عزالدين جباري
(Azeddine Jabbary)
الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 20:47
المحور:
الادب والفن
أيها الفيلسوف الذي خلع ظلَّ الإله عن عرشه، وألبس الإنسان سِربال الاستبداد،
أيها العاشق للمهاوي، الذي رأى في الصيرورة دوّامةً بلا قرار،
أكتب إليك لا بصفتي غريمًا، بل سليلًا للألم الذي أفزعك، ووارثًا للغرب الذي التهم روحك.
أيعقل، يا فريدريك، أن يكون هذا الكون، بكل غناه، وأشواق الأرواح فيه، بكل ألوانه وأنغامه ورؤاه،
خاليًا من نداء؟
أيعقل أن يخفق القلب، لا لأنه يحب، بل لأن الغريزة استحكمت؟
بأي مشيئة، يا ابن الجرمان، لا ترى في الصيرورة إلا إرادةً إلى القوة،
تصمّ بها السمع عن نداءٍ لا تراه إلا شهقةَ استعلاء؟
لقد صرختَ فينا: "مات الإله!"
لكن، لم تقل لنا: من قتله؟
أ نحن؟ أم أنت؟ أم خيانة العقل واللسان لنبوءة الروح والجَنان؟
لم يكن موته، في جوهره، إلا صرخة غضب أعمى، لا نفيًا للوجود.
يا فريدريك،
يا من أردتَ تحرير الإنسان من شَرَك الأصنام، فحطّمتَ المعبد،
هل سألت نفسك:
هل كان الإله صنمًا، أم أن الصنم كان في قلوب الذين عبدوه وما عرفوه من وراء حجاب؟
أيسأل الإله، أم يُسأل اللاهوت؟
حين نفيتَ السماء، وغلقت أبوابها على بني قومك،
حمّلتهم ثِقل الكون كما فعل أطلس،
لكن قل لي:
بأي معنى يعيش الإنسان في كون بلا عناية، بلا نداء، بلا وجه منير؟
بأي مشيئة، يا ابن فرانسيسكا، تُنكر إلهية النبض؟
ذلك الرجفان الذي يسري في كيان الطفل حين يرى أمّه،
وصبوة العاشق حين يرمق من يحب،
ولوعة الشاعر وهو يئن بالكلمة قبل أن تولد،
وارتعاشة الفيلسوف حين يحدس الحقيقة بين اليقين والظن...
ذلك النبض، يا نيتشه،
ليس صدى مادة، ولا نتاج كيمياء دماغ،
بل هو أثر الحضور الإلهي في كينونتنا،
نداء لا يُفرض من خارج، بل ينبثق من الأعماق.
لقد أردتَ إنسانًا متفوقًا،
لكنّك نسيت أن التفوق لا يُقاس بالقوة والاقتدار فقط،
بل بالقدرة على إلقاء السمع، على الإصغاء للمعنى،
للألوهية التي تغمر الوجود،
ولوجه الله الذي لا يُرى، لكنّه يبعثنا من رماد.
فلا تترك قومًا يحملون صليبك أكثر مما يحتمل عقل الإنسان.
سلام عليك من محبّيك ومن مبغضيك،
ممن راعه صراخك، ومَن أفزعته مطرقتك وسندانك.
أبشر إذن...
فنحن، في الصيرورة الأصيلة الأبدية، لا ننفيك، ولا نغتالك،
بل نستأنف صراع الأغيار، لنُقيم من رماده جسرًا إلى المحبة،
وسيلًا إلى الفهم المستنير،
لا ليحترق الإنسان، ولا ليختنق في خيالاته،
بل ليعود كائنًا يستحق أن يُحب، وأن يُحَبّ.
سلامًا، ورحمةً، ونعمة.
#عزالدين_جباري (هاشتاغ)
Azeddine_Jabbary#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