أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - سوريا على عتبة التحول: من الإحياء السياسي إلى النهوض الحضاري














المزيد.....

سوريا على عتبة التحول: من الإحياء السياسي إلى النهوض الحضاري


اكرم حسين

الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 02:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليست كل لحظة سياسية قابلة لأن تتحول إلى نقطة انعطاف في تاريخ الشعوب، لكن في مسار الدول الخارجة من الحروب والانهيارات، يصبح كل حدث مفصلي مرشحاً لأن يكون بوابة عبور نحو مرحلة جديدة. ما تشهده سوريا اليوم ليس مجرد تبدل في الوجوه أو إدارة انتقالية، بل هو بداية انبثاق لتحول أعمق: تحوّل في الرؤية، في فلسفة الحكم، في وظيفة الدولة ومكانة المواطن، في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وفي تموضع سوريا داخل خريطتها الوطنية والإقليمية والدولية.
لقد جرى اختزال المشهد السوري طيلة العقد الماضي في سردية الموت والخراب، وصُوّرت البلاد وكأنها باتت حطاماً بشرياً وجغرافياً غير قابل لإعادة التشكيل. لكن الحقيقة الأعمق تكمن في أن هذا الانهيار المادي كان نتيجة مباشرة لانهيار سياسي-أخلاقي سبق كل ما تلاه. فغياب العقد الاجتماعي، وتغوّل السلطة الأمنية، وتآكل مؤسسات الدولة، وقمع التعدد، كلّها أسهمت في إنتاج مأساة مركّبة لا يمكن تجاوزها ببناء الجدران وحدها، بل بإعادة هندسة الدولة نفسها من جديد.
اليوم، ثمة مؤشرات تدل على بروز إرادة سياسية تسعى إلى بناء سوريا مغايرة، سوريا لا تكتفي بلملمة الحطام، بل تحاول إعادة تعريف ذاتها. فالدولة لم تعد قادرة على استئناف سرديتها القديمة، ولم يعد المجتمع مستعداً للقبول بالعودة إلى ما قبل لحظة الانفجار. إن ما بعد الحرب ليس امتداداً تلقائياً لما قبلها، بل محطة لإعادة إنتاج المعنى ، ومن هنا، فإن فكرة "النهوض الأعظم" لا ينبغي أن تُفهم فقط كمشروع لإعادة الإعمار، بل كإعادة تشكيل للذات الوطنية بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية والثقافية.
النهوض الحقيقي يبدأ من سؤال الدولة: أي دولة نريد؟ هل نريد دولة تقوم على التمثيل الحقيقي لمواطنيها، على التعدد والتوازن، وعلى الفصل بين السلطات واستقلال القضاء، وحرية الإعلام والمجتمع المدني، أم نعيد تدوير نسخة مشوّهة من الدولة الأمنية؟ فالنهوض لا يُقاس بمعدلات الإسمنت والحديد، بل بمدى احترام الحريات، ومدى عدالة توزيع السلطة والثروة، ومدى قدرة النظام السياسي على تمثيل التنوع السوري تمثيلاً فعلياً لا شكلياً.
إن سوريا الجديدة، التي يُراد لها أن تكون "أعظم" مما كانت، تحتاج إلى تفكيك بنية الاستبداد التي أورثت البلاد هذا الخراب. فالتغيير الجوهري لا يكمن في استبدال حاكم بآخر، بل في إعادة تعريف الحُكم نفسه: من سلطة فوقية ترى في الدولة ملكية خاصة، إلى سلطة تشاركية تعتبر نفسها وكيلة ومؤتمنة على إرادة الناس. هذه النقلة لا تُصنع بالشعارات، بل بمراجعات نقدية ومصارحة تاريخية، وبإرادة جريئة لفتح الملفات المسكوت عنها، وإعادة الاعتبار لكرامة الإنسان.
ثمّة أيضاً بعد ثقافي وأخلاقي لهذا التحول. فالمجتمع السوري الذي أُنُهك بالحرب والتشظي، يحتاج اليوم إلى إعادة بناء الثقة الأفقية بين مكوناته، كما يحتاج إلى سلطة شرعية تُنتج الثقة العمودية بينه وبين الدولة. إن إنتاج الثقة من جديد هو التحدي الأكبر: الثقة بالقانون، بالمؤسسات، بالعدالة، بالمساءلة، بالفرص المتساوية، بالتوزيع العادل للموارد، بالقدرة على الاختلاف دون خوف.
من جهة أخرى، فإن عودة سوريا إلى دورها الإقليمي والدولي لا يمكن أن تكون امتداداً لسياسات الماضي، بل يجب أن تنطلق من تموضع وطني متصالح مع الداخل، مستقل الإرادة، منفتح على الجميع دون ارتهان لأجندات الخارج. فقط حين يشعر المواطن السوري أنه يعيش في دولة ذات سيادة حقيقية، تمتلك قرارها، يمكن للبلاد أن تستعيد مكانتها الطبيعية في محيطها العربي والدولي.
لقد آن أوان أن تُبنى سوريا المستقبل على أسس جديدة: دولة مدنية، تعددية، غير مركزية في الإدارة، تتيح تمثيلاً فعلياً لمكوناتها القومية والدينية والمناطقية، وتقوم على عقد اجتماعي جديد يضمن الحقوق ويكفل الحريات. ولا يمكن لهذا المشروع أن يتحقق إلا عبر مرحلة انتقالية واضحة المعالم، تنقل البلاد من الفوضى إلى النظام، ومن الغلبة إلى الشراكة، ومن الخوف إلى الأمل.
القول بأن "القادم سيكون أعظم" لا ينبغي أن يكون مجرد تعبير طوباوي، بل وعد تاريخي مشروط بصدق النوايا، وبمدى الجاهزية لتغيير عميق في بنية السلطة، وبإشراك السوريين –كل السوريين– في صياغة هذا القادم. فالتغيير الذي لا يمر عبر الناس، ولا يراعي تطلعاتهم، سيبقى سطحياً، وعرضة للارتداد.
إن سوريا التي تنهض من تحت الركام اليوم، هي سوريا أخرى: لا تشبه تلك التي سقطت، ولا يمكن أن تُبنى بنفس الأدوات التي أوصلتها إلى السقوط. إنها سوريا الإنسان قبل النظام، والكرامة قبل الشعارات، والشراكة قبل السلطة. سوريا لا تتجمّل في الخارج بينما تنزف في الداخل، بل تتعافى من الداخل لتستعيد وجهها الحقيقي أمام العالم.
لهذا، فإن لحظة النهوض ليست فرصة تقنية، بل لحظة وجودية تقتضي حُسن اغتنامها، وإلا فإن البلاد ستظل تراوح في دائرة الإعمار المادي دون أن تبلغ المعنى الحقيقي للانبعاث.
سوريا تقترب من الحلم... لكن هل نملك الشجاعة والوعي الكافيين لجعل الحلم واقعاً؟ هذا هو التحدي الأخطر، والأعظم…!.



