أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاخر السلطان - الحب العنيف.. المتطرف














المزيد.....

الحب العنيف.. المتطرف


فاخر السلطان

الحوار المتمدن-العدد: 1818 - 2007 / 2 / 6 - 12:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما يلف الحياة ويحيطها بمنظر خلاب ورونق جميل، ويملي عليها نكهة خاصة من الجمال والإحساس المرهف، ويعطرها برائحة جذابة مثيرة، هو الحب أو العشق.
لكن هذا الإحساس المرهف حينما يتجاوز حدوده الطبيعية ويتحول إلى سلوك يتمادى في إظهار شعوره الجميل، ويتعاطى مع الحياة وفق طور غير طبيعي، لينحرف ويقترب شيئا فشيئ إلى اللاطبيعي، حينها سندرك أن العشق الذي عشقناه والحب الذي غصنا في ثناياه، والذي كنا نأمل منه بناء علاقة إنسانية قويمة وجذابة، ليس في غالبية نتائجه سوى معول هدم.
فالملاحظ في العديد من التجارب الانسانية، التي كانت تهدف لترسيخ الحب والعشق في السلوك والوجدان، وتسعى لبناء علاقة من شأن التاريخ أن يسطرها في ثنايا كتبه، لكنها تجاوزت الواقع الطبيعي لترسخ اللاطبيعي في تلمس الشعور وفي ممارسة العلاقة، قد بلغ إلى مسامعنا ورؤانا العديد منها ممن اعتبرت تجارب مأساوية، كانت من نتائجها القتل والانتحار والانتقام وإيذاء الأنا والآخر وغيرها من النتائج، إذ أسس العشق الجميل والحب المرهف، جراء ذلك، حالة من التطرف بحيث انتشرت معها الكراهية والإلغاء.
فكيف لحالة من العلاقة الإنسانية الجذابة، إذا تمادت في تعبيرها لتصل إلى حالة غير طبيعية، أن تؤدي نتائجها إلى صور غير إنسانية؟ إن التطرف في التعبير عن الشعور وفي ممارسة العلاقة هو السبب الأول والأساسي في ذلك. فالتطرف لا يمكن أن تكون نتائجه حميدة سواء تعلق بسلوك حسن أو بسلوك غير حسن، تعلق بالحب والعشق، أو تعلق بالعداوة والبغضاء، إذ الكراهية هي النتيجة الأولى الحتمية التي تصدر عنه، ناهيك عن النتائج السلبية والوحشية الأخرى. فكما انتهت حالات العداوة المتطرفة نهايات مأساوية كذلك الأمر بالنسبة لحالات العشق والحب المتطرف، فالموضوعان يختلفان نسبيا لكنهما يتفقان في المبدأ.
لقد كانت ردة الفعل العنيفة للمسلمين الغاضبين من الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية المسيئة للنبي الأكرم، تعبيرا عن مدى تغلغل ثقافة الحب العنيف المتطرف في ثنايا فكرهم وأدبياتهم. فقد خرجت صور ردة الفعل من رحم السلوك العدواني الحاث على التخريب والإيذاء والانتقام والقتل، كل ذلك بسبب "نوع" عشق المسلمين لنبيهم. فلو كان هذا العشق أو الحب طبيعي إنساني عقلاني غير أسطوري وغير متطرف، لكانت نتائج حادثة الرسوم الكاريكاتورية غير تلك التي شاهدناها ولمسنا وقائعها، بل لخرجت الصور معبرة عن عدم تطرف المسلمين في مواجهة رسوم متطرفة. بعبارة أخر، كان الأمر بمثابة رد فعل على سلوك متطرف بسلوك مماثل، وكان الأجدى مواجهته بسلوك مغاير، لكن المغاير هذا لا يمكن أن يتأتى إلا بتغيير أسس وقواعد الحب والعشق للرموز الدينية، والتي تم تقديسها ورفع مقامها إلى مصاف فوق بشرية بحيث من يمارس ولو النقد الهادئ تجاهها سيواجه بردة فعل عنيفة مبنية على الكراهية والإلغاء.
