فتحي علي رشيد
الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 23:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من كان يتخيل قبل يوم 29 أيار من عام 2025 أن يُرفع العلم الأمريكي في منزل المبعوث الأمريكي لسوريا في دمشق ، بما يعني أن سوريا قد تحولت من عدو إلى صديق وحليف لأمريكا قائدة الاستعمار، والحامية الأولى لإسرائيل ولضم الجولان السوري لها ، ولسلخه (وطبعا فلسطين ) عن امهم سوريا ؟
سوريا التي طالما تغنينا أنها قلب العروبة النابض بشعبها الذي يُجسد قيم الصمود والإباء والشمم ، ومناهضة مشاريع أمريكا والصهيونية في سوريا والمنطقة منذ أن رُفع علم الثورة السورية في السويداء عام 1925 .
باعتقادي أن الإنسان الحر والشريف سوف يتألم أكثر عندما يعرف أن السبب الكامن وراء هذا التغير في المواقف من أمريكا ليس بسبب تغير موقف أمريكا من سوريا، بل بسبب أن الرئيس الأمريكي فقط قرر رفع العقوبات عن سوريا لأغراض لم يتحدث عنها صراحة ، ولابد للمرء من أن يتألم أكثر للفرح والرقص عندما يسمع بعض الأصوات السورية المرحبة برفع العقوبات حتى لو كان ذلك لقاء اعلان حكومة الشرع التوقف عن معاداة إسرائيل .
إذا كان سميح شقيرقد قال يا حيف على نظام قتل شعبه فإننا نردد معه يا حيف على كل من يؤيد من الشعب السوري فكرة اعتبار إسرائيل جاراً له و أنها ليست عدواً ,وهي من تحتل أرضه وتستبيحه كل يوم تقريباً ، هذا ناهيك عن احتلالها لفلسطين . من كان يتصور أن أي من أبناء الشعب السوري يمكن ان يُهلل لأمريكا ولمطالبها وتُرفع صور ترامب عاليا في سماء دمشق لمجرد أن أمريكا قررت رفع العقوبات عن بلدهم ؟
من يصدق أن حكام بلد أبادوا 125 مليون من سكان أمريكا الأصليين وهجروا الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين من بلادهم يمكن ان يكون رحيماً بالسوريين حالياً ؟ هل يمكن لمن قدم لهم مئة الف طن من القنابل لإسرائيل لتبطش بالفلسطينيين ولتدمر ثمانين بالمئة من أسلحة جيشهم التي دفعوا ثمنها من دمهم وعرق أبنائهم أن يكون عطوفاً على السوريين او كريماً معهم ؟
كل من يعرف أمريكا يعرف أنها لن تدفع فلساً لسوريا أولغيرها الا ليحصلوا مقابله على أضعاف . بما يعني أنها برفع العقوبات لن تدفع فلساً واحدا لسوريا بل لتجرها على طريق المولاة لها ولربيبتها إسرائيل مثل بقية الأنظمة العربية .
ان فرض العقوبات على سوريا أو على غيرها من البلدان بالطبع مرفوض وهو هو جريمة ، يُفترض أن يُحاسب مرتكبها مثلها مثل جريمة التجويع والقتل بالرصاص . ومن المهم بمكان الاضاءة هنا على أن العقوبات لم تُفرض على النظام المجرم الذي كان يقتل شعبه ، بل فُرضت على الشعب السوري لأنه هب وثار على ذاك النظام .كي تجعله يركع . لذلك نُذكر من نسيَّ أن النظام لم يتأثر بفرض العقوبات على سوريا بل كان مسروراً لأنه اتخذ من فرضها ذريعة للبطش بالشعب الثائر ضده، من ناحية كما أنه صورمن ناحية أخرى لأنصاره في سوريا وبلدان العالم المتحالف معه أن العقوبات فُرضت على سوريا لأن النظام الحاكم رفض الخضوع للمطالب الأمريكية والإسرائيلية لأنه كما يدعي هو أنه نظام مقاوم وممانع (مع أنه لم يُطلق طلقة واحدة على إسرائيل من 55عاما.)
يمكننا القول أن النظام وأعوانه عمد الى استغلال العقوبات عليه في جعل الشعب السوري يرضخ لسرقات النظام وأعوانه وشبيحته وجعله يتكيف مع عمليات التجويع التي كان يمارسها ذد شعبه بخجة العقوبات المقروضه على نظامه ، وأن هذا الواقع المفروض عليهم انما هو هو نوع من المقاومة والصمود في وجه أمريكا وإسرائيل ، في حين تظهر الوقائع ان النظام كان يستخدم الحصار والتجويع في أكثر من ألف بلدة وقرية كسلاح لتركيع الناس حتى الموت ، وكان يرفض ادخال المساعدات ويساوم الامم المتحدة على إدخالها للشعب المجوع عبر تركيا ، واتخذ منها وسيلة لتركيع من لم يركع ، حيث كان يُشرف على عملية إدخالها ويُصر أن تكون تحت رعايته كي يوزعها على مرتزقته ومؤيديه بما يجعلهم يلتفون حوله وبما يجعل الشعب المقاوم يركع ويستسلم لمطالبه هو ومن خلفه للمطالب الامريكية والصهيونية.
