لماذا يُهين الناس الآخرين: تحليل اجتماعي نفسي

معتصم الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 8108 - 2024 / 9 / 22 - 20:41
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

إهانة الآخرين هي ظاهرة منتشرة في جميع الثقافات وعلى جميع المستويات الاجتماعية. الأسباب التي تدفع الناس إلى هذا السلوك مرتبطة بشكل وثيق بعوامل نفسية واجتماعية. فالإهانة ليست مجرد تعبير عن الحقد أو الحسد، بل غالباً ما تكون آلية دفاعية يستخدمها الأفراد لتعويض نقاط ضعفهم الداخلية ونواقصهم.
عقدة النقص وعلاقتها بالإهانة
أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الشخص إلى إهانة الآخرين هو ما يُعرف بـ عقدة النقص. الأفراد الذين يشعرون بعدم الرضا العميق عن أنفسهم غالباً ما يشعرون بأنهم لا يتماشون مع المعايير التي يضعها المجتمع أو المحيطون بهم. قد يدركون نواقصهم، ولكن بدلاً من العمل على تحسين أنفسهم، يحاولون تعويض هذا النقص من خلال التقليل من إنجازات وفضائل الآخرين.
هذه الظاهرة تُفسر نفسياً على أنها محاولة للشعور بالتفوق. الأشخاص الذين لا يمتلكون مستوى عقلياً عالياً يرغبون في أن يكون من حولهم أقزاماً". يسعون إلى إحاطة أنفسهم بأشخاص يبدو لهم أنهم أقل نجاحاً أو قدرة، لأن ذلك يخلق وهم التفوق. في الواقع، هذا "النمو" غير حقيقي، ويقوم الشخص بخلق وهم قوته على حساب الآخرين.
الأدوار الاجتماعية وديناميكيات السلطة
غالباً ما تحدث الإهانة في سياق السلطة. بمجرد أن يحصل الشخص على بعض السيطرة على الآخرين، قد يستخدمها لإظهار تفوقه. هذا السلوك مرتبط بـ نظرية الهيمنة، حيث يسعى الناس في المجتمع عادة إلى هياكل عمودية، حيث يهيمن شخص على الآخر.
هؤلاء الأشخاص، بمجرد اكتسابهم للسلطة، يلجأون للإهانة كوسيلة لتعزيز مكانتهم. هذا السلوك يولد وهم السيطرة والتفوق. لكن في الواقع، كما تُظهر التجارب، فإن من يهين الآخرين غالباً ما يكون في وضع هش. رغبتهم في "التحرش" بمجرد أن تتاح لهم الفرصة، هي تعبير عن الخوف من فقدان السيطرة واحترام الآخرين.
الدوافع النفسية: آليات الدفاع
إهانة الآخرين تُعتبر أيضاً آلية دفاعية. الشخص الذي يمتلك تقديراً منخفضاً لذاته يستخدم الإهانة كوسيلة لحماية "الأنا" الخاصة به. قد يشعر بأن إنجازاته ضئيلة، وبالتالي يحاول تقليل إنجازات الآخرين. هذا يُقلل من قلقه وإحساسه بعدم الجدارة.
"إهانة الآخرين تعني إخفاء نقص طولك"، وهذه الظاهرة تُلاحظ في العلاقات الشخصية وعلى مستوى المجموعات الاجتماعية الكبيرة. الأفراد الذين يشعرون بأن وضعهم أو هويتهم مهددة، يسعون إلى إهانة الآخرين للحفاظ على مظهر الاستقرار.
انعدام الأمان الاجتماعي والجبن
الأشخاص الذين يُهينون الآخرين غالباً ما يكونون خائفين داخلياً من المحيطين بهم ومن نواقصهم الشخصية. في جوهرهم، هؤلاء الأشخاص جبناء. الجبن و قلة القلب هما صفتان شائعتان لدى هؤلاء الأفراد،. فالأمر ليس متعلقاً بالقوة أو السلطة بقدر ما هو مرتبط بالضعف والفراغ الداخلي. هؤلاء الأشخاص لا يمتلكون القدرة على التعاطف الحقيقي أو الاحترام، لأنهم لم يتعلموا احترام وقبول أنفسهم.
تأثير الثقافة والمعايير الاجتماعية
تلعب الثقافة والمعايير الاجتماعية دوراً كبيراً في تحديد كيفية ولماذا يهين الناس الآخرين. في بعض الثقافات، توجد تقاليد حيث يُعتبر الإهانة سلوكاً مقبولاً للحفاظ على السلطة والمكانة. ولكن في المجتمعات الأكثر تقدمية، يُنظر إلى هذا السلوك على أنه علامة ضعف وليس قوة.
من المهم أن نفهم أن إهانة الآخرين غالباً ما تحدث في ظروف تكون فيها الهياكل الاجتماعية شديدة التحديد. قد تكون الأسرة، حيث يشعر أحد الأعضاء بتفوقه على الآخر، أو العلاقات العملية، حيث يستخدم المدير موقعه لإهانة المرؤوسين، أو حتى مجموعات الأصدقاء، حيث يسعى شخص ما للهيمنة من خلال النقد والإهانة.
مواجهة الإهانة: كيف لا تصبح "قزماً"
كيف يمكن تجنب هذا الفخ من الإهانة، وكيف لا تسمح لنفسك بالسقوط إلى هذا المستوى؟ واحدة من النصائح الرئيسية هي تطوير الذكاء العاطفي والوعي الذاتي. فهم مشاعرك ودوافعك الخاصة يسمح للشخص بالتعامل مع نقاط ضعفه وعدم إسقاطها على الآخرين.
من المهم عدم الانخراط في هذه الدائرة المفرغة من الإهانة والنقد: "من الأفضل فقط الابتعاد أو طلب الابتعاد عن هذا الشخص الصغير بمقعده القصير والمُهين". هذا يعني أنه لا ينبغي للمرء أن يشارك في اللعبة التي تصبح فيها الإهانة هي القاعدة. البيئة التي تتقبل وتدعم هذه الأساليب دائماً ستكون سامة، والخروج منها هو الخيار الأفضل.
في النهاية، إهانة الآخرين هي نتيجة للضعف الداخلي وانعدام الثقة بالنفس. الأفراد الذين يلجأون إلى هذا السلوك غالباً ما يعانون من صراعات داخلية غير محلولة ويحاولون إخفاء نواقصهم من خلال إهانة الآخرين. لكن في عالم يتزايد فيه قبول الآخر واحترامه، تصبح هذه الاستراتيجية غير فعّالة.
العمل على تطوير الذات، وتنمية الثقة والاحترام للآخرين، هو ما يمكن أن يساعد الأشخاص على تجاوز هذا السلوك المدمر. الشخصيات القوية لا تحتاج إلى إهانة الآخرين؛ بل تخلق بيئة يمكن للجميع فيها النمو والتطور وفقاً لشروطهم الخاصة.

#معتصم_الصالح (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل