أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عادل صوما - اعتقلوهن بجرم الغناء (2)















المزيد.....

اعتقلوهن بجرم الغناء (2)


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 17:46
المحور: كتابات ساخرة
    


تعقيباً على مقالي السابق، قال لي صديق أن القرآن والحديث نفسهما حرّما الغناء والموسيقى، ومن ثمة ما يفعله نظام ملالي إيران صحيح إسلامياً. وحين سألته عن الآيات والأحاديث التي تحرِّم الغناء والموسيقى قال" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِين".
رجعت إلى تفاسير هذه الآية المكتوبة، فصديقي لا يقرأ كمعظم المسلمين، بل يستمع إلى مشايخ الديجيتال ودعاة ساعات الرولكس الذين يتحركون في سيارت فارهة، ويعرفون هذه الحقيقة، ويقولون ما يريدون ويخفون ما شاءوا.
عندما راجعت التفاسير، وجدتها لا تتفق على تأويل واحد، فبعض أهل التأويل قال عن "لهو الحديث" أنه الغناء، وبعضهم قال الطبل، وبعضهم قال الشرك، وهناك من قال الحديث الباطل، ولم يقنعني تفسير مما قرأته بأن لهو الحديث معناه تحريم الغناء، لأن الغناء ليس لهواً بالضرورة والحصر، فمنه ما حفّز أفراداً كثيرين على التسامي، كما عبّر عن روح وتراث الأمم، وأعطى القوة المعنوية للعمال للعمل في ظروف شاقة، وألهم على اصلاح مودة فسدت بين حبيبيّن أو زوجيّن، وساعد آخرين على الصبر على الألم، ووضع الصبر في القلوب للتعامل مع عقوق بعض الناس، خصوصاً الأقارب والأبناء، وبعض الغناء يُستخدم لتعليم الصغار في العالم المعاصر! فما الذي يمنع من ثمة المرأة من المشاركة في هذا التراث؟
على وجه القمر
أعتبر شخصياً أن أخطر أنواع "لهو الحديث" هو خداع الناس والاستخفاف بهم، وهذا اللهو قد يرقى إلى حد تسميم العقول بزرع فكرة وهمية فيها تتحول إلى وسواس، ولأن سياق المقالين عن مغنيات إيران اللاتي إعتقلن بجرم الغناء، أعتبر أن إجبار الإيرانيين في بدايات حكم الخوميني على الخروج في ليلة كان القمر فيها بدراً، ودس عناصر بينهم تقول أن وجهه مطبوع على القمر، وترديد الرعاع والغوغاء لهذه الجملة بدون تفكير، جعل بعض البسطاء يصدقون هذه الشنيعة، بل وصل الأمر إلى لوم بعض الناس لأنفسهم لأنهم لم يلاحظوا هذه المعجزة من قبل!
وجه الخوميني على القمر، دجل وخداع واستخفاف بالإيرانيين ومشروع تأليه سياسي له، ولم أسمع أبداً داعٍ من دعاة ساعات الرولكس يتكلم عنه.
لم تله أي مطربة إيرانية، مثل حميرا أو سيما بينا أو شكيلا أو شهرة صولتي أو كوكوش أو غيتي باشائي أو هلن، الناس بتلك الوقاحة والخداع والسوقية لاستمالتهم وإخضاعهم.
الشيطان وليس الغناء
الآية الثانية التي قالها الصديق هي "واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً". لم أر أيضاً فيها أي ذكر للغناء أو للمرأة التي تغني، وكل تفاسير الآية لم تذكر الغناء بل كانت حول: "واستَخْفِف (يا شيطان) كل مَن تستطيع استخفافه منهم بدعوتك إياه إلى معصيتي، واجمع عليهم كل ما تقدر عليه مِن جنودك من كل راكب وراجل، واجعل لنفسك شِرْكة في أموالهم بأن يكسبوها من الحرام، وشِرْكة في الأولاد بتزيين الزنى والمعاصي، ومخالفة أوامر الله حتى يكثر الفجور والفساد، وعِدْ أتباعك مِن ذرية آدم الوعود الكاذبة، فكل وعود الشيطان باطلة وغرور".
استحلاء المعازف
أما ما ورد في الحديث، ويؤكد تحريم سماع صوت آلات المعازف: "ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف". رواه البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم، وكالعادة كان هناك عدة أراء منها من قال بعدم صحته من الأساس.
بالنسبة لي هناك تناقض واضح بين هذا الحديث لو كان صحيحاً، وما قاله محمد عن أبي موسى الأشعري أنه أوتي مزمارا من مزامير داوود، لصوته الشجي في ترتيل القرآن، وهو يناقض تحريم المعازف والغناء، ناهيك عن سوء الفهم الواضح لكلمة "مزامير" في حديث محمد، أو ناقل الحديث عن فلان عن فلان عن فلان، فمعنى مزمور في السياق الليتورجي تسبيحة وليس آلة المزمار. وكلمة מִזמוֹר العبرية لها ثلاثة معاني حسب القاموس: تسبيحة، ترنيمة، أغنية.
سنن الترمذي
من سنن الترمذي أنقل حرفياً تناقضاً غنائياً وموسيقياً لا يتماشى مع الحديث الأول، فقد ورد تحت رقم 3690 "حدثني عبد الله بن بريدة، قال: سمعت أبي بريدة، يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله سالماً أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا.
فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت إستها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالسا وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف. هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بريدة وفي الباب عن عمر، وعائشة".
سمح محمد للجارية بالعزف والغناء، ولم يقل لها أن صوتكِ عورة والغناء لهو الحديث والمعازف تلهي الناس، كما لم يطلب منها أن تصوم يومين عوضاً عن نذرها بالغناء، بل سمح لها بالغناء والعزف ولمدة طويلة كما هو واضح في السياق، فلا يعقل حضور هذا العدد من الناس في اللحظة نفسها، ووصف الترمذي الحديث بأنه صحيح غريب، لأن الأنبياء منزهين عن الخطأ، وما على الرعية سوى الانصياع.
تراث الشعوب
استحالة الجزم إسلامياً بتحريم الغناء وسماع الموسيقى والاجماع عليه مؤكدة، فكلٌ له تفسيره كما هو واضح، والأحاديث تناقض بعضها بعضاً، والمذهب السياسي الحاكم يختار ما يناسبه من التفاسير والأحاديث.
علمياً، الإنسان يحتاج إلى الترفيه حتى لا يتبلد نفسانياً أو يفقد صلات حياته بنفسه وأسرته والطبيعة والبيئة، والمؤكد سيكولوجياً أن الغناء أحد وسائل الترفيه عن الإنسان، في مناسباته الاجتماعية وسعيه لمواجهة مشاكل الحياة ومآسي المرض ودفع الفواتير، فقد قرأنا في الحكايات الخيالية عن كائنات غيبية تحرس الناس وتلهمهم وتحارب معهم، لكنها لم تساعدهم على مواجهة مشاكل حياتهم أو تواسيهم في أمراضهم أو تدفع عنهم فواتيرهم.
وماذا عن التراث الموسيقي الهائل للشعوب الذي يصل إلى حد سماعها في معابد شرقي آسيا للتأمل وعبادة الله؟ وماذا عن الموسيقى التي تُستخدم في العلاجات العصبية؟ وماذا عن الموسيقى المؤلفة بشكل حسابي لعلاج الطاقة السلبية؟ هل كل هذا التراث والعلاجات "لهو الحديث"؟
عدا ما يقوله العلم مجرد مرويات شفاهية قالها الناس بلغة عصرهم ومعاني مفرداته، وحسب فهمهم لما حولهم، ثم أُضيف عليها عند تدوينها من مخيلة الرواة أو ما أراده السلطان عبر العصور، وتطبيقها في عصرنا يعني إلهاء الناس عن واقعهم.



