معتصم الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 8372 - 2025 / 6 / 13 - 17:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كنا في المرحلة المتوسطة.
في بداية السنة، جاءت إلينا مدرسة جديدة. جميلة بشكلٍ يصعب وصفه، لكن ما شدّنا أكثر لم يكن جمالها الخارجي، بل اتزانها، لطفها، واحترامها لذواتنا الصغيرة. كنا نظنها مدرّسة، لكننا اكتشفنا لاحقًا أنها أصبحت طريدة.
في يوم ما، لمحها مسؤول الحزب في المنطقة أثناء جولة مدرسية. لم نكن نعلم أن تلك النظرة ستكون بداية فصلاً دراميًا، حيث يتقاطع الجمال بالسلطة، والبراءة بالوحش، والملاك بالطاغية.
منذ تلك اللحظة، تغيّر كل شيء.
كلما ظهر الرئيس في التلفاز ليلقي خطابًا أو يتحدث عن "المعركة الكبرى"، كنا نعلم أن صباح الغد سيحمل إلينا "مسرحية الإجلال" في مدرستنا.
كان المسؤول يصل مبكرًا، يحمل جريدة فيها صورة الزعيم و"كلمته التاريخية". كنا نُجمع كالتماثيل في بهو المدرسة الداخلي. نقف. ننتظر.
المدرّسون يجلسون على كراسٍ متهالكة على يمينه ويساره. أما نحن، فكنا نقف في المنتصف، كجوقة ضائعة بين الوجود والعدم... بين الطهر والرجس.
لم يكن يفصل بين الملاك والشيطان سوى نظرة واحدة، تمتد من عيني المسؤول، تطوف على الوجوه، ثم تُثبت بصرها على هي.
كان يتحدث كثيرًا. حديثٌ لا يفهمه أحد. استعارات ميتة، كلمات جوفاء، إسهاب ثقيل. لحيته السفلى ترتجف كلما مضغ الشارب، وخزراته النارية ترتد على "الجمهور الناعم".
أما نحن، فكنا نختنق بالصمت.
بعد إحدى الجلسات، قال المسؤول:
"حديث القائد؟ لا أحد يفهمه. لا أنا، ولا أنتم، ولا حتى مفسرو الأحلام في أقاصي الأرض!"
وضحك، وضحكنا — أو تظاهرنا بالضحك.
لكن المدرسة لم تضحك أبدًا.
#معتصم_الصالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