إن الممارسات الطقوسية الشيعية في شهر محرم من كل عام، للتعبير عن الحزن على مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته وأصحابه في كربلاء في واقعة الطف أثناء معركة غير متكافئة وغير إنسانية شنها ضدهم جيش الخليفة يزيد بن معاوية، تعبر أصدق تعبير كيف أن غالبية من الشيعة تستلذ في إظهار تطرفها أثناء تلك الممارسة، والسبب في ذلك يعود إلى الأرضية الثقافية الدينية الشيعية التي غرست في الإنسان الشيعي حب الحسين بشكل عنيف، ما جعلت ردود أفعاله الطقوسية متطرفة، سماها البعض بـ"المازوشية"، حيث يبتهج بجلد الذات وتعذيبها، وقد يصل الأمر إلى درجات غير مستساغة دينيا وإنسانيا مثل ضرب الرؤوس بالسيوف والخناجر وضرب الظهور بالسلاسل الحديدية والضرب القوي على الصدور حتى إدمائها. إن من يتطرف في سلوكه مع نفسه وبدنه، لا يمكن أن نطالبه بعدم التطرف في سلوكه مع الآخرين الذين يناهضونه في الفكر وفي الثقافة. فمن لا يراعي إيذاء نفسه لا نستطيع أن نطالبه بالكف عن إيذاء الآخرين المختلفين معه سواء بالتضييق عليهم أو حتى بإلغائهم. فالحب العنيف المتطرف الانفعالي، وبالذات الديني، يعتبر أرضا خصبة للثقافة، وبالذات الدينية، في أن تصبح منهلا لعدم التسامح، ومدخلا لإلغاء الآخر، وأساسا لانتهاك حقوق الإنسان. فكما أن الإنسان الذي يسهل عليه أن يقتل نفسه، انتحارا أو غيره، كما يحدث في العراق وغيرها، في ظل ثقافة تستهجن العيش في هذه الحياة وتستحسن "الإستشهاد" وفق رؤية عاطفية دينية خاصة تروج لها الغالبية العظمى من الفقهاء المسلمين، فإننا لا يمكن أن نتوقع منه أي حديث عن أهمية حياة البشر وأن نطالبه باحترام حياة الآخرين وحقوق الإنسان بشكل عام. كذلك من الصعوبة بمكان أن نطالب الإنسان الذي يستلذ في إيذاء نفسه، انطلاقا من حب عنيف انفعالي يستند إلى رؤية دينية خاصة، أن نطالبه بعدم إيذاء الآخرين المناهضين له أو التسامح معهم.
إن ما تحتاجه مجتمعاتنا، وبالذات شبابنا المغرر بهم من قبل المتصدّين للعنف الديني السياسي أو الطقوسي، هو ترسيخ ثقافة دينية تحث على الحب الإنساني غير العنيف المؤسس للتسامح، حب لا يوصل صاحبه نحو التطرف والعنف سواء تجاه نفسه أو تجاه الآخرين. وهذا لا يتأتى إلا من خلال طرح رؤية جديدة للتفسير الديني تنهل من المنهل الإنساني (حقوق الإنسان) لا المنهل العاطفي الانفعالي العنيف أو الطائفي المتطرف. إن العاشق المؤنسن غير المتطرف هو الذي تحتاج إليه عملية بناء مجتمع يراد من أفراده أن يحترموا الإنسان وحقوقه وحريته، واعتقد أن هذا الأمر بعيد جدا عن تفكير القائمين على الدين في مجتمعاتنا، إذ همهم منصب على تأسيس دين "الأنا" فقط وليس دين "للجميع"، ففهمهم الديني يجعلهم يتضايقون من أي نسمة هواء تهيئ لوجود الآخر واحترام الآخر وصولا إلى الدفاع عن حقوق الآخر وحريته.

كاتب كويتي



#فاخر_السلطان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين حينما يكون غير إنساني
- الفهم الديني الجامد.. والإنسان الجديد
- الفهم الديني غير المسؤول: الموقف من حزب الله نموذجا
- بوش يتخبط.. لكن ماذا عن الإسلاميين؟
- التعددية في بعدها السياسي
- التعددية في بحر وجودها وتعريفاتها
- مناخ التعددية عبر التاريخ
- متى يتوقف نبض الحياة المتحرك
- كعادتهم خلطوا الحابل السياسي بالنابل الديني
- مكاسب وخسائر طهران
- الإكراه الديني يعادي الإيمان
- استبداد المدرسة الفقهية
- اخوان الكويت.. ومعركة رئاسة البرلمان
- خسارة السيد المعمم
- جدل الانتحار في غوانتانامو
- إهداء إلى المحزونين على الذباح
- نضال الكويتية
- الفهم الديني.. ومسوغات التكفير والإلغاء
- الإنسان.. محور غائب في الفهم الديني
- لماذا ترفض واشنطن رسالة نجاد؟


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاخر السلطان - الحب العنيف.. المتطرف