أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - وحيد محمود محمد - ثقيلة ..!؟














المزيد.....

ثقيلة ..!؟


وحيد محمود محمد
كاتب و باحث

(Waheed Eyada)


الحوار المتمدن-العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 19:40
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


الدنيا جسرٌ عابر، لا يقيم أحد فيه بيتًا، ولا يمدّ فيه جذورًا. ومع ذلك يتقاتل الناس على مواضع فوقه كأنهم خالدون. يتزاحمون، يصرخون، يتسابقون على مناصب وكراسٍ، فيما الحقيقة البسيطة تُهمس في آذان القلوب: ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾. إنها معبر قصير، فامضِ بخفة، ولا تحمّل نفسك ما يثقلك.

لكن السير بخفةٍ صار أصعب من حمل الجبال، لأن من أراد أن يحيا بقلب نقي في هذا الزمن وجد نفسه غريبًا. الأيام تمر عليه بطيئة كأن عقارب الساعة قد أُصيبت بالوهن؛ يومٌ واحد يكاد يُشبه عمرًا كاملًا، لأنه محاطٌ بالزيف من كل جانب. يتأمل وجوهًا تبتسم بصفرةٍ لا دفء فيها، يسمع كلماتٍ منمقة تُقال لا لتبني، بل لتخدع. فيشعر أن الزمن نفسه يتواطأ مع الخداع، وأن النقاء أصبح رياضةً شاقة لا يقدر عليها إلا من تمرّن على الصبر. وهنا يُصدح في أذن القلب قول النبي ﷺ: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء".

وفي ميدان العمل، وخصوصًا في ساحات التربية والتعليم، تتضح الصورة أكثر: من يبيع ضميره يربح الجولة، ومن يجيد صناعة الأقنعة يقفز إلى المقاعد الأمامية. يصفق له من حوله، كأنما الفضيلة صارت جريمة، والصدق سذاجة. أما أصحاب المبادئ، أولئك الذين يختارون أن يمشوا على الحق، فإنهم يُتركون على الهامش، وكأنهم غرباء في ديارهم. ومع ذلك، فإن هذا الفوز الذي يتبجح به أهل الفتن ليس إلا ظلًا عابرًا، لامعًا في لحظة، منطفئًا في أخرى، زائلًا مع أول ريح من رياح الحق.

ويحضرنا هنا موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قال: "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله".
تلك الكلمة تختصر الطريق: لا عزة في منصب ولا في كرسي ولا في تصفيق، وإنما العزة في الصدق والثبات.

النفس الصافية تعرف أن الخلود لا يُشترى بالكراسي ولا يُصنع بالتصفيق. الخلود يُكتَب للذين غرسوا في قلوب طلابهم بذور المعرفة والصدق، ولو لم تُذكر أسماؤهم على لافتة. إن أسماءهم تُكتب في ذاكرة الله قبل أن تُكتب في ذاكرة البشر، وتظل آثارهم شاهدة حتى بعد أن يُطوى الجسد في التراب. قال تعالى: ﴿مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ﴾.

أيها السائرون على الجسر بقلوبكم النقية، لا تبتئسوا من ثقل الأيام، فإن ثقلها شهادةٌ على صدقكم. كل دقيقةٍ تمرّ عليكم كعمرٍ كامل، لكنها تُرفع في صحائفكم نورًا مضاعفًا. واعلموا أن الله لا يترك الشموع التي أضاءت الطريق تنطفئ في الظلام، بل يجعل نورها يسري في خطى من يأتون بعدكم.

الدنيا جسر، نعم… لكنه جسرٌ لا يُقاس طوله بخطواتنا، بل بما نحمله من صفاءٍ ونحن نعبره. من وصل إلى نهايته وقد صان قلبه من التلوث، فقد وصل بحق. ومن حمل معه النقاء وسط الزيف، فقد فاز، ولو قال الناس غير ذلك. فلتكن قلوبنا كالماء الطاهر؛ لا يغيّره تعاقب الأيدي، ولا تكدّره الحجارة التي تُلقى فيه.

فالنصر الحقيقي ليس أن نعتلي المناصب، بل أن نصل إلى الضفة الأخرى بقلوبٍ ما زالت تنبض بالصدق، وأرواحٍ لم تستسلم لقسوة العالم. وإن مرّ اليوم علينا كأنه عمر، فإن العمر كله لن يكون إلا ساعة. ألم يقل الله تعالى: إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا. وما النصر إلا صبر ساعة.

وفي النهاية: عبور جسر الدنيا إذن ليس مسألة وصولٍ سريع، بل مسألة روحٍ نقية تعرف أن الظلم مؤقت، وأن الحق خالد. وحين نصل إلى الضفة الأخرى، سنكتشف أن كل ما ظننّاه هزائم كان في الحقيقة انتصارات صامتة، وأن كل ما توهّمناه فوزًا لم يكن إلا سرابًا يتبخر في هواء التاريخ.

فلتكن قلوبنا نقية إذن، حتى وإن بدونا غرباء. فالغربة في الدنيا عزّة، والصدق في زمن الزيف بطولة، والنقاء في زمن الأنانية معجزة. وما النصر إلا صبر ساعة، وما الخلود إلا لأصحاب الفضيلة.



#وحيد_محمود_محمد (هاشتاغ)       Waheed__Eyada#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صوتها
- من مراسي الي الكنبة !
- فلسطين .. فضحت عبوديتنا
- رقصة الماريونيت
- ليه كدا يا سوسو!؟
- عصير الرمان!
- البيت الكبير
- ورقة الجوكر !
- أفلا يتدبرون !؟
- عناقيد العنب!
- شاهوار تصنع الحلم !
- و تشرق سماء ال ياسر !
- التعليم في عيون السينما !
- جيل جديد.. حلم جديد
- جيل جديد ..حلم جديد
- جيل جديد..حلم جديد
- جيل جديد .. حلم جديد
- التعليم بين السينما و الواقع !
- الفستان الاحمر
- كبسولة يومية (١)


المزيد.....




- احتجزوها خلال تصوير.. شاهد ما فعله ضباط الهجرة بأمريكا بمؤثر ...
- الكرملين: بوتين أطلع ولي العهد السعودي على نتائج محادثاته مع ...
- ترامب يعد بتعديل نظام الانتخابات بعد شهادة بوتين أنه تعرض لل ...
- القبض على عصابة حاولت سرقة ماسة وردية نادرة بـ 25 مليون دولا ...
- بدلة زيلينسكي ومدح زعماء أوروبيين لترامب.. أهم وأطرف المواقف ...
- بدءا من الخامسة صباحا.. نائبة مصرية تقترح تعديل مواعيد العمل ...
- جون بولتون: لماذا يُعد ترامب أسوأ مفاوض في العالم؟
- هل تنجح تركيا في فرض -نيكست سوشيال- كمنصة وطنية للسيادة الرق ...
- طموح مها الأكاديمي ينهار أمام الجوع والحصار في غزة
- ارتفاع عدد الشهداء في القطاع والاحتلال يقتل 28 طفلا يوميا


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - وحيد محمود محمد - ثقيلة ..!؟