|
(قَنادِيلُ الغِيَابِ العَاشُورَائي : سُرَّةُ النَّارِ في جسدِ المَاءِ)
سعد محمد مهدي غلام
الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 15:40
المحور:
الادب والفن
(ثُلاثِيَّةٌ في العِشقِ، والفَقْدِ، والوَحْيِ الجَريحِ:تراتيلُ الحُبِّ المصلوبِ على ظلالِ الطفِّ والذَّاكِرَة)
تقدمة عامة:
ليست هذه القصيدة مجرّد نسيجٍ لغويّ، بل هي جسدٌ ثالث، يولد بين جسدين: الجسد الحبيـب، والجسد الشهيد. جسدٌ تُخاطره اللغة، لا لتحتويه، بل لتنجو منه. هي مكابدات الشعر والجسد والأسطورة: في "سُرَّة النار"حيث لا يعود الحبُّ مجرّد عاطفة، بل يتحوّل إلى طقسٍ ناريّ، معموديّةٍ حارقة تُمارَس على مذبح الغياب، حيث تختلطُ الأنوثة بالأسطورة، والأملُ بعاشوراء، وتصبح الأجسادُ أناجيلَ من ظلال، تمحوها الريح وتعيد كتابتها.
تمضي المقاطع الثلاثة كما تمضي مرايا الروح في ممرٍّ طويلٍ من النشيج، كلّ مقطعٍ منها يتبع بحرًا شعريًا مختلفًا مع تدوير احيانا وبتصرف يمليه فهم الشاعر للحداثة التفعيلية ، لا لغايات التباين الإيقاعي فقط، بل بوصفِ ذلك التنويع إشارةً إلى تعدّد أطوار الانخطاف: العاطفي، والمأسوي، والغيبي.
في المقطع الأول، نولد من خيط الغيم على خصر الشمس، في الثاني، نُصاب بالحبِّ كما يُصابُ الجسد بالسيف، وفي الثالث، نحاول أن نتذكّرنا، عبر قناديلَ لا تضيء، ورسومٍ كانت لنا ولم تعُد.
في هذه القصيدة، لا يَرثي الشاعرُ الحسينَ وحده، بل يرثي "الحبّ المُعلّق بين الأنبياء والنساء"، ويكتب أنشودةً لظلٍّ يبحث عن نافذة، ولقلبٍ يُحاول أن يؤمنَ رغم الغياب.
إنها صلاةٌ هجينة: صلاةُ المُحبِّ الذي لا يُريد أن يُسمِّي، لأن التسمية خيانةٌ للرعشة، ولأنَّ كلَّ ما تبقّى من الإنسان ربما هو هذا الحريق البطيء الذي نسميه قصيدة.
و القصيدة ليست نصًّا شعريًّا فحسب، بل مسارٌ سردي–تفعيلي–رمزي يَعبُرُ تضاريسَ الجسد والعاطفة والتاريخ، ليعيد تشكيل الحُبّ لا بوصفه انفعالاً وجدانيًّا، بل بوصفه أُسُّ الفقد، وجوهر الوجود، وأعمق تعبيرٍ عن الخلْقِ والخراب.
العنوان الرئيسي لا يُشير إلى مكانٍ أو عضوٍ فيزيائي، بل يُحيل إلى بؤرة التقاءِ الكينونةِ بالألم، إلى المركز الملتهب الذي منه تنبثق الرغبة، وإليه تعود الذاكرة مصابةً بالعطش.
أما العنوان الفرعي "تراتيلُ الحُبِّ المصلوبِ على ظلالِ الطفِّ والذاكرة"، فيحيل إلى طقسٍ مزدوج: – طقسٍ حسّي–عاطفي يُقام في الخفاء، – وآخر طقسٍ دمويّ علنيّ يُقام على صهوة التاريخ.
فـ"الحبّ" هنا ليس حالة وجدانيّة خالصة، بل كربلاء صغيرة داخل كل قلب، تُسلَب وتُحرق وتُصلب وتُبكى وتُبعث. هو أيضاً مأساةٌ معاصرة من وحي المجاز، تتناسل فيها مجازرُ الجسد، وسلالاتُ الطغيان، وخرائط الفقد.
القصيدة تتكوّن من ثلاثة مقاطع كبرى، وكلُّ مقطعٍ منها يشكّل طورًا من أطوار الطقس:
المقطع الأول (طين الخليقة )، يشبه فجرًا يُولد من رحم الطبيعة: وردٌ يتدلّى من الغيم، وشمسٌ عارية بخيطٍ على خصرها. لكنه فجرٌ يفتح على دم الطفّ، إذ يتحوّل الجمال سريعًا إلى رؤيا دامية، ويُقابل الجسدُ الحبيب بجسد العبّاس، ويُقابل الفجرُ برقصة الشموع على نهر دجلة وقد صار رمادًا.
المقطع الثاني هو ( صدور كن إنشاء الخلق) ، وهو الأشدُّ تكثيفًا: يتحوّل الحُبّ إلى شكّ وجودي، وإلى نفيٍ للغة، وتمردٍ على التسمية، ورفضٍ للحدود. فيه نقرأ تمجيدًا للحيرة، وهروبًا من المعاجم، وتقديسًا للجموح الجسدي والروحي، وكأن الشاعر يُناجي الحبيبة والغياب والله بلغةٍ واحدة، ويجعل من الحواسِّ إنجيلًا جديدًا.
