وحيد محمود محمد
كاتب و باحث
(Waheed Eyada)
الحوار المتمدن-العدد: 8369 - 2025 / 6 / 10 - 09:51
المحور:
كتابات ساخرة
كل سنة وإنت طيب يا فندم .. وكل عيد وإنت لسه بتدوّر على مكان تروح فيه ومفيش! أصل العيد في مصر مش مجرد أجازة.. ده سباق طبقي مرعب، كل طبقة بتحاول تثبت إنها بتصيف أحسن من التانية، حتى لو كان التصييف هيقضي على آخر جنيه في الحساب البنكي، أو يضطرهم يبيعوا الغسالة الفوول أوتوماتيك. الطبقة العليا.. عُليا لدرجة إننا بنشوفهم بالتلسكوب ! اولا : نبدأ بأول طبقة، اللي بتقضي العيد في *نيس، سانت تروبيه، بالي، أو جزر المالديف*. دول مش بيصيفوا، دول بيهاجروا مؤقتًا. تركب الطيارة كأنها رايحة بين السوبر ماركت والصيدلية، تلبس نظارة شمس بـ٤ أرقام، وتقعد تقول: "الحقيقة إن بودابست مش زحمة السنة دي، والسوشي في طوكيو له طعم تاني خالص." ودول ولادهم اسمهم «آدم» و«تاليا» و«ليليان»، وبيتكلموا عربي زي ما أنا بتكلم صيني، وأكتر حاجة بتضايقهم في العيد هي إنه “مافيش حد بيعمل قهوة برافعة حرارة مضبوطة زي باريس". طبعًا دول ساكنين في كومباوند فيه بحيرات صناعية، وبيزعّقوا للشركة لما تنسى تحجزلهم الجيت خاص. ثانيا : الطبقة الثرية (بس لسة موصلتش المالديف).. طبقة "المراسيون" دول بقى بيصيفوا في *مراسي، هايسندا، أمواج، ولاسيرينا*. دول ناس محترمة قررت تبقى عالمية بس من غير باسبور. يركب عربيته الـSUV اللي مايعرفش يركنها، ويحجز فيلا ب150 ألف جنيه الليلة، بس أهم حاجة البوست على الإنستجرام: "الحمد لله قررنا ناخد وقت نريح فيه أعصابنا." الولاد هناك لابسين براندات أغلى من شقة في الهرم، والبنات ماشية بصنادل مش لمسة الأرض، وعاملين سيلفي مع البحر كأنه صاحبهم. الناس دي بتصيف علشان تتصور، مش علشان ترتاح، لأن الراحة عندهم في إنهم يوجعوا قلوبنا بالصور و احنا قاعدين نمصمص شفايفنا وكأننا ماشيين قدام مطعم 17 نجمة بنشم الروايح بس مش قادرين ندخل !! البيبي سيتَر جاية من الفلبين، والكلب معاهم في المصيف عادي جدًا.. بس لما الجدة تيجي تسلم على الحفيد: "مين دي؟! تلاقيه مش فاكر اسم جدته بس طول الوقت ينادي ع الكلب و يدلعه !؟ ثالثا ؛ الطبقة المتوسطة.. شرم والغردقة يا معلم .. دول الناس الحقيقية.. اللي مأجّلين قسط العربية علشان يصيفوا. يروحوا *شرم الشيخ أو الغردقة*، مع برنامج سياحي شامل ٣ وجبات منهم وجبة هتنسى تاكلها علشان الرحلة اللي من ٨ الصبح لحد المغرب. البيسين هناك عبارة عن زحام أكتر من المترو، والأكوا بارك مش لاقي مكان ينزل فيه مَيّة. و الاوبن بوفيه هتلاقي مقفول من الزحمة و الطوابير و تلاقي ناس اجدع من أكبر مشاهير السيرك القومي في شيل الأطباق كل اصبع من أصابع الايد عليه طبق مليان لحوم علي اسماك علي فراخ و كأنه هيعزم جمهور الزمالك علشان يعزيهم في رحيل زيزو للنادي الاهلي !! لكن الناس دي عندها فرحة.. فرحة الأتوبيس المكّيف اللي مفيهوش تكييف احيانا ، والرحلة البحرية اللي تبهدلهم بس ترجعهم سعداء. بياخدوا صور مع تمثال الدولفين ويقولك: "إحنا هنا بنعيش الحياة!" بس قبل ما يرجعوا لازم يجيبوا شوية تحف فرعونية مصنوعة في الصين، ويصوروا الكابتن بتاع المركب وهو بيرقص تنوره. الطبقة الرابعة: طبقة المجاهدين – من جمصة و راس البر ! هنا بقى بندخل على **فرقة الكوماندوز الشعبية**… اللي قررت – بإرادة صلبة و جمعيات و تحويش – إنها "تصيف في جمصة أو رأس البر"، بحجة إن "الولاد محتاجين يغيّروا جو". الشقة بـ٢٥٠ جنيه في الليلة، وده يشمل: مياه بتروح وتيجي على حسب مزاج عم عبده صاحب العمارة.. شباك بيطل على سور مدرسة إعدادي مغلق من ٢٠١١.. وسقف عامل ميول خفيف كأنك نايم في خيمة بتاعة الهلال الأحمر. الأسرة كلها نايمة على مراتب هوا فيها شهيق وزفير..