أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - علي أحماد - ضرب على الدف في عرس بقرية ملاحة / كير الأسفل – صيف 1993















المزيد.....

ضرب على الدف في عرس بقرية ملاحة / كير الأسفل – صيف 1993


علي أحماد

الحوار المتمدن-العدد: 6315 - 2019 / 8 / 9 - 02:18
المحور: سيرة ذاتية
    


أثناء جلسة - في أحد الأماسي - بمقهى قرب باب السويقة مع الصديق ( ع . م ) الذي يفضل - بشكل عجيب - الجلوس بالمقاهي البسيطة التي يرتادها زبناء من الطبقات الكادحة و ذلك خلافا بيني وبينه ، ولكني اذعن لمزاجه الغريب لأنه يحل علي ضيفا من هوامش بلدة الريش . دعاني الى السفر الى ملاحة لحضور حفلة عرس رفقة صديقه ( ل . ح ) . قبلت الدعوة لأشبع فضولا يسكنني ، لأن حالة نفسية تشدني الى المكان الذي رات فيه زوجتي النور ، ولأغير من روتين الأيام الذي فرضته علي بعض الظروف التي يتداخل فيها الذاتي بالموضوعي اضطرتني الى قضاء العطلة الصيفية في ضيافة أسرة زوجتي ، لان أبواي يعيشان مع أخي الأكبر البحار بعدما شيد هناك منزلا كبيرا يتسع مساحة ويسمو كسفينة رحلات عملاقة ولكنه يضيق غلا للآخر و بالآخر الجحيم على رأي الوجودي جون بول سارتر .. وكنت حينها مدرسا ب ( م / م النهضة بإقليم الجديدة ) . تحينت الفرصة لعل هذا السفر / السمر ينسيني بعض المرارة التي أتلمظها علقما وأكتشف مناطق لم أزرها من قبل . تختلف الأعراس من قبيلة الى أخرى بدءا من الضرب على الدفوف و انتهاء بطقوس ليلة الدخلة .كان أحد أعمامي يكره المكوث بمنزل أصهاره كرها شديدا ولو ليأخذ كأس شاي يعد فوق مجمر من خزف ينفخ عليه بالكير كلما خبت جذوة الجمر وكسرة خبز مع سمن مذوب تنتشر رائحته النفاذة في المكان عربون حفاوة بالضيف ، ولسان حال عمي ( إذا كنت متسولا وبلغت باب منزل صهرك فاكسر الجرة ) وكان أبي عكسه يحب مخالطة الناس ولا يلقي بالا لعتاب ولوم عمي الذي لم يستطع أبدا أن يثنيه عن فعله لأن أبي هو أكبر ذرية عسو ألحو وفي مقام الوالد . ولكي ينفس عن غمه وامتعاظه يشعل دخينة من التبغ / طابة ملفوفة في ورق السكر الأزرق بعود طويل يقدحه من التنور كممثل في فيلم لرعاة البقر . والحق ان علاقة حب معلن تجمع بين الرجل وانتقلت الى أبنائهما وزوجتيهما . أبي وهو على فراش الموت لاينفك يذكر اسم هذا العم ويريد اللحاق به في مثواه الأخير عبر سيارة "جيب " خضراء اللون مغطاة ب "الباش ".
تهيأنا للرحلة وتزودنا بكل ما تحتاجه مثل هذه المناسبات بالقرى الهامشية . كانت محطة توقفنا الأولى مدينة الريش . هذه المدينة التي يشاع أنها أخذت اسمها من نوع الصخور التي تميز الجبال المحيطة بها . المدينة التي كلما ذكرتها أو حللت بها قفزت الى ذهني صورة رجلها الصنديد عدي أوبيهي . وأغوتني بشربة ماء زلال بارد من " عينها"/ السقاية وشنف سمعي تنوع لهجات أهلها . واستعدت شغب الطفولة مسافرا الى قرية الأجداد ( igli ( رفقة أبي وهو يقدم لي حبات فلفل مقلية باردة تنز زيتا تكرر فيه القلي وكسرة خبز وكأس شاي ثقيل حلو بمذاق النعناع بمقاهي شعبية صغيرة تسمو فوقها أشجار عالية . غادرنا المدينة على عجل على متن سيارة أجرة مهترئة ، ولا يهمنا سوى أنها تطوي الإسفلت طيا في اتجاه كرامة / gourrama والشمس تدنو من الغروب . حللنا بالبلدة والليل يرخي سدوله وأنزلنا متاعنا بساحة فسيحة تملأها نتوءات صخرية صلدة نحتتها أرجل المارة وحوافر الحمير والبغال خصوصا يوم السوق الأسبوعي . كرامة حاضرة وحاضنة قبائل أيت سغروشن يسمها وادي كير ( بالكاف المشددة ) ومنه اسمي كير الأعلى وكير الأسفل . شعرت لأول وهلة أني نزلت بمكان موحش تزيده أزقته الفارغة وحشة وسكونا . لا يسمع هنا إلا نباح الكلاب وصفير الصرار، ولكني متيقن أن عيونا متلصصة تراقب كل حركة ولو كانت كدبيب النمل . والغرباء دائما محط انظار الفضوليين وعيون المخزن التي لا تنام . فللمواطن في بلدي كظله مخبر . في مثل هذه الربوع تتحسس دائما جيبك الذي يحفظ بطاقة هوية . كلما مرت قربنا دورية الدرك الملكي وعين رجالها علينا قفز قلبي الى الحلق فرقا ، فلو تم تفتيش أمتعتنا لاستوجب الأمر اعتقالنا ، ولكننا تنفسنا الصعداء عندما وجدنا وسيلة نقل سري ....ينتهي الإسفلت قريبا من قبور اليهود بقصر تولال حيث تؤثث الفضاء قبور اليهود وضريح الحبر ( بوحصيرة ).
