نظام مبذر وشعب مسرف؟!

عبد المجيد محمد
(Abl Majeed Mohammad)

الحوار المتمدن-العدد: 8375 - 2025 / 6 / 16 - 01:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

من ميزات الحکومات التابعة للأنظمة الدکتاتورية، إنها تسعى لتبرير أخطاء النظام وإنحرافاته وفساده وکل ما يقوم به من أمور مشبوهة في غير صالح الشعب، وتتجاوز في تبريراتها الواهية هذه الى حد إنها تقوم بإلقاء تبعات تلك الاخطاء بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الشعب، وبطبيعة الحال فإن ما تطرحه وتقوله الحکومة في هکذا أنظمة بحکم الامور والمسائل المتمتعة بحصانة قانونية رغم إنها ليست کذلك، وکل من يقدم تفسيرات أو طروحات أخرى مغايرة لأخطاء النظام، فإن التهم الجاهزة تنتظره وأبواب السجون مفتوحة له على قدم وساق.
إيران التي تمتلك ثاني إحتياط للنفط والغاز في العالم ولها برنامج نووي يزعم النظام بأنه مخصص للأغراض السلمية، لکن وعلى الرغم من ذلك فإن الشعب الإيراني يعاني من أزمة الطاقة! وعندما يعرب الشعب الإيراني عن غضبه وإستيائه ويقوم بالاحتجاجات على ذلك ويطالب بتفسير لما يعاني منه بهذا الصدد، فإن الرئيس الإيراني مسعود بزشکيان، وبدلا من الاعتراف بالفشل والبدء بإصلاح الهياكل الإدارية المتهالكة، يلجأ الرئيس وبعض وزرائه إلى لغة التجريح واتهام المواطنين بالإسراف، وهي سياسة لا تحل المشاكل بقدر ما تهدف إلى التغطية على العجز الحكومي وتتسم بکل وضوح بهروب واضح الى الامام!
خلال الاسابيع الماضية، إنبرى بزشکيان في معرض تبريره لأزمة الطاقة فيما يتعلق بإنقطاع الکهرباء وشحة الغاز، قائلا:" الإيرانيين يستهلكون الغاز والكهرباء بمعدلات تفوق المتوسط العالمي بأضعاف"، ومع إن هذا التصريح يتمتع الى حد ما بالدقة الاحصائية، غير إنه وفي نفس الوقت بمثابة تحريف مفضوح لأصل وحقيقة المشکلة.
واجب الحکومات التي مهمتها تکمن في خدمة الشعب وتسيير أموره على أفضل وجه و إدارة الموارد وتحديث البنية التحتية المتهالكة لتحقيق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك وليس توبيخه وتقريعه کما يفعل بزشکيان الذي يحاول من خلال ذلك إخفاء فشل فريقه الاقتصادي والفني في إدارة أزمة الطاقة، وتحويل انتباه الرأي العام عن المطالب الحقيقية.
الملفت للنظر هنا، إن هذا الاسلوب من إلقاء اللوم في المشاکل والازمات التي يعاني منها النظام الإيراني على الشعب، لم يقتصر على مجالي الغاز والکهرباء بل وبنفس السياق فقد إدعى وزير الجهاد الزراعي في تصريح مماثل أن"استهلاك السكر والزيت النباتي في إيران يفوق المتوسط العالمي بمرة ونصف" لكنه لم يوضح لماذا لم تتمكن وزارته، التي توصف بأنها "من أكثر المؤسسات الحكومية ترهلا"، من معالجة أزمات وجودية مثل أزمة المياه، وتآكل التربة، وتدهور الإنتاجية الزراعية. فبدلا من إصلاح منظومة الزراعة والثروة الحيوانية، اختارت الوزارة الطريق الأسهل: اتهام الشعب.
هذه الحلقة المفرغة لا تتوقف عند وزيرين، فالهيكل الإداري للحكومة أصبح أزمة بحد ذاته. على سبيل المثال، "تضم وزارة الاقتصاد وحدها 2600 مدير"، وهؤلاء المدراء لم تكن نتيجة عملهم تحسين الوضع الاقتصادي، بل "تصدير الأزمة إلى موائد المواطنين وحياتهم". هؤلاء المسؤولون، الذين يشكلون عبئا ماليا ثقيلا على المجتمع، هم أنفسهم من يدعون الناس بدون مواربة إلى "الصبر والقناعة"، ويصفون أي مطالبة بحياة كريمة بأنها "بذخ وتبذير"، لکن الحکومة في نفس الوقت لا تتصدى لمواضيع نظير ما يتم صرفه في مجال التسليح وفي مجال تعزيز الاجهزة الامنية وتقويتها أو فيما يتم صرفه وتبذيره على تدخلات النظام في بلدان المنطقة والنشاطات المشبوهة ذات الصلة، لکن الکارثة والمصيبة تکمن في إن ضحايا سياسة الإذلال والخداع هذه ليسوا الطبقات المترفة أو أصحاب الامتيازات، بل الشرائح الفقيرة والأكثر هشاشة في المجتمع. هؤلاء المواطنون الذين يعانون من ارتفاع الأسعار وانقطاع الخدمات الأساسية، عليهم أيضا أن يتحملوا "لغة التجريح من مسؤولين" لا يعرفون معنى الألم ولا يسعون لعلاجه. في هذا الهيكل المقلوب، "المواطنون لا يحملون عبء الأزمات على ظهورهم فحسب، بل يتم تصويرهم على أنهم المتهم الرئيسي فيها"!

#عبد_المجيد_محمد (هاشتاغ)       Abl_Majeed_Mohammad#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل