أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - قِصص من السجن















المزيد.....

قِصص من السجن


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 21:07
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



بقلم الكاهن عزمي ابن الكاهن الأكبر، ناجي خضر الحَفتاوي 1936–2021
Stories from Prison
by the Priest ˓Azmī, Son of the High Priest, Nāğī Khaḍir al-Ḥaftāwī, 1936-2021

جامعة هلسنكي


בנימים צדקה (כתב וערך), אוצר הסיפורים העממיים של הישראלים השומרונים. מכון א. ב. ללימודי השומרונות, הרגרזים–חולון 2021, כרך ב’ עמ’ 572-570.

أخي عاطف، يَنبوعُ القِصص

دائمًا، كنتُ معْجَبًا بموهبة أخي عاطف الهائلة، نائب رئيس الكهنة الآن، في سرد القصص، التي سمعتُ بعضَها من والدي، الكاهن الأكبر، ناجي خضر، رحمه الله. لقد أصاب كبِدَ الحقيقة، عندما قال لك ذات مرّة، إنّه بإمكانه سرد مئات القصص، الواحدة تلوَ الأخرى، وكلّ واحدة مختلفة عن الأُخرى. أخي عاطف، كان حقًّا موهوبًا جدًّا في هذا المجال، ناهيك عن خصائصه الإيجابيّة الجمّة الأُخرى.
أجِدُني أستمع أحيانًا لقصّة من القصص، للمرّة التي لا أحدَ يعرف عددها، وفجأةً، أُدرك أنّي أتحمّس لما تسمع أذناي، لا أقلّ من مستمعين آخرين للمرّة الأولى. أظنّ أنّ موهبة كهذه هي عطيّة من الخالق، وإذا كان فيها ما يسُرّ المخلوقاتِ أو يُعزّي قلوبَ من فقدوا عزيزًا لهم، فما أحسن من ذلك؟
لذلك، بالرغم من أنّني لستُ من مُسنّي الطائفة، فأنا في العَقْد السادس من عمري، أسمح لنفسي أن أعود بعيدًا في السنين إلى الوراء، ليس لإحدى القِصص التي قصّها أخي عاطف، الذي أحترمه كثيرًا، بل لأسرد قصّة عنه. قصة أو حدَث جرى له، وموضوعه يحوم حول تلك الموهبة ذاتها، التي بورك بها أخي، أي إجادة سرد القصص. هذه الموهبة قد أنقذته من مصيبة كبيرة، وعن ذلك أقصّ لكم.

إنتاج مشروباتٍ روحيّة غيرُ قانونيّ

دخل شقيقي مؤخرًا عَقْده الثامن، وبالرغم من فارق العمر الكبير بيننا، أستطيع أن أسرُد حادثًا وقع أمامي ذات سنة، حيث كان معظمُ دخْلِ أبناء الطائفة الفقيرة من بيع العرَق، ذلك المشروب المسْكر بيتيّ الصنع، للمسيحيّين والمسلمين.
من المعروف، أن شُرب المشروبات الروحيّة ممنوع بحسب الدين الإسلاميّ، وكلّ من يُضبَط في تناولها أو في بيعها فسيلقى عقابًا شديدا. على الرغم من الحظر الشديد، إلا أن العديد من المسلمين (في الأصل: بني دين محمّد) لم يُعْرِضوا عن المشروبات الروحيّة، بل اتّخذوا كلّ الوسائل للحصول عليها. جاء الخلاص للسامريّين في نابلس لتلبية احتياجاتهم، على الرغم من أنّهم رسميًّا أنتجوا عرقًا لسوق الحرس البريطانيّ الصغير، الذي كان آنذاك في نابلس، وقبل ذلك تمتّع به الجنود الأتراك أيضًا. بطريقة غير رسميّة، غضّ المسؤولون عن القانون الطرفَ، إذا كانوا مسلمين، بشرط عدم ارتكاب المخالفة علانيةً، وهكذا استفاد الطرفان.
إلّا أنّه، لا أحدَ في العالَم يحسُب كلَّ خطوة يخطوها، وعليه ذاتَ يوم حلّت المصيبة بأخي، الذي عمِل كالآخرين بإنتاج مركّز للعرق لكلّ طالب عرضيّ. لسبب ما، سَها أخي عن الوُشاة في كلّ مناسبة ضد أبناء الطائفة والفرحين ببليّتهم. إنّه لم يتّخذ الاحتياطاتِ الأساسيّةَ المطلوبة من العاملين في إنتاج غير قانونيّ للخمور.

