أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الإعتاميون: حين يتحول الإعلام إلى منبر للكراهية















المزيد.....

الإعتاميون: حين يتحول الإعلام إلى منبر للكراهية


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 8440 - 2025 / 8 / 20 - 20:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يعد الكذب الإعلامي مجرد سلوك عابر في فضاءات الأنظمة الشمولية، بل أصبح مؤسسة قائمة بذاتها، تُدار بعناية، وتُرفد بعقول مدربة على التضليل. وإذا كانت بعض القنوات قد تزعمت زمناً عرش الكذب، فإن أخرى جاءت لتزيحها، لا بفضيلة المهنية أو الصدق أو البديل المطلوب، بل بمزيد من خبث و براعة التزييف، حتى غدت منصة لشرعنة الحقد، وتهيئة العقول لتقبّل خطاب الإقصاء.، ومن ثم القتل والتدمير والاغتصاب والسطو.
وحقيقة، لم يعد المشهد الإعلامي- ضمن هذا التوصيف- محصوراً في صياغة خبر أو تزيين تقرير، بل تعداه إلى صياغة وعي كامل، يُبنى من خلال ضيوف مدججين بالكراهية، يتم اختيارهم بعناية كي يمثلوا دورهم الببغاوي، المتفق عليه، ضمناً، أو استجابة لطلب أو رؤية محددة، في لعبة التضليل. يتحدثون بلغة واحدة، بنبرة واحدة، وبعقلية واحدة، كأنهم جوقة مظلمة. وهنا- تماماً- تتجلى الحقيقة: باعتبار أن المسألة ليست إعلاماً بل أداة سلطوية لتكريس الظلام، ما يحول مهمة الإعلامي إلى مجرد" إظلامي" أو" إعتامي"، مجرَدين من الضمير و القيم والأخلاق!
وها هو الكردي، يُستدعى، في قلب هذا المشهد الزوبعي والغباري أو العاصف، المتلاطم، لا ليُسمع صوته، بل ليُستخدم كديكور لتزيين عرض كراهية معد مسبقاً. إذ يكفي أن ينطق بما يلامس الحق، حتى يُقاطع المذيع متوعداً: "هذه آخر مرة لك"، وهو يشير بسهام نظراته بدلاً عن إصبعه نحوه، وكأنه يكاد أن يقول له: "أولاك" اعرف مع من تحكي!. إنها لحظة صادمة، تكشف حدود ما يسمى حرية رأي، وتفضح أن الضيف غير مرغوب فيه إلا بوصفه هدفاً لإسكات آخر، بل إن كلا الضيفين غير مرغوب بهما إلا بقدر ما يراد من خدمات يقدمانها لقاء استدعائهما، ليكون الضيف- موالياً أم معارضاً يقدم في صورة مسيئة- محض أداة لتأكيد احتكار الصوت الواحد. ولعل السؤال الذي يفرض ذاته، هنا، هو:
هل كان سيُطرد هذا الضيف على الهواء؟ أم أنه مهدد بأن يُسلَّم إلى "الشباب وراء الباب" كما لو كان المشهد مسرحية في مخفر للشرطة، لا برنامجاً إعلامياً؟
ومن المفارقات الفاجعة أنّ بعض الضيوف الإعلاميين بشكل خاص، وغيرهم ممن يُستحضرون إلى تلك الطاولات، لا يكتفون بخطاب الكراهية، بل يسيل لعابهم وهم يتحدثون عن الكرد تحديداً- ومنهم من كان حتى الأمس ممالقاً للكرد الأصدقاء أو الجيران- كأنهم على الدور بانتظار حصتهم من أملاك هؤلاء الكرد ونسائهم ودمائهم. إذ يتحول النقاش إلى سوق ابتزاز وتدليس و غزو مؤجلين، يُدار ببرودة أعصاب أمام الشاشات، بينما يفضح الوميض في عيونهم توقاً إلى اغتصاب حياة الآخر ومحو وجوده. إنهم لا يناقشون قضية، بل يفاوضون على غنيمة.