المقطع الثالث فيركب موج عارم ، هو مقطع (رماد الحياة والسلطة والموت): حيث تبدأ الرموز بالانطفاء، وتتحول الأماكن إلى ظلال، والحبُّ إلى أطيافٍ هاربة في غرفةٍ كانت، في شارعٍ لم يعُد. كل شيءٍ هنا يتثاءب، يتأخر، يغيب، كأنَّ القصيدة في نهايتها لا تنتهي، بل تتداعى مثل مرآة مكسورة، لا يعود فيها الفرق واضحًا بين: القصيدة والحبيبة، كربلاء وذاكرة الجسد، البيت والمقبرة، المحبّ والعاشق المصلوب.
هذه القصيدة لا تُقدِّم الحُبَّ موضوعًا، بل تُنقّب عنه بوصفه أثرًا، وتوقًا، وهشيمًا، وتُعيد كتابة الطفّ، لا من منابر الخطباء، بل من سرير العاشقين.
هي قصيدة بلا حكمة، لكنّها مُحمّلةٌ بأعلى درجات الحقيقة الهشّة. قصيدة سكنّاها كما سكنّا القصائدَ من قبل، لكن هذه المرّة، لم يكن الحبّ موتًا… بل كان القصيدةَ ذاتها.
هذه القصيدة ليست مجرّد مقاطع متجاورة، بل هي معمارٌ شعريّ متعدّد البحور يتناوب فيه الرمل والكامل والمتقارب، كي يعكس اضطراب التجربة العاطفية والروحية التي تتوزّع بين النشيد، والمناحة، والرؤيا. في "قناديل الغياب"، تتجاور الحواسّ مع الأثر الصوفيّ، وتتلاقى المدن والأجساد والرموز في مسرحٍ داخليّ يضجّ بالأسئلة الوجوديّة، حيث لا خلاص إلا بالقصيدة، ولا شهادة إلا عبر الحُبّ. الأنثى هنا ليست حضورًا جسديًّا، بل كينونةٌ رمزية تتشكّل في لغةٍ متحوّلة، تتداخل مع التاريخ المقدّس، والأسطورة، والطقوس المطموسة في ذاكرة الجسد.
القصيدة:
تقدمة المقطع الأول :
ثلاث خطوات في ظلّ القصيدة
المقطع من أجزاء تشكّل تكوينًا ثلاثيّ البنية والبحر والإشراق. كلّ منها يُشبه ضوءًا في مرآةٍ تميل بين الذاكرة، والنبوءة، والارتجاف الوجودي.
في الجزء الأول مقاربة(الرمل)، تتكثف الطبيعة وتتماهى مع الجسد والعطر والنوم. حضور مسائي هشّ، يقطر من الغيم والندى، ويمضي من الزهرة إلى الطين.
في الجزء الثاني محايثة(الكامل)، تُستدعى كربلاء بصيغة صوفية / رؤيوية. كأن النبوّة تُفجّر الدم، وتُنزِف الأرض. التاريخ هنا ليس سردًا، بل جرحٌ مترتّل، يهتف باسم الغريب الذي لا يعود.
في الجزء الثالث مزاملة (المتدارك)، يتفكك الحب إلى ضوء، إلى تنفّس في العتمة. الذات تُدوِّن أسماءها في البخار، في ذاكرةٍ شمسيّة لا تقبض على شيء سوى الظل.
هذه التفعيلات الثلاثة لا تمثل بحورًا عروضية فحسب، بل تُعبّر عن تقلّب أنفاس التجربة الشعرية بين الخفة، والاحتدام، والانسياب. ويوظفها الشاعر بحرية إِعمال التفعيلات وفق تأويلتّة رؤيوية خاصة به...
تقدّمة الجزء الأول :
هذه القصيدة ليست رثاءً تقليديًا، ولا بكاءً على الطفّ، بل هي استنطاقٌ للنبوة المصلوبة في زمن الخيانة، ورحلة تأمّلٍ في معنى الشهادة حين تكون لغةً للكون، وحوارًا بين الدم والنبوءة.
يظهر الحسين هنا ليس بصفته الفرد المصلوب، بل بوصفه الوجهَ المضيءَ للحقيقة المغدورة، وصوت الجمال الذي لا يسع الأرض أن تحمله، فيعلو رأسه المحمول في مدارات الرؤيا، ويزرع وعدًا في صميم الغيب.
القصيدة تتحرّك من مشهدٍ كونيّ مائع، يتدلّى فيه المساء كأنشودة، نحو الطفوف، والرماد، والرؤوس، والنبوءة الغائبة... حتى تصل إلى نداءٍ رؤيوي بأن ما فُجِع به الزمن، سيُكتب مجددًا في آفاق النهوض.
1/ (وَشْمُ الضِّيَاءِ عَلَى جَبِينِ الرَّمْلِ)
يَتَدَلَّى المَسَاءُ فِي الظِّلِّ، حُبُّكَ يَسْكُبُهُ صَمْتِي. وَنُجُومٌ لَمَا تَقَبَّلَتْكَ، بَعْدَ السُّكُونِ، تَجِيءُ. تَجْثُو عَلى بابِ نَوْمِكَ، وَاللَّيْلُ يَمْضِي خَفِيفًا... كَنَفْسِ البُكاءْ. وَالنَّدى، حِينَ يَلْتَفُّ حَوْلَ الزُّهُورِ الخَجُولَةِ، يَنسى الطُّرُوقْ، يَنسى مَنابِتَهُ فَوْقَ جِلْدِ الرَّحِيقْ. هَكَذا يُولَدُ العِطْرُ مِنْ خَفْقَةٍ فِي القُرَى النَّائِمَاتِ، عَلى طِينِ أُمٍّ تُغَنِّي لِعُشِّ الضَّجِيجْ. فِي كُلِّ دَمْعٍ سَكِبْنَاهُ، يَحْيَا الْمَصْرَعُ
يَتَدَلَّى مَسَاءُ الغَيْمِ... أُنْشُودَةً فِي يَدَيْ، وَالرُّؤَى سَكْرَى، كَأَنَّ السَّنَا يَحْتَسِي مُقْلَتَيْ. فِي دَمِ الفَجْرِ، وَشْمٌ يُنَادِي... وَصَوْتٌ بَعِيدْ: -هَذِهِ الأَرْضُ تُصْغِي... وَهَذَا الضِّيَاءُ شَهِيدْ.
فِي سُيُوفٍ تُضِيءُ بِعَيْنِ المُوَاتِ، كُنتَ وَحْدَكَ، وَالحَقُّ فِي نَبْضِكَ انْفَطَرْ. فِي يَدَيْكَ البَيَاضُ يُرَتِّلُ صَمْتَ الدِّمَاءِ، وَالظِّلَالُ، كَمِثْلِ الرُّسُلِ، انْتَشَرْ. :وَفِي ظِلِّ الْمَصَابِ، تَزْدَادُ الْمَآسِي
زَيْنَبُ؟ تَسْتَجِيرُ بِفَجْرِ الضُّلُوعِ، تَسْتَدِلُّ الطَّرِيقَ عَلَى رَمْلِهِ الأَسْرِ. وَالسَّقَاءُ تَنَاثَرَ فِي وَجْهِ نَهْرٍ لَمْ يُجِبْ... لَمْ يُجِبْ... كَانَ يَبْكِي كَمِثْلِ القَمَرِ.
وَالصَّغِيرُ... يُنَادِي رُعَاشَ النَّشِيدِ، كَانَ يَبْكِي الحَنَانَ الَّذِي لَا يُجَابُ، وَالطَّفِيلُ الَّذِي فِي الظُّهُورِ أَتَى، مِنْ صَدَاهُ يُؤَجِّلُ وَعْدَ الغِيَابِ. :قَتْلُ الْحُرُوبِ، يَسْتَفِيضُ دَمُهُ.
أَيْنَ مَنْ كَانَ يُوقِظُ نَبْضَ الضِّيَاءِ، فِي خُيُوطِ العَطَشْ؟ أَيْنَ مَنْ كَانَ يَرْقَى جَبِينَ الرِّمَالِ وَيُسْقِطُ وَجْهَ القَبَائِلِ، أَنْ يَنْحَنُوا… لِلْقَدَسِ؟
هَذِهِ السَّاعَةُ انْشَقَّ فِيهَا الدُّجَى، وَارْتَفَى الصَّبْرُ... فِي سُجْدَةِ الطَّعْنَةِ الأُولَى، وَالطَّفِوفُ، كَمِثْلِ البَيَاضِ، تَغَسَّلَ فِيهَا الغُرَابُ، وَانْتَشَى المَلَكُ الْمُنْكَسِرُ... بِخُذْلانِهِ وَانْحِنَائِهِ.
مَنْ يُسَمِّي الدِّمَاءَ ضِيَاءً، إِنْ تَفَجَّرَ نَحْرُ الْجَمَالِ وَلَمْ يَرْفَعِ الآذَانْ؟ مَنْ يُرَتِّلُ فِي الجُرْحِ نَارَ النُّبُوَّاتِ، حِينَ السَّنَا يُقْتَلُ الآنْ؟ كَيْفَ أُصْغِي لِصَمْتِكَ، وَالأَنْبِيَاءُ يُمِيطُونَ عَنْهُمْ نُبُوَّتَهُمْ... فِي الرِّمَالِ، وَيَمْضُونَ؟!
رَأْسُهُ... كَانَ يَصْعَدُ، مِثْلَ الدُّخَانِ النَّقِيِّ، وَيُسْبِلُ وَجْهَ النُّبُوَّةِ فِي فَلَكٍ مُنْطَفِي. فِي المَسَاءِ الَّذِي فُقِدَتْ فِيهِ أَبْوَابُ مَكَّةَ، فَاحَ عِطْرُ الحُسَيْنِ، وَسَالَتْ عُيُونُ الصَّفَا وَالمَرُوَةِ.
رَأْسُهُ... أَيْنَعَتْ فِيهِ أَسْمَاءُ مَنْ سَيَجِيءُ، وَتَفَجَّرَ فِي عَيْنِهِ زَمَنٌ قَدْ تَأَخَّرَ حَتَّى يَجُوعْ. هَلْ رَآهُ المَلَائِكُ، أَمْ كَانَ يُخْفِي خِتَامَ النُّبُوَّاتِ؟ أَمْ كَانَ يُوصِي الغُيُومَ بِمَاءٍ لِوَجْهِ الرُّجُوعْ؟
فِي غَبَاشِ الزَّمَانِ... سَيَنْهَضُ وَجْهٌ، يَحْمِلُ النُّورَ، مَشْيًا، كَأَنَّهُ الآخِرُ المُبْتَدَا. كُلُّ مَا لَمْ يُقَلْ، سَيُقَالُ عَلَى شَفَتَيْهِ، وَالدِّمَاءُ الَّتِي فَاضَ فِيهَا الجَمَالُ، سَتُرَتِّلُ: قَدْ عَادَ، مَنْ فِي رُؤَاهُ انْشَقَّتِ الْكَوْنُ وَانْفَطَرَا. وَصْرَخَةُ الْمَظْلُومِ، فِي كُلِّ أَرْضٍ
الخاتمة :
ليس بعد الدم إلا النور، ولا بعد كربلاء إلا من يحملها في روحه ويقيمها صلاة. هكذا لا تنتهي القصيدة، بل تبدأ حين يُسْكَبُ الضوءُ من الرأسِ المسفوكِ... في قُدْسِ الغياب.