كل من تابع الملف السوري يعرف جيداً أن العقوبات التي فرضتها أمريكا والغرب على سوريا لم تُلحق أي اذىً بنظام بشار الأسد بل ساهمت في مده بأسباب البطش وزادت من قًوته وقوة مواقعه ومواقع أعوانه . فجمعوا وسرقوا وهرًبوا خلال فترة فرض العقوبات ما يزيد عن خمسين مليار دولار للخارج بعلم أمريكا . بينما أُفقر الشعب السوري وجُوع ،بحيث لم يعد راتب الموظف يكفي أسرته للعيش لأكثر من أسبوع فقط ، مما حرم المواطن من أهم مقومات الحياة بما يجعله يتقبل مضطراً فكرة الاستسلام ويقبل بالشروط الأمريكية المُذلة والمُهينة. وهكذا حقق النظام وأمريكا ومن خلفهم إسرائيل الهدف الحقيقي من عملية فرض العقوبات.
العقوبات الأمريكية على سوريا كسياسة و كما يقول المثل "ضربت فيها عصفورين بحجر واحد" فقد حققت أمريكا من عملية فرضها أولا ما كانت تسعى له من خلال اضعاف مقدرات الشعب السوري وتسهيل خضوعه ومن ثم استخدمت عملية رفعها كي تحتويه ضمن مخططاتها في المنطقة . فهل يمكننا القول ان لم يعي الشعب السوري المخاطر القادمة المحيقة به أن رفع العقوبات هنا في هذه الحالة لن تكون في مصلحته كشعب بل ضد مصلحته السياسية مستقبلا وستكون مدمرة كما يفعل المنشار في الذهاب والإياب، اذ أنها ستستخدمها كسلاح مجدداً موجها ضد الشعب السوري للقبول بالمطالب التي ستفرضها أمريكا وفقاً لاجندتها السياسية في المنطقة.
يمكننا التأكيد أن فرض العقوبات مثل عملية رفعها كانت وما تزال وسيلة استخدمها أمريكا لتحقيق أغراض واهداف سياسية لها ولحليفتها إسرائيل . فإذا نجحت عملية فرضها في عملية التركيع فهذا لأنها تعلم تماماً أن عملية رفعها ستؤدي إلى احتواء البلد وستجعل منه على المدى البعيد تابعاً ذليلاً وهو أمر أخطر من عملية التركيع .
فها هي العقوبات مفروضة على الشعب الفلسطيني في غزة منذ عشرين عاما والى الآن لم تجرؤ أمريكا على ارغام إسرائيل على رفعها عنه رغم القتل الوجشي الذي يتعرض له يومياً والابادة وهذا فقط لأنه ما زال يقاوم ويرفض الخضوع، مما يعني أن المستهدف الحقيقي والفعلي من فرض العقوبات كان وما يزال هو كسر إرادة وموقف الشعوب المعارضة للاستسلام ـ بما في ذلك الشعب السوري (وليس النظام الذي منع اية مقاومة للاحتلال منذ عام 1974 ) ما يعني أن عملية رفعها لم تتم الا بعد ان تكون قد نجحت عملية فرضها في كسر مقاومة الشعب وجعل غالبية أبناء الشعب المجوع مستعدة لتقبل حكم أي نظام يجعل أمريكا وإسرائيل ترضيان عنه ـ حتى لو كان نظاما تابعاً لإسرائيل او خاضعاً لها او حليفاً لها.
يُفهم مما سبق أن عملية رفع العقوبات عن سوريا ستكون لصالح وكرمال عيون الاسرائيليين وليس أُعين السوريين .وهذا ما يفترض بجميع السوريين والعرب ان يعرفوه ويعرفوا أن دولاُ وشعوباُ كثيرة فرضت وماتزال تفرض عليها أمريكا عقوبات مشددة أكثر من سوريا لكنها لم تستسلم ولم تُفرط بحقوقها ، ما يجعل من اعتبار الفرح لمجرد موافقة الرئيس لأمريكي برفع العقوبات عن سوريا والفرح لاستقباله رئيسهم الجديد بعد ان أكد انه لن يحارب او يعادي أحدا من جيرانه وبالتحديد إسرائيل .وأن ثمة ما يجعل منها صديقة وحليفة في مواجهة آخرين جريمة يفترض ان يُعاقب كل من يتلفظ بها او يسكت عليها .
ان تقبل التطبيع والصلح مع اسرائيل الآن ـ من قبل بعض السوريين ـ في هذه الظروف الصعبة والسكوت عليه سوف يكون مستقبلا مدعاة للحزن وسيجعل غالبية السوريين يندمون بعد فوات الأوان .
#فتحي_علي_رشيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