو رؤوس الموظفين مستعينة بتصحيح والدتها للكلمات الصعبة ،مثل كلمة (اللهم) في عبارة (اللهم صل على محمد وآل محمد) الملصقة أعلى الحائط .
-الطفلة :ماما، ماذا يقصد بـ(اللهم).
- الأم، لم تجد إجابة مقنعة تناسب عمر ابنتها التي تكرر السؤال.
بدأ يتململ من شدة الإنتظار وهو ويضرب براحة يده على مسند الكرسي الحديدي ، يستبدل قدمه اليسار فوق اليمين ويترنح الى الوراء، تناول ثلاثة اقداح شاي من البائع المتجول في الصالة،الوقت لن يمر ، إنه يوم متعب والرحلة هنا شاقة .
صوت العريف صاحب الشنب العريض يصدح بإسمه في القاعة، يهرع هو لاستلام معاملته ،ينهمك بتقليب أوراقه يتحسب الاختام والاشارات التي تؤهله اللحاق بمرحلة جديدة من الاجراءات .
وبعد ساعة من التنقل عبر البوابات والقضبان ونزق المراجعين ، وجد نفسه في غرفة المدير بعد أن مالت أوراقه الى اللون الأزرق، فالأختام والتواقيع زرعت في كل جوانبها،الأمر يتطلب توقيع المدير أيضا ،جلس بين المنتظرين في الصالة السئمة مع عشرات المراجعين المهووسين بالترقب، الأم تجلس مع أبنتها في المقعد المقابل له أيضا، يبدو إنها مرت بجميع مراحل العناء التي لازمته، وهي تحتاج لنفس التوقيع .
الصغيرة فرحة بالمكان وما زالت تدور حول والدتها، وهي تتهجى الكلمات.
-ماما هي نفس العبارة معلقة هنا أيضا ،(اللهم)، لماذا وضعت في كل مكان .؟
- الأم: عليك بالقراءة فقط ،فالمعاني صعبة التفسير ،حاولي قراءة العبارة الى النهاية دون أن تسألي عن بقية الأمور.
مر وقت مضجر في غرفة المدير ، يبدو كان كافيا لتتهجى الصغيرة ما كٌتب في القطعة كاملاً ،هاهي تقرأها بصوت مرتفع تحت مسمع المراجعين وتصفق فراحا وتردد(اللهم صل على محمد وآل محمد) في هذه الاثناء انقطع تيار الكهرباء وعم الظلام المكان، الأضواء الخافتة المنبعثة من النقالات راحت تتقاطع في ممر الإنتظار، والصغيرة مازالت تردد العبارة بصوتها الطفولي الحاد لتحفظها.
المدير يخرج من قبوه، يشق بقامته الظلام ، لم يُر منه شيء سوى عينين جاحظتين ونجمات تتواهج بين منكبيه.
الأيدي المزدحمة بالأوراق تتشابك فوق رأس المدير، شهوة بالتوقيع،
، التيار يعود من جديد ، أصوات المراجعين تطلق بدفعة واحدة( اللهم صل على محمد وآل محمد )
والصغيرة ،تردد معهم وهي تصفق
المدير يترك المكان ويمضي
والمراجعون يشيعونه بنظرات استغراب
الصغيرة مازلت تتقافز فرحا فوق الارض،وهي تردد( اللهم صل على محمد وال محمد ) .



#اسماعيل_موسى_حميدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فئات المحتوى الهادف
- النافذة المفتوحة
- الراقم 994
- قبر بالتجاوز
- نكات إباحية
- وليال عشر
- علماء مكة
- أعيدوا إلينا الجوامع
- اعادة انتاج العالم
- الحزن بسلوك جمعي
- استثمار واقعة البصرة
- حملات التشويش والتشويه
- رهابر دوائر الدولة
- المنهج الخفي وخطر التسلل الى النفس
- حوريات الاسلام السياسي
- دكاكين الدراسات العليا
- رسالة الى الخليج
- الجندي الذي قاد انقلابا ضد البعثيين
- الصندوق الابيض
- العالم في محجر


المزيد.....




- مصر.. ظهور مؤثر للممثل يوسف فوزي إثر غياب طويل عن الأضواء بس ...
- كيف ننتج ملخصات الأخبار باستخدام الذكاء الاصطناعي؟
- -الألكسو- تختار الفنان المصري يحيى الفخراني شخصية العام الثق ...
- بعد 5 أعوام في السجن.. الفنان الروسي ميخائيل يفريموف يعود لل ...
- -مجرد ضعف-.. حاكم كاليفورنيا يوجه انتقادات لاذعة لترامب بسبب ...
- فنان عالمي شهير يقوم بتغيير اسمه للمرة الثانية
- ما الأسباب الفنية لتأهل العراق والسعودية وعمان للملحق المؤهل ...
- رحيل الفنانة غزوة الخالدي بعد مسيرة حافلة على خشبة المسرح
- تدمر السورية.. ندبات على جبين التاريخ
- تردد قناة ميكي 2025 على النايل سات.. قناة الأطفال المفضلة ال ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماعيل موسى حميدي - طابور المراجعين