2/ (وَجْهُ الصَّبَاحِ يُرَتِّلُني)
حِينَ انْشَقَّتْ بِكَرْبَلاءَ، فَسَقَّتْ بِالدَّمِ الَّذِي فَجَّرَ الآمَالَا، تَوَسَّدَتِ الأَرْضُ جُرْحَ نَبيٍّ، وَجَاءَتْ خُيُولُ المَدَى تَسْتَقي مِنْ نَفْسٍ لَمَسْ حُسْنَهُ حُسَينُ، فَتَنَاثَرتْ نُبُوَّةٌ في النَّهرْ، وَانْحَنتْ كُلُّ رَايةٍ فِي انْكِسارِ الرُّؤى.
رَأَيْتُكَ، وَجْهُ الصَّباحِ يُرَتِّلُني كُلَّمَا شَالَني الحُزْنُ مِنْ طِينَتي، وَارْتَدَّ فِي الأُفُقِ الصَّوْتُ، يَهْتِفُ: -هَا :هُوَ ذا الغَرِيبُ الَّذِي عَادَ، مِنْ دُونِ بَابٍ، وَمِنْ دُونِ أَيِّ نُعَاسْ.
فَاسْجُدُوا لِلضِّيَاءِ الَّذِي لَا يُطِيقُ الوُقُوفَ، وَمَا زَالَ يَصْعَدُ فِي رَأْسِهِ اللهُ... فِي نَبْضِهِ الأَوَّلِ، فِي البَيَاضِ الَّذِي لَمْ يُلَامِسْ يَدًا، غَيْرَ خَيْلِ الطُّفُوفِ وَوَجْهِ النَّبِيّ.
كُلُّ مَا قِيلَ... مَاتَ عَلَى شَفَتَيْهِ، غَيْرُ ذِكْرَى تُصَلِّي عَلَى جُرْحِه، وَأَذَانٍ يُرَدِّدُ: -يَا أَيُّهَا المُغْرَبُ، عُدْ، فَالضِّيَاءُ انْطَفَى، وَالْقَمَرْ... صَارَ يَحْتَضِنُ الكُوفَةَ الآنْ. 3/ ها نَحْنُ نُغْلِقُ أَبْوَابَنَا بِمِفْتَاحِ جُرْحٍ، وَنَنْسَى الصَّدَى. أَكانَ اللِّقَاءُ غِنَاءً خَفيفًا؟ أَمِ احْتِرَاقًا، وَلا فُسْحَةَ؟
تَمُدِّي ضَوءَكِ، فَانْفَلَقَتْ كُوَى الرُّوحِ، عُدْ، واتْرُكِ النَّايَا يَسِيلُ مِنَ الصَّمْتِ ضَوْءُ النَّفَسْ، وَنَهْدَأُ... كَأَنَّ تُرَابَ الْمَسَا يُقَبِّلُ مَطْرًا خَرِيفِيَّ فَاتِرْ، كَأَنَّا نُسَافِرُ فِي نَفْسِنَا، بِلا وِجْهَةٍ، نَنْثَنِي فِي الظِّلَالْ، وَنَمْتَدُّ فِي الذَّاِكِرَةِ الشَّمْسِيَّهْ، نَكْتُبُ أَسْمَاءَنَا فِي البُخَارْ.
خاتمة
حين يكتب الجسدُ البخارَ…
لا تربط هذه المقاطع وحدة الموضوع بقدر ما تربطها وحدة الروح التي تتنقّل عبر الأشكال الثلاثة ككائنٍ شعريّ متعدد الأقنعة.
ففي نهاية الرحلة:
العطرُ يولد من ندى خائف
والنبوّة تنكسر على شاطئ الدم
والحبّ يُكتب على زجاجِ النفس، قبل أن يتبخر
هكذا ينتهي النص... لا إلى خلاص، بل إلى انفتاحٍ غامضٍ، حيث المساءاتُ تتدلّى، والغيابُ يُنشد، والظلُّ يُنقش باسمٍ لا يُرى.
تقدمة المقطع الثاني
هذه القصيدة لا تُروى، بل تُستعاد كأثرٍ غائر في طين الذاكرة. إنّها ليست اعترافًا بالعاطفة، بل محاولةٌ لِتأمُّلِ ما تبقّى منها بعد التورّط الكامل في الحب والقصيدة والغياب. يتشكّل النصّ عبر تسعة مقاطع تُحاكي مراحل التوتّر الداخلي، تنوس بين: -مساءات عاطفية مبتورة، وانبعاثات رمزية محمّلة بالدم، ونداءات بلا صدى، وخرائط لغوية تبحث عن ذاتها وسط التيه. لا شيء هنا يُقال بشكلٍ مباشر. كلّ شيء مشفَّرٌ بالصمت، بالسكوت، بالرماد. والتسمية، في القصيدة، ليست قدرة لغوية بل محنة وجودية. فـ "كيف أُسَمِّي الذي كان؟" هو سؤال الحب، وسؤال اللغة، وسؤال الإنسان الذي نجا بالكاد من عاطفةٍ غيّرت جلده.
