أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عزالدين جباري - مساواة أم تماثل ؟ بحث في الرؤيا الكونية.















المزيد.....


مساواة أم تماثل ؟ بحث في الرؤيا الكونية.


عزالدين جباري
(AZEDDINE JABBARY)


الحوار المتمدن-العدد: 5455 - 2017 / 3 / 9 - 00:45
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


إذا كان الشخصان يتمتعان بقدرات متكافئة، ولهما حاجات متشابهة، واتجاهات متماثلة، فلا معنى للحديث عن المساواة إذا؛ إننا هنا نتواجد في وضعية التماثل.
إن المساواة تقتضي الاختلاف، والاختلاف الحقيقي لايتحول إلى التماثل، وإلا لما كان اختلافا. يبقى السؤال مطروحا : ما مبلغ هذا الاختلاف من الأهمية والخطر؟
إننا لكي نميز الاختلاف ينبغي أن ننظر أولا إلى الصعيد المشترك بين الشيئين المختلفين، فهل هو اختلاف تمايز في الطبيعة، كاختلاف الجمادات عن النباتات؟ أم هو اختلاف في النوع كاختلاف الحيوان عن الإنسان؟ أم إنه اختلاف في الدرجة داخل النوع نفسه؟ وهو ما تتدخل فيه معايير متعددة، تختلف باختلاف الرائزين، أي واضعي الروائز التي قد نُطْلِق عليها " روائز الاختلاف النوعي".
في عالم الحشرات، التي تعتبر كائنات حية، نجد الاختلاف بينها وبين عالم الحيوان واسعا جدا، ويمكن مقاربته من عدة زوايا، فيمكن لعالِم الأحياء أن يحدثنا عن عشرات الصنوف داخل فصيلة الحشرة الواحدة. وإذا تحدثنا، بادئ الرأي، عن الفراشات مثلا، فإنها حشرات طائرة، تختلف فيما بينها من حيث ألوانها وأشكالها، وأجنحتها، ومستويات ارتفاعها،ومطاعمها.. فإذا أردنا أن نقارنها بالنحلة مثلا، فإنها تشترك معها في خاصية الطيران، ولكنها تختلف عنها في أشكالها، وأجنحتها، ومستويات ارتفاعها، وطبيعة عملها، وطبيعة حياتها الجماعية، ومراحل تكونها.. وإذا كانت الفراشات تخرج من الشرنقة، فإن النحل يفقس من البيض.
وإذا انتقلنا إلى الحيوان الطائر الذي يشترك في عنصر الطيران مع الحشرات الطائرة، فإن الفرق يزداد شساعة وهَوْلا، فالطيور لها ريش، ودورة دموية، وأجهزة داخلية تشترك فيها مع الحيوان، وتفصلها بالتالي عن الحشرات فصلا بعيدا.
لكننا نستطيع دائما، المقارنة بينهما على مستوى ارتفاع الطيران، أو على مستوى طبيعة الحياة الجماعية أو غيرها من المعايير، مما هو محصي عددا في المجلدات الموسوعية لعالم الحيوان.
لقد أبهرت البروباغندا الداروينية عقول البشر، وصرفت الناس من خلال سَيْل الصور، عن التدبر في آيات الكون ، مستعينين ببداهات عقولهم، حتى صار الواحد من بشر القرن العشرين، وما تلاه من السنين، لايستغرب التحول من البيوضات إلى الثدييات !! ولكن يستبعد اختلاف الأنثى عن الذكر !؟
إن " شارلز داروين" نفسه قد أكد في كتابه العُمدة ( أصل الأنواع)، في الفصل السادس، تحت الفقرة التي سماها " مشكلات النظرية"، الحقيقةَ التالية : [ إذا توصلنا إلى البرهنة على أن عضوا ما معقد التركيب، لم يتشكل عبر تعديلات معدودة، ودقيقة، ومتلاحقة، فإن نظريتي ستنهار بشكل تام ] .
