أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق جبار حسين - هيهات منا العزة














المزيد.....

هيهات منا العزة


صادق جبار حسين

الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 20:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ها قد عاد شيعة العراق كلًا الى بيته بعد ان أحيوا مناسبة مقتل الحسين ، ورددوا شعارات مقارعة الظلم والاستعباد وغيرها من شعارات المعارضة والمقاومة الرنانة عادوا الى ماسيهم وجوعهم وفقرهم وذلهم والظلم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يعيشونه منذ تولي أبناء جلدتهم ومذهبهم الحكم في العراق الجديد عراق القائد الجعفري .
في كل عام، يتكرر المشهد ذاته: ملايين الشيعة يتدفقون سيرًا على الأقدام إلى كربلاء لإحياء ذكرى مقتل الحسين. رجال ونساء وأطفال، يحملون الرايات، يضربون صدورهم، ويهتفون بشعار خُلد في التاريخ: “هيهات منا الذلة”. لحظات مشحونة بالعاطفة والإيمان والدموع، تجعلك تظن للحظة أن هذه الأمة قد تحررت فعلًا من الذل، وأنها سارت على خطى الحسين كما يدعون في مواجهة الطغاة.

لكن ما إن تنتهي هذه المسيرات المليونية، حتى يعود الجميع إلى واقع لا يعرف سوى الذل بكل أشكاله. ذل في الشارع، ذل في الوظيفة، ذل أمام دوائر الدولة، ذل في انقطاع الكهرباء، ذل في المستشفيات، ذل في المدارس، ذل في كل تفاصيل الحياة. فأي عزة تلك التي يرفعون شعارها، بينما هم يعيشون أسوأ أنواع المهانة؟

الحسين ثار ضد الظلم ، وضد استغلال الدين، وضد الفساد كمًا تروي كتب التاريخ . لكن ماذا فعلت الحكومات الشيعية التي حكمت العراق بعد 2003؟
استغلت اسم الحسين لتنهب ثروات العراق، لتبني القصور في الخارج، ولتترك أبناء الجنوب – الذين يُفترض أنهم “أتباع الحسين” – يعيشون في بيوت طينية، يبحثون عن عمل فلا يجدون، وعن ماء صالح للشرب فلا يعثرون.

حتى شعار “هيهات منا الذلة” لم يسلم من الابتذال. صار سلعة في خطابات الساسة، يُستخدم لتبرير بقاء الفاسدين في الحكم، ولإسكات الناس كلما حاولوا أن يصرخوا ضد ظلمهم. العزة التي تكلم عنها الحسين صارت مجرد يافطات تعلق في المواكب، بينما الحقيقة أن هؤلاء الملايين أنفسهم يعيشون ذلًا ما بعده ذل.

المضحك المبكي أن المواطن الشيعي البسيط، الذي يقطع مئات الكيلومترات سيرًا إلى كربلاء، يجد نفسه يأكل ويشرب في المواكب التي تمولها نفس الأحزاب التي سرقته! يمد يده إلى لقمة من يد من نهب رزقه، ثم يهتف خلفه: “هيهات منا الذلة”. مفارقة مضحكة مبكية ؟ أليس هذا هو الذل بعينه؟

الحسين حين صرخ “هيهات منا الذلة”، كان يواجه طاغية يريد أن يفرض على الأمة الاستسلام. أما الشيعة في العراق اليوم، فإنهم يواجهون طغاة من نوع آخر: طغاة يتكلمون باسم الحسين، يلبسون السواد، يشاركون في المواكب، بل يبكون أحيانًا مع الناس، ثم يخرجون من كربلاء ليوقعوا عقود الفساد، وليبيعوا العراق والعراقيين بكل طوائفهم وأديانهم ومذاهبهم بالمزاد العلني.

ولأن الناس لا يريدون مواجهة الحقيقة، فقد اختاروا الهروب إلى الطقوس. يبكون الحسين، لكنهم لا يبكون أنفسهم. يلعنون يزيد، لكنهم يسكتون أمام “يزيدات” جدد يسرقون حاضرهم ومستقبلهم. يعودون من كربلاء مفعمين بالعاطفة، لكنهم لا يعودون بعزة ولا بكرامة.
إن شعار “هيهات منا الذلة” صار اليوم مجرد صوت بلا فعل بلا معنى او قيمة حقيقية . يُرفع في الشوارع لكنه يُسحق في الواقع. فلو كان الحسين حاضرًا بينهم، لرأى أن الملايين الذين يزعمون أنهم أتباعه، يعيشون ما لم يرضَ هو أن يعيشه يومًا واحدًا. لقد رفض أن يبايع يزيد لأن ذلك يعني ذل الأمة، بينما هم بايعوا عشرات من أمثال “يزيد” بملء إرادتهم وحريتهم فقط لانهم من ذات مذهبهم حتى لو كانوا لصوص وقتلة وفجار .