(في الشرفة الأخيرة للهوى) ( انشاء. كن الخلق) 1/ كَيْفَ أُسَمِّي الذي كانَ بينَ الضُّلوعِ؟ أَهُوَ الحُبُّ؟ أَمْ وَهْمُ صُوفيٍّ تَاهَا؟ لَيْسَ قَدَّاحَ جِنٍّ، وَلا سِفْرَ أَسْرَارٍ، وَلا خَطْوَةً فِي دُرُوبِ النَّجَاةِ. ذَاكَ ما قَالَتِ الشَّمْعَةُ المُنْطَفِئَةْ فِي دِمَانَا — وَمَا كَانَ مِنْهُ نُوَاحَا.
2/ تَرَكْتِ بِالْجِسْمِ وَهْدَتَهُ، وَمَضَيْتِ، وَتَرَكْتِ صَدًى، كَصَوْتِ السُّكُونِ يَئِنُّ. وَغَابَةُ لَوْنٍ يُحَاوِلُ فِيكِ احْتِرَاقًا، فَهَلْ يُضِيءُ غَدِي في الدُّجَى وَيَكُنْ؟ أَمِ الأَمْسُ يَسْرِقُ مِنْ نَافِذَاتِ الضِّيَاءْ؟ فِي العُرُوقِ الَّتِي نَفَذَتْ مِنْكِ يَنْبُتُ وَرْدٌ أَخِيرٌ، وَنَزْفٌ يَقُولُ:- انْبِعَاثي. 3/ نُفَاضُ عَلَيْهَا كَمَاءِ السُّرُوجِ، وَلَهْبٍ يُحَاوِرُ نَفْسَ اللُّجُومِ، وَدَمْ، يَتَفَجَّرُ فِي نَبْضِنَا، وَمَدًى، لا يُقَاسُ، وَلا يُخْتَصَرْ، فِي حَيَاةٍ تَئِنُّ، وَمَوْتٍ أَبَى. رُبَّمَا لَيْسَ فِي الأَرْضِ إِلَّا الهَوَى، مَا تَخَيَّلْنَاهُ فِي غَفْلَةٍ، فَسَكَنْ، فَصَارَ هَوًى، لا يُرَى فِي المَرَايَا، وَلَكِنَّهُ يُقِيمُ بِذَاتِ السُّكُوتِ. 4/ فَلا تُسَمِّهِ، لا تَقُلْ:- إنَّهُ العِشْقُ، وَلا تَقُلِ الشِّعْرُ يُولَدُ مِنْ شَجَنِكَ، تَابِعْ رَقِيقَ الخطى، وَانسَ وَجْهَ الحُدُودِ، وَدَعْ لِلرُّؤى أنْ تُسَافِرَ فِي لَوْنِهَا. إِنْ نَكْتُبِ الآنَ، ضَاعَتْ حُرُوفُ انتِبَاهٍ، وَانْكَسَرْنَا كَمَنْ غَرَّبَ النُّورَ فِي غَيْهَبِ. 5/ كِلاَنَا يَمُقْتُ مَا يُسْتَجَابُ بِهِ، مِنَ الحَرْفِ إِنْ كَانَ فِيهِ الحَنِينُ جَلِيَّا، عَلَى وَرَقِ الغَرْقِ يَسْتَبْكِي جُمَلْ. آهِ، لَا أُرِيدُ عُيُونِي تَسُبْحُ، فِي مَدًى غَيْرَ عَيْنَيْكَ، يَا مُقْتَرِنْ. لَا أُرِيدُ انْتِمَائِيَ وَاضِحَةً، كَمَسَارٍ يُشِيرُ إِلَى أَوَّلِي، وَلَا أَنْ يُقَوْلِبَ عِشْقِيَ جَرْسٌ، وَلَا أَنْ يُصَاغَ هَوَايَ بِقَالبِهِ. 6/ كُنْتُ أُرِيدُ لَنَا لُغَةً جَامِحَة، تُفَجِّرُ فِي الجِسْمِ نَارَ اللُّقَاءِ، فَنَكْتُبُ رَغْبَتَنَا أَبْجَدِيَّهْ. خُذْنِي إِلَى شَكِّيَ المُرِّ، حَتَّى أُشَهِّي نُفُورِي وَأَمْزُجَ نَفْسِي، بِالْتِّيهِ، بِالصَّوْتِ، بِالضَّوْءِ، فِي أُفُقٍ يَتَفَجَّرُ كَالأُغْنِيَاتِ. 7/ كُلُّ شَيْءٍ كَمَا كَانَ، مِشْطٌ، كُرَاسِيُّ، وَأَوْرَاقُهَا، وَفُؤَادِي الفَرِيشُ، كُتُبٌ كَانَتِ الحُلْمَ، دَفْتَرُهَا الرُّوحُ، وَفِي الشُّرْفَةِ المُسْتَنِيرَةِ، تُسَلِّمُ أَحْضَانَهَا لِلْمُرِيدِ، بِصَمْتِ النَّشِيجْ. وَفِي أَوَّلِ اللَّيْلِ تَخْلَعُ شَمْسُ الضِّيَاءَ، وَتَمْضِي بِقَمِيصِ الغُيُومِ. لَا زَمَانٌ، وَلَا سَرِيرٌ، وَلَا أَرْضُهَا نَوْمٌ، وَشَجَرُ الهَوَى عَارِيًا يَتَرَكَّهُ، دُونَ انْتِحَابٍ، فِي ضَبَابِ الْمَصِيرِ. 8/ قُلْتُ:- هَلْ أَيْقَظَ اللَّيْلُ حُلْمَ الظِّلالِ؟ هَلْ تَمَشَّتْ شُمُوسٌ عَلَى العَاشِقِينَ؟ ظَنِّيَ الجُرْحُ فِيهِ ضِيَاءٌ دَفِينٌ، وَالوُجُودُ الَّذِي نَسْكُنُهْ… غِنَاءُ، غِنَاءٌ كَمَا يَنْبَتُ الحُبُّ فِينَا، بِحُطَامِ الَّذِينَ هَوَوْا قَبْلَنَا. 9/ يَدُهَا فِي يَدِي، وَالطَّرِيقُ سَرَابٌ، وَكِلَانَا غَرِيبٌ، يُحِبُّ الرَّحِيلَا. وَكِلَانَا غَدًا فِي السُّرَى لا يُرَى، يَمُوتُ بِفِرْشَةِ صَمْتٍ نَحِيلَا. فَسَرْبِلْ خُطَانَا بِأَشْبَاحِ مَا تَبَقَّى… وَهَيِّئْ لِوَجْهِكَ قُبْرَا. أَيُّهذَا الجَمِيلُ البَعِيدُ، تَرَيَّثْ، فَفِي جَسَدِ الْوَهْمِ يَسْكُنُنَا النُّورُ.
