أيمن زهري
كاتب وأكاديمي مصري، خبير السكان ودراسات الهجرة
الحوار المتمدن-العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 14:57
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
على الرغم من التسمية المغرية، فإن ما يُعرف اليوم بـ”الذكاء الاصطناعي” ليس ذكاءً بالمعنى البشري للكلمة، ولا هو اصطناعي بالمعنى الفلسفي؛ إنه في جوهره منظومة خوارزميات ومعالجة بيانات مملوكة وموجهة من قبل رأس المال. التسمية، في حد ذاتها، جزء من تسويق تكنولوجي يوحي بقدرات خارقة، بينما الحقيقة أنه امتداد لمسار طويل من تطويع التكنولوجيا لخدمة الربح، لا لخدمة الإنسان.
من منظور نقدي ماركسي، الذكاء الاصطناعي ليس سوى مرحلة جديدة في تاريخ الاستغلال الرأسمالي. فهو لا يغير علاقات الإنتاج، بل يعمّقها ويعيد إنتاجها بأدوات أكثر تعقيدًا. فوسائل الإنتاج – بما في ذلك البنية التحتية الرقمية وحقول البيانات – تبقى تحت السيطرة الكاملة للشركات العابرة للقوميات، بينما يظل العمل البشري، حتى في أكثر أشكاله “معرفية”، سلعة تُشترى وتُستَغل.
أحد أخطر أوجه هذه التكنولوجيا هو قدرتها على تفكيك الطبقة الوسطى وجرّ شرائح واسعة منها إلى مصير البروليتاريا. فالمهن التي كانت تتمتع بهوامش أمان نسبي، مثل البرمجة، الترجمة، التصميم، والتحرير الصحفي، صارت عُرضة للاستبدال الجزئي أو الكلي بالأنظمة الآلية. وهكذا يتسع مفهوم البروليتاريا ليشمل ليس فقط العمال اليدويين، بل أيضًا “العمال المعرفيين” الذين يفقدون السيطرة على أدوات عملهم ومخرجات إنتاجهم.
الذكاء الاصطناعي، إذن، ليس ثورة تحررية، بل آلية ضبط واستغلال أكثر فاعلية. فهو يضاعف إنتاجية العمل دون أن يضاعف نصيب العامل، ويُسرّع عملية تهميش الفائض البشري الذي لا تحتاجه دورة الإنتاج الرأسمالية. كما أنه يكشف بوضوح الوجه اللاإنساني للنظام الاقتصادي، حيث يُختزل الإنسان إلى مورد بيانات أو مستهلك خاضع، وتصبح المعرفة نفسها أداة تراكم لرأس المال.
إن التغيير الحقيقي لا يكمن في إدخال “ذكاء” جديد إلى الآلة، بل في إعادة تشكيل علاقات الإنتاج بحيث تكون التكنولوجيا في خدمة المجتمع، لا في خدمة الربح وحده. وحتى يحدث ذلك، سيظل ما يسمى بالذكاء الاصطناعي مجرد اسم لطور جديد من التاريخ الطويل للاستغلال.
#أيمن_زهري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