أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - قبس ضياء ومقبرة ظلماء














المزيد.....

قبس ضياء ومقبرة ظلماء


علي أحماد

الحوار المتمدن-العدد: 7111 - 2021 / 12 / 19 - 00:17
المحور: الادب والفن
    


سرت نحو قرية تنليف . أزور الأصدقاء بها كلما أحسست بالضيق والقنط بالبيت الوطيء الذي أسكنه وحيدا على هامش القرية قرب الأقسام بعيدا عن الأهالي . هذا السكن يسميه سلفنا في المهنة السكنى البطارية. يريدون في إصرار للمعلم أن يبقى - عنوة - بعيدا كالبعير الأجرب لتسهل مهمة مراقبة حركاته وسكناته من هاجس خوف يسيطر على عقولهم من غوايته الحريم ! كان هذا ديدن أهل القرى والمداشر في ربوع المغرب - منذ الاستقلال - وانتشار التعليم وتعميمه .
تنليف هذه قرية يجثم عليها جبل أسود يوفر منظرا رائعا على الصور الفتوغرافية للذكرى ، ولكنه يكتم الأنفاس . امبارك ( من الريش ) وحسن ( من تادلة ) ألقى عندهما الترحاب الدافئ والصحبة الطيبة . نلعب الأوراق / الرامي الى وقت متأخر من الليل بعد العشاء بخبز يحضره - عن طواعية – أبناء الأهالي أو أصدقاء عربون كرم .
الجو ماطر خارج السكنى - من النوع المفكك - يسمع نقره على سقف الزنك في تناغم مع هدير قنينة الغاز التي تضمن النور من فتيلة / حبابة بيضاء من صنع صيني ، تكفينا نور الشمع الباهت ...غادرت المكان والليل بهيم بعد منتصف الليل أو يزيد عنه قليلا غير مبال بانهمار المطر وعنت السير ليلا بدون مصباح يدوي يبدد الظلمة وينير الدرب في هذا الخلاء المترامي الأطراف . تبعني حسن يلح علي بالعدول عما أنوي بحجة أن ( النهار له عيون ) ...صممت على الثبات على الموقف، إذ لا بد من ردة فعل تحفظ الكرامة بعد خلاف بيني وبين امبارك ، وهو شخص مزاجي حاد الطبع يؤل الحديث على فهمه ويسيء الظن بالجميع ولا يعيبه سوى ذلك . بعد مجرى واد جاف يكسوه الحصى الأملس أعبر مقبرة تحفها نباتات شوكية تنمو على حافات القبور ، لأن الأهالي يمنعون عنها قطعانهم وهم لا يقربونها - من الخوف والرهبة - ليلا . وقد بلغت نصف المقبرة- التي تشقها طريق نحتتها أرجل المارة الى شقين - ظهر لي نور كحبابة صغيرة محمولة لا يرى حاملها يخرج من قبر قديم ، يدنو حتى بلغ مني مستوى الخصر/ الحزام. كلما خطوت خطوة مشاها، وكلما تسمرت في مكاني بقي معلقا جنبي لا يتحرك. بدأ قلبي يدق فرقا حتى شعرت به يريد اختراق ضلوعي. جسمي يتصفد عرقا يغدو كالصقيع ينساب عبر الظهر. ظننت أول وهلة أن أحد الصديقين يتبعني، ولكني صحت مناديا مرارا بصوت مبحوح باسميهما دون رد. أسرعت الخطى متثاقلا ومتعثرا كمن يعيش كابوسا مرعبا أتلمس الطريق المتربة التي رسمت عليه العجلات أخاديد وبدت كشريط متموج أبيض. يقودني هذا الطريق الى الدار ما دمت لا أزيغ عنه قيد أنملة . في اللحظة ماجت في ذهني حكايات يرويها من سمعوا صوت أنين في القبور من هول عذاب أصحابها. لا أصدق ( عذاب القبر ) و( الثعبان الأقرع ) والحال أن القبور صامتة فالعظام التي تحويها رميم !! فكيف يستقيم العذاب دون حساب ، وما بالك بالأقوام الأولى ؟
لازال المطر يهطل مدرارا، ولكنه وإن بلل ملابسي وتساقط من شعري على مقدمة أنفي الكبير فهو ينعشني. كيف تواتيني الشجاعة الأدبية لأعود أدراجي وأطرق باب أصدقائي ، وبماذا أبرر هذه العودة ؟ وهل تراهم يصدقون حكاية قبس النور بالمقبرة ؟ وهل أصطبر على تهكمهم ؟
عزة النفس ونخوة الرجولة تأبيان علي ذلك ، فلست رعديدا ، فالجبان يموت ألف مرة . أحسست بشجاعة بداخلي منحتني القوة على الاستمرار في المشي وعدم الالتفات الى الوراء . الموت واحد وإن تعددت أسبابه، وهذا القبس من النور الذي يلازمني كالقرين لن يقتلني . أسمع صوت ارتطام الحذاء مع الأحجار والشيح. لا أنظر أبدا جهته فهو لا يكاد يضيء ما حولي . صرت أعد الثواني وكأنها الدهر وأستعجل بلوغ باب سكناي لعل مرافقي يفارقني. كيف أتخفف من عبء يجثم على الصدر، وما شأن هذا القبس من نور قد تسلط علي في هذا الوقت، أم هي أقداري العنيفة رمتني في طريقه في الوقت المحدد سلفا في الغيب ؟
بلغت الدار بمشقة . خلت روحي ستزهق من هول الرعب الذي غمرني طول مسافة السكة. وضعت المفتاح في الضبة بأنامل مرتعشة كثمل يعود من جلسة خمرية آخر الليل . أدرت المفتاح وفتح الباب . استدرت بلطف وحذر ففاجأني اختفاء مرافقي كالخيال . أحكمت إغلاق الباب الخشبي وارتميت فوق الفراش كالمغمى عليه...
أفقت في اليوم الموالي على وقع زعيق الأطفال / التلاميذ الذين يأتون المدرسة باكرا ، فهم كالعصافير ينامون بحلول الظلام ويفيقون مع أول خيوط الشمس في السماء . فطنت أني نمت دون أن أنزع حذائي ودون غطاء...



#علي_أحماد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجزع من الجرعة الأولى من اللقاح ضد كوفيد سارس2
- ليلة القدر....قبل نور مصباح أديسون
- العكاز وأزيز الدراجة النارية من يوميات معلم|تازناخت | إزناكن ...
- من كراس محبس الفيروس
- نعيمة - زهرية - ... قربان فقهاء الكنوز بأكدز
- أستاذ الإنجليزية ...وقميص يوسف
- من يوميات كورونا
- اسمي كورونا
- أبي...الميت الحي
- كورونا ... الحتف المنيف
- كورونا ...حتى لا تتحجر قلوبنا
- كوفيد ...سواد تتلبد منه البلاد ويرتعد منه العباد
- اليهودية الحسناء
- الأرجوحة
- المعلم العسكري
- حسناء ورحلة البحث عن الماء بفرس دهماء .
- - مهيدو - أو رحلة البحث عن الماء ب - البيدو -
- رحلة الى مازاغان / الجديدة
- أساتذة بصموا مساري الدراسي
- ضرب على الدف في عرس بقرية ملاحة / كير الأسفل – صيف 1993


المزيد.....




- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - قبس ضياء ومقبرة ظلماء