أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - قيمة تعلّم التوراة















المزيد.....

قيمة تعلّم التوراة


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 8370 - 2025 / 6 / 11 - 22:05
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


قيمة تعلّّمِ التوراة
The Value of Learning the Torah
By Kamāl Yūsuf Habīb Ṣadaqa al-Ṣabāḥi (1926-2016)
ترجمة ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון, 2021, כרך ב’ עמ’ 413–415.

تعلُّم التوراة في الماضي وفي الحاضر

عندما أنظر اليومَ إلى شباب الطائفة، لا سيّما الأولاد، لا أقدِر ألّا أعود وأدعوهم ”إِوْلاد الدلال/الشوكولاتة“، فكلّ ما يطلبونه يُعطى لهم بلا جِدال. كلّ شيء جاهز لهم. وعادة ينسون أن يقولوا ”شكرًا“، سامحهمُ الله.
صحيح، ثمّة واجبات ملقاةٌ عليهم، لم تكن موجودةً حينما كنّا بجيلهم. نظام التعليم آنذاك اختلف تمامًا، ليس كما اليوم، حيث عبء ثقيل من الفروض البيتيّة ملقًى على التلميذ. ولكن، إن تسألوني لأجبتُ لا شيءَ في العالم حقيق بأن نهمِل شيئًا من تعلّم تقليدنا، وبخاصّة القراءة في توراة الحقّ والحياة، فهي كلّ حياتنا، كلّ أيّامنا على هذه الأرض.
لكن القراءات في التوراة مختلفة. في طفولتنا وشبابنا، كنّا نقرأ في كلّ يوم سبت بعد الظهر، سِفرًا واحدًا أوِ اثنين من أسفار التوراة الخمسة. اليوم، من جهة أُخرى، إذا قرأ الولد نوْبتين أو ثلاثًا تراه يبدأ بالتذمّر، بأنّ ذلك أكثر من اللازم. وهنالك والدون يتأفّفون، ولا يروق لهم الإثقال على أبنائهم بحسب ادّعائهم. في أيّامنا، إذا ضُبط شخص غير مُصغٍ لقراءة آخرَ وانتبه المقرىء، الويل لنا وما حدث لنا كان رهيبًا، أمّا اليوم فيكتفون بالتأنيب الخفيف. المهمّ أن يقرؤوا.
هذا يذكّرني، أنّي في طفولتي وفُتُوّتي تعلّمت القراءة في التوراة، لدى الكاهن تَقي بن توفيق [بن خضر]، الذي كان كاهنًَا أكبر بين السنتين 1982–1984، رحمه الله. كنّا مجموعة غير صغيرة من الأولاد والفتيان، نتعلّم القراءة عنده. مجموعة مشابهة أُخرى كانت تتعلّم القراءة لدى أبي الحسن يعقوب، رحمه الله.

تعليم التوراة بالطريقة القاسية

ذات يوم، توجّه إليّ بعض أصدقائي من المجموعة التي قرأت عند الكاهن أبي الحسن وقالوا لي: ما رأيُك في الانضمام إلينا اليوم للقراءة؟ رفضت في البداية، إذ لم أرغب في إغضاب الكاهن تقي. حرِص كلّ واحد من الكهنة الذين علّموا القراءة على ألّا ينتقل أحدٌ من تلاميذه إلى كاهن آخر. كانت بينهم شِبه منافسة. كلّ واحد منهم اِفتخر بمجتهديه القادرين على قراءة كلّ آيات التوراة بدون أخطاء. توتّر شديدٌ رافق تلك المنافسة. آنذاك، كنتُ ولدًا صغيرًا ولم يكن لديّ أيّ علم بتلك المنافسة بين الكهنة.
بعد أن رجع أصدقائي وألحّوا عليّ بالانضمام إليهم وافقتُ. ذهبنا في ذاك السبت لقراءة التوراة عند الكاهن أبي الحسن. كنتُ واثقًا بأنّ مستواي في القراءة كان جيّدًا جدّا بالمقارنة مع الأولاد الآخرين. اِشتهر الكاهن أبو الحسن بسيرته الطيّبة. لم أخشَ أن أصلَ إلى وضع يستوجب التأنيب على أخطائي. لم أعرف أنّ الكاهن أبا الحسن، الذي أحبّته كلّ الناس، ها هو يسلُك مع من لم يقرأ جيّدًا، بصرامة شديدة جدّا.

عنده، كلّ واحد يجب أن يقرأ بلا أخطاء. لم يكن يتنازل عن أيّة غلطة. لم يميّز بين كبير وصغير، المخطىء نال عقابه حالًا. قال دائمًا لنا إنّ التعليم الجيّدَ يُنجَز بالوسيلة القاسية فقط. إذا أردت الحصول على المعرفة فلا بدَّ من العرَق. إنّ التساهلَ مع التلميذ المخطىء لن يفيد، أمّا الذي يعاقَب على خطأ ارتكبه فسيذكره ولن يكرّرَه. هذه كانت فلسفة القراءة لدى الكاهن أبي الحسن.


