أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عادل صوما - الضمير الديني والضمير الإنساني















المزيد.....

الضمير الديني والضمير الإنساني


عادل صوما

الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 23:41
المحور: حقوق الانسان
    


التأثير المدهش للمتطرفين على تنغيص حياة وثقافات الشعوب المختلفة بسبب تمددهم السرطاني، وتأثيرهم في مواطنيهم العاديين، وفي المجتمعات التي منحتهم جنسيتها، يستحق تركيز الدول المتطورة عليه، لأن الشعوب الغربية بدأت تشكو وتتساءل عن قيمة وجود الدولة بينما مؤسساتها يُستخف بها، ودور العلم فيها أصبحت ملاذ التطرف والخرافات، وأعلام الدول تُحرق أثناء مظاهرات لا تعني الدولة أو مواطنيها، وشخصية البلد تتآكل، بينما الجرعة الدينية الزائدة خدرت شعوب الشرق، وجعلتها مدمنة تبحث عن جرعة ثانية بأي ثمن، حتى لو كان الجذور والتاريخ.
كما يستحق التأثير المدهش للمتطرفين من دارسي هذه الظاهرة، تأمل الدافع وراء سلوكهم، وتفسير مشاعرهم بما يفعلون من جرائم.
الدافع والسلوك
لا شك أن الدافع غيبي/ديني والسلوك واقعي/إرهابي، رغم أن بعض الرعاة والداعمين يحاولون ترقيع الإرهاب أمام الوعي المتصاعد بسبب نشر المعرفة وحقوق البشر إلكترونياً. يقولون إن سلوك المجتمعات كان كذلك في الماضي، وما يحدث اليوم ليس من الدين في شيء! هنا خدعة التعريض.
التفسير مضلل فكل المجتمعات التي مارست العدوان وما يصاحبه من اغتصاب وإرهاب وقتل وتدمير اعتذرت بعدما تحولت إلى عَلمانية الدولة أو حيادها تجاه المعتقدات. اعتذر الجميع ما عدا المنتفعين من الدول الدينية، الذين يحاولون تأصيله وتبريره.
سبب عدم الاعتذار هو هيمنة الضمير الديني الذي لا يعتذر، ويتمادى في أفعاله لأنها تفويض إلهي، بينما الضمير الإنساني يعتذر ويتوقف عن الممارسة. والمؤكد أن هناك فارق سيكولوجي بينهما.
موروث جيني
هناك شواهد لا تُحصى على بطش الضمير الديني الذي يرى في قتل الناس أو حرقهم تقرباً إلى الله وتنفيذاً لشريعته وأوامره، بدءاً من يشوع بن نون حتى الخليفة إبراهيم عواد إبراهيم علي البدري، المعروف باسم أبو بكر البغدادي القرشي.
هذه الجرائم يُقال إن الله نفسه أمر بها ضد من لا يؤمنون به، ومن ثمة لا اعتذار عنها ولا تبرير لها، بل الثواب في الجنة ينتظر منفذيها.
أسامة كريّم المولود في السويد، لم تؤهله حياته في دولة عَلمانية متحضرة ليرتقي بنفسه، وتغلّب عليه موروثه الجيني فاقترن اسمه بثلاث جرائم إرهابية على الأقل في السنوات القليلة الماضية، منها جريمة حرب وإرهاب، مثل قتل طيار سلاح الجو الأردني الأسير، معاذ الكساسبة، حرقاً في سورية، ونشر أسامة كريَّم في وقت لاحق مقطع فيديو لحرق الكساسبة حياً داخل قفص حتى الموت.
ما حدث تم تنفيذاً لفتوى الخليفة أبو بكر البغدادي القرشي، مفادها أن عقاب الكساسبة يجب أن يكون بالنار، لأنه قذف الخلافة الإسلامية بصواريخه التي كانت تشعل النار في الأماكن.
جاء في لائحة الاتهام، التي وجهتها هيئة الادعاء السويدية، أن "كريَّم أجبر الطيار على دخول القفص وصوّرَه وهو يعلم أنه سيتم نشر اللقطات لاستعراض الخطط والأيديولوجية التي يتبناها التنظيم المتشدد".
سجل المجاهد
قبل مثوله أمام القضاء السويدي، كان كريَّم محتجزا في فرنسا، حيث أدين بالمشاركة في هجمات باريس سنة 2016، وكان قبل احتراف التطرف يمارس مهنة البطالة، لأن الدول الغربية تدفع راتباً شهرياً وتغطي العاطل عن العمل صحياً، ويمتهن السرقة لأن مال وأملاك الكفار حلال، بينما الحكومة السويدية تمنحه مخصصات شهرية لأنه مواطن عاطل عن العمل، وأهلّه احتراف التطرف، بعد تأثره بالمجرم أنور العولقي، من السفر لخدمة دينه إلى عدة دول، بجواز سفر مزور واسم وجنسية مستعارّين، فالتزوير حلال عند ممارسة الجهاد.
انتحار بالوكالة
ظهر كريَّم في كاميرات المراقبة وهو يتحدث لفترة وجيزة مع خالد البكراوي قبل لحظات من قيام الأخير بتفجير نفسه في محطة مترو قرب مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، وبعد اعتقاله قال للمحققين البلجيكيين إنه كان يُفترض أن يكون الانتحاري الثاني في هجوم محطة المترو، لكنه لم يفجر حقيبته.
خلال المرافعة الختامية، في قضية الكساسبة، صرح المحامي ميكائيل ويسترلوند بأن "المتهم لم يُظهر أي ندم أو شعور بالذنب، ولا أي أثر للتفكر في ما اقترفه".