حمل أخي زجاجتَي عرَق، طلبهما أحد وُجهاء نابلس، وسار في طريقه لإيصالهما له، ولكن بدل أن يُخفيهما تحت معطفه، حملهما سهوًا علنًا. رآه أحد الوُشاة، فأبلغ السلطاتِ عنه على الفور. توجّه شرطيّ إلى أخي واعتقله حالًا للتحقيق المطوّل، وفي تلك الأثناء أسرعنا في إخفاء كلّ زجاجات العَرَق وحاويات التقطير؛ ثم اُستدعي أخي عاطف إلى المحكمة. وقف أخي بعد بضعة أيّام قدّامَ القاضي، بعد أن استشار جيّدًا محاميًا من عائلة علول النابلسيّة حول كيفيّة الردّ على أسئلة القاضي المحتملة .

سبعةُ أيّام سِجن بدلًا من سنتيْن

تلا القاضي على أخي لائحة الاتّهام، وفيها يتّهم المدّعي أخي بارتكاب مخالفة خطيرة، إنتاج مشروبات روحيّة، ويطلب من القاضي بأن يحكُم عليه بأقصى عقوبة يحدّدها القانون - السجن لمدة عامين . اِكتأب أخي إلّا أنّ قلبَه كان قويًّا بما فيه الكفاية ليردَّ على استجوابات القاضي.
القاضي: يا كاهن، هل تعترف بالتهمة، حمْل زُجاجتي عرَق بيديك لبيعهما لأحد المسلمين، وبهذا تدفعه لعدم أداء إحدى فرائض دينه الأساسيّة.
عاطف: إنّي أعترف بالحقيقة ولكن ليس بالتهمة.
القاضي: وكيف ذلك؟
عاطف: حقًّا، حملت بيديّ زجاجتي عَرَق لاستخدامي الشخصيّ وليس للبيع للمسلمين.
القاضي: إذا كان ذلك لاستخدامك الشخصيّ، فكيف تفسّر وجودَك بعيدًا عن منزلك والزجاجتان بيديك؟
عاطف: ليسمح لي حضرة القاضي أن أطرح حُجَجي. حتّى سنوات قليلة خلتْ، كنت مدخنَ سجائر شرِها. كنت آخذُ معي عُلبة سجائر كبيرة لكلّ مكان ذهبت إليه، وكنت أدخّنها الواحدة تلوَ أختها. بعد ذلك أدركت أنّ التدخين مضرٌّ بي. توقّفت عن التدخين، ومنذ ذلك الحين تحسّنت صحّتي.
هكذا كان بالنسبة لزجاجتَي العَرَق، شهِد شقيقي عاطف أمامَ القاضي - نعم، كانت بيدي زجاجتان لأنّني منذ بضعة أيّام أحببتُ الخمرة، فكنت أحمل العرق معي لكل مكان ذهبت إليه. وبينما كنت أرتشف من الزجاجة الأولى، شعرت بآلام شديدة في صدْري ، وعزَوْتُها على الفور إلى الشرب المفرط. قرّرتُ في اللحظة ذاتها الإقلاعَ عن احتساء المشروبات الروحيّة. وحضرة القاضي يرى، بأنّ صحّتي قد تحسّنت من ذلك الوقت. ما العمل، في اللحظة التي أخرجت الزجاجتين لسدّهما اتّفق أن رآني أحد أعدائي وبلّغ (فسد عليّ) الشرطة!
قهقه القاضي عند سماعه شرحَ أخي عاطف، وبالرغم من صراخ المدّعي، حكم القاضي على أخي بالحبس سبعة أيّام في السجن المحلّيّ. وفي طريقه لزِنزانة الاعتقال العامّ، لاحظ شقيقي أنّ في الزِّنزانة المجاورة موجود لوحده أحد معارفه العرب النابلسيّن، فطلب أن يوضع هناك. رفض رجال الشرطة، والخوف يشِعُّ من عيونهم، وحذّروا أخي بأنّ الرجل في الزنزانة المعزولة، هو سجين خطير، محكوم عليه بالشنق لقتله بالسكّين خمسة من أبناء القرية طلّوزة، بسبب شِجار على الأرض. هدّأ أخي عاطف السجّانين قائلًا، إنّه لا يخشى منه أيّ سوء. استجاب السجّانون وأسكنوه مع القاتل.