كما أنه لطالما رُوّجت- عبر هذا الإعلام ومن وراءه- أكذوبة أنّ "الأطراف كلها ارتكبت الانتهاكات"، في محاولة لتجميل وتبرئة الإرهاب، وتذويب الفارق بين من كان في بيته يحمي أطفاله، ومن اقتحم البيت وقتل واغتصب ونهب ودمّر، بل وصوّر جرائمه كأنها بطولة. في عفرين وسري كانيي وتل أبيض عام 2018، كما في الساحل والسويداء، لم يكن المشهد التباساً بل وضوحاً: هناك معتدٍ وهناك ضحية. هناك طرفان فحسب: إرهابي، مجرم، قاتل، سارق، وضحية. ومع ذلك يُقال: "الأطراف كلها مدانة"، لتغدو الضحية- زوراً- شريكاً في الجريمة التي ارتُكبت بحقها. والحقيقة أنّ السلطة من رأسها حتى أخمص قدميها هي من ورّطت البلاد، وهي من فتحت الأبواب أمام استدعاء هذا الخراب.
ثم جاء الإعلام الجديد ليضاعف الأكاذيب تحت لافتة "النصر"" وأي نصر؟". منهم من ادّعى: "نحن صنعنا النصر لا غيرنا" أي ليس المجاهدون المرتزقة "، فيما الحقيقة أنّ لا هؤلاء ولا أولئك من أسقطوا النظام، بل إن دماء السوريين من درعا إلى قامشلي، حتى عين ديوار، هي التي كانت وراء كل ما جرى، وفق ترتيب ومخطط دولي، لاشأن لسلطة دمشق وفصائلها وإعلامييها بالأمر. لكن منجز الإعلام الجديد أنّه رفع عدد الشهداء إلى مليون ونصف شهيد. ترى على أية إحصاءات اعتمد؟ ومن هم هؤلاء الذين قدّمهم أرقاماً؟ بينهم كرد وعلويون ودروز ومسيحيون، وغيرهم من كل المكونات، قضوا في مظاهرات، أو تحت التعذيب، أو في التفجيرات، أو وهم يدافعون عن رؤاهم أو بيوتهم بصدورهم العارية. هؤلاء هم الذين يستحقون القداسة، لا أولئك الذين دخلوا على خط القتل لتنفيذ أجندات الممولين، أو ليمارسوا الموت كوظيفة مدفوعة.
أما إعلام السلطة المؤقتة فقد لعب دورين متناقضين متكاملين: إذ قدم من جهة فلول الجهاديين في ثوب الأبطال وشرعن وجودهم، ومن جهة أخرى عمل على تنفير الناس منهم عبر التوسع في استخدام مصطلح "السنة" خارج دلالاته الدينية والاجتماعية، حتى غدا علامة على التخويف. وهكذا شُوّهت صورة السنة قبل غيرهم، عبر من ادّعوا تمثيلهم، وهم في الحقيقة يسيئون إليهم أكثر مما يعاديهم الآخرون. لقد غاصت في مستنقع هذه الثقافة أقدام وأقلام كان يُعوَّل عليها إبداعياً وأخلاقياً، وها هي اليوم تعيد النظر فيما آلت إليه الأمور، بعد أن اكتشفت أنها كانت تسهم في تكريس الخراب بدل مقاومته.
حرية الرأي، كما يفترض أن تكون، لا تعني منح المنابر لصانعي الخراب الفكري، بل تستلزم مسؤولية مضاعفة في ضبط خطاب الكراهية. ومن واجب أي سلطة مسؤولة أن تضع حداً لهذه الجوقة الظلامية التي تتغذى على إهانة الآخر، وتعمل على تفكيك النسيج الاجتماعي عبر تحريض مسعور، يضع مكوناً في مواجهة آخر، ويحوّل التنوع إلى ساحة تصادم لا لقاء، إذ وصلت درجة تفكك المكونات إلى حدود عدم الالتقاء، نتيجة سياسات السلطة المؤقتة وإعلامها وبطانتها، بعد أن توحد السوريون، من جديد، مع سقوط نظام الطاغية الأسد.
إن تكريس خطاب الإقصاء ليس خطراً عابراً، بل مشروعاً منظماً يرمي إلى تقويض فكرة العيش المشترك. ما يقال في تلك المنابر ليس رأياً، بل إعلان حرب ناعمة على الكرد، وعلى كل مكوّن يُراد إسكاته أو إذابته في هوية قسرية. وهنا يصبح الصمت تواطؤاً، والحياد جريمة.
