أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عادل صوما - الضمير الإنساني والضمير الديني (2)















المزيد.....

الضمير الإنساني والضمير الديني (2)


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 19:38
المحور: المجتمع المدني
    


حضر شيخ الأزهر قمة الإعلام العربي في دبي، ليس كضيف فقط، بل كموّجه وناصح لما يجب أن يكون عليه الإعلاميين والإعلام الحديث، ونظراً لارتباط الإعلام بالأخلاق المهنية، قال الإمام الأكبر، متجاهلاً الإرتباط الأساسي، في مناقشة مع إعلاميين عرب: "مرجعية الأخلاق هي الدين وليس للعقل البشري المتقلب"، و"الدين هو الذي يثبّت الأخلاق، ولا ينبغي إسناد المرجعية الأخلاقية إلى العقل وحده". ربط شيخ الأزهر الضمير كما هو واضح بالدين فقط، وهذا دأب السلفيين.
الاخلاق سلوك
تسويق تمركز الدين وجعل مدارات الحياة كافة تدور في فلكه، دفعت الشيخ أحمد الطيب لتجاهل حقيقة تاريخية موّثقة، هي أن منظومة الأخلاق تشكلّت قبل الأدبيات الابراهيمية بما فيها الإسلام، ففي كل تجمع بشري على الكوكب تشكّل ضمن ثقافته عبر العصور أعراف وقيم قَبِل المجتمع أن تكون منظومته الأخلاقية، ويعتبر عدم احترامها سلوكاً معيباً. ما يعني أن السلوك هو المعيار وليس ما يُقال شفهياً.
كما تجاهل الشيخ الطيب ما يقوله العلم عن العقل. فالعقل حسب العلم ليس متقلباً، بل المزاج الخاضع للظروف، ومن ثمة تتغّير أو تتقلب الحالة المزاجية. فمهما كان مزاج الطبيب، يستحيل أن يخبر المريض أنه مصاب بسرطان مرة، وفي مرة ثانية يخبره أنه مصاب بالتهابات. كما يستحيل أن يصف العقل كوكبنا بأنه كروي مرة في المجامع العلمية، ومرة ثانية أنه مسطح، وهو يخاطب المؤمنين، حتى لا يكذِّب النص!
وبشكل عام، خلط الأمور وإدلاء الرأي في اختصاصات لا يفهمها أصحاب العمائم، حالات يلزمها دراسات علمية معمقة، في كيفية استعمال تخدير الدين للتفكير والحواس، واقناعها بإيقاع كلامي يؤدي إلى هلوسات لا علاقة لها بالواقع.
الجرائم والعقاب
تجاهل شيخ الأزهر، بسبب تسلّفه وتمجيده لماضٍ نقي موجود في تصوراته الانتقائية المزاجية فقط، انفصال الأخلاق عن الدين تماماً، في مرحلتي العصر الحديث وعصر ما بعد الحداثة، بسبب ظهور حقوق الإنسان.
حتى فكرة العقاب تجاه غير الملتزمين بسلوكيات الأخلاق التي أوصى بها الدين تغيرت تماماً، فما كان يعاقب الدين عليه ببتر اليد أو بالرجم أو بقطع الرقبة أو بالجلد علانية بدون شفقة أو بالرمي من شواهق الجبال، أصبح المجتمع يحكم عليه اليوم بالسجن، أو بتقبُّل مثليته، أو مثليتها، أو بغرامة مالية، أو بالتأهيل في فصول التقويم الاجتماعي كما يحدث في الغرب، الذي ألغت معظم دوله الإعدام.
هذه التغيرات العميقة تعني اقتران الاخلاق وعقاب مخالفيها بالعقل والتمدين، وبعدها عن نص الدين الصارم الذي لا يعترف بالملابسات أو حرية العقيدة أو تأهيل المخالفين. العقل لا وجود لتقلبات المزاج فيه، علاوة على الأفق الأشمل الذي تدور فيه الأخلاق اليوم، وهو حقوق الإنسان وليس حقوق الله فقط على الإنسان.
نتيجة الجمود
سادت موجة الأخلاق السلفية، وطالت اللحى، وارتدت النساء النقاب والشادور والحجاب والبوركيني، منذ أكثر من خمسين سنة عند من يظنون أن الدين هو مرجعية الأخلاق فماذا حدث؟
بدأ تفسير كل شيء في الشرق الأوسط، والدول ذات الغالبية الإسلامية أيضاً، يعود إلى مركزية الدين في كل تفاصيل وأنشطة الحياة والعلوم والطب، واستفحل الأمر لدرجة أن بدء أي وصفة طبخ على "يوتيوب" يبدأ بعبارة "بسم الله الرحمن الرحيم"، ومثل هذه البداية يقولها الرئيس السيسي ورؤساء آخرين في بدايات خطاباتهم السياسية، وفي مجال الرياضة قال حسن شحاته مدرب منتخب مصر السابق في كرة القدم أنه لا يهتم بمهارات اللاعب لكن بمدى علاقته بربه، وفي السنة التي حكم الإخوان المسلمون مصر فيها أذّن النائب ممدوح إسماعيل للصلاة أثناء إحدى جلسات مجلس الشعب، وفي مجال الطب تغيّر قسم أبقراط الذي يقوله الطبيب المصري المتخرج إلى "بسم الله الرحمن الرحيم، أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي...إلخ. إلخ."
رأينا التعددية تتلاشي، والعدوانية تتزايد على الآخر الذي يجرؤ ويبقى ولا يهاجر، والقوى الناعمة للدول تتدهور، والهزائم العسكرية تتوالى، والميليشيات الإلهية يزداد عددها، ورجل الدين يجلس على دكة الحكم، وتجارة الأفيون والكبتاغون والمضاربة على العملة الوطنية يموّلون الجهاد، وأصحاب شركات "توظيف الأموال الإسلامية" يسرقون المودعين في قضايا مشهورة، ودعاة متهمون باغتصاب نساء ما يزالوا يعظوا ويحثوا على الأخلاق بسبب تغييب ذاكرة المستمعين.
زادت نسبة سرقات المال العام والملحدين واللادينيين بشكل علني جعل الدعاة يدقون جرس الإنذار، وانقلبت معايير الأخلاق تماماً ووصل الأمر في مصر، بلد الشيخ الطيب، أن يقول أفراد "عصابة المليون" كما أطلق الإعلام عليها: "نحن سرقنا المسيحيين فقط، والمسلم الوحيد الذي سرقناه كان عن طريق الخطأ!"
وظهرت على وسائل التواصل الاجتماعي مُحجبة ملتزمة شكلياً بدينها وهي تركض وراء مُدرسِّة تحاول أن تضربها داخل حرم مدرسة وتصرخ قائلة: "يا مسيحية.. يا وسخة". وتبرر لرجل الشرطة الذي حاول حماية المُعلِّمة: "الوسخة دي مش عايزه إبني يغش. يعني يسقط؟"، بينما عدد كبير من المحجبات حولها يؤكدن ما تقوله، وأن المُعلِّمة منعت الطلبة من الغش.
مشاهد ساقطة أخلاقياً بالنسبة للعقل، فقد أصبحت الأخلاق المرتبطة بالدين تُدين وتتهم شخصاً من دين آخر لو منع الغش، وتسرق الآخر لأنه سرقته حلال وتقرباً إلى الله!!
العقل والأخلاق
المصري القديم ابتكر بعقله تصورات عن الله والحياة الأخرى، وكتب نصوصاً اقتبستها كما هي الأدبيات الابراهيمية، ومن هذه النصوص ما يسموا على الأدبيات الإبراهيمية لأنها كانت أخلاقية تجاه البيئة، وهو ما لم يرد مطلقاً في أي نص إبراهيمي!
كان المصري القديم الذي تصور الخلود بعقله قبل نزول الوحي بأشكاله كافة، يقف أمام الإله في المحكمة النهائية التي ستقرر مصيره في حقول السلام أو مكان التافهين ويقول: "السلام عليك أيها الإله الأعظم إله الحق. لقد جئتك يا إلهي خاضعا لأشهد جلالك. جئتك يا إلهي متحليا بالحق متخليا عن الباطل، فلم أظلم أحدا ولم أسلك سبيل الظالمين. أنا لم ألوث النهر. لم أحنث في يمين ولم تضلني شهوة فتمتد عيني لزوجة أحد من رحمي. ولم تمتد يدي لما لغيري. لم أكن كاذبا ولم أكن لك عصيا.
إني يا إلهي لم أوجع ولم أُبكي أحدا، وما قتلتُ وما غدرت، بل وما كنت محرضا على القتل. إني لم أسرق من المعابد خبزها، ولم أرتكب الفحشاء، ولم أدنس شيئا مقدسا، ولم اغتصب مالا حراما، ولم أنتهك حرمة الأموات.
إني لم أبع قمحا بثمن فاحش، ولم أغش الكيل. إني طاهر. أنا طاهر أنا طاهر أنا طاهر. وما دمت بريئا من الآثام فاجعلني يا إلهي من الفائزين".




