سمير خطيب
الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 20:05
المحور:
الادب والفن
أشاهد من بعيدْ، أتألم كل يوم من جديدْ، وأيوب أراه في غزة صامدًا لا يحيدْ .
آه يا أيوب!!!
✍️أيّوبُ القرنِ الواحدِ والعشرين
في الصحراءِ وحدهُ،
على الرمال كان يجلسُ،
يُحصي نَفَسَه كي لا يضيعَ منه صوتُ الرجاء،
يُعدُّ ما بقي من الأيامِ
كما تُعدُّ الأمُّ بكاء وضحكاتِ طفلها قبل النوم .
هذا هو أيّوبُ،
ذاكَ الذي جُرِّدَ من كلِّ شيء
إلا من إيمانه.
الريحُ هجّرت مراعِيَه،
والدودُ قَرَصَ جسدَه،
والأصدقاءُ قالوا:
"هذا بلاءٌ من ربك،
تُبْ، تُبْ!"
لكنه لم يتزحزح.
ظلَّ يقول:
"ربي أعلم،
ربي أحنّ،
ربي لا يُضيّع قلباً ساجداً في الليلِ وحده."
أيوب تعذب، أيوب عاش، أيوب مات.
---
أيّوبَ عاد!!!
عاد إلينا في القرنِ العشرين،
عبر خيامِ اللجوءِ في الدهيشة ونهر البارد .
كان يلبسُ الكوفيّة،
ويحملُ المفتاحَ صدئاً على صدره،
ويقول:
"بيتي هناك…
في طبريا…
في الطنطوره…
في مجدل عسقلان."
عاد أيّوبُ،
بجراحٍ من نكبةٍ لا تندمل،
وبصبرٍ لا يشبه إلا المدى،
قال له الناسُ:
"ربما تكون أنت الاختبار،
وربما نحن سَطْرٌ في كتاب الصبرِ،
ننتظر أن يُمحى."
---
أيّوبُ أصبح لاجئا، أيوب مات، ولم يمتْ.
أيوب دخل القرنَ الواحد والعشرين
محاطًا بأزيز الطائرات،
ومُدرّجاتٍ تلتهم الأجسادَ كما تلتهم النارُ حقلاً من القمح،
قال:
"ما زلتُ هنا…
في خانيونس،
في جباليا،
في رفح،
أجمعُ شتاتَ الأجسادِ الصغيرة،
وأبني بها جدرانَ قلبي،
كي لا أنسى."
---
أيّوبُ القرنِ الجديد
ليس نبيًا من كتبٍ قديمة،
بل شعبٌ
يأكلُ خبزًا مخلوطًا بالغبار،
ويحملُ الموتَ في جيبِه
كما يحملُ التلميذ دفتراً ممزقًا للغد.
يتساءل:
"أما آنَ للربِّ أن يكتفي؟
أن يُعيدَ لي قريتي لا الجنة؟
أن يغسلَ عن جسدي رائحةَ الفوسفور،
لا الذنوب؟
أأظلُّ حقلاً لتجربةِ الأسلحةِ
والصمتِ
والعالمِ المتفرج؟"
---
ويهمسُ أيّوبُ لنفسه، فلا أحد يسمعه:
"أيعقلُ أن أكون بروميثيوس العصر،
يُسَلخُ كبدُهُ كلَّ صباح،
ويُقال له: اصبر، فالفجر قريب؟
لكن أيّ فجرٍ يأتي بلا ضياء؟
وأيّ شمسٍ هذه التي تأكلنا وتحرقنا بدل أن تُنير؟"
---
أيّوبُ ليس رجلًا واحدًا،
بل ملايينٌ تصلي
ولا يأتي الملَكُ ليقول: "قَد سُمع دُعاؤك".
أيّوبُ شعبٌ يُختبرُ كلَّ صباحٍ
ثم يُتركُ معلّقًا بين السماءِ والأرض،
لا صاعدًا،
ولا ساقطًا،
فقط… ينتظرُ.
---
فإلى متى، يا ربُّ،
يبقى أيّوبُ في طابورِ التجربة؟
إلى متى،
يُغمسُ جسده في حممِ القهرِ
ويُقال له: اصبر؟
-----
لقد صبرَ حتى تشققتِ الصخراتُ من دمعه،
وصبرَ حتى الريحُ خجلتْ من صبره على الريح ،
أما آنَ…
أن تُعيدَ له اسمه؟
أن تقول له:
أيّوبُ، قُمْ…
فقد آنَ للعدلِ أن يعود،
وللبلاءِ أن يُنسى؟
سمير الخطيب - أفكار وخواطر
#سمير_خطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