لقد بدأت أصوات علماء الأحياء عبر العالم تتعالى في اتجاه تفنيد ركائز نظرية التطور، مثل اكتشاف " التعقد التركيبي غير قابل للاختزال" و المتعلق بِـ" السوط البكتيري " الذي يحتوي 42 بروتينا والذي يعادل في تلازم مكوناته "محرك القوارب"، وهو مكون حيوي غاية في التناهي والصِّغَر، وكذلك الحقائق العلمية التي توصل إليها العالم " لاورنس تيسدال "، رئيس (جمعية الإبداع العلمي كيبيك) بكندا، حيث طور مفهوم ( سلسلة الجينات الدنيا ) مثل " الميكوبلازم mycoplasme " ، الذي يُعد أصغر عضو حي موجود، ويتألف من 486 "جين"«gène » ، وال"جين" هو تركيب بروتيني معقد يحتوي 1000 أو 10000 حمض أميني.
ولمزيد اطلاع وتعمق في هذه الأبحاث يكفي الإبحار على محركات يوتيوب وغوغل، ثم الانتقال بعد ذلك للمصادر المطبوعة.
يبدو أن قوانين الانتخاب الطبيعي تفتقر هنا لعنصر التطور من البسيط نحو المركب فالأكثر تعقيدا، وهذا يجعلنا نضع النظرية الداروينية في عداد النظريات التي لها مجالات تطبيقها المحدودة، والتي يمكن أن نحصرها في التطور الجزئي من داخل النوع، ويكشف بُطلان الادعاء بِتَعْدية هذه القوانين لتشمل تفسير الارتقاء والتحول من نوع ( kind the) إلى آخر .
ولعلنا لا نخالف البديهة حين نرى أن كل الكائنات تتألف من الزوجين الذكر والأنثى، وأن الاختلاف بينهما لايرتقي إلى التناقض أو الخروج من النوع، وذلك لأن استمرارية النوع تتوقف على تزاوج الطرفين الجنيسين، المنحدران من صلب أبٍ واحد. إن كلا الزوجين ضروري لمنح الاستمرارية للخليقة الأولى، وبالتالي فلا بد أن ينحدرا من أصل مشترك واحد. والإنسان ليس بدعا من ذلك.
يحق لنا الآن أن نتساءل : - لماذا تطَّرِد هذه الحقيقة المشهودة، حقيقة زوجية كل الكائنات الحية، وأن الحياة داخل النوع يستحيل أن تستمر إلا عن طريق التزاوج؟ أليس ذلك دال على وجود تصور ذكيIntelligent Desein) ( مهيمن على هذه الخليقة كلها؟ فإذا كانت هناك إرادة حكيمة ومدبرة وراء كل هذه الحركة السارية في الكون، فإنها بلا شك إرادة الكائن الأعلى، أي الله.
إن اكتشافات العلم الحديث، وخصوصا علم الفلك وعلوم الفيزياء، تجعلنا نحس بضآلة وجودنا، وتفاهة قدْرنا أمام الاتساع الهائل في الكون، وأمام انهيار فكرة مركزية الأرض، ومركزية الإنسان في هذا الكون الوسيع؛ إذ أن نَعُدَّ كرة الأرض نقطة في بحر الوجود الشاسع، مبالغة كبيرة لا تصمد أمام لغة الأرقام والحسابات الفلكية-الفيزيائية. أما إذا اعتبرنا حجم الإنسان في هذه النقطة القريبة من العدم، فإن الضآلة تقترب من الاختفاء. غير أن هذه النظرة المادية للكون لا تصمد أمام النظرة الروحية التي تتدبر هذا الوجود، وتتساءل عن أصل المادة، وأصل الحركة، وعن صاحب الصنعة والتصميم، وتتساءل عن هذا التوتر نحو الكمال المطلق، من أين أتى؟ وعن سؤال المصير، إلى أين؟ وعن شعور الذهول أمام الموت. إنها أسئلة تتجاوز قشرة الوجود المادي، وتحدث شرخا في صموت المادة، وتفتح مسارب نحو الغياب.