الحسين قال: “إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح”. فأين هو الإصلاح في عراق اليوم؟
أين هي الدولة التي تنصف الفقير وتحقق العدالة؟
أين هو الشعب الذي يثور ضد الفساد كما ثار الحسين ضد الاستبداد؟
الحقيقة أنهم لم يثوروا، بل اعتادوا الذل حتى صار جزءًا من حياتهم اليومية.

العراقي اليوم يهتف: “هيهات منا الذلة”، لكنه يقف ساعات طويلة في طوابير للحصول على وظيفة بالواسطة، أو معاملة في دائرة فاسدة، أو وقود لسيارته. يهتف بالعزة، لكنه يدفع الرشوة لموظف صغير كي يمرر له معاملة. يهتف بالكرامة، لكنه يقف صامتًا أمام زعيم حزبي يسرق المال العام.

الحسين لو كان بينهم لصرخ في وجوههم: “أنتم ترددون شعاري وتعيشون عكسه”. لكنه غير موجود، ولذا بقيت الكلمات مجرد شعارات تُرفع كل عام، بينما الواقع يسير في اتجاه آخر تمامًا: مزيد من الذل والهوان والعبودية باسم العزة.

لم تعد زيارة الأربعين مجرد إحياء لذكرى ثورة، بل صارت مسرحًا لتناقض مأساوي: ملايين يرددون شعار العزة، ثم يعودون إلى حياة لا تعرف سوى الذل. حكومات فاسدة تستغل الدين والشعارات لتبقى في الحكم، وشعب يكتفي بالبكاء واللطم بدلًا من الثورة والتغيير.

فأين هي العزة التي يهتفون بها؟
لقد دفنوها بأيديهم، وتركوا شعار الحسين حبيس اللافتات، بينما واقعهم يصرخ: “هيهات منا العزة ”.



#صادق_جبار_حسين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين دموع راشيل ريفز وضحكة طيف سامي ، القيم الأخلاقية والانحد ...
- هل نست إيران مساعدات إسرائيل وأمريكا لها
- النصر من وجهة نظر إيران
- فصل أخر من مسرحية ، خذ حذرك سوف أضرب
- إيران نمر من ورق
- أنتم أسوأ الخلق
- طفيليات المجتمع 5 : المدراء والموظفين
- طفيليات المجتمع 4 : الأطباء والصيادلة ومختبرات التحليل
- طفيليات المجتمع 3: عصابات الإتاوات والابتزاز
- طفيليات المجتمع 2: شيوخ العشائر ورجال الدين
- طفيليات المجتمع 1: النواب وأعضاء مجالس المحافظات
- شهر رمضان فيه الفقير يهان
- السياسيون العراقيون ما اتركك ولا أترك رحمه الله تنزل
- العمائم السوداء ، غربان الخراب
- العشائر في العراق : بين ترسيخ الفوضى وإجهاض العدالة
- لم تعد الهند بلد العجائب بل العراق
- إيران ودورها في تجهيل عقول الشباب
- بوكا معهد أعداد الإرهابيين
- بلد الحضارات يحكمه القطاء
- فوضى مواقع التواصل الاجتماعي في العراق : فساد وانحدار القيم ...


المزيد.....




- قيمتها 25 مليون دولار.. شرطة دبي تكشف تفاصيل إحباط تهريب ماس ...
- حماس تعلن موافقتها على مقترح جديد لوقف إطلاق النار في غزة
- ترامب يلتقي زيلينكسي في واشنطن وسط دعم من قادة أوروبيين
- مأساة وادي الحراش: حداد في الجزائر على ضحايا الحافلة والسلطا ...
- إسرائيل أمام اختبار ملاقاة الخطوة الأولى للبنان
- حماس تعلن قبولها المقترح الجديد لوقف إطلاق النار في غزة دون ...
- عودة بشارات: إبادة غزة أيقظت العالم بعد 80 عاما من التضليل
- 4 مراحل لاجتياح غزة.. خطة إسرائيل للسيطرة على المدينة ومحيطه ...
- من غازي عنتاب إلى إسطنبول.. طهاة أجانب يكتشفون أسرار المائدة ...
- شاهد.. كمين محكم للمقاومة ورسالة مزدوجة لقائد قسامي


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صادق جبار حسين - هيهات منا العزة