أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد العرجوني - من هو المثقف؟














المزيد.....

من هو المثقف؟


محمد العرجوني
كاتب

(Mohammed El Arjouni)


الحوار المتمدن-العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 16:13
المحور: قضايا ثقافية
    


كلما طغت أحداث ما على الساحة الإعلامية، سواء كانت اجتماعية أو سياسية، محلية أو إقليمية أو دولية، تتوجه الأنظار إلى المثقف. وكل منظار يراه حسب فهمه، إلا أن الفهم الذي يبدو متداولا، هو الذي يضفي عليه صيغة المتعلم فقط. وهكذا كل من له درجة علمية معينة، وكل كاتب (شاعر أو قاص إلخ..)، يصبح مثقفا حسب هذا الفهم. فمن هو هذا المثقف؟

المثقف، الذي اعتبره - كما سبق أن وضحت وجهة نظري حول مفهومه خلال عدة مناسبات- هو ذلك الفاعل الواعي و المنخرط في ديناميكية التحولات الاجتماعية والسياسية المحلية او الإقليمية، بل وحتى الدولية، انخراطا عمليا أو/و فكريا. فحينما يتحدث جرامشي عن المثقف العضوي، أي كل مثقف واع بمتطلبات الطبقة التي ينحاز إليها، وملتزما بالدفاع عنها،وهي الطبقة العاملة كما يبتغي جرامشي، فإنه لا ينفي في نفس الوقت وجود مثقف عضوي ملتزم بالدفاع عن الطبقة البورجوازية أو الرأسمالية إلخ.... وانطلاقا من هذا المفهوم، وحتى لا نبقى حبيسي المفهوم الطبقي فقط، يصبح المثقف العضوي هو ذلك الإنسان الواعي بوجوده كضرورة قصد المساهمة في إعلاء شأن مجتمعه، اجتماعيا و اقتصاديا وسياسيا وفكريا، من منظور وعيه، اتجاه قضايا تهم بلده أولا، ثم قضايا إنسانية بشكل عام، معتمدا في ذلك على المبادئ الإنسانية التي تضمن الحقوق بين الشعوب والدول في إطار الاحترام والتعايش في سلام على أرض وجب الحفاظ عليها. هكذا أتصور المثقف. إلا أنه، قد لا يكون بالضرورة متعلما، لأن درجة التعليم ليست وحدها كافية لاعتبار شاعر مثلا، أو مبدع أو عضو بإحدى اتحادات الأدباء، إلخ... مثقفا إذا كان يفتقد لهذا الوعي. فالوعي بما يحيط بالمجتمعات كما بينا، هو المؤطر الرئيسي لكينونة المثقف، خلافا لما يعتقد البعض، حينما ينطلق من درجة التعلم وحدها، للحديث عن مفهوم المثقف، بينما هو في الحقيقة يتحدث عن المتعلم. فالمثقف إذن، هو دينامو المجتمعات، والصراعات التي تعيشها هذه المجتمعات، التي لا تخلو من بصماته، كونه حمال للإديولوجيات المتصارعة. أما الوعي، فهو بطبيعة الحال، ذلك التفاعل المبني على العقل والتأني وليس على الانفعال والنزَق، اللذان يتسم بهما كل شعبوي متعلم أو غير متعلم .

لكن هل المجتمع العادي مكون كله من فصيلة المثقف؟ بطبيعة الحال الجواب هو لا. يتشكل في العموم من طبقة، في الغالب، مغلوبة على أمرها، ولها مثقفوها، هي أيضا. لكن هل تصغي دائما لصوت مثقفيها، الذين يلتزمون بالدفاع عن مصالحها؟ بطبيعة الحال الجواب هو لا. لسبب بسيط، لأن المجتمع العادي تتجاذبه عدة خطابات، و لا يشكل كتلة واحدة متضامنة، حيث قد يصعب عليه إدراك الخطاب الذي قد يقترب من أولوياته، لأنه يفتقد لآلية التحليل والفهم، التي تعتمد على الوعي. أضف إلى هذا أن المثقف، بالمفهوم الذي أدرجناه، والملتزم بقضايا المستضعفين، غالبا ما يكون محارَبا من قبل المتحكمين في السلط المتنوعة : سياسية، اقتصادية، دينية الخ.. لهذا يجد نفسه محاصَرا من قبل كل هؤلاء المتحكمين في دواليب المجتمع، مادام يعارض طريقة تدبيرهم للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية التي غالبا ما لا تخدم المصلحة العامة. بل والأخطر من ذلك قد يجد نفسه محاصَرا، بل ومحارَبا من قبل حتى هؤلاء الذين يلتحم بهم عضويا وينخرط من أجلهم في جبهة الدفاع عنهم، سواء في عمل نقابي أو سياسي أو فكري الخ... بل وقد يرشقوه بالمتعالي والانتهازي وبالعدمي والمثالي، وفي بعض الأحيان قد يصيبوه حتى بالأذى الجسدي، ولنا عبر التاريخ أمثلة كثيرة إلخ...، وذلك بتحريض طبعا من قبل المتمسكين بامتيازاتهم على حساب هؤلاء المجيشين ضده، وهم غير واعين بان تجييشهم ما هو إلا تجييش ضد صوتهم و مصالحهم. وهكذا تنتفع الشعبوية وتُستغل عاطفيا لكبح أي تحرك للإنسان الواعي، اي المثقف. فتصبح الشعبوية هي المتحكمة في أحوال السياسة والثقافة والاقتصاد، بل وتتطاول حتى على الميدان الفكري رغم بعدها عنه، إلخ...

