أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - المنتزه | البارك














المزيد.....

المنتزه | البارك


علي أحماد

الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 00:27
المحور: الادب والفن
    


البحث عن برودة تصادرها حرارة الليل وجفاف الواحة وإجراءات كورونا

وأنت تجول بالمدينة زاكورة ( تازكورت ) كما يحلو للأمازيغ تسميتها بمبانيها الأرجوانية - كأغلب مدن الجنوب - تلاحظ شح المساحات الخضراء التـي تعوض بميادين تغطيها مربعات إسمنتية بين اللونين الرمادي والأحمر . على جنبات الطريق الإسفلتي العريض والذي يمتد طولا ، بما يوحي للزائر أن المدينة كبيـرة ، تقف في شموخ شجرة النخيل ، وقد أتت أكلها وتدلت عراجينها ملأى رطبا جنيا يتساقط دون هز ، رمز الواحة في الصحراء وسبب استقرار السكان بها منذ قرون خلت ...عوَّض الآجور الأحمر والطوب الإسمنتي البناء الطينـي المدكوك الذي وفر للأجداد جوا منعشا داخل البيوت ضمن القصر...ت
لفظ البيوت الإسمنتية السكان الى الهواء الطلق لعلهم ينعمون بجو أقل إختناقا محملين بقناني الماء البارد المثلج . تجر النسوة وراءهن الصبيان والصبايا متلحفات في أثواب صحراوية قشيبة بألوان ساخنة أو سوداء في مسيرة نحو فضاء ( البارك ) المحايث لمقر العمالة الذي يتربع على تلة تنحدر نحو الطريق الإسفلتي في اتجاه قنطرة وادي درعة . تتفرق بعده السبل الى تامكروت ، تاكونيت ومحاميد الغزلان يمينا ، والى تاغبالت وتازارين يسارا في ملتقى طرق يتوسطها دوار يؤثثه تمثال جمل أراد له ناحته أن يتماهى و لون الكثبان الرملية . لن تجد الرمز الأيقونة للصحراء غير الجمل ...
البارك مرادف لغوي ، بلسان أعجمي ، للمنتـزه ، بيد أن المغاربة تغويهم لغة المستعمر وتشعرهم بالتفوق والتمدن...لن تكتشف المدينة وأنت الزائر الغريب ، فالمدن كالمرأة لا تكشف عن مفاتنها دفعة واحدة . في إحدى الأماسي تتبعنا خطى جحافل من الأهالي أوصلتنا الى البارك / المنتـزه . على بابه الحديدي المطلي بدهان أخضر يقف شرطي وعنصر من القوات المساعدة ، لعل وجودهما لحفظ الأمن وضمان التدابير الإحترازية للحد من تفشي كورونا . مرقنا الى داخله واستوقفتنا بحيـرة دائرية عميقة البناء يسبح في مائها الآسن والضحل - الذي يظهر من لونه القاتم أن القائمين على البارك لا يغيرونه باستمرار - بط أسود وأبيض وملون يلتقط ما يجود به الزوار من طعام . على حافة البحيرة جسر دائري من خشب صقيل الممشى ومتين تزينه أضواء ( السبوط ) بألوان قوس قزخ يمكنك من التقاط صور للذكرى توثق لمرورك من المكان . على جنبات الممشى الحجري أشجار نخل باسقة ونباتات خضراء . يعج المكان بالأطفال من شتى الأعمار ويضج بصراخهم وهم يستمتعون بما يتوفر من ألعاب يقف الآباء والأمهات حولها في طابور طويل للظفر بمهلة تسلية تنسيـهم هذا الحر. خلال تنزهنا بالبارك اكتشفنا وجود بناية دائرية كالبئر. استأذنا حارسين على بابها الخشبي السميك لنسبر أغوارها. وجدنا أنفسنا داخل مكتبة تضم رفوفها كتبا متنوعة. يحز في النفس أن يطال الإهمال الكتب ويعلوها الغبار دليلا على عدم الاهتمام وبرهانا ساطعا على أن المغاربة لا يقرؤون . يتوسط البناية سلم حديدي يعرج بالزائر إلى الأعلى حيث باحة مخصصة للقراءة تؤثثها كراسي وطاولات خشبية . يستحيل أن يقتطع الإنسان وقتا - ولو شاء ذلك - للقراءة - وإن كان عاشقا لها - بمكان أقل ما يوصف به أنه في سخونة الغرفة الأخيرة من الحمام ...
في جوف المنتزه نافورة يطرطش بعض الأطفال الماء المتساقط كشلال في حوض صغير . يغري المكان بتجزية وقت أطول ، ولكن للحراس رأي آخر فهم يصرخون في وجوه الناس يدعونهم لمغادرة المكان والساعة تشير الى التاسعة والنصف بالتوقيت الرسمي . لتعجيل الزوار تخمد الأنوار ويغرق المكان في ظلام دامس ...استهجنت هذا القرار ، وأنا أتجاذب أطراف الحديث مع أحد الحراس . أكد لي أنها أوامر السلطات المحلية بالمدينة والتـي قررت مرات عدة إغلاقه كليا تخوفا من تفشي كورونا .. يظهر أن المدينة تعاني من شح في موارد الماء ، ولا تستطيع السلطات المحلية و الهيآت المنتخبة تأمين الكفاية منه لسقي المساحات الخضراء . لازالت مشاهد وأحداث ثورة العطش وبطش المخزن بزعامائها عالقة بالأذهان . عار أن يجد الدلاع / البطيخ الأحمر بالفايجة ماء زلالا ليروي ويحرم منه البشر ولو ماتوا ظمأ ! . صور من الإقطاع القرسطوي الذي يدوس كرامة الفقيـر فهو دنيء كالحشرة ولا جناح إن وافته المنية ولم يجد ماء ليغسل قبل أن يكفن .
هنيئا للزاكوريين بنجاح ثورة العطش رغم همجية الدولة وساديتها و وحشيتها ....
غادرنا المكان في صمت وفي القلب غصة لنذوب وسط الأهالي في دروب الحياة....لابد أن تألف مكانا قدر لك أن تعيش به لتحقق توازنا نفسيا يحميك من الصدمة والتصادم...ولا يعاديك .
زاكورة صيف 2020 وفي خضم آفة كورونا