#عادل_صوما (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضمير الديني والضمير الإنساني
- إذا كان الله معهم فمن هزمهم؟
- الله وكارداشيان وخالة الحاكم
- الملكية الإنسانية لا تخضع للسيادة
- وضع الأقباط في الجمهورية الجديدة
- اعتقلوهن بجرم الغناء (2)
- اعتقلوهن بجرم الغناء
- تقنيات تحارب غيبيات (2)
- تقنيات تحارب غيبيات
- مقاولو هدم الحضارات
- انتهازية الدين السياسي
- تَجَاهَل العلم ليقوى إيمانك
- التخدير الديني سلاح النظم القمعية
- رسائل تنتظر قرارات سياسية
- شجرة زيتون غنّت للمتوسط
- الردع دواء التنمّر والمزايدات
- معايدة المسيحيين في أعيادهم
- أحمد عدوية وازدواجية عصره
- عندما قال فريد الأطرش: مش قادر!
- الرعية الفاسدة تستحق الكاهن الضرير*


المزيد.....




- الدفاع المدني بغزة يكشف بدء المرحلة الثانية من المجاعة بالقط ...
- تسارع بناء مخيمات المهاجرين في أميركا بعد تمويل من الجمهوريي ...
- تسارع بناء مخيمات المهاجرين في أميركا بعد تمويل من الجمهوريي ...
- مفوض عام وكالة الأونروا: التقاعس عن إدخال مساعدات لغزة تواطؤ ...
- صحة غزة: المجاعة الإسرائيلية تقتل 86 فلسطينيا منهم 76 طفلا
- المجاعة تنهش قطاع غزة والأمم المتحدة غائبة عن المشهد.. ما ال ...
- إنفوجراف | أحكام الإعدام في مصر لشهر مارس 2025
- إنفوجراف | أحكام الإعدام في مصر لشهر أبريل 2025
- إنفوجراف | أحكام الإعدام في مصر لشهر مايو 2025
- إنفوجراف | أحكام الإعدام في مصر لشهر يونيو 2025


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عادل صوما - الضمير الإنساني والضمير الديني (2)