أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - أبي...الميت الحي














المزيد.....

أبي...الميت الحي


علي أحماد

الحوار المتمدن-العدد: 6571 - 2020 / 5 / 22 - 09:59
المحور: الادب والفن
    


سمعت طرقا شديدا على باب منزلي الحديدي في وقت متأخر من الليل . فتحت الباب وفي نيتي أن أنهال على الطارق سبا وشتما ، ولكن ما ان وقع بصري عليه حتى كظمت الغيظ وسكنت فورة الغضب التي اجتاحتني واختلطت المشاعر التي انتابتني اللحظة . اهتزت أحشائي وقفز فلبي الى الحلقوم . لم اكن أتوقع حضوره وإن كان لا يبخل علي أبدا بزيارة رغم كبر سنه . فرحت لرؤيته لأن الشوق إليه ظل جذوة في القلب لا يخمد لهيبها سوى السلوان. لا يخيفني تواجده أمامي حيا لأنه سيبقى رغم الغياب الأبدي الأب الرؤوم ولن يصيبني منه أذى أو مكروه . أبقيت على مسافة بيني وبينه تمنحني فرصة سانحة للهروب. يرتدي جلبابا أبيض ناصعا ويضع على راسه عمامة صفراء فاقع لونها . تساءلت لماذا يظهر لنا شبح الموتى دائما في لون أبيض يميز الكفن واللباس حداد الأرملة والطائفين بالكعبة ؟
لا تظهر عليه البتة علامات من يخرج من القبر كما في أفلام المشاة الموتى الزومبي ولا تميزه تشوهات منفرة ومخيفة . أثار انتباهي أنه لا يضع نظارات طبية على عينيه وهو الذي اعتاد أن يستعمل نظارة سوداء فوق الطبية وهو ما يثير استغراب من يصادفهم على طريقه. نسيت أننا ندفن موتانا بدون نظارات ولا أطقم الأسنان وأن الكفن لا جيوب له . بدا لي جميل الطلعة يشع منه نور أخفى تجاعيد الوجه والشيب الذي يخالط شعر الراس والشارب . انتبهت أن احدى عينيه مغلقة الجفون وضامرة . الشارع خال من المارة تجوبه كلاب ضالة تبحث عن الطعام في القمامة مما فضل عن السكان . يلف المكان هدوء وصمت القبور وتهب عليه نسائم باردة تميز ساعات صباحات الصيف الأولى قبل الفجر في المناطق الجبلية . رجوته أن يدخل ليرتاح من مشوار متعب ، لكنه رفض ، وهذا ما كنت ارجوه في قرارة النفس . قال لي بلسان امازيغي تفضحه لكنة أيت حديدو وقد لزم مكان وقوفه لم يتزحزح عنه قيد أنملة :
جئت لأمر وجب أن أقضيه .
تسمرت في مكاني وجسمي ينز عرقا باردا من قشعريرة أصابته ولم أنبس ببنت شفة كمن ابتلع لسانه . تابع كلامه :
أريدك أن تصحبني ، فهيا تهيأ
أجبته متوسلا بكلام خافت كالهمس
أنت تعلم أن أبنائي لازالوا في أمس الحاجة إلي ، ولو كان بيدي لرافقتك مطمئن البال، امهلني قليلا فلازلت متشبثا بالحياة .
سألته عن الدراجة الهوائي التي لا يفارقها . أجابني متسائلا :
ألم تسمع أمك عندما سألتها عنها وأنا أحتضر أنها معلقة على حائط بحوش الدار.
تركني متكئا على عتبة الباب المشرع على مصراعيه وتحرك موليا ظهره الي واختفى في لمح البصر كفص ملح أذابه الماء الساخن ولم يعد له أثر . حمدت الله أن أحدا من أهل الدار لم يسمع حوارنا ولم يلتفت لغيابي .
صفقت الباب، ولم أعد أتذكر كيف صعدت الأدراج الإسمنتية واندسست تحت الفراش أرتجف من هول الموقف كطير وقع في الشرك . غطيت رأسي بالملاءة كطفل يخشى الظلام . أفقت من النوم مذعورا وارتحت من كابوس جثم على صدري ودعوت له بالمغفرة والرحمة ومسحت عن خدودي دموعا حارة .



#علي_أحماد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كورونا ... الحتف المنيف
- كورونا ...حتى لا تتحجر قلوبنا
- كوفيد ...سواد تتلبد منه البلاد ويرتعد منه العباد
- اليهودية الحسناء
- الأرجوحة
- المعلم العسكري
- حسناء ورحلة البحث عن الماء بفرس دهماء .
- - مهيدو - أو رحلة البحث عن الماء ب - البيدو -
- رحلة الى مازاغان / الجديدة
- أساتذة بصموا مساري الدراسي
- ضرب على الدف في عرس بقرية ملاحة / كير الأسفل – صيف 1993
- من أوراق معلم بالأرياف المغربية
- السحور...دقات الطبل والوجل من - بغلة القبور - / فصل من ذكريا ...
- من أوراق معلم / 1987 | السلسلة والخاتم
- وداعا صديقنا ( ميمون ألهموس ) من أشاوس أيت مرغاد
- في حضرة عرافة
- طقس الشاي وقدسيته
- الحل بين عناد رحل أيت مرغاد وتأويل النادل لسداد ثمن البراد
- تسبيح وحصى ..أمداح وقرآن يتلى
- من ذكريات التتلمذة / قصعة الكسكس


المزيد.....




- فيديو صادم.. الرصاص يخرس الموسيقى ويحول احتفالا إلى مأساة
- كيف حال قرار بريطاني دون أن تصبح دبي جزءاً من الهند؟
- يجتمعان في فيلم -Avengers: Doomsday-.. روبرت داوني جونيور يش ...
- -ونفس الشريف لها غايتان-… كيف تناول الشعراء مفهوم التضحية في ...
- 10 أيام فقط لإنجاز فيلم سينمائي كامل.. الإنتاج الافتراضي يكس ...
- كيف تُغيّرنا الكلمات؟ علم اللغة البيئي ورحلة البحث عن لغة تن ...
- ما مصير السجادة الحمراء بعد انتهاء مهرجان كان السينمائي؟
- وفاة الممثلة الإيطالية ليا ماساري عن 91 عاما
- البروفيسور عبد الغفور الهدوي: الاستشراق ينساب في صمت عبر الخ ...
- الموت يغيب الفنان المصري عماد محرم


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - أبي...الميت الحي