لذلك يبقى الجواب عن هذه الأسئلة الوجودية مجالا للصراع، بين أصحاب النظرة المادية، وأصحاب النظرة الروحية، وكل من الطرفين يستعمل العقل أداة لتبرير موقفه الأول، المادي أو الروحي، الذي ليس مَدْعاتُه العقل، بقدر ما هو أمر نفسي يرتبط بإرادة الاعتقاد في أحد الاتجاهين.
ننطلق الآن في تحليلنا من إيماننا الجازم بالغيب، والغيب أوسع دلالة من قولنا الإيمان بالله، لأن الغيب يشمل مطلق الاعتقاد؛ أي الاعتقاد بما يتجاوز الوجود المادي المحسوس والمعقول معا.إن الإيمان بالغيب يمنح مساحةً للعقل كي يقبل " إمكانية الوجود" لما هو وراء العقل، أي لما يتجاوز طور العقل الأداتي المجرد، ويعطي هذا الحيز من الإمكان المتعالي "الحق" في الوجود، وفي التأثير كذلك.
ونحن إذ نركز على موقفنا هذا، فلكي نُعلي من شأن هذا الكائن الآدمي، ونتذكر أنه أشرف الكائنات بما يتمتع به من قدرات إدراكية عقلية وروحية، ومن إرادة حرة متسامية.
انطلاقا من هذه المقدمات فإن الرجل والمرأة لهما صعيد واحد مشترك، إنهما أساس دورة الحياة البشرية، فلا سبيل لبقاء أحدهما دون بقاء الآخر، ولذلك فالزواج ( أو التزاوج ) سنة كونية مُطَّرِدة لاسبيل إلى تحويلها أو القضاء عليها، وإلا كان في ذلك نهاية هذا المخلوق، وكل مخلوق.
إن الاختلاف هنا، أي اختلاف الجنس، هو اختلاف تكامل، وليس اختلاف تفاضل، فلا أفضلية للذكر على الأنثى، ولا للأنثى على الذكر، في عملية استمرار النوع.
لقد راكمت الأبحاث حول اختلاف الجنسين العديد من النتائج التي تتفق كلها حول الاختلافات النوعية والكمية لهرمونات الذكورة والأنوثة، وتكاد النتائج تتقارب إلى حد التساوي فيما يخص القدرات العقلية الرياضية والمنطقية بين الأنثى والذكر. وهذا ما يسمح لنا أن نقول : إن الاختلافات الفسيولوجية والهرمونية لا تمنح الرجل أسبقية تفوق في الذكاء، وإنما يعود ذلك أساسا إلى عوامل النشأة، وظروف الحياة الشخصية، وكذلك إلى مستوى تقدم الشعوب ونهضتها؛ وباختصار، يعود الاختلاف المهاري بين الذكر والأنثى بالدرجة الأكبر إلى نظرة المجتمع الثقافية، وإلى مستوى التحضر الذي بلغه المجتمع في سلم المدنية الحديثة والمعاصرة. بيد أن العنصر الاجتماعي والثقافي، وتأثير مناخ المحيط والنشأة عواملُ غير كافية لنسف الفروق المعنوية بين الطرفين؛ إذ إن هذه القدرات العقلية المتشابهة تقرب المسافات الفكرية بين الطرفين ولكنها لا تُلغي كليا المسافة. إن للذكر طبيعته، وللأنثى طبيعتها الخاصة التي تمتاز بها عن الذكر. فلا ينبغي الاستهانة بآلام الفترات الشهرية، وبمراحل الحمل، وتجربة مخاض الوضع، ثم بعد ذلك عاطفة الأمومة التي لا تتوقف عند مرحلة الإرضاع، بل تستمر إلى آخر الأرماق. فالحياة الإنسانية قد خرجت من أحشاء المرأة- الأم، وارتوت الحياة بلبنها ، وحنانها وحنوها، وتعبها وسهرها. فلها قصب السبق في بطولة الإنجاب والرعاية الأولى لحياة الكائن البشري، وقد يتأخر دور الرجل، لكنه دور حاسم، لأن دوره يبدأ بشكل واضح الأثر مع الفطام، ويظهر جليا في الإنهاء التدريجي للعلاقة الانصهارية مع الأم، وفي التدريب التدريجي للأبناء من أجل خوض عراك الحياة الاجتماعية. أي أن الخروج من وضعية "الكائن" إلى وضعية"الشخص" المُمَيِّز الواعي، والمسؤول الحر، يتطلب إجابةً يجدها الطفل عند "رمزية" الأب 1، وأما الفراغ العاطفي فلا يملؤه سوى "موضع" الأم، من حيث حبها اللامشروط، وعطفها المجاني.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1_ LACAN, Séminaire de la relation ( le relation d’objet ), 1956-1957 .