خاتمة
في الحبّ الذي لا يُسمّى، ولا يزول
لا تَخْتَتِمُ هذه القصيدة بإجابات، بل بتحوّلات. تنتقل من النور المنطفئ إلى الحنين المعطوب، ومن الأسطورة إلى تفكك الهوية العاطفية، ثم إلى سُرًى بلا يقين، وسرابٍ يسكن في الجسد مثل بصمة لم تُكتَب بعد.
الحبّ هنا ليس لقاءً، بل مسافة رمادية تُكتب في البخار، ولا تنعكس في المرايا. والمعجم، الذي يُفترض أن يكون أداة العشق، ينزف. والقصيدة التي يُفترض أن تحتضن الوجد، تجرح نفسها.
في هذا النسيج الدقيق، يُحوِّل الشاعر البوح إلى صمتٍ مقصود، ويتركنا نحنُ، القرّاء، عند حافة السؤال ذاتها: كيف نُسمّي ما لا يُسمّى؟ وكيف نُحبّ من لا يعود؟
تقدمة المقطع الثالث :
هذه القصيدة ليست مرثية لعاشقٍ، ولا وثيقة لخسارةٍ حسيّة، بل هي ارتحالٌ رمزيٌّ بين أروقة الحنين، واستدعاءٌ للظلّ حين يكتب اسمه فوق الحضور. في بنية شعرية تتكئ على البحر المتقارب، تُستدعى الرموز الكبرى: السيف، الشجرة، الدم، الصوت، والغياب، في صراع رؤيوي بين الحبّ كأُسطورة والانكسار كقدر.
إنها قصيدة تتلمّس اللغة في أقصى توتّرها، وتطرح أسئلتها الصوفية حول المعنى، والخلود، والهوى الذي لا يسكن قوالب الوصف بل يفيض عنها. في الغيومِ التي لا تُمسَك هذه القصيدة ليست نشيدَ حبٍّ تقليدي، بل تأمُّلٌ مرير في العلاقة بين الحبّ والخراب، الرمز والغياب، الجسد والأسطورة. يكتب المتكلم من قلب الفراغ: لا يُمسك بالعاشقة، ولا بالأرض، ولا بالذاكرة، لكنه يستحضرها جميعًا عبر تداعي صور غيميةٍ، سالبةٍ، تسير ولا تُلَمَس، وتَظْهَر دون أن تُثبت ذاتها. القصيدة تُراكم المقاطع كمَشاهد، تفيض بالرموز الروحية (المذبح، الذبيح، القنديل)، والتاريخية (كربلاء، يوليسا، دلفي، هيدرا)، لتخلق بنية أسطورية – وجدانية – تقويضية. أما البحر: المتقارب، فهو النبض المضمَر، يُطارد الحبّ كما تُطارِده الغيوم، يُنَغِّم الأسى دون أن يَعد بالنجاة.
(في مِحرابِ الذَّبيحِ ) (رماد الحياة والسلطة والموت)
1/ أَلَا تَرَها؟ تَمْشِي الشَّجَرَا، حُدَاءً، وَفي سُكْرِهَا وَقَارْ. تَجِيءُ لِتَشْهَدَ فِي الأَرْضِ، صَلَاةَ الجُرُوحِ عَلَى المِذْبَحِ. 2/ أَلَا تَرَ سَيْفًا بِلا غِمْدٍ، يَبْكِي، وَيَطُوفُ كَضَرِيرٍ. وَسَيَّافُهُ، بِلَا يَدِهِ، يُحَجُّ إِلَى مَسْجِدِ الذَّبِيحِ. 3/ كُلُّ الحُرُوبِ مِنَ النَّسْلِ: مِرْجَانَةٍ، وَسَمِيَّةَ، وَالعِمَامِ. وَهَا السَّهَرُ الآنَ قَنْدِيلُهُ، يُضِيءُ لِقَلْبِي مَجَالَ القَصِيدِ. 4/ أَأرْجِعُ حُبِّي إِلَى حِبْرِهِ؟ أُمَزِّقُ صُورَتَهُ فِي النَّظَرْ؟ أَقْرَأُ جِسْمِي، وَأَمْلأُهُ، بِالْحُزْنِ قَنْدِيلَ لَيْلِ السَّهَرْ. 5/ أَفَتْحُ الرُّسُومِ؟ وَهَلْ يَجْرِي الهَوَاءُ، يُدَاعِبُ أَطْرَافَهَا بِالهَوَى؟ وَيَثْغُو ظِلالٌ، وَثُمَّ انْثَنَتْ، وَمَضْنَ يُثَنِّي ظُهُورَ المُنَى. 6/ لَمْ يَكُنْ حُبُّنَا هُنَ هُنَاكَ وَفَاءٌ، أَطْيَافُهُ، مَا رَسَمْنَاهُ صَمتًا، فِي القُفْلِ، فِي قَبْضَةِ البابِ نَبْكِي، فِي وَجْعِ وَسَّادَةٍ… غَابَ خُطَانَا. 7/ كُلُّ هَذَا؟ أَتَخَيَّلُهُ فِي دِمَايَا؟ وَيُثْبِتُهُ غَيْمٌ عَابِرَاتٌ، غَيْمَةٌ لَمْ تُهَنِّئْ سَلامًا يَلُوقُ، وَلَمْ تَتْرُكِ الآنَ مِيعَادَ نَفْسِي. 8/ أَما الهَوَاءُ؟ فَهَلْ يَسْتَفِيقُ؟ وَلَا أَحَدٌ يَقْرَأُ الرَّسْمَ، صَامِتْ. كَيْفَ تُرَاوِدُنَا أُسْطُورَةٌ، إِذَا مَا تَوَارَتْ وَغَابَتْ سَرِيرَةْ؟ 9/ قُلْ لِي: مَا الَّذِي سَوْفَ يَبْقَى لَنَا؟ وَمَا الَّذِي يُشْعِلُ العَاشِقِينَ؟ كَلِمَاتٌ تَفُورُ كَدَمْعِ الجُرُوحِ، مِنَ المُعْجَمِ النَّازِفِ المُسْتَبَاحِ، مِنْ أَعْضَاءِ أَحْلَامِنَا البَاهِتَاتِ، مِنْ أَسَاطِيرِنَا البَعِيدَةِ، صَخْرًا. 10/ سِوَى قَوْلِ قَاتِلِنَا المُنْكَسِرْ: "كَتَبْنَا الهَوَى بِدِمَاءِ الغَضَبْ، وَعِشْنَا بِلا رَأْيَةٍ نَابِهَةٍ، وَسَكَنَّا قَصِيدًا جَرَحْنَاهُ، صَاحَ بِجُرْحٍ عَمِيقٍ." 11/ سَأمْشِي إِلَى ذَاكَ مَوْضِعِنَا، الَّذِي كَانَ صَيْفًا يُغَنِّي لَنَا، فِي رَمَادِ يُولِيسَا المُنْطَفِئِ، فِي لَيْلِ "دِلْفِي"، وَشَمْسِ "هِيدْرَا" الَّتِي كَانَتِ الضَّوْءَ، تَصْحُو وَتَغْفُو. سَأمْشِي كَمَا كُنْتُ فِي سِيرَتِي، وَهَوًى يَسْكُنُ الْأَشْجَارَ البِكْرَ، يَكْتُبُنِي.
خاتمة المقطع الثالث :
في النهاية، لا يعود الشاعر إلى يقينٍ، بل إلى أثرِ قدمٍ على رمادٍ، يمشي كما لو أن كلّ خطوة هي اعترافٌ مبطَّن، وأن الوجه الأخير للحبّ ليس وجهًا، بل قنديلُ أسطورةٍ انطفأت، وبقي رمادُها يُشعِل ذاكرة القصيدة. في اللغة التي تنزف من أطراف الأساطير القصيدة تَشتغل على حدود الاعتراف والانمحاء، تمحو التوثيق العاطفي لصالح كشفٍ وجوديٍّ للفراغ؛ تضع الحب في مواجهة الغضب، والعاشق في مواجهة قتيل القصيدة. تُغنيها كثافة الصورة، وانضباط الوزن، وتَخترقها توترات متعددة: بين "الظلّ" و"النار" بين "الرغبة" و"الأسطورة" بين "الرسم" و"التلاشي" وفي النهاية، لا تبني القصيدة بيتًا للحبّ، بل تسكنه في الشجرة التي لا تُورِق، والقصيدة التي تُجرَح عمداً، والموعد الذي لا يعود.
الخاتمة العامة :
ها أنا، أُغلقُ النَّصَّ لا كي أنتهي، بل كي أتركَ بابًا لِغيمٍ يعودُ، ولنَفْسٍ تُراوِغُ بيني وبينَ ملامحِها المبتلاة.
أَدفنُ حُبّي، لا لأنّي كفرتُ، بل لأنَّ الحُبَّ ـ يا مَن سكنْتِ ـ أشدُّ من الكُفرِ، أعلى من الحكمةِ، أوهى من أن يُنْسَى.
وها الجسدُ، ذاكَ المصلوبُ على أعمدةِ الغياب، قد صار كتابًا مفتوحًا لا يُقرَأ... لكنّه يُبكَى.
فلا تسألوا: من نَجا؟ ومن ظلَّ حيًّا؟ ومن حملَ اسمَهُ سالمًا من لهيبِ القصيدة؟
اسألوا: من ذابَ في الظلِّ؟ من حاورَ النارَ وأقنعها أن تكون له أمًّا؟
أنا كنتُ هناك. حملتُ التُّرابَ الذي قبّلتْهُ خُطاها، شممتُ الرّمادَ، وسكبتُ عليه ألفَ اسمٍ لها… ثم نسيتُ اسمي.
قد نُسجت هذه القصيدة لتكون امتدادًا وتأويلاً ختاميًّا للرحلة الثلاثية، في عوالم الحبّ والغياب والجسد والرماد
في هذه القصيدة، ليست الغيوم عابرةً في السماء، بل هي ما يتبقى من الأحبّة بعد أن يغيبوا، وما يظلّ معلّقًا في فضاء القصيدة بعد أن تنطفئ الأجساد. إنّ "قناديل الغياب" هي محاولة شعريّة لاستعادة اللغة من موتها، ولإشعاع
هوامش:
1- مسجد الذبيح: إشارة رمزية، تستلهم صورة الذبيح الإبراهيمي (إسماعيل/إسحاق)، وتتقاطع مع صورة الشهادة الحسينية، ما يمنح المكان طابعًا فاجعياً مقدّسًا.