ما فعله كريَّم في محطة المترو علاوة على تاريخه يثبت عدم مبالاة الضمير الديني بما يفعله للإنسان الآخر طالما كان الفعل تنفيذاً لأوامر إلهية. والضمير الديني يستحق وقفة عقلية.
الضمير الديني
هو ضمير ملتزم بالنص الموحى به بغض النظر عن تغيّر الأزمنة. وهذا الضمير لا يبالي بالقيم الإنسانية أو بترك العقاب للخالق، لأن الانسان لا يملك الحقيقة المطلقة، وطالما حُكم على أفراد في التاريخ، ثم اكتشف القضاة أن القرائن كانت خادعة.
الضمير الديني يحكم بشكل مطلق ولا يراجع أحكامه، بل قد يتدخل الإنسان ويضع نفسه حتى مكان الله الذي يملك وحده حق العقاب بالنار في جهنم، ويحرق الكافرين أو من لا يقيمون أركان الدين على الأرض استباقاً لحكم الله في الآخرة، وتقرباً منه لأنه سيثيبه على ما فعل.
ورد في صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة عن أبي الزِّنادِ عنِ الأعرجِ عن أبي هريرة أن رسولَ اللهِ قال: والذي نفسي بيدِه، لقد هَمَمْتُ أن آمُرَ بحطبٍ فيُحطب، ثمَّ آمرُ بالصلاةِ فيُؤذَّن لها، ثمَّ آمرُ رجلاً فيَؤُمَّ الناسَ، ثمَّ أُخالِفُ إِلى رجالٍ فأُحرِّقُ عليهم بيوتَهم".
وورد في مسند أحمد عن عكرمة: أن علياً بن أبي طالب أُتي بقوم من هؤلاء الزنادقة ومعهم كتب، فأمر بنار فأججت، ثم أحرقهم وكتبهم".
اقتباسات وتنفيذ
الضمير الديني اقتبس، كما تؤكد كل القرائن التاريخية، فكرة وجود الله من الثقافات القديمة ونسبها لنفسه، وادعى أنه وحده عرف الله الحقيقي الموجود في السماء، وهي أصل فكرة الإله الإبراهيمي.
لم يشر الضمير الديني إلى المصدر الذي اقتبس منه الفكرة، بل ادعى أن المجتمعات التي ابتكرت فكرة الإله كافرة.
بغض النظر عما ادعاه الضمير الديني، فقد مارس سرقة أدبية يعاقب عليها القانون اليوم.
خلافاً لكل الثقافات السابقة عن الأدبيات الإبراهيمية، يقتل الضمير الإبراهيمي الديني بدم بارد ويقين راسخ، من لا ينتمي إلى تصور إلهه نفسه، ويعتبر قتله تقرباً لله.
الضمير الديني يخاف من إله غير منظور، فيفعل أو يمتنع عن فعل ما خوفاً من عقاب أو طمعاً في ثواب ذلك الإله.
يرى الضمير الديني في مصائب الآخرين وعوامل الطبيعة القاسية عقاب الله فيهم لأنهم لا يؤمنون به، فلا يتعاطف أو يقدم المساعدة، كما يرى أن كل من لا يؤمن بإلهه كافر ومكتوب عليه العذاب الأليم، ويستحق سرقة أمواله واستباحة نسائه، بل قتله في الحياة.
وهي مقولة ضد أي منطق أو عقل يفكر، إذ كيف يخلق الله بسابق علمه من لا يؤمنون به، ثم يُسلط عليهم من يؤمنون به في الدنيا، ثم يعاقبهم بعد موتهم في الآخرة؟ كيف يفعل من يحيط علمه بكل شيء كل هذه المتناقضات؟
لماذا يفعل الله أمراً لا رد منطقياً له؟ الجواب المؤكد هو أن الإنسان خلق "تصور الله" على صورته وسلوكه وهواه، ومن ينظر إلى الكون في الليل لابد أن يندهش من النظام الموجود فيه، قياساً للفوضى الموجودة على الأرض، وقد تقوده الدهشة إلى سؤال: هل خالق الكون الخاضع للعلم والمنطق، هو نفسه صاحب الأدبيات الضعيفة المتناقضة المخالفة للعلم والمنطق؟
الضمير الديني جامد لا يتطور، الحقوق فيه لله، ولا حقوق للإنسان سوى حقوق الله عليه وأهمها الطاعة والعبادة، ولذلك لم يزل سبي النساء والغزو ونشر الدين بأنواع مختلفة من الجهاد من مواضيع منابر هذا القرن التي يفتخر أصحاب العمائم بها، وينسبون تخلفهم الحضاري إلى عدم ممارستها!
مهما فعل صاحب الضمير الديني فستُمحى ذنوبه كافة إن صلى أو صام أو حج.
الضمير الإنساني
الضمير الإنساني يتطور وفق تطور المجتمع والتقدم في فهم حقوق الإنسان، فالرق وسبي النساء يعتبرا من جرائم الحرب واختفيا من المجتمعات الحديثة.
يفعل الضمير الإنساني كل ما يفعله بوازع من نفسه، وقد يقتل أو يسرق لكنه لا يلقي دوافعه على كائن شرير غير مرئي هو الشيطان، أو كائن كامل هو الله الذي يكتب مصائر الناس ومنها الإبتلاء.
يتقبل الضمير الإنساني العقاب ويتأسف على ما فعله، وقد يصل الأمر إلى حد الاعتذار العلني، الذي مارسه بعض الباباوات المنفتحين.
سلوكيات الضمير الإنساني المخالفة خاضعة للقانون، والعقاب المدني للجميع بدون استثناء، ولا يمكن أن ينفذه أناس لا ينتمون للقضاء وأجهزة الأمن، ولا يشفع في المخالفات أحدٌ أو صيام أو توبة أو حج.
الضمير الإنساني يحترم الحياة ولا يحث الإنسان على نسف نفسه.
لا شك أن الضمير الإنساني هو الأكثر رحمة والأقرب للمنطق والعدل والأنسب لصيغة التعايش بين البشر، والأهم أنه لا يقذف الانسان ليقف أمام اللامعقول فاقداً عقله ليؤمن أو يُعاقب.

