أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين جباري - ليس كرهًا للعلم، بل خنقًا لمجراه: مناقشة في تأويل ثقافوي لحكم سعيد يقطين














المزيد.....

ليس كرهًا للعلم، بل خنقًا لمجراه: مناقشة في تأويل ثقافوي لحكم سعيد يقطين


عزالدين جباري
(Azeddine Jabbary)


الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 00:16
المحور: الادب والفن
    


"حين يُحرَم العقل من شروط الإبداع، لا يَكره العلم، بل يُخنق فيه."


في كتابه "السرديات والتحليل السردي"، كتب الناقد الأكاديمي سعيد يقطين جملة لافتة يقول فيها:
"إننا نحن العرب، نكره العلم، ونتخذ منه موقفًا سلبيًّا"
)ص 9(
يربط الكاتب هذا الحكم المزعوم بسلسلة من الظواهر التربوية والثقافية، من قبيل عجز الطلبة عن طرح الأسئلة، والارتهان لاجترار الدروس، وضعف المناهج، وجمود الإبداع، ليُسدل خلاصته على أن الخلل فينا، لا في السياقات التي نُنتَج داخلها، بل في ذهنياتنا ذاتها، كأنها مبرمجة على النفور من العلم والمعرفة.
ويعزّز هذا الحكم القاسي بتشخيص ثقافوي* يرى أن العطب في بنية الوجدان العربي نفسه، لا في الأنظمة أو المؤسسات أو البنى السياسية والاجتماعية. ثم يمضي أبعد من ذلك، حين يعقد مفارقة مباشرة بين العرب وإسرائيل، قائلًا:
"كنت أطرح دائمًا هذا السؤال: لماذا تطوّرت إسرائيل علميًا ومعرفيًا، ونجد لعلمائها موقعًا في مختلف أصناف العلوم والمعارف الحديثة والمعاصرة، بل نجد لهم في بعض التخصصات الريادة (...) بينما نجد البحث الجامعي والأكاديمي العربي، وخاصة في مجالات العلوم الإنسانية والأدبية، متخلفًا ومتراجعًا بل — بحسب عبارته — وعاجزا حتى عن التشكل أو التكون؟"
(ص 7)
وبدل أن يُرجع ذلك إلى اختلاف الجذور السياسية، أو البنى الاقتصادية، أو هندسة الدولة، أو المساندة الغربية الصريحة التي جعلت من إسرائيل قاعدة إنتاج تكنولوجي ومعلوماتي في قلب المنطقة، نجده يُعيد السبب إلى "كره العلم" في الثقافة العربية ذاتها، وإلى أعطاب تربوية ونفسية مزعومة، كأن الخلل فينا قصور غريزي!.
لكن،
هل حقًا نحن نكره العلم؟
هل يمكن اختزال تخلف الإنتاج العلمي العربي في ميول نفسية، وتعميم اتهام ثقافي على أمة بأكملها، دون مساءلة الشروط التي كبّلت هذا العلم، وصادرت حريته، وقيّدت صيرورته؟
إنّ هذا النمط من الخطاب – على ما فيه من حماس للتشخيص – يُغفل أبسط بديهيات التحليل:
أنّ العلم لا يزدهر في فراغ، ولا يتحرّك إلا في سياق سياسي واجتماعي واقتصادي يسمح له بالنمو، ويؤمّن له حاضنة مؤسسية، ويمكّنه من التراكم والاستقلال.
ولو أن إسرائيل سبقت، فذلك لأنها تلقت، ولا تزال تتلقى، رعاية استراتيجية غربية، واحتضانًا تكنولوجيًا، ودعمًا سياسيًا واقتصاديًا منقطع النظير، بل جُعلت مختبرًا للهيمنة المعرفية وسط منطقة مكسورة ومفخخة ببؤر التوتر الدائم.
حين نلتفت إلى أوضاع أوطاننا، نجد أننا عشنا تحت أنظمة حكم أجهضت مسيرة النهضة العقلية، وصادرت حرية البحث، وحوّلت الجامعات إلى إدارات فنية لا تُنتج معرفة، بل تُصدّر شهادات؛ وتدفع بأجيالٍ من الطلاب إلى العجز عن اقتحام لجج المعنى، ومكابدة مشقات السؤال، لا كراهية العلم.
لسنا نحن من نكره العلم. بل نحن من حُرم من شروطه، ومن تربة إنباته، ومن مؤسساتٍ ترعى قدسيته وتضمن حريته.
ولو عرفنا العلم في جوهره – لا كقوانين جامدة، بل كصيرورة حيّة متحوّلة – لما أعرضنا عنه، بل لكنا من أول المدافعين عنه، ولرأينا فيه سبيلًا للكرامة، لا عبئًا على الذاكرة.
إن نقدنا هنا لا يرفض المحاسبة الذاتية، بل يرفض جلد الذات بالنيابة عن بنيات فاسدة لا تُحاسَب.
وما نحتاجه ليس خطاب لومٍ جديد، بل تمكين العلم من أن يسري في مؤسساتٍ تحترم العقل، وتراهن على الكرامة لا على الامتثال.
عزالدين جباري

