كريم عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 23:59
المحور:
الادب والفن
ذات مساءٍ كان الغيم يتأمّل صمت الجبال، جلستُ تحت شجرةِ التينِ القديمة، وأنا أرتّق ظلّي، وأعدّ أصابعي الناقصة من الذاكرة.
جاءت... كأنها النسيم حين يخجل من لمس جرحٍ مفتوح، كأنها الأمل حين يخطو فوق الرماد دون أن يُحترق.
مدّت يدها إلى التين، فتدلّت الثمرةُ خجلى، كأنها تعرفنا منذ دهرٍ لم يبدأ بعد، أو لعلها كانت تذرف دمعةً حلوةً على تلك الحكايات.
تناولنا التين كما يتناول العاشق الغفران، ببطءٍ، بخشوعٍ، كأن لكل لقمةٍ ذاكرة، ولكل حبةٍ نبضًا فاته أن يُولد في زمن الحرب.
قلت لها:
هنا، يا حبيبتي، كنتُ أقف ذات يومٍ على قدمين.
لم تسأل عن الأخرى، فالعين التي تحبّ لا تفتّش عن النقص، بل تخلع نعليها، وتدخل الحكاية حافيةً.
انفجر اللغم، وانفجر الوقت، وانفجرت السماء فوقي حجارةً من دم. رأيتُ الجنود يتساقطون كأوراق الخريف، والأشجار تتلو صلواتها الأخيرة، والعشب يحترق كما لو أن الأرض تعتذر عن إنجابنا.
تحت شجرة التين، نسيت الألم للحظة، كأن الحبيبة حين تضحك، تعيد ترتيب التاريخ.
سألتها:
هل تسمعين؟
قالت: ماذا؟
قلت: أنين التراب؟ أنين العروق التي ماتت تحتنا؟
فوضعت كفّها على التراب، وقالت: لا شيء يموت... كل شيء يعود بشكلٍ آخر. ربما كنتُ أنا هو اللغم في حياة أحدهم، وربما كانت شجرة التين هذه أمًّا، أنجبتنا من جذور الندم، وسقتنا من دموع الأرض.
---
يا أنتِ، حين نجونا من الحرب، لم ننجُ حقًّا، بل تغيّر شكل موتنا فحسب. لكنني، رغم ذلك، أحبّكِ... أحبكِ كما يُحبّ الجندي طلقةً لم تخرج، كما تحبّ الشجرةُ من ينام في ظلّها دون أن يقطعها.
تحت شجرة التين، بدأت الحرب تنسى أسماءنا، وبدأ الحب يتعلّم النطق من جديد.
#كريم_عبدالله (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