ثلاثون جلدةً

جلسنا متربّعين، قعدة شرقيّة، بخطّ أُفقيّ على السجّادة في الغرفة الكبيرة. لا أعرف ماذا حدث لي وعمّا فكّرت في تلك اللحظة. لاحظ الكاهن أبو الحسن بأنّي لا أُصغي (مِشِ مْتَبِّع) بل أنتظر دوري للقراءة. فما كان من الكاهن أن أوقف قراءة صاحبي وأمرني بمواصلة القراءة من ذاك المكان. لكن، كما قلت، لم أُصْغِ؛ حلمتُ. لم أعرف من أين أُواصل. لم يتطوّع أحدٌ من أصدقائي ولو بهمسة. رمقوني بنظرات فرحٍ ببليّتي.
لم ينتظرِ الكاهن أبو الحسن ولو ثانية واحدة. دعا ابنه يوسف، اليوم الكاهن الأكبر1987-1998، أمره بإحضار الهندزه - مسْطرة خشبيّة طويلة بحبل غير طويل [لا وجودَ لهذه الكلمة اليوم لدى السامريّين، كما أبلغني إلكترونيًّا صديقاي، الكاهن عزيز يعقوب النابلسيّ والأمين راضي صدقة الحولونيّ، في بداية العام 2023]. ابنه يوسف، الذي كان وجهه يشّع بالسعادة، قفز مسرعًا من مكانه لتنفيذ أمر أبيه. عرف الجميع ما يجب فعله. تطوّع قارئان آخران لمساعدة الكاهن. ربطوا رجليّ بالحبل، ألقوني على بطني وكفّي قدميّ متّجهتان إلى الأعلى. مهمّة يوسف كانت جلدي ثلاثين مرّة بالمسطرة الخشبيّة، بالهندزة، في حين كان أبوه الكاهن أبو الحسن يعُدّ الجلدات.
لستُ بحاجة لإخبارك، كيف أرعبَ صُراخي كلّ الحيّ السامريّ في نابلس. بعد كلّ جلدة زعقتُ بألم شديد. لاحظت أنّ ابن الكاهن أبي الحسن يشدّد في الجلد. ربّما كان ذلك بمثابة حسن الضيافة المألوفة، لمن لا يتعلّم القراءة عند أبيه. إن كنتم تظنّون أنّ أصدقائي أبدوا رحمة ما، وتعزيتي فأنتم مُخطئون. بالعكس، هم تحلّقوا حولَنا ضاحكين ومُستمتعين بتعذيبي.
عند انتهاء الجلدات، فكّوا رجليّ، جررتُ نفسي على ركبتيّ إلى مكاني. كفّا رجليّ اِزرقّا من الجلْد. لا أدري، حتّى اليوم، كيف تمكّنت من الوصول إلى البيت بعد هذا القصاص. وحال وصولي البيت، انطلقتُ إلى سريري متنهّدًا متأوّهًا، إلى أن ارتحتُ قليلًا.
حرِصت بعد ذلك ألّا أُصغي لإلحاح أصدقائي، للعودة والقراءة لدى الكاهن أبي الحسن. رجعت للقراءة عند الكاهن تقي. إذا ظننتم أنّي ضَغَنتُ على الكاهن أبي الحسن بسبب ما تلقّيت من الجلد، فأنتم مُخطئون مرّة أخرى. اليوم، بنظرة إلى الوراء، فإنّي أشكره على ذلك. لقد تعلّمتٌ بفضْل ألم الجلدات الإصغاءَ للقراءة، ولا سيّما حفظها جيّدًا غيبا. لست متأكدًا من وجود طريقة أفضل للتعليم اليوم. إنّ جروح/آلام تعلّم التوراة عسيرة، إلّا أنّ الغباء أعسرُ منها ألفَ مرّة.



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَن يريد الكذب فليُبعد شهادتَه
- نبّوت الكاهن يوسف الحادُّ
- ما حَدَثَ للكاهنِ الأكبرِ سلامة غزال
- تأثيل شعبي للاسم ’’ياسر عرفات‘‘ ساعد في إقامة المُتحف السامر ...
- المخطوطات السامرية في مكتبة يد يتسحاك بن تسڤي في القدس ...
- ما هي أكيس ?AKYS
- انتخابات يُحتذى بها
- شِعْر اقتصاديّ- حتّى لا ضربة خفيفة على الجناح
- الكاهن الأكبر يعقوب كاهن
- ثلاث كتابات قصيرة عن فنلندا
- كتابُ: 100 ابتكار وابتكار من فنلندا
- كلمات وعبارات عربيّة لبنانيّة في أوائل القرن السابع عشر
- الكاهن الأكبر الأخير من أبناء خضر/فنحاس إلعزر
- هكذا يُفعَل بمَن يسيء لشرف الكاهن الأكبر
- الحرب العالميّة الأولى، أُعجوبة مريم من نابلس
- في الحمّام في نابلس
- أيّها المشرّعون غير المحترمين، لقدِ اشتريتم خدعة نتنياهو دون ...
- بين سرقة العلم وسرقة المعرفة
- حزن يعقوب على موسى
- هرون بن مَنير في دمشق


المزيد.....




- إسرائيل تعلن عن أول وفاة جراء الهجوم الإيراني
- إصابة نائب تركي باعتداءات على نشطاء -قافلة الصمود- في مصر
- وسائل إعلام إيرانية: سماع دوي انفجارات في طهران.. واشتعال ني ...
- مسؤول إيراني لـCNN: سنستهدف قواعد أي دولة ستدافع عن إسرائيل ...
- شاهد.. دمار واسع في تل أبيب خلفه الهجوم الإيراني
- -التايمز-: إسرائيل لم تبلغ بريطانيا بنيتها ضرب إيران لأنها ل ...
- خبير طاقة مصري يكشف أسوأ سيناريو بعد الضربة الإسرائيلية للمن ...
- الحرس الثوري الإيراني: الضربات الصاروخية استهدفت 150 موقعا إ ...
- خبير عسكري مصري يكشف سبب قوة تأثير صواريخ إيران فرط الصوتية ...
- وزير خارجية الإمارات يجري اتصالات موسعة مع عدة دول لتجنب الت ...


المزيد.....

- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - قيمة تعلّم التوراة