أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين جباري - ابن تيمية ونقد الكيانات المجردة: من الاسمية التوصيفية إلى الواقعية التداولية















المزيد.....

ابن تيمية ونقد الكيانات المجردة: من الاسمية التوصيفية إلى الواقعية التداولية


عزالدين جباري
(Azeddine Jabbary)


الحوار المتمدن-العدد: 8399 - 2025 / 7 / 10 - 04:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



"وسواء كان الملزوم مستدلًا بدلالته [أي: الدليل] لزوماً واجباً، أو مظنوناً، أو معمولاً به، فلا ينفك عنه جعلاً، وسواء كان تدلُّ الملزوم المستدلّ به "وجودًا" أو "علمًا"، فقد يستدل بوجود الشيء على انتفاء "نقيضه" و"ضده"، ويستدل بانتهاء "القضية" على ثبوتها، ويُستدل بثبوت الملازِم على ثبوت اللازم، وبانتفاء اللازم على انتفاء الملازم، بل كل دليل يُستدل به فإنه ملازم لمدلوله." ص:209.
"وغايته [أي منطق اليونان] بيان الذهن وإيضاح الواضح – من الجهل – وقد يُوقع من في أنواع من السفسطة التي عافتها أذهان من لم يسلك طريقهم. مثل قول الكندي: هذا من باب فقدان عدم الوجود… ومثل حدّهم للشمس: هل من جهلٍ يُعرّف به مَن هو أظهر من الشمس؟" ص: 210.
ابن تيمية، الرد على المنطقيين، مؤسسة الريان، 2005.