إن الاختلاف في هذه الوظائف الحيوية لوحده يساهم في تحولات نوعية في طبيعة العلاقة بالأبناء. وحينما ننأمل المجتمعات البدائية، التي يُزْعَمُ أن اعتماد الإنسان فيها كان يقتصر على الصيد والقطف، و كذلك المجتمعات الزراعية التي أتت بعدها التي كانت تعتمد على القوة العضلية، فإننا نفهم سبب ميل كفة الرجل للخروج إلى مجال العمل المضني، وكسب لقمة العيش له ولعشيرته. لقد كانت الأدوار واضحة وبارزة، واستطاع الرجل بما حققه من تملك و من فائض قيمة أن يقوي جانبه، ويشرع لنفسه قوانين تُغَلِّب وضعَه وتُحَجِّم وضع المرأة، وتسقطها في ربقته وتجعلها تحت رحمته قرونا، وقصة وأد البنات ليست من ذاكرتنا ببعيد.
دام هذا الوضع ردحا طويلا، حاربه المُرسَلون والعقلاء المصلحون في كل الأمم. وجرت مياه كثيرة تحت أنهار القرون، واستحدثت المدنية المعاصرة وظائف لا تتطلب الجهد الكبير الذي يرهق البدن، أو يستنزف الوقت والقوى. و ألزمت الرأسمالية المستفحلة الشعوب على الرفع من وتيرة الإنتاج، والقيام بإصلاحات إدارية وهيكلية في جميع القطاعات، فظهرت الحاجة إلى المزيد من القوة العاملة، وزاد من وطأة الطلب الحروب الكبرى التي أودت بملايين الرجال، هؤلاء الذين يهلكون، فيتركون أفواها جائعة ونساء ثكلى عاجزة عن كسب القوت اليومي، أو المطالبة بحقوقهن الآدمية من كرامة وحرية في التعبير والتنظيم والعمل. ثم تطورت مع الزمن حركاتٌ نسوية منظمة وفاعلة، لها إيديولوجية واعية، تحاول أن تقوم برد الاعتبار لهذا الكائن الذي طالما عانى الظلم والهشاشة الاجتماعية، خاصة في غياب الزوج، أو الأب، أي الرجل، المُعيل الأول أو الوحيد.
إن مجتمعا أبويا راسخا في التاريخ المحلي والكوني لا يتغير نحو وضعية أكثر اعتدالا، أو يتجه نحو المساواة بسهولة ويُسر. ولا غرو، فالفعل الأول كان متجذرا في الذاكرة الطويلة عبر مختلف أطوار التاريخ، غير أن رد الفعل النسوي (féminisme le) أتى يُضارعه في جذرية المُطالبات. ولذلك فإن مقولة " الصراع " هي مفتاح فهم العلاقة التي أطرت هذا التحول ولا تزال، ويظهر ذلك من خلال رزنامة المطالب " الغريبة " التي ترفعها الحركة النسوية في العالم المعاصر، مثل : (الحق في الإجهاض دون تدخل الرجل أو المجتمع، والحق في التصرف في الجسد باعتباره ملكية خاصة بكل فرد، والحق في اختيار جنس الشريك بغض النظر عن الغايات الاجتماعية، أو المقاصد الأخلاقية...إلخ).