2- مرجانة،: رمز مركّب؛ "مرجانة" تستحضر حكايا ألف ليلة ، ومرجانة: والدة عبيد الله بن زياد، والي الكوفة الذي كان مسؤولًا عن مقتل الحسين في كربلاء، رمز السلطة القمعية والتاريخ الأسود
3-"العمامة" فتومئ إلى المؤسسة الدينية وسلطتها التاريخية. الصامتة على جريمة قتل الحسين أو مشاركتها ضمن سور التاريخ. وهي تصوير رمزي للسلطة الدينية التي تقف أو تطوّع الضمير التاريخي لتبرير العنف والموت والقتل للمقدس والإنساني كتبرير نفعي لسلطان الهيمنة .
4-سَمِيَّةَ: بفتح السين وكسر الميم وتشديد الياء، وهي على وزن الصفة، بمعنى: ذات السُّمُوّ أو المتعالية (في النسب أو الادّعاء). مع الأخذ بالاعتبار : رمزية "مرجانة" في الانحطاط الأخلاقي، ورمزية "سميّة" في الزيف الأرستقراطي أو ادّعاء النسب والسمو، وكلاهما في خدمة القتل.
[( أن ابن مرجانة هو ابن الانحطاط الأخلاقي، وابن سَمِيَّة هو ابن السلالة المتعالية المغترّة بنسبها (وإن كانت قاتلة)]. مرجانة = الرذيلة / الدَّعارة / الانحطاط سَمِيَّة = السامية / النَّسَب النبيل / ترف القتلة
5-دِلفي (Delphi): مدينة إغريقية قديمة، كانت مركزًا شهيرًا للوحي والتنبؤات، تُستخدم هنا كرمز لمساءلة المصير والبحث عن جوابٍ لا يأتي.
6- هِيدْرا (Hydra): كائن أسطوري ذو رؤوس متعددة من الميثولوجيا الإغريقية، كلّما قُطِع رأس له نبتَ مكانه آخر. يُستخدم هنا للدلالة على التجدّد، والتناقض، وألم التكرار.
7-قاتلنا المنكسر: صورة مركّبة تجمع بين التوبة والاعتراف، وتحمّل القاتل دورًا رؤيويًا، إذ يتحوّل من الجلاد إلى منشدٍ للشقاء، مُعيدًا صياغة الجرح بالشعر.
#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
(دراسة عملياتية جيواستراتيجية)
-
(تحولات الهيمنة الغربية المنحدرة و المحور الأوراسي الصاعد.)
-
(أَناشِيدُ القَنْدِيلِ فِي كِتابِ الغِيابِ لِأَسْفارِ الرَّم
...
-
(قراءة في ديناميكيات المواجهة الكوكبية 2025-2026)
-
(تحولات النظام الدولي 2025-2026: انهيار الهيمنة الغربية وصعو
...
-
(انهيار النموذج الدولي الغربي: قراءة في ديناميكيات المواجهة
...
-
(صَمْتٌ يَكْتُبُهُ الهَامِشُ)
-
(غَيْمَةُ العَيْنِ تَسْقي زَنْبقَةَ الوَجْدِ)
-
(الحِرْمَانُ: مِلْحُ البَوْحِ) (صرخةٌ تتشكّل في فم الغياب)
-
4/ الجزء الأخير من الورقة البحثية الجيوستراتيجية
-
((شيءٌ من الفَرَجِ) مع (كَوَابيسُ وَجَعٍ إِسْكاتُولُوجيَّةٌ)
...
-
3/ (المواجهة الحرجة بين إيران والكيان الصهيوني بمنظور رؤيا ك
...
-
(طقوس العطر والغيم)
-
3/ورقة بحثية جيوستراتيجية (المواجهة الحرجة بين إيران والكيان
...
-
(مُرَاوِدةٌ شَقيَّةٌ لِلتَّرْجُمانِ بَعْدَ قِراءةِ -طَوْقِ ا
...
-
1/ورقة بحثية جيوستراتيجية (المواجهة الحرجة بين إيران والكيان
...
-
2/ورقة بحثية جيوستراتيجية (المواجهة الحرجة بين إيران والكيان
...
-
(هذَا الهوى كالسِّحْرِ)
-
(نشيد التحوُّل والضوء)(قصيدةٌ نثرية في هيئة نبوءة مُنكسِرة)
-
(حَلِّي إِزارَكِ- عند الأَصِيلُ المُشْتهى-المَخْدَعُ أَمينٌ)
المزيد.....
-
مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس
...
-
لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق
...
-
لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق
...
-
وصمة الدم... لا الطُهر قصة قصيرة من الأدب النسوي
-
حي المِسكيّة الدمشقي عبق الورق وأوجاع الحاضر
-
لا تفوت أحداث مشوقة.. موعد الحلقة 195 من قيامة عثمان الموسم
...
-
أزمة فيلم -أحمد وأحمد-.. الأكشن السهل والكوميديا المتكررة
-
بي بي سي أمام أزمتي -والاس- و-وثائقي غزة-... هل تنجح في تجاو
...
-
من هم دروز سوريا؟ وما الذي ينتظرهم؟
-
حسان عزت كما عرفناه وكما ننتظره
المزيد.....
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
المزيد.....
|