أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - تسبيح وحصى ..أمداح وقرآن يتلى















المزيد.....

تسبيح وحصى ..أمداح وقرآن يتلى


علي أحماد

الحوار المتمدن-العدد: 6101 - 2019 / 1 / 1 - 17:54
المحور: الادب والفن
    


تلقيت ببالغ الأسى والحزن نبأ وفاة خالتي الوحيدة ، وقد نزل علي الخبر كالصاعقة وتهيأت للسفر لأحضر الجنازة وأقدم واجب العزاء بعين المكان والحال أن الموت أدركها بأرض قصر السوق حاضرة تافيلالت وبها تقرر ان يوارى جثمانها الثرى ...بلغت الراشدية بعد العصر بدقائق معدودات واستقبلني الأخ الأكبر الذي سبقني إليها لأنه بعل ابنتها البكر . لا يظهر للوهلة الأولى أي أثر يدل على بيت العزاء الواقع قرب الثانوية التأهيلية ابن طاهير ببو تلامين ، الصمت المطبق يسود المكان ، فلا بكاء ولا عويل يسمع ولا سرادق يرفع . ماعدا العدد الهائل من السيارات المركونة هناك.. صعدنا عبر ادراج تتلوى كالصل إلى ان بلغنا غرفة طويلة بها فرش منبسطة حول موائد من خشب وطيئة . احتسينا كأس شاي وأكلنا خبزا وزيت الزيتون ...غادرنا منزل المأتم لنسيح في الأرض حتى يحين موعد تجمع الضيوف بعد صلاة العشاء كما هو المألوف عند المغاربة في مثل هذه المناسبات ...ولكن تبدى لي أن هؤلاء يؤدون الصلاة بالمكان نفسه ...
بعد جلسة بأحد مقاهي بوتلامين الفاخرة أبنا الى الدار وقد بدا الضيوف يتوافدون فرادى وزرافات . وجدت أخي عند الباب فخاطبني ( اصعد إن الفقهاء بغرفة الضيوف ). كم ذهلت وأنا أرى الجمع يرتدون جلابيب مختلفة الألوان والأشكال ويضعون على رؤوسهم عمامات بيضاء أو خضراء وقليل منهم من يترك رأسه عاريا ..يمسكون سبحات يداعبون خرزاتها في دعة وسكينة ورؤوسهم تتمايل . فوق كل مائدة كومة من الحصى الأملس في حجم كلة . يغيرون مكان الحصى بين الفينة والأخرى وهم يؤدون الطقس في رتابة وميكانيكية مذهلة وكأنهم آلات برمجت على عمل رتيب . . لا تكاد تسمع سوى طقطقة الحصى ولا ترى إلا حركات الشفاه . والبعض من كبار السن يرتلون ما تيسر من الذكر الحكيم بصوت خفيض في مصاحف من 5 أجزاء . شاب اسمر يطوف بين الضيوف يوزع كؤوس الشاي والفول السوداني وحلوى تقليدية عربون بساطة وزهد ، كما يتكلف بإمداد العاكفين على المسابح بالحصى المطلوب كلما احتاجوا الى المزيد .
همست في أذني أخي أني الوحيد هنا أمثل نشازا في هذا الفضاء الروحاني . سروال جينز وجاكيط من الجلد بلون بني . أشعر أني سقطت سهوا بهذا المكان الذي تحفه نفحات صوفية تكاد تتجسد في أفعال الحاضرين/ المريدين. تقدم مني أحد الحاضرين وقال : " أأعطيك سبحة وحفنة من الحصى ؟" دون أن ينتظر الجواب بدأ يشرح : " كل مائة لا اله الا الله تساوي حصاة ، بعدها تصلي على الرسول الأعظم ". لم يكن يتوقع مني رفضا فنحن نضطر أن نرضخ لبعض الإكراهات الإجتماعية حفاظا على علاقتنا بالآخرين والتي تحكمها تناقضات عدة.. ولكني لست ممن يتخلى عن مبادئه ارضاء للآخرين...لم يكن يتوقع مني رفضا ، وقد أخرسه موقفي السلبي وفضل الإنسحاب وهو يداري امتعاظه واستهجانه لهذا السلوك الفج وربما شاطره شعوره بعض الحاضرين الذين تشي نظراتهم الي بذلك وكأن الشرر يتطاير منها .
هنا تدخل شيخ يقتعد آخر ركن من الغرفة يبدو عليه الوقار، بلحية بيضاء كثة تزين وجها مدورا وفما تلمع فيه اسنان اصطناعية شديدة البياض جعلته أصغر من سنه الحقيقي بعشرات السنين نذر نفسه لخدمة الزاوية ، فهؤلاء على ما يبدو أهل طريقة ومتصوفة... ( ما ترونه ياسادة هي " الفدية " )
وألح على نطقها بالدارجة المحلية رغم أنه يحسن التحدث بلغة قريش و الأدهى أنه من أصول أمازيغية قحة [ أيت هاني ] واستطاع أن ينحت في المجتمعي الفيلالي المتعصب مكانة أدبية ودينية مرموقة .
( الفدية سنة متبعة خصوصا بمجتمعات تافيلالت ، ومعناها أني يتطوع أهل الميت بالتسبيح. 100 لااله الا الله ، لكل لا اله الا الله حصاة واحدة 700 مرة ، وهو ما مجموعه 70000 لا اله الا الله . تمنح للميت ويفتدى بها من النار ....ويحكى أن صبيا يكشف له الحجاب وكان حاضرا في حفل ديني ان ماتت امه وصرخ يا ويلتاه إن أمي تدخل النار ..وقال شيخ حاضر في الحفل وقع في نفسي شيء فقررت أن نهب الهالكة الفدية ولما انتهينا منها صرخ الصبي فرحا يا لسعادتي أمي تخرج من النار.) أنهى الشيخ حديثه واحسست أني المقصود ، فلا يعقل أن تغيب القصة عن الحاضرين ، وهي حكاية محبوكة لتمنح الفدية الشرعية والقداسة ...ساد الهدوء برهة وعاد الحاضرون الى ما هم فيه . رغم قصر ليالي الشتاء فقد طالت الليلة ويبدو أنها لن تنتهي قبل المتوقع .
مع مرور الوقت بدأ الشاب الأسمر يرفع الحصى من فوق الموائد ومن الأيدي المبسوطة في خشوع وهم راضون على ما قدموه للمتوفاة . جمع الأسمر المسابح وتم عد الحصى المحدد سلفا في 700 حصاة ، ومن غريب الصدف أن لرقم 7 في المخيال الشعبي والديني سحر لا يقاوم ..وأنهى الآخرون قراءة 60 حزبا ...
بدأت الحناجر تصدح بأمداح لا تحيد عن التذكير بأخذ العبرة من الموت...الموت الذي يخطف أحبابنا في غفلة منا ، نهيل عليهم التراب ونذرف دمعا ثم نكمل مسيرة الحياة ..أحباب قد لا نتذكرهم أحياء وهم في حاجة الينا نفسيا على الأقل...فكما يقول الشاعر الأمازيغي ( إذا مت لا أعلم من يحبني )! ينخرط الحاضرون في ترديد الأمداح بصوت مرتفع في تناغم فريد ترتعش فيه الأبدان ململة وتصفيقا خفيفا وقد غمرهم فيض رباني ويستسلمون للخذر الذي يلامس شغاف القلوب . بعد الأمداح التي ظل البعض يتابعها عبر الهواتف الذكية ، تطوع شاب في مقتبل العمر وانحنى يقبل كتف الشيخ الجالس الى يمينه قبل أن يبدأ في ترتيل آيات بينات من الذكر الحكيم بصوت جهوري على الطريقة الفيلالية . يسايره الشيخ فيسود صمت نكاد نسمعه الغرفة . بعد القراءة بدا الشيخ خطبة / موعظة في الحاضرين لم تبرح ملامسة الواعظ الصامت مستعرضا قصصا من التراث ومن واقع المغاربة المعيش في صمت رهيب تقطعه قهقهة الشيخ . لازالت كؤوس الشاي تدور على الحاضرين رغم أن معد الشاي لم يتقن صنعته، لهذا لم يقبل الكثيرون عليها إلا من في نفسه ظن أن المشروب بهذا المكان ، وفي هذه الجلسات الروحية له نكهة القداسة ...
لكن مبلغ همي سوى ان يقفدم العشاء لغادر المكان واطوي الإسفلت رجوعا الى ميدلت والليل بهيم وفي العقل شريط ذكريات تظهر فيه المرحومة امرأة قصيرة القامة بوجهها الصبوح الجميل والبسمة لا تفارق ثغرها....
الراشدية 25/12/2018



