أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد كوره جي - لماذا لم تحقق الولايات المتحدة أهدافها في أوكرانيا؟















المزيد.....

لماذا لم تحقق الولايات المتحدة أهدافها في أوكرانيا؟


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8361 - 2025 / 6 / 2 - 03:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



تواجه الولايات المتحدة الأمريكية صعوبات جمة في تحقيق أهدافها بأوكرانيا، وهذا ليس بسبب عامل واحد، بل هو نتاج تداخل معقد من الظروف الجيوسياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والداخلية. يأتي الدعم الأمريكي لأوكرانيا في سياق مواجهة مباشرة مع روسيا، وهي قوة نووية كبرى، مما يضع حدودًا واضحة على طبيعة وحجم المساعدات المقدمة، تحسبًا لأي تصعيد قد يحمل مخاطر جسيمة.

على الرغم من تدفق الأسلحة والمساعدات المالية، ظهرت مشاكل في التنسيق والتدريب واللوجستيات. فقد استغرق الجيش الأوكراني وقتًا طويلاً للتكيف مع التقنيات الغربية المتطورة، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على كفاءة العمليات العسكرية. داخليًا، أثرت قضايا الفساد المستشري وضعف البنية المؤسسية الحكومية في أوكرانيا على قدرتها على الاستفادة الكاملة من الدعم الخارجي وتوحيد صفوفها الوطنية في مواجهة التحديات.

من جهة أخرى، غيرت القوة العسكرية الروسية وتدخلاتها المباشرة، بالإضافة إلى دعمها المستمر للقوات الانفصالية، موازين القوى بشكل كبير، مما جعل تحقيق النصر العسكري لأوكرانيا مهمة شديدة التعقيد. كما أن تردد بعض الدول الغربية في تصعيد الموقف ضد روسيا قلل من حجم الدعم المقدم، الأمر الذي خلق توازنًا دقيقًا بين مساعدة أوكرانيا وتجنب مواجهة شاملة مع موسكو.

على الصعيد العالمي، أدت الأزمات الاقتصادية وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء إلى إضعاف قدرة الولايات المتحدة وشركائها الغربيين على الاستمرار في تقديم الدعم المكثف لأوكرانيا لفترات طويلة، ما دفع إلى إعادة تقييم شاملة للاستراتيجيات.

إن الحديث عن "فشل" الولايات المتحدة في أوكرانيا يعكس تعقيد المشهد أكثر من كونه هزيمة عسكرية تقليدية. هو نتيجة لظروف دولية وداخلية متشابكة تجعل الوصول إلى الأهداف بالكامل أمرًا مكلفًا ومحفوفًا بالمخاطر. فالصراع هنا لا يقتصر فقط على القوة العسكرية المباشرة، بل هو مزيج معقد من التحديات المتشعبة.

تُتهم التغطية الإعلامية الغربية بالمبالغة في تصوير الوضع في أوكرانيا، حيث أن الواقع على الأرض يبدو أكثر تعقيدًا وأقل إيجابية بالنسبة لكييف وحلفائها. فقد تمكنت روسيا من فرض سيطرتها على مساحات واسعة في الشرق والجنوب الأوكراني، بما في ذلك ضم أربع مقاطعات بشكل غير قانوني (دونيتسك، لوهانسك، زاباروجيا، وخيرسون)، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضمتها منذ عام 2014. وعلى الرغم من المكاسب التي حققتها القوات الأوكرانية في أواخر عام 2022 (مثل تحرير خيرسون وجزء من خاركيف)، إلا أن روسيا لا تزال تحكم سيطرتها على مناطق شاسعة وتواصل تحقيق تقدم بطيء في بعض المناطق، خاصة في الشرق.

تتعرض التغطية الإعلامية الغربية لانتقادات متزايدة لتركيزها المكثف على الرواية الأوكرانية وتجاهل التحديات التي تواجه كييف. فكثير من التصريحات حول "استنزاف" روسيا لمواردها أو "انهيارها الوشيك" لم تكن دقيقة على المدى الطويل. كما أن تصوير الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كـ "بطل عالمي" وتسليط الضوء الكبير على خطابه كان جزءًا من استراتيجية لتحفيز الدعم الدولي لأوكرانيا.

