حسيب شحادة
الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 00:51
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الطريق الطويلُ من يافا إلى نابلسَ
The Long Way from Jaffa to Nablus
(2016-1926) بقلم: كمال يوسف حبيب صدقة الصباحيّ
ترجمة حسيب شحادة
جامعة هلسنكي
בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון, 2021, כרך ג’ עמ’ 602-601.
طريق العَذابات
نلتقي اليومَ بالكثيرين المفتخِرين بالمسيرات والرِّحْلات لكيلومترات كثيرة. نشاهد إعلاناتٍ وامضةً على التلڤزيون تشجِّع المشاهدين على المشاركة في سباقات احتفاليّة في أماكنَ مختلفة في إسرائيل، في تل أبيب، حولَ بحيرة طبريا أو على جبل الطور وغيرها. كلّ هذا يُعيدُني إلى الوراء، إلى أيّام أُخرى من مسيرة مُضنية.
كان ذلك في العام 1941، أيّام الحرب العالميّة الثانية التي لم تصل يافا- حيثُ سكنّا أنا وشقيقي جلال - بخاصّة وفلسطين بعامّة. والدي، يوسف حبيب صدقة الصباحيّ، سكن في نابلس. نحن انتقلنا إلى يافا لنعتاش. مصادر الرزق كانت نادرة، وكان الاقتصاد في البلاد في حالة ركود حادّ بسبب الحرب. بالكاد أعَلْنا أنفسَنا ووالدَنا المسنّ. كنّا، لحُسن حظّنا، ما زلنا أعْزبين. عندما خلَت جيبُنا من التعريفة وجدنا دومًا أُذنًا مصغية لدى عمّنا حُسني إبراهيم صدقة الصباحيّ الذي كان بوضع اقتصاديّ جيّد نسبيًّا آنذاك.
ذات يوم في العام 1941، وصلَنا إلى يافا نبأُ وفاة أبينا يوسف. لم يكن ذلك السببَ الوحيد لإصابتنا بحزن وصدمة شديديْن. السبب الآخر، كان أنّنا نحن ابناه لم يكن لدينا المال للسفر إلى نابلس للمشاركة في جَنازته.
عدم المشاركة في الجَنازة كانت بالطبع غير واردة في الحِسبان. كان علينا الوصول إلى نابلس مَهْما يكُن. اِسْتَحْيَيْنا من إعْلام عمّنا حُسني بوضْعنا اليائس. قرّرنا استخدامَ المال الذي أقرضَنا إيّاه لتكاليف الدفن، ومن أجل التوفير في النفقات قرّرنا الذهاب من يافا إلى نابلس سيْرًا على الأقدام.
خرجَنا من يافا في ساعة مبكّرة في الصباح. لقدِ استغرق قطعُ مسافةِ الخمسة والستّين كيلومترًا بالرغم من اتّخاذ مسارات أقصر، أكثرَ من يوم ونصف اليوم. أقاربُنا في نابلس انتظروننا بمركبة وفوجِئوا جدًّا برؤيتنا نجرّ أرجلَنا مُتْعبين منهَكين نحوَ الحيّ في نابلس. حالَ وصولنا انطلق موكب الجِنازة إلى المَقبرة في حيّ راس العين.
حتّى اليوم، لا أعرف كيف استطعنا المشيَ مع علمنا بوفاة والدنا؟
#حسيب_شحادة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