#اكرم_حسين (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 14حزيران :حين يتحول التاريخ إلى مرآة للذات الحزبية ؟
- - الفكر- الكردي السوري وسوسيولوجيا -الفشل- ...!
- الكرد في سوريا :من خطاب المظلومية الى الشراكة الوطنية
- عن نهاية الأحزاب الكلاسيكية في سوريا ؟
- عن المواطنة المتساوية في سوريا ...؟
- ليست اكاذيب بل حقوق...!
- تيار مستقبل كردستان سوريا: بين أزمة الهوية وتحديات التجديد . ...
- المجلس الوطني الكردي في قلب الرؤية الكردية المشتركة ...!
- سوريا بعد الأسد: بين تحذيرات روبيو وفرص بناء الدولة الديمقرا ...
- سوريا: الدولة المأمولة وخيارات التعايش
- سوريا الجديدة والحاجة إلى عقد دستوري جامع
- اتفاق 26 نيسان: من توحيد الصف الكردي ، إلى اختبار الوطنية ال ...
- البارزانية تيار جامع ...فلماذا هذا التشتت؟
- وطن واحد ، هوية متعددة ..!
- التكويع -... ابتعاد عن المبادئ نحو المصلحة وتآكل الثقة ..…!
- الأنظمة التي تضطهدوالكرد...تتحمل مسؤولية خياراتهم ؟
- من قامشلو: وحدة الموقف الكردي طريقُنا إلى سوريا جديدة بلا ته ...
- المازوت... ومعادلة السلطة والمجتمع في مناطق -الإدارة الذاتية
- الفدرالية بين الحقيقة والتشويه
- في مواجهة التشظي والفوضى:من يستعيد الدولة السورية؟


المزيد.....




- الكويت.. شجون الهاجري تحظى بالتضامن من زملائها على مواقع الت ...
- كيف علقت الصين على الضربة الأمريكية ضد المنشآت النووية الإير ...
- حصريًا لـCNN.. كيف سيكون رد طهران على هجوم أمريكا؟ متحدث باس ...
- مصر.. الحكومة تكشف عن خطة لعدم انقطاع الكهرباء خلال الصيف وخ ...
- بعد ساعات من استهداف المنشآت النووية الإيرانية.. واشنطن تقلّ ...
- الدفاع المدني السوري: 15 قتيلاً على الأقل وعشرات الإصابات جر ...
- فظائع في الظل.. كيف تمددت فاغنر في إفريقيا على أنقاض القانون ...
- سوريا: 15 قتيلا على الأقل في هجوم انتحاري داخل كنيسة في دمشق ...
- مدير مكتب الجزيرة في طهران: 3 جهات بإيران تحدد الخطوة القادم ...
- مساعد الذكاء الاصطناعي بواتساب يسرب رقم هاتف أحد المستخدمين ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اكرم حسين - سوريا على عتبة التحول: من الإحياء السياسي إلى النهوض الحضاري