محمد طالبي
(Mohamed Talbi)
الحوار المتمدن-العدد: 8392 - 2025 / 7 / 3 - 00:47
المحور:
الادب والفن
في قيظ المتنبي.. حيث التاريخ يتناول التين
الشوكي..
كان صيفًا قائظًا بمدينة بني ملال، وتحديدًا بشارع المتنبي.
الشمس بدت وكأنها في خصام مرير مع الأرض، تنزل أشعتها اللاهبة كأنها لعنة ربانية.
لم اكن أدري بالضبط سبب هذه الخصومة الكونية وهذه العصبة الشمسية،
لكنني كنت أشاهد و ألمس آثارها واضحة العيان :
أجساد المارة تتصبب عرقًا،
السيارات تلفظ أنفاسها، و الاسفلت يعوي تحت الضربات المتلاحقة
حتى القطط والكلاب تلهث، بدت وكأنها تبحث عن ظل وطن.
وحدها الأشجار، لم تحرك ساكنة ،بدت كما لو أنها وقفت على الحياد، لم تشارك في هذه المعركة الضارية.
توقفتُ عند بائع تين شوكي، تلك القامة الباسقة التي يعجز العلماء عن حصر مزايا ثمرتها…
قبل أن تغتالها الحشرة القرمزية ذات صيف غابر في جريمة بيئية واضحة المعالم و المرامي و الاهداف .
قرب البائع، كان رجل ستيني يقف بهدوء:
جلباب أبيض، طول فارع، جسد نحيل… ووجه يشبه من عاش ألف حياة وحياة.
تبادلنا التحية انا وهو كان لشوشا ودودا. بدأنا حديثًا عن التين الشوكي، ثم سافرنا فجأة إلى عوالم أخرى:
تحدثنا عن السياسات العمومية، عن التاريخ، عن الحركة الوطنية…
عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، عن أحمد بنجلون، وسعيد بونعيلات.
ناقشنا محاولاتهم، اعتقالاتهم، بل حتى تلك الحكاية العجيبة عن محاولة إدخال باخرة أسلحة إلى المغرب.
ضحك الرجل الستيني… كانت ضحكته لا تشبه ضحكات من يمرون من هنا،
ضحكة هادئة، عميقة، فيها شيء من الحكمة، وشيء من السر.
ثم نظر إليّ وقال بنبرة لا تخلو من خبث الذاكرة:
ــ واش كتعرّف سعيد بونعيلات؟
ترددت لحظة، ثم قلت: لا شخصيًا، فقط من خلال الكتب…
ابتسم، مد يده نحوي، وقال بهدوء:
ــ أنا سعيد بونعيلات.
في لحظة، تحوّل التاريخ من فصل في كتاب، إلى شخص يبتسم لك وسط زحام القيظ، حاملاً في جلبابه نصف قرن من الأسرار، كأن الماضي كلّه كان يتناول التين الشوكي في شارع المتنبي.
..
رحمة الله عليك ايها الكبير.
#محمد_طالبي (هاشتاغ)
Mohamed_Talbi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