من أجل ذلك، تتبين وجاهة المقدمة الآنفة، التي جعلتها محورا وركيزة " هامة "، وملحة، لمستفبل العلاقة الإنسانية الراقية على وجه الأرض.
أنطلق من موقف حر، موقفٍ اختياري، هو موقف الإنسان المؤمن بالغيب، وبوحدانية الله، وبأننا لم نُخلق عبثا، وإنما هناك رسالة في قلب كل امرئ منا، هي وجهتُه، وطريقُه الفرد، وموهبتُه التي خُلِق من أجل تحقيق ممكناتها.
إن الجواب الذي تطمح إليه المرأة " المناضلة "- وبشكل غير مباشر كل امرأة معاصرة راغبة في تجاوز ذاكرة " الجدة " والانخراط في ركوب أمواج الحداثة العربية الكاسحة- هو جواب مفقود في هذا الاتجاه من السعي نحو تحقيق الذات.
- فما منطلقات هذا الاتجاه؟ وما ملامحه؟ وما هي مآلات هذا السعي النسوي؟
إن المنطلق الأساس الذي تصدر عنه كل الحركات النسوية في العالم هو المناهضة ورد الفعل المسنود بأسس عدمية. إنها لا تتحرك انطلاقا من الفراغ، ولكن انطلاقا من مبادئ فارغة الأسس. فهي ترى أن الحالة الأصل للطبيعة هي الفراغ، أو " الفراغ المتعدد"2 بتعبير الفيلسوف الفرنسي " آلان باديو". إن معظم اتجاهات الفلسفة الحديثة والمعاصرة ترتكن إلى رؤيا كونية تجعل من وجودنا مجرد ذرات منتشرة في سديم الفراغ الكوني، وأن الإنسان هو نتيجةٌ لتطورات كثيرة ومعقدة وضاربة في الزمن السحيق، وأن خواص العقل من تعقل وتذكر وشعور هي نتائجٌ لعمليات الانتخاب الطبيعي التي " أعطت " هذا " الحيوان الآدمي " 3 بمحض الصدفة.
ليت شعري، هل هذا إلا ضرب من الخيال أبعد في الوهم من أي كتاب في حقائق الدين ! وإن غالى في حَبْك أحداث الدين المُغالون.
إننا بعيدا عن كل أحكام القيمة نقف أمام افتراض يُعلي من شأن لغة الرياضيات والفيزياء على حساب مواهب العقل المتعددة، وعلى حساب مجالات الشعور الأخرى التي تشكل أبعاد هذا الكائن البشري. كيف يمكن للمادة الصماء أن " تعطي" عقلا وخيالا وسموا في الروح؟! فإذا كانت الرياضيات تكشف محدوديتها في كل دورة من الحياة العقلية الإنسانية، وكانت النظريات الفيزيائية لا تجتمع على تفسير واحد يضم المتناهي في الصغر والمتناهي في الكبر، فكيف نخرج عن النسبية ونعبد إطلاقية جديدة؟ وحتى لو شاء لها " باديو" وغيره تركيبية جدلية جديدة تمزج بين الذات والوجود والحقيقة التي من أصلية الفراغ، وتعدد الممكنات... فإن كل ذلك لا يكفي لتجاوز فرضية أصالة الأحدية التي لم َيعُد ذوق التطوريين النيتشويين الجدد يستسيغها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2- 3 Poirier Nicolas « Entretien avec Alain Badiou », Le Philosophoire , 3/ 1999 ( n° 9), p. 11-25.
