أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - داود السلمان - قوالب الفكر: هل تختلف أصوات المثقفين(6)














المزيد.....

قوالب الفكر: هل تختلف أصوات المثقفين(6)


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 14:54
المحور: كتابات ساخرة
    


في عالمنا هذا الذي باتت فيه الأصوات تتكاثر بقدر ما تتكاثر الشاشات، يبرز سؤال جوهري عن "صوت المثقف": هل هو صوت واحد؟ هل ينبغي أن يكون كذلك؟ أم أن اختلاف أصوات المثقفين هو دليل حياة الفكر لا علامة ضعفه؟. فلو عدنا إلى الموروث العربي الحديث، وخصوصًا منذ بدايات النهضة، ارتبطت صورة المثقف غالبًا بالنموذج الواحد: المثقف الرسولي، الحامل لمشروع وطني أو قومي أو تنويري، الذي يتكلم بصوت عالٍ وضمير جماعي، ويمتلك رؤية كلية للعالم والمجتمع. لم يكن يُتوقع من المثقف أن يختلف كثيرًا عن غيره، بل أن يعيد إنتاج الموقف الصحيح، أو ما يُعتقد أنه "الصحيح". لكنّ الواقع الثقافي اليوم، بعد عقود من الانقلابات والخيبات والتمزقات الكبرى، لم يعد يحتمل هذا التبسيط. فالمثقف المعاصر لم يعد يقيم بالضرورة في "قالبٍ فكري" واحد. هناك مثقف ملتزم، وآخر مشكك؛ هناك من يرى في الكتابة فعلاً ثوريًا، ومن يراها تمرينًا وجوديًا لا غير؛ هناك من يقف في الصفوف الأمامية للاحتجاج، ومن يتأمل بصمت من الهامش.
وعليه، اختلاف أصوات المثقفين ليس دليلاً على ضياع البوصلة دائمًا، بل أحيانًا هو علامة نضج معرفي، وإدراك بأن الواقع أعقد من أن يُختصر في مقولة واحدة، أو في موقف حاسم وواضح. في مجتمعات تتغيّر بسرعة، وتحت ضغوط سياسية واقتصادية وثقافية مركّبة، يصبح تعدّد الأصوات شرطًا لفهم التغيرات نفسها. لا يمكن لمثقف واحد، أو لنمط واحد من التفكير، أن يختزل كل شيء أو يُجيب عن كل الأسئلة. غير أن المسألة لا تخلو من التباس. أحيانًا يصبح هذا "الاختلاف" غطاءً لتردد أو تواطؤ، أو يتحوّل إلى تهرّب من المسؤولية باسم "النسبية". وقد يختبئ بعض المثقفين خلف أسوار الأكاديمية، أو يستكينون في عزلة الصياغة البلاغية، ويتخلّون عن واجب قول – لا - حين يجب قولها. وفي المقابل، قد يتمسّك آخرون بدور المثقف الصارم الذي يدّعي امتلاك الحقيقة وحده، ويُقصي الآخرين، وكأن الاختلاف خيانة. المسألة إذًا ليست في اختلاف الأصوات، بل في صدقها. أي في أن تكون الأصوات حقيقية، نابعة من وعي وتجربة، لا مجرد أصداء لخطابات سابقة أو مصالح آنية. لا بأس أن يختلف المثقفون، بل لا بد أن يختلفوا، ما داموا مخلصين في بحثهم، ومسؤولين في أقوالهم، منفتحين على الحوار والجدل، لا منغلقين على مواقف نهائية.
والحقيقة أن قوالب الفكر قد تكون ضرورية أحيانًا لتبسيط الواقع، لكنها تصبح خطرًا حين تتحوّل إلى أقفاص، أو سجون فكرية، يكسوها الجمود والانعزالية التامة. وفي هذه الحالة المثقف الذي يُنتج فكرًا خارج القوالب الجامدة، هو الذي يعيد للفكر حيويته، وللثقافة قدرتها على النقد والتجدد، وازالة الشوائب منها. وإذا اتفق جميع المثقفين على صوت واحد، دون تباين أو مساءلة، فإننا أمام خطاب سلطة، لا خطاب ثقافة. وهنا تظهر لنا مشكلة أخرى، عويصة وصعبة.
كما أن المجتمعات التي تعيش انتقالات متكررة من الهزيمة إلى الأمل، ومن الصدمة إلى الوعي، يصبح صوت المثقف ضرورة أخلاقية قبل أن يكون منتَجًا ثقافيًا. لكن من أي موقع يصدر هذا الصوت؟ وهل هو دائمًا صوت واحد أم أن تعدده يعبّر عن عمق الأزمة التي يعيشها المثقف ذاته؟. يلاحظ أن السؤال عن اختلاف أصوات المثقفين يرتبط أولاً بطبيعة المرجعيات الفكرية التي يتكئون عليها. فالمثقف الماركسي، مثلاً، لا يرى الواقع بنفس العين التي ينظر بها المثقف الليبرالي، ولا المثقف الصوفي أو الإحيائي الإسلامي. فالرؤية للعالم—وهي أصل من أصول التفكير—تنتج بالضرورة خطابًا مختلفًا. وهذا الاختلاف لا يعبّر بالضرورة عن تناقض، بل عن تعددٍ في زاوية النظر إلى القضايا، إذ أن الواقع لا يُرى من نقطة واحدة.
إن قوالب الفكر نفسها- أي الأنساق الكبرى التي تنتج مفاهيم الهوية، والحق، والمعرفة، والحرية - تخضع اليوم لتصدعات، بفعل ثورة الوسائط وتراجع المرجعيات الكبرى. والمثقف ليس خارج هذه الصدمة؛ بل هو فيها، أحيانًا كضحية، وأحيانًا كفاعل. ولهذا فإن تعدد أصوات المثقفين لا يدل فقط على حيوية، بل ربما يكشف أحيانًا عن حالة من التيه، أو إعادة بناء المواقف في ظل انهيار السرديات القديمة.
ومن هذا المنطلق يرى برتراند راسل أن "القدرة على ملء وقت الفراغ بذكاء هي أعلى درجات الثقافة الشخصية". – فلسفته عن الثقافة الشخصية وفائدة التفكير
والنتيجة، لا تُقاس قيمة المثقف بمدى تطابق صوته مع غيره، بل بقدرته على الإصغاء والتفكيك والتركيب، وعلى أن يظلّ في مسافة حرجة من الجميع، حتى من نفسه. واختلاف الأصوات، حين يكون اختلافًا نابعًا من الصدق والتفكير الحر، هو دليل على أن الثقافة ما زالت حيّة، وأن المثقف لم يتحوّل إلى تكرار.
مصادر المقال:
1. محمد داود – مقال في جريدة الناس حول أنماط المثقف (المثقف المستقل والمثقف المرتبط بالسلطة).
www.annasronline.com
2. موقع أنفاس ثقافية – مقالات متفرقة عن مفهوم المثقف، والفروق بين المتعلم والمثقف عند محمد عابد الجابري.
www.anfasse.org
3. موقع "أوان" التونسي – مقال عن الثنائية داخل الثقافة العربية: بين الالتزام واللامبالاة.
www.alawan.org
4. الانديبندنت عربية – مقال: "عداوة المثقفين لبعضهم بعضًا" – تحليل لصراعات المثقفين حول الرمزية والتمثيل الثقافي.
www.independentarabia.com