توقفت السيارة قرب منزل كبير وفخم من التراب المدكوك ينمو على اطرافه القصب ، وتزين حديقته الأمامية أشجار تين - قد أتت أكلها - وزيتون ورمان . الجو دافىء . تحلق من الخلق حول ( ل . ح ) الكثير من أبناء قريته كما يتجمع النمل حول قطعة السكر ، وكأنهم على علم مسبق وأكيد أنه لن ينسى أبدا أن يجلب لهم ما يدغدغ المشاعر ، يحرك السواكن ، يهيج العواطف وينفس المكبوتات . وذلك أغلى ما يتمناه المرء في هذا الخلاء في حفل صاخب لسهرة ماجنة و ماتعة . توجهنا مباشرة نحو مكان العرس وانتدبت مكانا قصيا تحت شجرة زيتون تحت جنح الظلام . في لحظة سمعت خشخشة وقع أقدام تقترب مني وشعرت بيد تربت على كتفي وبصوت يقول : " أهلا بك يا أخ صالح " .
تملكني العجب وتساءلت كيف عرفني هذا الشاب الأسمر القوي البنية ، الأنيق والقصير القامة والذي تظهر عليه آثار النعمة . ولكي يقنعني بأنه يعرفني أضاف وهو باسم الثغر :
" إنك تجلس تحت شجرة زيتون في ملك حماك عمي لحو " .
استجمعت قوتي وقلت له :
" أن تعرفني فذلك أمر ممكن ، ولكن أن تعرف أخي فذلك ما لا استسيغه "
أجابني واثقا :
" أخوك بحار...تعرفت عليه أثناء مرافقتنا لسفن الصيد بين أغادير و موريطانيا خوفا عليها من تهديدات عصابات البوليساريو . اسمي ( ب . م ) ضابط في البحرية الملكية من أبناء هذه القرية " .
غيرنا مكان جلوسنا لنتوارى عن الأنظار في غابة كثيفة من أشجار الزيتون المباركة يرافقنا ثلة من رجال وشباب القرية . بدأ عدد أهل القرية يزداد وكأن حاسة الشم تقودهم ، يأتون إلينا من كل شِعَب القرية تحذوهم رغبة جامحة في نيل نصيب مما أحضره إبن قريتهم من المدينة وهم يعلمون أن هذا الحشد ما اجتمع إلا على ضلالة تستحق العناء . في لحظة غادرنا شاب ( معلم ) متسللا خفية يمشي على أصابع رجليه . عاد المتسلل راجيا أن يكمل السمر بعد أن انتهى من رفقة جنسية ، فقد سأله صديقنا بلهجة أمازيغية لم تألفها الأذن :
" أين كنت يا رجل ؟ "
أجابه في زهو مبالغ فيه ودون استحياء :
" ذهبت لأضاجع زوجتي "
ضحك الجميع وعادوا الى ما هم فيه من مرح . أما أنا فكرهت هذا الشاب حتى الغثيان ، وبقيت كلماته تدندن في أذناي كضرب مطرقة على حجر . التحقنا بفضاء الحفلة المزدان بأضواء المصابيح النفطية ( السكانطية ) المحمولة على الأكتاف التي وسمت أفراح وأعراس ومآتم القرى المغربية قبل ربطها بمصباح أديسون ... خرجت القرية للفرجة عن بكرة أبيها ، فالجميع مدعو...وقفنا بعيدا في الظلام . أوقع أحدهم ضربا على الدف إيذانا ببدء الحفل ، وصدح بصوت قوي بموال شجي . قلت لصديقنا ( ل . ح ) :
" صاحب هذا النقر على الدف و الموال من قبائل أيت حديدو "
سخر من كلامي وأجابني :
" آه ، خيالك واسع يا أستاذ وما تدعيه محال ..لم نعلم أن بهذه الربوع كلها من ( كرامة ) واحدا من أيت حديدو "
أجبته :
" أراهنك على ذلك ..إذهب وتحقق "
غاب ردحا من الزمان وعاد وهو يضحك ضحكا هستيريا ، ويضرب براحتي يديه على فخذيه وعرفت أني كسبت الرهان . سألني :
" عجبا كيف عرفت ذلك "
من غريب الصدف أننا عندما التحقنا بمنزل صاحب العرس لنأخذ واجب الضيافة التقيت الرجل الذي ضرب على الدف ووجدته ( حدو أو حسى ) بقده وقضيضه من قريتي igli . في غمار حديثنا عرفت منه أن أهل العريس من أصدقائه الحميمين ولما أخبرته أنني تزوجت بفتاة من ملاحة أثنى على نبل أخلاق أهل القرية ....
ستبقى الرحلة الى ملاَّحة في مَلاحَة ساكنيها ومِلاحَة في تقاليد القبائل وأعرافها ..