ينبغي القول، إن افتراض أصلية الفراغ المتعدد الاحتمالات، أو العدم، أي الإلحاد، وافتراض أسبقية الواحد الأحد، هما افتراضان لا ضمانة للعقل في الجزم بصحة أحدهما وبُطلان الآخر. إن كل ادعاء بالجزم يعوزه البرهان اليقين. وذلك أننا كائنات مسبوقة دوما بالأحداث، وذلك منذ فجر الخليقة.
وإذا كان كل فرض هو محض ادعاء يبحث له عما يبرره، وكانت لحظة صياغة قول الحقيقة هي لحظة فرد يواجه فداحة الفراغ المهول الذي يتبدى له في خطاب لم يعد يبلغ الحقيقة، ولم يعد بإمكانه أن يسد هذه الهوة العميقة في النفس، أو ينسج قرارها على أَمْرٍ يقين؛ هذا الأمر في الحقيقة لا يتم إلا بمكافحة الوجود، ومشاهدة التجليات على صورتها الحقة، وهو أمر لا يدركه فرد مهما ارتقى مبلغه من العلم مادامت روحه لا تفارق جسده.
إن الفرد العليم بهذه المفارقة، بين حقيقة ما تطلبه النفس العاقلة والشاعرة وما يحوي الخطاب من تفكك وترهل، يدفعه شوقه للحقيقة إلى إعادة الترتيب والتركيب والتقري، ثم إلى إنشاء قول آخر، لا يلبث بعد برهة من الزمن يَخْلَق كما يخلق كما يخلق الثوب، وتعافه الحقيقة الصائرة، فترمي به إلى مهملات التاريخ، وتُبقي فقط على حالة النزوع نحو الأفق الأعلى، أي نحو التسامي في الغيب.
ومن هذا اللِّحاظ، فإن الموقف الإيماني، الذي يؤمن بالغيب، ينسجم مع الموقف الفكري، ومع الوضع الوجودي، حين يقر بنسبية العقل الآدمي، وضرورة " الاهتداء " بالوحي الإلهي، وأن بعث الرسالات ضرورة وجودية. مثلما أن التموقف الفلسفي، أو التدبر، ضرورة وجودية أخرى. فلا تصلح الحقيقة إلا حين تكون " مسددة" بالعقل و"مؤيدة" بالقول الثابت، وهي عندي معادلة الحق.
الحق هنا تسديد وتقريب، والحق هناك مشاهدات.
إن التسديد والتقريب ألفاظ نبوية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا...] صحيح البخاري، الجزء الأول. وعمدة السداد إخلاص الوجه لله، وغاية التقريب التقرب إلى الله جل شأنه.
وفي هذا النطاق لا تصير المقاربة " مقاربة النوع " ( la théorie du genre)، ولكن مقاربة عدالة وإنصاف على أسس من الهداية الربانية. أما مقاربة النوع فهي سعي في اتجاه التغلب على الحاجة الطبيعية الفطرية، وهي صراع النِّدِّ للند، و تطوير لمخالب مؤنثة من أجل تمزيق الغريم المذكر، و من أجل كسب تطورات تقوي النوع " المستضعف " في مسار من الارتقاء والترقي والكفاح، عنوانه السيادة للأقوى.
إن هذا المنطلق التطوري، الذي سيقت فيه الحركة النسوية العالمية هو منطلق فارغ من فكرة الألوهية، وسائرٌ نحو غاية سديمية، لكنها غير مجهولة العواقب. فإذا كان " الاستضعاف " هو الحافز، وكان المنطلق هو الضرب الاحتمالي في المجهول، فإن النهاية هي إضعاف النوع برمته، وبعث النُّفْرة والكراهية. وبلا شك، فإن أعظم إنجازات الحركة النسوية في العالم هي تغذية الصراع بين الذكر والأنثى، وتعميق الكراهية بين الزوجين، وإخفاق الخيارات الأخرى البديلة عن الأسرة ( الزواج المثلي وتبني الأطفال مثلا )، وتفكك الأسرة السليمة، وإعلان كبار مفكري العالم الغربي عن انحطاط الغرب الأوربي ( اُنظر كتاب الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري 2017. FLAMMARION , - DECADENCE , De Jésus à Ben Laden Vie et mort de l’Occident ).
