رحيم حمادي غضبان
(Raheem Hamadey Ghadban)
الحوار المتمدن-العدد: 8349 - 2025 / 5 / 21 - 00:28
المحور:
قضايا ثقافية
في عالمٍ تتسارع فيه الأحداث وتتبدل فيه القيم، تبرز تساؤلات مؤلمة: هل بقي للعهد حرمة؟ وهل للوعد وزن يُحاسَب عليه الإنسان؟ أم أننا بتنا نعيش زمنًا تلاشت فيه الحدود بين الصدق والخداع، واختلطت فيه الشريعة بالعادات، وغرقت القيم في طوفان الفتاوى والقوانين الوضعية؟
في ميزان الشريعة: الوفاء واجبٌ لا خيار
جعل الإسلام الوفاء بالعهد والوعد من ركائز الأخلاق النبيلة، بل ومن علامات الإيمان الحقيقي. قال تعالى:
"وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا" (الإسراء: 34).
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم إخلاف الوعد بأنه من خصال المنافق، فقال: "إذا وعد أخلف".
فالوفاء ليس فقط مسؤولية شرعية، بل تعبير عن صدق النية، واستقامة القلب، واحترام الآخر.
العادات والتقاليد: الكلمة عقد، والرجولة موقف
في المجتمعات العربية التقليدية، لم يكن الناس يحتاجون عقودًا موثقة أو شهودًا. كانت الكلمة وحدها عهدًا، يُحفظ في القلوب قبل الأوراق.
من يخلف وعده يُنبذ، ومن يفي يُمدح وتُضرب به الأمثال. الوفاء كان من سمات "أولاد الأصول"، والعهد يُربط بالكرامة والشرف.
واقعنا المعاصر: القيم بين التآكل والتحايل
اليوم، تغير كل شيء.
أصبح الوعد مجرد كلمة تُقال وتُنسى، والعهد يُنقض ما دامت المصلحة تقتضي ذلك. كثير من الناس لا يرون بأسًا في الكذب أو الغش طالما أن "النظام لا يعرف" أو "القانون لا يُجرّم".
ومع وفرة الفتاوى التي تُفسَّر على الأهواء، وتزاحم الشريعة بالقوانين الوضعية، ضاعت البوصلة الأخلاقية.
لم يعد الناس يسألون: "هل هذا حلال؟" بل: "هل يُحاسَب عليه القانون؟"
القانون والأخلاق: فجوة لا تُسد بالأوراق
رغم محاولات القوانين الوضعية لتنظيم العقود والاتفاقات، تبقى عاجزة عن تقنين كل العلاقات الإنسانية.
القانون لا يُجبر شخصًا على الوفاء بوعدٍ أخلاقي، ولا يُعاقب من يخلف وعدًا اجتماعيًا.
القيم لا تُفرض، بل تُغرس في النفوس، وتُمارس في البيوت، وتُعلم في المدارس.
الوفاء: قيمة لا تموت… لكنها تُحتضر
الوفاء بالعهد والوعد ليس مثالية حالمة، بل ضرورة لإنقاذ ما تبقى من الثقة والكرامة في مجتمعاتنا.
لا صلاح لأمة يخون فيها الإنسان كلمته، ولا نهضة لمجتمع بلا أمانة أو مصداقية.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل نستطيع أن نعيد لوعودنا هيبتها؟ أم سنكتفي بتعليم أطفالنا أن "الوفاء بالأمانة" من دروس القراءة فقط؟
#رحيم_حمادي_غضبان_العمري (هاشتاغ)
Raheem_Hamadey_Ghadban#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