محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 08:46
المحور:
القضية الفلسطينية
قصدتُ غزّة، كما قصد مظفّر النواب المسجد الأمويّ ذات وجع، أبحث عن نخوةٍ عربيّة دفنتها الأنقاض، عن عيونٍ لا تنام إلّا على وجعٍ كوجع الحسين. دخلتُ بين الأزقّة الضيّقة، فرأيت الوجوه المرهقة كأنّها خرجت لتوّها من كربلاء. الأطفال بلا مدافن، والنّساء يندبنَ على رمادٍ لا يشتعل، بل يندثر.
تلفّتُّ كما تلفّت مظفّر النواب في دمشق. لعلّي أرى "يزيداً" ندم يوماً على ما اقترفت يداه. لكنّي لم أجد سوى بقايا العجز، بقايا الخذلان، وجيوشٍ تُقيم مهرجانات، بينما تُقصف غزّة. يزيد في زماننا ليس فرداً، بل أنظمةٌ تواطأت، صمتت، واستراحت فوق جماجم الأطفال. في حلب كان جيش الروم، أمّا في غزّة فالصواريخ تنهال، والعالم يعدّ الضحايا أرقاماً بلا أسماء.
وجدته ثمِلاً... كما وجده مظفّر النواب، ولكنّ هذه المرّة، كان الثّمل عربيّاً. ثملاً بالبترول، بالصفقات، وبمقاعد الأمم المتحدة التي لا تحفظ دماً، ولا ترفع جراحاً.
وفي غفلة التاريخ، بات القتيل مذنباً، والمحتلّ "يدافع عن نفسه".
غزّة اليوم ليست وهماً. هي جسد الحسين وقد أُعيد صلبه. هي زينب في خيمتها الممزّقة، تصرخ في العراء ولا أحد يصغي. هي رقيّة تبحث عن أبيها في دخان الطائرات. غزّة ليست مدينة؛ إنّها امتحاننا الذي نفشل فيه كلّ يوم.
قال مظفّر النوّاب في لحظة غضب: "لم أعثر على أحد من العرب"، ونحن اليوم نردّدها بصوت الجثث: لم نعثر على أحد... لا في القاهرة، ولا في الرياض، ولا في الجامعة العربيّة التي نسيت حروفها.
أيّها العرب، هنا تُذبح غزّة كلّ فجر، وتُكفَّن على شاشات الهواتف، دون أن تجد من يذرف عليها دمعةً حقيقيّة.
غزّة... يا وريث الحسين في هذا الزمان، يا مرآة كربلاء الجديدة، لا نملك لكِ سوى البكاء... والبكاء صار قليلاً.
فيا غزّة، إنّهم لن يأتوا. لا صلاح فيهم، ولا نصرَ في جعبتهم. باعوكِ في أسواق العار، وقايضوا دماء أطفالكِ بصمتٍ دوليٍّ ومصالح رخوة. ستبقين وحدكِ تقاتلين، كما قاتل الحسين بلا نصير، بلا جيش، سوى الله والدم.
وإن متِّ، فاعلمي أنّ موتكِ شهادة، وأنّنا نحن الأموات حقّاً... منذ زمنٍ طويل.
هذا المقال نصٌّ تخييليٌّ تعبيريّ، لا يُمثّل واقعةً محدّدة، بل يستحضر رموزاً ومعاني من التاريخ والواقع للتعبير عن وجعٍ معاصر.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