*للموضع صلة ستكون عن وجهة نظر شيخ الأزهر في الأخلاق وهي سلوكيات الضمير.



#عادل_صوما (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إذا كان الله معهم فمن هزمهم؟
- الله وكارداشيان وخالة الحاكم
- الملكية الإنسانية لا تخضع للسيادة
- وضع الأقباط في الجمهورية الجديدة
- اعتقلوهن بجرم الغناء (2)
- اعتقلوهن بجرم الغناء
- تقنيات تحارب غيبيات (2)
- تقنيات تحارب غيبيات
- مقاولو هدم الحضارات
- انتهازية الدين السياسي
- تَجَاهَل العلم ليقوى إيمانك
- التخدير الديني سلاح النظم القمعية
- رسائل تنتظر قرارات سياسية
- شجرة زيتون غنّت للمتوسط
- الردع دواء التنمّر والمزايدات
- معايدة المسيحيين في أعيادهم
- أحمد عدوية وازدواجية عصره
- عندما قال فريد الأطرش: مش قادر!
- الرعية الفاسدة تستحق الكاهن الضرير*
- معايير المحاكم الإلهية


المزيد.....




- الأونروا تحذر من ولادات مبكرة ومضاعفات غير مألوفة للخدج في ق ...
- كيف أسَّسُوا في بوركينا فأسو؟؟؟
- إدارة ترامب تدافع عن أساليبها العنيفة في توقيف المهاجرين
- مؤسسة غزة الإنسانية.. بين شعار الإغاثة ومصيدة الموت
- عائلات الأسرى الإسرائيليين: نتنياهو يروج لاستحالة التوصل لات ...
- اليونان تقرّ قانونا بوقف طلبات اللجوء للمهاجرين من شمال أفري ...
- اليونيسيف: إصابة 500 طفل بسوء التغذية في غزة خلال يونيو
- الأونروا: نفاد الوقود بغزة عبء جديد لفلسطينيين على حافة المج ...
- نتنياهو يبرر موقفه من الصفقة وأهالي الأسرى يتهمونه بمحاولة ن ...
- هل تنجح صفقة إعادة المهاجرين بوقف قوارب العبور بين بريطانيا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عادل صوما - الضمير الديني والضمير الإنساني