يُعد الخلط الشائع في تصنيف الموقف الفلسفي لابن تيمية بين من ينسبه إلى الاسمية (nominalism) وبين من يُدرجه ضمن النزعة الواقعية (realism) نتيجة مباشرة لإسقاطات خارجية لا تأخذ بعين الاعتبار المعمار الداخلي لفكره، ولا السياقات التاريخية والمعرفية التي وُلد فيها. ولعل من بين أبرز أسباب هذا الخلط ما أشار إليه صاحب الرأي نفسه: عدم تحرير الفرق الدقيق في نصوص ابن تيمية بين ما يمكن تسميته بـ"التصورات المجردة" و"الكيانات المجردة"، وهو تفريق ضروري لتجاوز الانطباعات المدرسية التي يختلط فيها الاستدلال المفهومي بالحكم التصنيفي الجاهز.
فالاسمية، كما تقرّرها الموسوعة البريطانية (Britannica) وموسوعة ستانفورد (Stanford Encyclopedia of Philosophy ) هي المذهب الذي ينكر وجود الكليات في الواقع الخارجي، ويرى أنها مجرد أسماء أو أدوات لغوية تُطلق على أفراد متشابهين. هذا النفي يمكن أن يمتد إلى الذهن أيضًا في بعض النسخ المتطرفة من الاسمية، التي ترى أن الكليات لا وجود لها إلا بوصفها أصواتًا أو رموزًا اصطلاحية. أما في صورتها المعتدلة، فإن الاسمية تعترف بوجود الكليات بوصفها تصورات ذهنية عامة، لكنها لا تمنحها مرتبة الكينونة المستقلة عن الوعي أو اللغة. ومن هذا المنظور، فإن "العدالة"، مثلًا، لا تُعد موجودًا حقيقيًا في الخارج ولا في العقل الكلي، بل مجرد لفظ يطلق على عدد من الوقائع التي يتكرر فيها نمط سلوكي معين.
أما الواقعية، فبمختلف تلاوينها، ترى أن للكليات وجودًا حقيقيًا من نوع ما، سواء في عالم المثل المفارق (كما عند أفلاطون)، أو في الأفراد المحسوسة (كما عند أرسطو)، أو في الذهن والعقل الكلي على نحو مجرد (كما عند فلاسفة الإسلام المشائين). وتُعتبر الواقعية المشائية، كما بلورها الفارابي وابن سينا، نموذجًا مكتمل البنية لهذه الرؤية، حيث تُنسب الكليات إلى العقول المفارقة التي تفيض عن العقل الأول، وتتشكل منها طبقات الوجود والمعرفة.
في هذا التصور، لا تكون الكليات مجرّد أدوات ذهنية، بل كائنات حقيقية متميزة عن الأفراد، تشغل مرتبة وجودية أرقى من الجزئيات.
وفي هذا الإطار، يتبيّن أن ابن تيمية يرفض تمامًا وجود الكيانات المجردة بالمعنى الذي تقرره الفلسفة المشائية، سواء تعلّق الأمر بالعقول الفعالة أو الأرواح الكلية أو النفس الناطقة بوصفها ذاتًا متميزة عن الحواس والجسد. وقد عبّر عن هذا الرفض في مواضع عديدة من كتبه، مركزًا على أن هذه المفاهيم لا تستوفي شرط التمايز الحقيقي، ولا تستند إلى فرق نظري واضح يُمكّن من التمييز بين عقل وآخر، أو بين العقل والنفس، مما يجعلها في نظره أوهامًا ميتافيزيقية لا تتأسس على الواقع، ولا على النص، ولا على الحس المشترك.
ومع ذلك، فإن إنكاره للكيانات المجردة لا يعني أنه ينكر التصورات المجردة بوصفها بناءات ذهنية تصف الواقع وتنتزع منه سماته المشتركة. فالكلي عنده، من حيث هو تصور عام، مقبول من جهة وظيفته التمثيلية لا من جهة كينونته الذاتية. وهذا يضعه في منزلة وسطى بين الاسمية الصرفة التي تُنكر الكلي حتى في الذهن، وبين الواقعية التي تُثبته في الخارج ككائن حقيقي.
هذا الموقف يجعل ابن تيمية أقرب إلى ما يمكن تسميته – بلغة كواين – بمذهب نقد الكيانات المجردة، لا رفض المعنى المجرد. فكواين نفسه، رغم كونه وريثًا للمسلك التجريبي، لا يُنكر الحاجة إلى تصورات عامة تُستخدم في بناء النظرية العلمية، لكنه يُطالب في المقابل بمعيار صارم لتحديد ما نلتزم به أنطولوجيًّا، وهو ما عبّر عنه بقوله المشهور: "من التزاماتنا الأنطولوجية ما لا غنى عنه، ومنها ما لا ضرورة له". وهذا يلتقي ضمنيًا مع مقولة ابن تيمية التي يكرر فيها أن ما لا يمكن تمييزه في الخارج، ولا يمكن ضبطه في الذهن، لا يُعد من الكائنات الحقيقية، بل من المفاهيم الاعتبارية أو المضافة أو الافتراضية.
وعلى هذا الأساس، لا يمكن اعتبار ابن تيمية اسميًا بالمعنى الفلسفي المتداول، لأنه لا ينفي الكليات الذهنية ولا يراها مجرد أسماء فارغة، كما لا يجوز تصنيفه واقعيًا على الطريقة المشائية التي تقيم العقول المجردة وتُنزل الكليات منزلة الكائنات. بل الأصح القول إنه يميل إلى صورة من "الواقعية السلوكية أو التمثيلية" التي تحتفظ للمفاهيم بدورها التوصيفي، دون أن تمنحها استقلالًا وجوديًّا عن التجربة أو الوحي أو الحس.
هذا التصور لا يقطع فقط مع النسق الميتافيزيقي للفلاسفة، بل يتجاوزه إلى مساءلة البنية المعرفية (cognitive structure) للغة والمعرفة، حيث لا يُفهم المعنى إلا في سياق الاستعمال، ولا يُثبت إلا ضمن نسق سلوكي تواصلي حي، وهو ما يجعله في مفاصل عديدة أقرب إلى الاتجاه التداولي التأويلي منه إلى أي مذهب أنطولوجي صارم.
إذا رغبت، يمكنني الآن عرض الفروق بشكل تطبيقي من خلال مقولات صريحة لابن تيمية في هذا الشأن، أو تقديم دراسة مقارنة بينه وبين ويلارد كواين، أو حتى إبراز كيف أن بعض مقولات طه عبد الرحمن تأثرت بهذا التمايز التيمي بين التصور الذهني والكينونة الخارجية.
خلاصة مركزة: يمكن القول إن الكلي، عند ابن تيمية، ليس كيانًا أنطولوجيًّا قائمًا بذاته، ولا وجودًا مفارقًا يتمتع بقيمومة مستقلة، بل هو مجرد التقاط ذهني للنمط المتكرر في الوجودات الحسية أو الخطابات الإخبارية؛ أي أنه وظيفة عقلية ناتجة عن تكرار الشاهد، لا مرتبة وجودية مفارقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روابط:
1. موسوعة ستانفورد للفلسفة (Stanford Encyclopedia of Philosophy)
• Nominalism (الاسمية):
https://plato.stanford.edu/entries/nominalism-metaphysics
• Realism (الواقعية):
https://plato.stanford.edu/entries/realism
2. موسوعة بريتانيكا (Encyclopedia Britannica)
• Nominalism:
https://www.britannica.com/topic/nominalism
• Realism:
https://www.britannica.com/topic/realism-philosophy



