معتصم الصالح
الحوار المتمدن-العدد: 8346 - 2025 / 5 / 18 - 22:22
المحور:
الادب والفن
أنا لا أتحدث عن النسيان بعد الموت، ولا عن التوق إلى الخلود—فهذا أيضًا ليس سوى انعكاس لذاك القلق الوجودي العتيق. إنما حديثي عن نسيانٍ من نوعٍ آخر: أن تُنسى وأنت لا تزال حيًّا، خاصة في ذهن ووجدان الأصدقاء، رغم أنك ما زلت موجودًا في هذا العالم.
هذا النوع من الخوف ينبع من رغبتنا العميقة في أن يكون لوجودنا أثر في حياة من يعرفوننا. أن نشعر بأن وجودنا يختلف عن عدمنا في نظرهم. بعبارة أخرى، أن تكون حيواتهم مرتبطة بنا على نحوٍ يجعل غيابنا لا يمرّ مرور الكرام، وأن يظلّ طيفنا حاضرًا في وجدانهم دون دعوة أو استئذان.
لهذا الميل تفسيرات شتى: من طبيعتنا الاجتماعية، إلى ميول تطورية، أو ببساطة لوطأة الوحدة وثقلها. أياً يكن، فإن في دواخلنا أمنية صامتة: أن لا يكون وجودنا في هذا العالم مساويًا للعدم في ذاكرة الآخرين.
وهذا الميل، لدى بعض الناس، بالغٌ إلى حدّ أن النسيان والعزلة عندهم لا يختلفان عن الموت نفسه. تأمّل مثلًا أولئك المشاهير الذين خَبَت شهرتهم لأي سبب، وانمحت أسماؤهم من ذاكرة الناس—كأن موتهم الحقيقي وقع حينها، لا حين توقفت قلوبهم.
لكن إرادة الآخرين في أن يحتفظوا بنا في ذاكرتهم، ليست بيدنا. لا يمكننا أن نفرض على أحد أن يحملنا في وجدانه، فالعقل الحر لا تدركه يد طاغية، مهما بلغت سطوته.
ومن ثمّ، فإن منشأ هذا الخوف خارجٌ عن نطاق سيطرتنا. وفي أحسن الأحوال، قد نمنح الناس حبًّا بتدبير التاجر، على أمل ألّا يلقوا بنا جانبًا. ومع ذلك، لا توجد ضمانات. فلا التودّد التاجري، ولا الحبّ الخالص من المصلحة، يضمنان البقاء في قلوب الآخرين.
فكم من المحبّات كانت، في النهاية، مجرد ماءٍ صُبّ على أرضٍ بور.
#معتصم_الصالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