#عادل_صوما (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتقلوهن بجرم الغناء
- تقنيات تحارب غيبيات (2)
- تقنيات تحارب غيبيات
- مقاولو هدم الحضارات
- انتهازية الدين السياسي
- تَجَاهَل العلم ليقوى إيمانك
- التخدير الديني سلاح النظم القمعية
- رسائل تنتظر قرارات سياسية
- شجرة زيتون غنّت للمتوسط
- الردع دواء التنمّر والمزايدات
- معايدة المسيحيين في أعيادهم
- أحمد عدوية وازدواجية عصره
- عندما قال فريد الأطرش: مش قادر!
- الرعية الفاسدة تستحق الكاهن الضرير*
- معايير المحاكم الإلهية
- أسرى الأساطير وضحايا الواقع
- أمراض الأمة إياها
- أميركا تستعيد وعيها وهيبتها
- صباح في ذاكرة ثقافة البحر المتوسط
- التكاذب منهجهم والغيبيات واقعهم


المزيد.....




- بعد تكرميه بجائزة الثقافة في مالمو 2025 - محمد قبلاوي ”صناعة ...
- هوليوود.. نهاية حلم صناعة السينما؟
- اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام ...
- أعلام في الذاكرة.. حكايات شخصية مع رموز ثقافية عراقية وعربية
- -القسطنطينية- يفتتح الدورة السابعة لمهرجان -بايلوت- الروسي ( ...
- بيان رسمي بعد نزاع بين ملحن مصري وحسين الجسمي
- من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شم ...
- مايك تايسون يتلقى عرضا مغريا للعودة إلى الحلبة ومواجهة أحد أ ...
- من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شم ...
- فنانة وإعلامية مصرية شهيرة تعلن الصلح مع طبيب تجميل شوه وجهه ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عادل صوما - اعتقلوهن بجرم الغناء (2)