لكن في نفس الوقت، وتحت الضغط الناتج عن هذا التجييش، وعن الهجوم الشرس الذي يتلقاه المثقف من قبل المتحكمين، يمكن رصد بروز أربعة أنواع من المثقفين:

1- المثقف الانتهازي، الذي يسقط بسهولة تحت الإغراءات التي تهدف إلى تدجينه، ثم يصبح بوقا لمن أنعم عليه، فيُسوق لشعارات الشعبويين المجيشين بدون إحساس بالذنب، مادام يستفيد من هذا الموقف.

2- المثقف الذي يرضخ للضغوطات الشعبوية من غير إغراءات، فتجده أكثرهم حماسا منهم لشعاراتهم، ويكشف عن هشاشة في ثقافته ووعيه. إلا أن البعض من بين هذه الفئة، ورغم الرضوخ، قد يعيش نفسيا في سكيزوفرينيا تعذبه كلما انتبه لتناقضاته...

3- ثم المثقف الذي ينزوي إلى ركن مقتنعا أن الوعي شقاء حينما لا يؤدي إلى أي تأثير فيمن هم في حاجة إلى الانعتاق. وقد يُنعت بالمنهزم.

4- وهناك اخيرا المثقف الذي يصمد ويواصل تشبثه بما يؤمن به، إلا أن هذا النوع، مع الأسف قد لا يستفيد من التجارب جيدا بالرجوع إلى النقد الذاتي، عساه يواصل مهمته بكل ذكاء، وفي هذه الحالة، لن يكون له أي مفعول، اللهم أنه يكتفي بإرضاء نفسه بتشبثه بموقفه، كاشفا هكذا عن نرجسية قد تبدو غير مفهومة؛ إلا أنه وخلافا للراضخ، قد يتفادى السكيزوفرينيا. لكن، مع مرور الوقت، قد يبدو رجعيا غارقا في ماضوية يهدهدها الحنين، ومنغلقا على سلفيته.

هكذا، في نظري يمكن الحديث عن المثقف، لتفادي ذلك الفهم المبسط الذي يجعل من كل متعلم ولو بدرجة عليا في التعليم، أو بمستوى إبداعي مقبول، مثقفا، علما أن وعيه لا يرقى إلى ذلك المفهوم. أن تكون إذن حاملا لهذا النعت، ليس بالأمر الهين، خاصة حينما تعلو أصوات التفاهة، والشعبوية في الظروف الصعبة. ولنا في التاريخ عبر وأمثلة كثيرة.



#محمد_العرجوني (هاشتاغ)       Mohammed_El_Arjouni#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من منطق اللغة إلى منطق المتعة
- طغيان مفهوم التأدب في الأدب
- على هامش الجدل الحاصل بعد الإعلان عن جائزة آسية جبار لرواية ...
- قراءة في نص: لا أشجار مثمرة..
- تقييم بانفعالية كاسرة
- السياسة مصالح وليست مبادئ
- الحرب من أجل امتلاك النار la guerre du feu
- هل يظل الوعي حبيس كهف أفلاطون؟
- الفيس بوك يسمح بتسييج أروقة خاصة
- الناصح المغفل
- المرآة والوضعية الاندماجية
- هذي يدي..
- رسالة إلى جدي آدم ( آخر حلقة 3)
- رسالة إلى جدي آدم (2)
- رسالة إلى جدي آدم
- ديكتاتورية الأقلية
- من الإنسان العاقل إلى الوحش الكاسر
- فزاعة فوق رأسي
- الديمقراطية أصبحت خردة
- القضية الفلسطينية بين الخذلان والخنوع


المزيد.....




- قبل زفافهما المُرتقب.. من هي لورين سانشيز خطيبة جيف بيزوس؟
- رأي.. بشار جرار يكتب عن اعتداء كنيسة مار الياس الإرهابي: -لا ...
- -نصرٌ عظيمٌ للجميع-.. شاهد كيف علق ترامب على قصف منشآت إيران ...
- من هو زهران ممداني، المسلم المرشح لعمدة نيويورك؟
- الناتو يستجيب لمطلب ترامب بزيادة الإنفاق الدفاعي، والأخير يُ ...
- ما أبرز ما جاء من تصريحات عن إيران في لقاء ترامب وروته؟
- أضرار أم تدمير لمنشآت إيران النووية.. هل تستأنف إسرائيل الحر ...
- دول الحلف الأطلسي تؤكد تمسكها -الراسخ- بالدفاع المشترك وتتعه ...
- تعرف من خلال الخريطة التفاعلية على كمين القسام ضد جنود إسرائ ...
- هل يصمد وقف إطلاق النار الهشّ بين إسرائيل وإيران؟


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد العرجوني - من هو المثقف؟