على الرغم من التدفق المستمر للأسلحة والمساعدات المالية إلى أوكرانيا، فإن هذا الدعم لم يثمر عن "انتصار ساحق" أو تحرير كافة الأراضي المحتلة. ويعد الهجوم المضاد الأوكراني في عام 2023 مثالًا واضحًا على ذلك. فقد كان هذا الهجوم، الذي رُوج له بشدة من قبل زيلينسكي وحلفائه الغربيين على أنه سيكون نقطة تحول كبرى في الحرب، أقل بكثير مما كان متوقعًا. إذ اصطدمت القوات الأوكرانية بدفاعات روسية متينة، وحقول ألغام واسعة، وغياب التفوق الجوي، مما أدى إلى تحقيق مكاسب محدودة للغاية وبثمن بشري باهظ. هذا الواقع أثار تساؤلات جدية حول مدى فعالية الدعم الغربي وخطة الحرب الأوكرانية.

التفاؤل المفرط الذي ساد في البداية بدأ يتلاشى مع مرور الوقت، حيث أظهرت الحرب أنها أطول وأكثر تعقيدًا من التقديرات الأولية. روسيا، رغم الضغوط المفروضة عليها، لا تزال قادرة على تحقيق أهدافها أو على الأقل الحفاظ على ما تم تحقيقه من مكاسب ميدانية. ومن هنا، يظهر أن الحرب في أوكرانيا ليست مجرد صراع عسكري بقدر ما هي معركة إعلامية وروايات وتوقعات. ومع الدعم الكبير الذي تلقته كييف، فإن تحقيق نصر حاسم وطرد كافة القوات الروسية يبدو بعيد المنال حاليًا. هذا الواقع يدعم فكرة أن روسيا نجحت فعليًا في إحراز تقدم استراتيجي عبر السيطرة على مناطق رئيسية في الشرق والجنوب الأوكراني.

تشكل التداعيات طويلة الأمد للوضع المعقد في أوكرانيا تأثيرات عميقة ومتعددة على الأمن الأوروبي والعلاقات الدولية، إذ تسهم بشكل جذري في إعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي الذي ساد لعقود.
بعد فترة طويلة من التركيز على القضايا الاقتصادية والتنموية، عادت القضايا الأمنية العسكرية لتتصدر أولويات الدول الأوروبية، ما ينعكس في زيادة ملحوظة في الإنفاق الدفاعي، وتطوير الجيوش، وإعادة النظر في الاستراتيجيات الدفاعية. كما أن الحرب أسفرت عن تنشيط دور حلف الناتو وتعزيز وحدته، مع تصاعد النظرة إلى روسيا كتهديد وجودي ومباشر. انضمام كل من فنلندا والسويد إلى الحلف غيّر ديناميكيات الأمن شمال أوروبا وزاد من الحدود المشتركة بين الناتو وروسيا.

الدول المجاورة لروسيا وأوكرانيا كبولندا ودول البلطيق ستشهد تصعيدًا عسكريًا واضحًا عبر تعزيز التواجد العسكري ونشر القوات والعتاد، مما يحوّل هذه المناطق إلى نقاط تماس ساخنة. كما أن تخلي دول ظلت تاريخيًا محايدة مثل فنلندا والسويد عن سياسات الحياد يعكس تحولًا جذريًا في العقيدة الأمنية الأوروبية، حيث أصبحت السياسة الحيادية تُعتبر خيارًا غير عملي في ظل التهديدات الحالية.

الحرب دفعت الاتحاد الأوروبي لإعادة التفكير بجدية في بناء قوة دفاعية ذاتية تقلل الاعتماد على الولايات المتحدة، خاصة مع الشكوك حول مدى التزام واشنطن بالملف الأوروبي مستقبلاً. غير أن تحقيق هذه الاستقلالية سيتطلب استثمارات ضخمة ووقتًا طويلًا لترجمتها إلى واقع.

فيما يخص الطاقة، فإن جهود أوروبا لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي والتوجه نحو مصادر بديلة يظل تحديًا كبيرًا لما يصاحبه من تأثيرات اقتصادية وجيوسياسية تمتد إلى ارتفاع التكاليف وقيود الخيارات.

ازدادت حدة الاستقطاب بين "الغرب" المتحالف مع الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى. هذا الانقسام يعقد التعاون في القضايا العالمية الكبرى كالتغير المناخي ومكافحة الأوبئة، مما يزيد من تعقيد العلاقات الدبلوماسية. إلى جانب ذلك، أثار ضم روسيا لأراضي أوكرانية بالقوة تساؤلات كبيرة حول مصداقية القانون الدولي في التصدي للعدوان وحماية سيادة الدول، وهو ما قد يشجع دولًا أخرى على انتهاك القواعد القائمة.