لقد تم الإجهاز على المفاعل النووي الأساسي في بناء كل حضارة؛ إنه الأسرة.
البدائل :
1_ أرى أنه ينبغي أولا أن نستعيد القول الحسن، [ وقولوا للناس حسنا ] سورة البقرة الآية 83. والقول الحسن هو قول ثابت رصين، وهو قول ممتد في الزمان لأنه صادر عن الأول والآخر؛ وهو قول يوافق الفطرة، تطمئن إليه عامة الناس، ويتدبره العالِمون، لأنه صادر عن الظاهر والباطن. هو قول حسن لأنه مُسَدَّدٌ بالعقل، ومؤيد بالوحي، ومُضَمَّنٌ مقولُه بالفطرة.
2_ يقول ابن قيم الجوزية : " إن كل فعل وحركة في العالم من الحب والإرادة." (إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان، فصل : في أصل الفعل والترك.)
أرى أن هذا الفهم هو أساس الرؤيا الكونية الإسلامية، لأن فعل الخلق فعلٌ صادر عن خالق فَعّال لما يريد، و رب يحب عباده، ولايلقي بهم في مهاوي " الشر" ، كما أنهم ليسوا هَمَلا " يقيؤه " الوجود.
ولذا، فعلى المسلم، ذكرا وأنثى، أن يجدد الرؤيا من خلال التفكر في معنى الشهادة؛ فالشهادة الأولى توجه نحو الأصل، والشهادة الثانية " اهتداء" و" تَأَسٍّ ". فإذا كان الإنسان مؤمنا بالغيب، ومهتديا بوحيه، ومؤتسيا بهدي نبيه، فإن بناء الحضارة يقوم آنذاك على أساس التقوى، وتكون بذلك الإرادة مبصرة غير عمياء كما توهم ذلك " شوبنهاور "، ودفعه تصوره الحَسير إلى أن يعق أمه ويتركها تركا.
لقد كان " آرثور شوبنهاور " ، و " فريدريك نيتشه " مثلهما مثل باقي فلاسفة الإرادة لايؤمنون إلا بالصراع الأفقي، يحشرون أنفسهم بين الرؤوس، وقد أقفلوا أبواب السماء حتى نسوها، فلم يدعوا حَبْلا يربط عالم الشهادة بعالم الغيب، فانفصلوا عن العروة الوثقى، وضاعت من أيديهم حقيقة الوجود والمصير. إنني أعبر بلغة القرآن عن المعنى الذي جهر به " نيتشه "، [ لقد مات الإله. هكذا تكلم زرادشت ] ، وعن صرخة آخر كبار الفلاسفة " مارتن هيدجر " : [ إن سؤال الكينونة قد ذهب اليوم في النسيان . الكينونة والزمان].
إن مطمح العدالة والإنصاف على غير أساس " التقوى"، هو بناء هش متداع، وآيل للسقوط، فإذا غابت التقوى حلت المنفعة المجردة عن كل قيمة، واستبد بالأنفس الشح، وإيثار المصلحة الخالصة، ورافقتهما أداتها العتيدة : إرادة القوة.
التقوى أساس الحركة، و" الأمانة " أُسُّ السكون.
ومن ثمة فاعتبارُ الجسد " ملكية ًشخصيةً " انزلاقٌ يقود إلى الإخفاق، لأن الجسد أمانة، والأمانة تُتَعهد بالرعاية لصاحبها. فكيف والصاحب الله تعالى؟
3_ يتوجب إذا، أن نترابط ونتلاحم كالجسد الواحد على ميثاق التقوى وحمل الأمانة بإعادة صياغة الفعل والنظر والسلوك وفق مَهادي الحدود؛ ولكن أيضا في اتجاه المحبة. فلا يؤمن أحد من الناس حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه. وهذا سبب عدم قدرة المرأة، حتى في العالم المتقدم، على تحقيق المناصفة الحقة مع الرجل، لأنها تناجزه على أرضية الصراع. لن يتنازل لها من أجل أن تسود هي. إن بناء ًعلى غير أساس التقوى هو بناءٌ على جرف هار.