#علي_أحماد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أوراق معلم بالأرياف المغربية
- السحور...دقات الطبل والوجل من - بغلة القبور - / فصل من ذكريا ...
- من أوراق معلم / 1987 | السلسلة والخاتم
- وداعا صديقنا ( ميمون ألهموس ) من أشاوس أيت مرغاد
- في حضرة عرافة
- طقس الشاي وقدسيته
- الحل بين عناد رحل أيت مرغاد وتأويل النادل لسداد ثمن البراد
- تسبيح وحصى ..أمداح وقرآن يتلى
- من ذكريات التتلمذة / قصعة الكسكس
- من ذكريات التتلمذة بمدرسة تاشويت / التلاميذ وقصعة الطعام
- هوامش على هامش الحكم على زعماء حراك أحراش الريف
- جرادة....أنشودة الرغيف الأسود
- من ذكرى أبي عشق الراديو/ المذياع
- يوم بقرية بالجنوب الشرقي / أريج القهوة ولواعج العذرية
- من ذكرى أبي / ديك - تاحمدجوت -
- يوم بقرية بالجنوب الشرقي ( المغرب )
- الخطوة الأولى نحو المدرسة
- اللقاء الأخير
- الجمرة الخبيثة عراب موسم الخطوبة بإملشيل
- من ذكرى أبي الدراجة الهوائية


المزيد.....




- روسيا تدعي أن منفذي -هجوم موسكو- مدعومون من أوكرانيا دون مشا ...
- إخراج -ثعبان بحر- بطول 30 سم من أحشاء رجل فيتنامي دخل من منط ...
- سلسلة حرائق متتالية في مصر تثير غضب وتحليلات المواطنين
- عباس يمنح الحكومة الجديدة الثقة في ظل غياب المجلس التشريعي
- -البركان والكاتيوشا-.. صواريخ -حزب الله- تضرب مستوطنتين إسرا ...
- أولمرت: حكومة نتنياهو تقفز في الظلام ومسكونة بفكرة -حرب نهاي ...
- لافروف: أرمينيا تسعى عمدا إلى تدمير العلاقات مع روسيا
- فنلندا: معاهدة الدفاع مع الولايات المتحدة من شأنها أن تقوض س ...
- هجوم موسكو: بوتين لا يعتزم لقاء عائلات الضحايا وواشنطن تندد ...
- الجيش السوداني يعلن السيطرة على جسر يربط أمبدة وأم درمان


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - علي أحماد - ضرب على الدف في عرس بقرية ملاحة / كير الأسفل – صيف 1993