وهنا، فإنه لا يمكن لمجتمع أن ينهض تحت سطوة الإعتاميين، لأنهم يقمعون الحقيقة في مهدها، ويحاصرون كل ضوء يحاول التسلل. لذلك، فإن أي مشروع للخلاص، يبدأ من مواجهة هذا التزييف الإعلامي، ورفض شرعنته، والعمل على فضحه بوصفه وجهاً آخر" قبيحاً" للعنف، لا يقل خطراً عن الرصاص.
إن معركة الوعي أخطر من معركة السلاح، ومن يسيطر على المنبر يملك القدرة على رسم صورة العدو في ذهن الناس، وعلى تحديد من يستحق الحياة ومن يُقصى. وهنا تكمن المأساة: الإعلام يتحول إلى منصة للكراهية، بدل أن يكون جسراً للتلاقي.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مزكين حسكو إبداع وروح لا تهدآن كلما ضاقت المساحات
- قارعو طبول الإبادة وأبواق الفتن والقتل والدمار مشروع تفكيك ا ...
- قارعو طبول الإبادة وأبواق القتل والدمار مشروع تفكيك المكونات ...
- لماذا استهداف آل الخزنوي؟ من محمد طلب هلال إلى البغدادي إلى ...
- نورالدين صوفي ومحاولة لسداد جزء من دين متأخر
- بين مؤتمري دمشق والحسكة وامتحان الوطنية السورية
- كرسي النهاية سرّ التهافت عليه!
- وثيقة الجنرال كركيزة فحسب: الموفد الكردي هو من يقرر حقوق شعب ...
- زياد رحباني شاعراً وهو في الثالثة عشرة من عمره مجموعة- صديقي ...
- سوريا بعد أربع عشرة سنة: ضرورة إعادة تدقيق تعريفي الثورة وال ...
- السيد أحمد الشرع من الجائزة الكبرى إلى مأزق الدم خياران خطير ...
- اللجنة الوطنية للتحقيق في مجازر الساحل تدق آخر مسمار في مصدا ...
- على هامش سقوط تصريح باراك وسقوط حلم المتبركين به
- الانتخاء باسم العشائر خدعة تأسيسية لحرب أهلية مؤجّلة مجاهدون ...
- نزع صاعق القنبلة المحرمة: العشيرة مظلة تعايش وقيم عالية ومسم ...
- السويداء مدينة منكوبة! و-حبل الدمار على الجرار- إن لم نتعظ!؟
- الحرب على الدروز- سباق للتفوق على جرائم الأسد
- الشيخ الدرزي الذي قتل مرتين حلاقة الشاربين تمهيداً لإبادة طا ...
- لا حياد لأصيل أمام الظلم ضد المتجبر حتى لو كنت أنا
- حرب الإبادة على الدروز: السويداء كنطع وعنوان لتكرار فصول الم ...


المزيد.....




- جدل في لبنان بعد تصريحات البطريرك الراعي عن سلاح حزب الله
- تونس تشهد أسوأ مراحل الانقلاب
- واشنطن بوست: خلاف حول غزة يطيح بمسؤول إعلامي كبير في الخارجي ...
- الهجوم على مدينة غزة يدخل مرحلته الأولى.. حماس: عملية -عربات ...
- الناتو يبحث ضمانات أمنية لأوكرانيا في -مناقشة صريحة-
- رامافوزا يجري تعديلات على قانون تمويل الأحزاب السياسية
- فيديو منسوب لـ-ظهور مدفع الرعد الكوري في سيناء-.. هذه حقيقته ...
- واشنطن تعاقب 4 مسؤولين في الجنائية الدولية.. والمحكمة تستنكر ...
- رعب في قلب المكسيك... العثور على ستة رجال مقطوعي الرأس في حا ...
- واشنطن وحلفاؤها يدعون إلى -هدنات إنسانية- في السودان وسط تفا ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إبراهيم اليوسف - الإعتاميون: حين يتحول الإعلام إلى منبر للكراهية