معتصم الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 8394 - 2025 / 7 / 5 - 08:22
المحور:
قضايا ثقافية
انحدار الذوق في زمن السرعة
في زمنٍ ليس ببعيد، كان العالم يُدار من فوق، من أبراجٍ فكرية شاهقة بَنَتها عقولٌ متقدة، لا تخاطب العامة، بل ترفعهم. كان الفنّ مرآةَ العمق، والأدبُ يُثقل الذاكرةَ بالجمال والمعنى، والثقافةُ تُعاش كقيمة، لا كزينة. أما السياسة، فكانت على علّاتها، صراعًا بين رؤى، لا مجرد سباق شعبيّات.
لكن شيئًا ما تغيّر.
هبطت النخبة من برجها، أو أُسقطت، لتجد نفسها مطالبة بالتحدث "بلغة السوق". لم يَعُد مطلوبًا من الناس أن يصعدوا إلى المعرفة، بل من المعرفة أن تنزل إلى مستوى "اللاشيء". الأذكياء باتوا يُبَسِّطون أفكارهم حتى تذوب، فقط لتُفهم. الفن انكسر ليُرضي المزاج السريع، والأدب تحوّل إلى جُملٍ قابلة للاقتباس، والسياسة صارت مشهدًا استعراضيًا بلا مضمون، المهم أن تُقال الجملة التي تُصفّق لها الجماهير.
صار الذوق يُصاغ حسب المزاج اللحظي، لا القيمة الخالدة. لم يَعُد يُهم أن يكون الشيء عميقًا، بقدر ما يُهم أن يكون "سهلَ التمرير"، "خفيفَ الهضم"، و"قابلًا للمشاركة".
ولأن الأغلبية هي من تُقرر الآن، أُعيد تشكيل كل شيء ليتناسب مع سطحها، لا مع عمقٍ لم تَعهده. تراجع الذوق، لا لأن القبح أجمل، بل لأن الجمال أصبح معقّدًا أكثر من اللازم لعالمٍ لا يملك وقتًا لفهمه.
وهكذا، لم يَعد الذكاء نافذةً على المستقبل، بل عبئًا يجب تخفيضه. ولم يَعد الفن سؤالًا، بل إجابةً جاهزةً تصرخ بالألوان. أما الثقافة، فتحوّلت إلى مجرد صوتٍ في ضوضاء لا تنتهي.
في هذا العصر، المعاناة لم تَعُد من الجهل، بل من فائض البساطة.
#معتصم_الصالح (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