4_ كرامة المرأة وجمالها في تكاملها مع الرجل، وفي تعميق معاني الرجولة فيه، بما هي أن يقوم بشؤونها، وأن يتعفف عما بيدها، وبما هي خصال النجدة والشهامة والإقدام، وليس أبدا عن طريق قص ريشه، وتنعيم شخصيته، وتحجيم قدْره. وواجب الرجل الحفاظ على أنوثة المرأة، بتقوية إرادتها، والسمو بهمتها، وتنمية كافة ملكاتها العقلية، والروحية، وتذكيرها بصدق، أن تاج الجمال عِفَّتُها وحياؤها، وأن الرجل الحق لا يظلم المرأة مقدار قطمير، وأن قوتها في قدرتها على الغوص في ذاتها وذاته من أجل مكاشفة صادقة تُذكي نوازع الخير والمودة والرحمة في كيانها وكيانه.
5_ و لأن الحياة " تَدافُع"، وأيام تُتَداول بين الناس، ينبغي بناء شخصية المرأة فكريا، وتربويا، وجماليا، وحركيا، وسياسيا، حتى تكون جديرة بعصرها، فقد بات من الضروري أن تحمل على عاتقها مساندة الرجل، شقيقها في الإنسانية. لاسيما، وحادثات الزمان حاميات، فقد يرحل الزوج أوالأب، بموت مفاجئ أو نتيجة حرب، أوبتسريح من الزوج، أوباعتقال في السجن... إلخ .
لذلك ينبغي الحرص الشديد على تأسيس شخصية المرأة كما الرجل، كي تُسهم في رقي المجتمع، وبناء نهضته في كل مجالات النشاط الإنساني. وذلك ليس من باب المزاحمة، ولكن من باب التعاون على البر والتقوى، ومن باب أُمٍّ تربي أبناءها بمحبة لا عُقَد فيها و لا محاباة، وأبٍ يحب في ابنته أن تسير على نهج أمها، امرأة راقية، وعشيرة ذكية، وأنيسة وفية، و رفيقة على درب التقى والجمال.



#عزالدين_جباري (هاشتاغ)       AZEDDINE_JABBARY#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل كل خطاب يحمل حقيقته في ذاته ؟
- في الموقف الفلسفي، أو الموقف من الحقيقة .
- في ماهية القول الفلسفي وضرورته .


المزيد.....




- السعودية تترأس لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة رغم ان ...
- البابا فرنسيس يغسل ويقبل أقدام السجينات في مراسم خميس العهد ...
- السعودية رئيسا للجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة عام 2025
- انتخاب السعودية لرئاسة لجنة وضع المرأة في الأمم المتحدة وسط ...
- -اكتشاف هام- يمنح الأمل للنساء المصابات بـ-جين أنجلينا جولي- ...
- ما حقيقة مشاركة السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون بالمكسيك ...
- إيه الحالات اللي بتحتاج استئصال للرحم؟
- بعد خلاف حول الحجاب .. فرنسا تقاضي تلميذة اتهمت مدير مدرستها ...
- -موقف محرج-.. تداول فيديو استقبال ميقاتي لرئيسة وزراء إيطالي ...
- طفل أوزمبيك.. كيف يزيد سيماغلوتيد خصوبة المرأة وهل يسبب تشوه ...


المزيد.....

- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع
- النسوية.المفاهيم، التحديات، الحلول.. / طلال الحريري
- واقع عمل اللمراة الحالي في سوق العمل الفلسطيني الرسمي وغير ا ... / سلامه ابو زعيتر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عزالدين جباري - مساواة أم تماثل ؟ بحث في الرؤيا الكونية.