#علي_أحماد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من ذكريات التتلمذة / قصعة الكسكس
- من ذكريات التتلمذة بمدرسة تاشويت / التلاميذ وقصعة الطعام
- هوامش على هامش الحكم على زعماء حراك أحراش الريف
- جرادة....أنشودة الرغيف الأسود
- من ذكرى أبي عشق الراديو/ المذياع
- يوم بقرية بالجنوب الشرقي / أريج القهوة ولواعج العذرية
- من ذكرى أبي / ديك - تاحمدجوت -
- يوم بقرية بالجنوب الشرقي ( المغرب )
- الخطوة الأولى نحو المدرسة
- اللقاء الأخير
- الجمرة الخبيثة عراب موسم الخطوبة بإملشيل
- من ذكرى أبي الدراجة الهوائية
- من مذكرات معلم / وريث حمل ثقيل
- التزيين في قضية تعنيف الأساتذة المتدربين
- وشاية كاذبة تستنفر الإذاعة و نيابة التعليم بميدلت .
- مدارس بدون تدفئة في ذروة القر والصقيع
- كلمة في حق صديق
- يوميات معلم بدكالة / أكتوبر 1991 الشيخ والوليمة
- من ذكرى أبي / الجزء الرابع الكفن
- لحظة عشق


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - تسبيح وحصى ..أمداح وقرآن يتلى