#عزالدين_جباري (هاشتاغ)       Azeddine_Jabbary#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هيوم إلى فلسفة الصيرورة الأصيلة: في نقد الاستقراء وبناء ا ...
- حين يغيب الرباط: سقوط المعنى في أثينا وروما
- في فضاء الغيبة المصنوعة: نقد لمقال مشير باسيل عون عن -الغيبة ...
- من مأزق التسلسل إلى إمكان التعيّن: في تأويل الخلق وفق فلسفة ...
- المتواجِد والدازاين: تأصيلٌ دلاليّ لفارق أنطولوجي بين فلسفة ...
- الإمكان الترددي وشبكة النبض: نحو تجاوز المفهوم الماهوي
- ما بعد القطيعة: نحو صيرورة أصيلة في العلاقات الجزائرية الفرن ...
- ما بعد القطيعة
- فَرْقُ ما بين الأخلاق والأخلاقيات
- لغم الوجود
- منطق الفقهاء
- الحداثة وفراغ الوجود .
- الظاهر والباطن، أو محنة الوجود.
- الحرية نداء الوجود
- مساواة أم تماثل ؟ بحث في الرؤيا الكونية.
- هل كل خطاب يحمل حقيقته في ذاته ؟
- في الموقف الفلسفي، أو الموقف من الحقيقة .
- في ماهية القول الفلسفي وضرورته .


المزيد.....




- محاولة اغتيال ترامب بالذكرى الأولى.. أسئلة بلا إجابات للآن
- تركيا.. فيديو تأثر زوجة أردوغان بخطابه ورد فعل الأخير يثير ت ...
- دراسة: لقاحات الطوارئ خفّضت الوفيات بنسبة 60% خلال الـ23 عام ...
- غارة إسرائيلية تخلّف سحابة غامضة تثير الذعر في غزة
- بين تفاؤل كبير وتشاؤم مفرط.. انقسام في أوكرانيا إزاء -تحولات ...
- أداء القيادة السورية وبلبنان بتصريح باراك يثير تفاعلا والأخي ...
- ترامب يفرض رسوم جمركية جديدة على الاتحاد الأوروبي والمكسيك، ...
- هل حقًا الانتخابات القادمة نقطة تحول في سوريا؟
- ما الذي عطّل الإعلان عن وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل؟
- الاتحاد الأوروبي: لا نزال نريد اتفاقا مع أمريكا وسندافع عن م ...


المزيد.....

- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين جباري - ابن تيمية ونقد الكيانات المجردة: من الاسمية التوصيفية إلى الواقعية التداولية