والأب نايم على الأرض بـ"فُوطة كبيرة"، والأم ماسكة المخدة في حضنها كأنها طفلها المفضل، والعيال نايمين على بطانية بامبرز مفروشة فوق ترابيزة. والمروحة؟ بتلف يمين بس… وترجع شمال بالعافية، وصوتها يقطع النوم… ويقلق الأمن. الروتين اليومي؟ صباحًا: "يا ماماااا.. الحنفية طلع منها لون بني!!" * وبعدها رحلة لشراء جركن من واحد بيبيعه على عربة فول، * وجلسة مخصصة لتقشير البيض اللي اتحط في التلاجة مع البطيخ وفرشة الأسنان. ينزلوا البحر في عز الضهر، معاهم "شمسية من أيام مجدي عبد الغني في كأس العالم "، وكرسي مقطوع بس مربوط بسلوك دش. قاعد جنبهم راجل بيشوي سمك على غطا حلة، والعركة شغالة عشان "واحد غريب قعد في نص الفُرشة بتاعتنا". الشيشة؟ آه، موجودة طبعًا…نكهتها غامضة، مزيج بين تفاح وخشب خروب، وبيتحط الفحم في غطاء مروحة. التصوير؟ : سيلفي جماعي على البحر، الخلفية فيها: * طفل بيعيط، * فانوس معطوب، * واحد بيغسل رجله في المَيّه، والأب بيصرّخ: "صوّري بسرعة قبل ما الشبشب يطفو تاني!" و لو تخيلنا اللي بيحصل جوا الشقة اللي ب 250 جنيه في الليلة : اللاب توب(مقطوع منه زرار الـEnter) [الصالة – لمبة نيون بتلعب كورة مع الحيط] و الحاج مجدي (يفك زرار القميص): يا أم اسماعين… قلبي وجعني من المرتبة. دي مش مرتبة… دي كيس مخدة محشوة كراتين ! أم اسماعين (وهي بتغلي شاي على بوتاجاز بـعيّط): ما أنت اللي قلتلي "ناخد شقة رخيصة ونعيش مغامرة".. أهي المغامرة بقت فطام عن كل حقوق الإنسان! اسماعين ابنهم اللي ف اعدادي (بيمسك التابلت ومش لاقي واي فاي): ماماااا… النت مش شغال! إزاي هابعت ستوري البحر؟ أنا صورت صدفه شبه بطاطسية! و سندس بنتهم في ابتدائي (من تحت السفرة): أنا خايفة أنام… في صوت بيزن جوّه الدولاب! الحاج مجدي: (بيشرب الشاي ومتكيف): ده صوت الفسحة يا حبيبتي… لما الواحد يبقى في جمصة، لازم يحس بالحياة كلها… حتى اللي جوّه الدولاب. أم اسماعين (بتهوّي على نفسها بكرتونة الشيبسي ): أنا كنت فين وجيت فين! كنت بلبس فستاني وأنزل الكورنيش أيام خطوبتنا… دلوقتي نايمة جنب تلاجة بتسرب. الحاج مجدي(بفخر): دي تربية يا أم اسماعين !لازم العيال تتربى على القناعة! مش زي ولاد طبقة مراسي اللي لو البطاطس مش أورجانيك بيعيطوا. سندس: يعني يا بابا احنا فقرا؟ الحاج مجدي: إحنا أغنياء.. بس من جوّه. ومن برّه حاجة تانية ! اسماعين (مكتئب): أنا مش رايح المدرسة أول يوم… صحابي كلهم في الساحل، وأنا في شقة فيها ترمس سايح. [اللمبة تطفي فجأة… وتولع تاني وهي بترعش] و لما يرجعوا ويحكي الأب لزمايله عن المصيف، يقول بفخر: "كانت تجربة روحية… جمصة فيها عبق خاص، تحس إنك بتشم ريحة الماضي، والجبنة القديمة، والصاج المحروق!" ولما تسأله: "هتكررها؟" يضحك ويقول: "إن شاء الله… بس المرة الجاية نجيب شقة فيها حنفية بتطلع مَيّة!" وأخيرًا.. الطبقة الأكبر، طبقة "الكنبة في الرسبيشن" الطبقة العريضة.. اللي العيد بالنسبة لها هو "بنتفرج على العيد الكبير بتاع عادل إمام في التلفزيون." الإجازة عندهم تعني *أنهم يقعدوا على الكنبة، بالشورت، وياكلوا فشار، ويتخانقوا مين هيقوم يفتح الباب لما الجرس يرن.* أقصى طموحاتهم في العيد إن الإنترنت ما يقعش، وإن مفيش ضيف ييجي فجأة يطلب قهوة. الفسحة الوحيدة: *جولة في البلكونة، وكيس كاراتيه في إيد، وسجادة صلاة على الأرض مستعدة لأي طاريء.* *في النهاية...* مفيش عيد بيعدي من غير ما يبين الفرق الطبقي في مصر: الناس اللي بتصيف في طيارة، والناس اللي بتصيف في القطر، والناس اللي بتصيف في الشقة، والناس اللي بتصيف في خيالهم. لكن الحقيقة الوحيدة اللي بتجمع الكل، إن "كلنا بنستنى العيد علشان نضحك شوية.. حتى لو على نفسنا." و العيد ديما يثبت أن المصري ابن نكتة ..
#وحيد_محمود_محمد (هاشتاغ)
Waheed__Eyada#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