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف المقولب: ضحية العصر أم صانع قيوده؟(5)
- صناعة المثقف: عندما تتحدد الأفكار قبل أن تُقال(4)
- المثقف الأسير: بين القوالب الاجتماعية والفكر المستقل(3)
- قولبة الأفكار: كيف يفقد المثقفون حريتهم؟(2)
- الهجري وفريد: النغمة الأخيرة قبل الذبح
- المثقفون في القالب: قيود الفكر الحُرّ(1)
- فيروز غنّت كلماته...والرصاص أسكته إلى الأبد
- حين يتحوّل الدعاء إلى إعلان مموّل
- التداخل الفني والاسلوبي في (متاهة عشق) للروائي العراقي علي ق ...
- أين نحن من الوجود؟
- التطبيع هل سيحل أزمة الشرق الأوسط؟
- تزوير التاريخ وتزييف الحقائق
- مَن هم القرآنيون؟
- التديّن المذهبي ضد الإسلام المُحمديّ
- لماذا تأخرنا وتقدّم غيرنا؟
- خطورة الجماعات الإسلامية: تهديد مستمر للسلم المجتمعي
- نظام الحكم في الاسلام: ثلاث نظريات
- من قداسة النص إلى عصمة الفقيه: سيرة الاستيلاء على الدين
- الفساد في العراق.. بنية مستدامة لا مجرد خلل طارئ
- الاسلام السياسي: صعود الايديولوجيا الدينية


المزيد.....




- مهرجان اللغة العربية الثامن في الخليل.. عين على غزة وعين على ...
- إطلاق خطة شاملة لإحياء السينما المصرية.. ما تفاصيلها؟
- رضوان لفلاحي: -لا شيء ممهَّد لشباب الضواحي في فرنسا كي يدخلو ...
- غاليري 54.. بورتريهات من ضوء، ألوان تتسابق وذاكرة تتمهل الزم ...
- رحيل فنان لبناني كبير والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تنعاه!
- احتجاجًا على الرقابة... فنانة أمريكية تُلغي معرضها في المتحف ...
- نصف قرن من الإبداع - وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني
- البشر يتبنون لغة الذكاء الاصطناعي دون أن يشعروا
- وفاة الفنان اللبناني زياد الرحباني ...ظاهرة فنية فريدة
- المغنّي والمسرحي والمؤلف الموسيقي ونجل فيروز.. رحيل الفنان ا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - داود السلمان - قوالب الفكر: هل تختلف أصوات المثقفين(6)