#علي_أحماد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طلب مساعدة
- رغم سكره يصر على تحية الأستاذ
- من ذكريات المدرسة
- مقهى السلامة
- القطة البيضاء والغادة الحسناء
- عداوة زوجة عمي | 1970
- أستاذ التشريع المدرسي وصدق النبوءة
- ابن عم والدي ...فصاحة اللسان ومرمدة الدخان
- من أوراق معلم بدكالة | 1991- 1995
- من أوراق معلم أمي ( حبيبة ) الهيفاء وضرب النساء
- أمي رقية ...رقة عفراء معطاء
- | أمي ( حبيبة ) الهيفاء وضرب النساء
- ريان من إغران بشفشاون وملحمة تضامن عبرت حدود الأوطان والأديا ...
- قبس ضياء ومقبرة ظلماء
- الجزع من الجرعة الأولى من اللقاح ضد كوفيد سارس2
- ليلة القدر....قبل نور مصباح أديسون
- العكاز وأزيز الدراجة النارية من يوميات معلم|تازناخت | إزناكن ...
- من كراس محبس الفيروس
- نعيمة - زهرية - ... قربان فقهاء الكنوز بأكدز
- أستاذ الإنجليزية ...وقميص يوسف


المزيد.....




- في قرار مفاجئ.. وزارة الزراعة الأمريكية تفصل 70 باحثًا أجنبي ...
- -بعد 28 عاما-.. عودة سينمائية مختلفة إلى عالم الزومبي
- لنظام الخمس سنوات والثلاث سنوات .. أعرف الآن تنسيق الدبلومات ...
- قصص -جبل الجليد- تناقش الهوية والاغتراب في مواجهة الخسارات
- اكتشاف أقدم مستوطنة بشرية على بحيرة أوروبية في ألبانيا
- الصيف في السينما.. عندما يصبح الحر بطلا خفيا في الأحداث
- الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم ...
- رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو ...
- قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان ...
- معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - المنتزه | البارك