* ملاحظة لغوية – ما المقصود بـ"الخطاب الثقافوي"؟
نُميز في هذا السياق بين:
• التحليل الثقافي: وهو تحليل مشروع يأخذ بعين الاعتبار دور الثقافة في تشكيل الذهنيات والممارسات، دون أن يغفل الشروط السياسية والاجتماعية الأوسع.
• أما الخطاب الثقافوي: فهو اتجاه اختزالي يُفسّر جميع مظاهر العجز أو التأخر من منظور "الذهنية" أو "المزاج الثقافي"، متجاهلًا الأنساق البنيوية، مثل الدولة، والسياسة، والاقتصاد، والمؤسسة.
وعليه، فحين نقول إن طرحًا ما "ثقافوي"، فنحن لا نهاجم الثقافة، بل ننتقد الاقتصار المفرط عليها في تفسير ظواهر مركبة.

المرجع:
سعيد يقطين، السرديات والتحليل السردي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء-بيروت، الطبعة الأولى، 2012، مقدمة الكتاب، الصفحات 7–12.



#عزالدين_جباري (هاشتاغ)       Azeddine_Jabbary#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عتاب إلى خصيم المسيح: من قلب النبض إلى صدى العدم
- ابن تيمية ونقد الكيانات المجردة: من الاسمية التوصيفية إلى ال ...
- من هيوم إلى فلسفة الصيرورة الأصيلة: في نقد الاستقراء وبناء ا ...
- حين يغيب الرباط: سقوط المعنى في أثينا وروما
- في فضاء الغيبة المصنوعة: نقد لمقال مشير باسيل عون عن -الغيبة ...
- من مأزق التسلسل إلى إمكان التعيّن: في تأويل الخلق وفق فلسفة ...
- المتواجِد والدازاين: تأصيلٌ دلاليّ لفارق أنطولوجي بين فلسفة ...
- الإمكان الترددي وشبكة النبض: نحو تجاوز المفهوم الماهوي
- ما بعد القطيعة: نحو صيرورة أصيلة في العلاقات الجزائرية الفرن ...
- ما بعد القطيعة
- فَرْقُ ما بين الأخلاق والأخلاقيات
- لغم الوجود
- منطق الفقهاء
- الحداثة وفراغ الوجود .
- الظاهر والباطن، أو محنة الوجود.
- الحرية نداء الوجود
- مساواة أم تماثل ؟ بحث في الرؤيا الكونية.
- هل كل خطاب يحمل حقيقته في ذاته ؟
- في الموقف الفلسفي، أو الموقف من الحقيقة .
- في ماهية القول الفلسفي وضرورته .


المزيد.....




- إطلاق خطة شاملة لإحياء السينما المصرية.. ما تفاصيلها؟
- رضوان لفلاحي: -لا شيء ممهَّد لشباب الضواحي في فرنسا كي يدخلو ...
- غاليري 54.. بورتريهات من ضوء، ألوان تتسابق وذاكرة تتمهل الزم ...
- رحيل فنان لبناني كبير والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تنعاه!
- احتجاجًا على الرقابة... فنانة أمريكية تُلغي معرضها في المتحف ...
- نصف قرن من الإبداع - وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني
- البشر يتبنون لغة الذكاء الاصطناعي دون أن يشعروا
- وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني ...ظاهرة فنية فريدة
- المغنّي والمسرحي والمؤلف الموسيقي ونجل فيروز.. رحيل الفنان ا ...
- بانكوك تستضيف مؤتمرا دوليا لتعزيز مكانة اللغة العربية


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين جباري - ليس كرهًا للعلم، بل خنقًا لمجراه: مناقشة في تأويل ثقافوي لحكم سعيد يقطين