تعمل روسيا والصين، إلى جانب دول من الجنوب العالمي، على تعزيز تكتلات بديلة مثل مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون وذلك بهدف الاتجاه نحو نظام عالمي أكثر تعددية وأقل هيمنة للغرب. وفي خضم هذا التحول، أصبحت دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ذات أهمية متنامية مع محاولة القوى الكبرى كسب دعمها أو على الأقل ضمان حيادها. هذه الدول أظهرت مؤخرًا قدرًا أكبر من الاستقلالية في اتخاذ مواقفها السياسية بعيدًا عن الانحياز الكامل لأي طرف.

من المتوقع أن يشهد العالم خلال السنوات المقبلة سباق تسلح يمتد ليشمل ليس فقط الأسلحة التقليدية وإنما التقنيات العسكرية الحديثة مثل الأسلحة السيبرانية وأنظمة الذكاء الاصطناعي. أما على الصعيد الاقتصادي، فإن تأثيرات الحرب، كالارتفاع الحاد في أسعار الطاقة والغذاء واضطراب سلاسل الإمداد، ستفرض ضغوطًا متزايدة على الاقتصادات العالمية مع تعزيز التضخم وإبطاء النمو.

سيبقى مستقبل أوكرانيا هو المحور الأساسي لهذه الأزمة. استمرار السيطرة الروسية على أجزاء كبيرة من أراضيها قد يؤدي إلى صراع مجمد طويل الأمد مع احتمالية تجدد المواجهات في أي لحظة، مما يهدد استقرار المنطقة بصورة أشمل.

الحرب في أوكرانيا أحدثت إعادة تشكيل جوهرية للأمن الأوروبي والعلاقات الدولية. عادت عقلية المنافسة بين القوى الكبرى لتسيطر، وزادت حدة العسكرة وتآكلت الثقة بالنظام الدولي القائم، مما يطرح تحديات جديدة ستبرز تأثيراتها خلال العقود المقبلة.



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق: تحديات الرأسمالية العالمية و ...
- ألف ليلة وليلة: نافذة الشرق الساحرة على الخيال الغربي
- دمية أحمد: قصة أمل وحب متجدد
- فارس الروح
- الخليج الفارسي أم العربي، ليست تلك هي المسألة
- التنين الصيني قد يغمض لكن لا ينام
- عبقرية تشيخوف في قدرته الفذة على استكشاف أبعاد النفس البشرية
- الرأسمالية وتطبيع الاستغلال والكوارث الإنسانية
- علاقة الفكر والعمل
- الاستبداد الناعم
- العواقب الوخيمة لمقولة -كيفما تكونوا، يولّى عليكم-
- الساموراي الأخير عربيّا
- التسريبات لا تصدم أحدا قرأ التاريخ
- لم تكن لدى ماركس وصفات الطبخ للمستقبل
- قراءة رواية -الأمّ- في العصر الرقمي
- الحاكم الإله والقانون الإلهي في الشرق
- أسباب التوهم بقوة جيوش الأنظمة الديكتاتورية
- صناعة الاستشهاد
- ديالكتيك الدين ورأس المال
- ابتسامة منكسرة


المزيد.....




- هل انتهى «العد التنازلي لزوال إسرائيل»؟ فرانس24 تتحق
- الناتو يرسم مستقبل الامن الجماعي في لاهاي
- ويتكوف يأمل باتفاق سلام مع إيران وماكرون يدعوها للتعاون مع و ...
- إيران تعيد فتح مجالها الجوي جزئيا بعد وقف إطلاق النار مع إسر ...
- -أمريكا ستنقذه-.. ترامب مدافعًا عن نتنياهو وسط محاكمته بتهمة ...
- مقتل عدة أشخاص خلال هجمات للمستوطنين الإسرائيليين بالضفة الغ ...
- خبراء: عملية خان يونس أكبر مقتلة للإسرائيليين هذا العام وأقس ...
- إنفوغراف: قتلى وجرحى الاحتلال الذين سقطوا في غزة خلال يونيو ...
- وزراء إسرائيليون يقرون بالفشل في غزة ومسؤولون بالائتلاف يدعو ...
- ترامب: أميركا أنقذت إسرائيل والآن ستنقذ نتنياهو من المحاكمة ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد كوره جي - لماذا لم تحقق الولايات المتحدة أهدافها في أوكرانيا؟