ليلةُ قِصصٍ نهايتُها سجْن

في الصباح، فوجئ السجّانون بأنّ أخي لا يزال على قيد الحياة. وقد دُهشوا أكثر عندما رأوا أنّ القاتل فرِح مرِح، بعد أن كان مضربًا عن الطعام لعدّة أيّام. ضحِك القاتل قُبالةَ السجّانين المندهشين وقال: لماذا لم تجلِبوا الكاهن عاطف إلى هنا قبل أسبوع. لقد قصّ عليّ طَوالَ الليلة قِصصا، وكل قصّة أكثر تشويقًا من سابقتها. لم أهنأ بمثل هذه الليلة الممتعة قطُّ.
اُستدعي مديرُ السجن من بيته عبرَ مكبِّر الصوت، ليمتّع ناظريه برؤية قاتل سعيد، وكاهن سامريّ بسّام. أعطى

مدير السجن أمرًا بتسريح شقيقي من الزِّنزانة وقال له: إن أفلحتَ بقصّتك أن تسترعي كلّ انتباه قاتلٍ خطيرٍ لهذا الحدّ، وتجعله يوقف الإضراب، فأنت تستحقّ الحريّة.



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قيمة تعلّم التوراة
- مَن يريد الكذب فليُبعد شهادتَه
- نبّوت الكاهن يوسف الحادُّ
- ما حَدَثَ للكاهنِ الأكبرِ سلامة غزال
- تأثيل شعبي للاسم ’’ياسر عرفات‘‘ ساعد في إقامة المُتحف السامر ...
- المخطوطات السامرية في مكتبة يد يتسحاك بن تسڤي في القدس ...
- ما هي أكيس ?AKYS
- انتخابات يُحتذى بها
- شِعْر اقتصاديّ- حتّى لا ضربة خفيفة على الجناح
- الكاهن الأكبر يعقوب كاهن
- ثلاث كتابات قصيرة عن فنلندا
- كتابُ: 100 ابتكار وابتكار من فنلندا
- كلمات وعبارات عربيّة لبنانيّة في أوائل القرن السابع عشر
- الكاهن الأكبر الأخير من أبناء خضر/فنحاس إلعزر
- هكذا يُفعَل بمَن يسيء لشرف الكاهن الأكبر
- الحرب العالميّة الأولى، أُعجوبة مريم من نابلس
- في الحمّام في نابلس
- أيّها المشرّعون غير المحترمين، لقدِ اشتريتم خدعة نتنياهو دون ...
- بين سرقة العلم وسرقة المعرفة
- حزن يعقوب على موسى


المزيد.....




- مغنية تؤدي النشيد الوطني الأمريكي بالإسبانية احتجاجًا على مد ...
- -أضرار جسيمة- بمستشفى بعد موجة صواريخ إيرانية في جنوب إسرائي ...
- قطر.. سفارة أمريكا تعلن تقييد الوصول إلى قاعدة العديد مؤقتا ...
- ‌‏وزير الدفاع الإسرائيلي: خامنئي سيدفع الثمن
- سياسة برلين الشرق أوسطية على نار الحرب بين إيران وإسرائيل
- الكربون في الرئة يكشف سر تطور الانسداد الرئوي
- مستشفى سوروكا يتعرض لأضرار خلال استهداف إيراني واسع في جنوب ...
- موسكو: ننتظر مقترحات واشنطن لاستمرار الاتصالات معها
- -أكسيوس-: الجيش الأمريكي وحده يحتفظ بسلاح حاسم في المواجهة م ...
- نتنياهو: سنجعل النظام في طهران يدفع ثمن القصف وسنزيد قصف إير ...


المزيد.....

- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - قِصص من السجن